تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في زاهدان، في خطبته يوم الجمعة (9 محرم 1437)، بعد تلاوة آية «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»، إلى أهمية ومكانة القلب في الجسد.
وقال فضيلته: يوجد في أجسادنا مركز يتحكم في الجسم كله، إذا صلح هذا المركز صلح الجسد وسائر الأعضاء كله، لكن إذا فسد، يفسد سائر الأعضاء. لقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”. يجب علينا أن نبحث عن وضعها، ونزكيها ونحليها بالمكارم الأخلاقية. إذا اهتدى القلب واستقر الإيمان فيه، يكون الإنسان مؤمنا ومطيعا لله تعالى.
وأضاف قائلا: نحن نحلي ظواهرنا. نستحم ونرتدي الملابس الجيدة ونستعمل المنازل والمراكب والملابس الجيدة، والنسوة يستعملن أفضل أنواع المجوهرات ويزين بها أنفسهن، لكن النقطة الهامة هي تجميل القلب وتحليته.
وأكد فضيلته على ضرورة الاجتناب من المتشابهات ومقدمات المعاصي، قائلا: علمنا الإسلام أن المعاصي كلها مضرة يجب الاجتناب منها. يجب الاجتناب من المكروه والمحرم والمتشابه بالحرام لئلا نبتلى بالفساد. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا من المشتبهات لئلا نقع في الحرام والمحارم، لأن الذي يقترب من المحرمات يخشى وقوعه فيها. لأجل هذا يقول الله تعالى: “لا تقربوا الزنا” و”لا تقربوا مال اليتيم”.
واعتبر مدير جامعة دار العلوم زاهدان “الإخلاص” الركن الأساسي لجميع الأعمال، قائلا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”. إن الله تعالى ينظر هل يوجد في القلب الإخلاص أم يعمل الإنسان الأعمال لأجل المنافع والمصالح؟ الإخلاص ضروري في فعل العبادات كلها. نقل الإمام البخاري رحمه الله في كتابه أول حديث حول الإخلاص. كل شيء حتى بدء الإيمان وتعلم الدين، ينبغي أن يكون بالإخلاص، لأن الله تعالى ينظر إلى النيات.
وأكد خطيب أهل السنة على ضرورة إصلاح القلب، قائلا: القلب أهم مركز في جسد الإنسان، وهو محور العبادات الأساسية كلها، إذا صلح القلب تصلح الأعمال الأخرى.
وأضاف فضيلته: العمى الحقيقي هو عمى القلوب، وليس عمى الأبصار، إذا ضعفت الأبصار في عصرنا يعالجونها. هكذا لابد من مداواة القلوب. القلب يصدأ ويتلوث، فلابد من تطهيره، وإلا فيطبع عليه، ويموت.
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد “غفلة القلوب وخلوها من محبة الله” العامل الأساسي للمفاسد الرائجة في المجتمع، قائلا: ترون أشخاصا في المجتمع أنهم مبتلون بمفاسد كالاختلاس، والرشوة، واستعمال الخمور، وغيرها. العلة الأساسية لجميع هذه المفاسد أن قلوب هؤلاء في غفلة وخالية عن محبة الله وصفاتها، فلا تميز الخير عن الشر. لقد أفسدت النفس والشيطان قلوب هؤلاء.
ونصح فضيلته في النهاية الجميع بالإكثار من ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستغفار والاجتناب من المعاصي والذنوب، قائلا: الإكثار من الصلاة على رسول الله من علامات المحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. القلب الخالي عن المحبة قلب ميت. حياة القلوب ومماتها في محبة الله ورسوله.
رسالة قيام الحسين ترجيح موت العزة على حياة الذل:
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في قسم آخر من خطبة الجمعة إلى قيام الحسين قائلا: سيدنا الحسن والحسين رضي الله عنهما إبنا علي وفاطمة وحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان رسول الله يحب الحسنين حبا شديدا.
