اليوم :19 March 2024

“الإمام الترمذي”

“الإمام الترمذي”

Image
يقول الترمذي: كنت في طريق مكة، وكنت قد كتبت جزئين من أحاديث شيخ فمر بنا ذلك الشيخ فسألت عنه، فقالوا: فلان، فرحت إليه وأن اظن أن الجزئين معي وإنما حملت معي في محملي جزئين غيرهما شبههما، فلما ظفرت، سألته السماع فأجاب وأخذ يقرأ من حفظه ثم لمح فرأی البياض في يدي فقال: ما تستحيي مني؟ فقصصت عليه القصة وقلت له اني أحفظه كله، فقال: اقرأ، فقرأته عليه علی الولاء، فقال: هل استظهرت قبل ان تجيء إلي؟ قلت: لا، ثم قلت له: حدثني بغيره، فقرأ علي أربعين حديثاً ‌من غرائب حديثه ثم قال: هات فقرأت عليه من أوله إلی آخره، فقال: ما رأيت مثلك.
قلت: هذه الحكاية وقول عمر بن علك عن الترمذي، يرد علی من زعم انه ولد اكمه، والله تعالی أعلم.

 

 

*****************************************

"الإمام الترمذي"

*السيد عبدالحميد جمعة