وأضاف فضيلته قائلا: اعتنق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن، وقال: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين. كذلك فعل سيدنا الحسن رضي الله عنه حيث فوض شؤون المسلمين إلى معاوية رضي الله عنه، وهكذا تمت المصالحة بين فئتين عظيمتين من المسلمين.
وتابع خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب الحسن والحسين رضي الله عنهما. كانا يشبهان في سيرتهما وتعاملهما وأخلاقهما سيدنا علي رضي الله عنه؛ كانا يتمتعان بتلك الشجاعة والسخاء والأخلاق التي كان يتمتع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدنا علي وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما.
وأشار مدير جامعة دار العلوم زاهدان إلى حادثة كربلاء قائلا: عندما وصل تولي ولاية الأمة من لم يكن أهلا له، شعر سيدنا الحسين رضي الله عنه أن هذا الوضع لو استمر ستهدر الدماء التي بذلها الصحابة في بدر وأحد، ويتعرض الدين والديانة للخطر، فقام رضي الله عنه لأجل صيانة الدين.
وأضاف فضيلته قائلا: لما وصل سيدنا الحسين إلى صحراء كربلاء، أحس أن أهل الكوفة الذين وعدوه، قتلوا مبعوثه “مسلم” وغدروا به لأجل منافع الدنيا، ويريدون قتله، فطلب منهم أن يأذنوا له بالعودة أو الذهاب إلى يزيد والكلام معه، لكنهم لم يقبلوا أيا من هذه المطالب، بل طلبوا منه الاستسلام مع أصحابه. الحسين رضي الله عنه رفض الاستسلام ورجح الموت على حياة الذل، واستشهد.
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: سيدنا الحسين رضي الله عنه لم يتحمل الذل، ورجح موت العز على حياة الذل. علّم سيدنا الحسين الأمة درس ترجيح العزة على حياة الذل والهوان، واختار الاستشهاد لنفسه ولأهله وأصحابه.
واستطرد خطيب أهل السنة قائلا: جيش يزيد ارتكب جرائم بحق الحسين وأصحابه، لكن الذين قتلوا الحسين لأجل المنافع العاجلة، ابتلوا بالذل والهوان، ولم يصلوا إلى أهدافهم أبدا. مات يزيد في سن مبكرة؛ وهذه من سنة الله تعالى أن الذين يرتكبون جرائم للوصول إلى القدرة والمظاهر المادية، لن يصلوا إليها.
وتابع فضيلته قائلا: اليوم أيضا كثير من الناس يحملون رسالة الحسين، وآخرون يتبعون سيرة قتلته في كربلاء حيث يريقون الدماء، ويضيعون العدل، ويقتلون أولياء الله والصالحين.
وتابع: الأتباع الحقييقون للحسين من كانوا على سيرة رسول الله والصحابة وأهل البيت.
وأضاف مدير جامعة دارالعلوم زاهدان قائلا: أن ننسب أنفسنا إلى الأكابر ونقول هذا علوي وذاك عمري، وفلان عثماني، وفلان حسيني، لن يغني شيئا، بل لابد من العمل والتأسي بأولئك الكبار، ونتقي الله في حياتنا. أقرب الناس إلى الصحابة وأهل البيت هم الذين يتبعون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال خطيب أهل السنة في نهاية خطبته: لا ينبغي تذكرة كبار الصحابة وأهل البيت في مواليدهم أو وفياتهم، بل ينبغي ذكرهم عبر السنة. كما أن الصحابة وأهل البيت كان بعضهم أولياء بعض متحابين بينهم، يجب أن نكون نحن أيضا.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد أيضا إلى الخسائرالتي تركتها السيول الأخيرة في ضاحية مدينة زاهدان ومناطق من قرية “تالاب”، وطالب الجميع أن يوصلوا تبرعاتهم النقدية وغير النقدية إلى مؤسسة محسنين الخيرية لتوصلها إلى العوائل المتضررة.
تعليقات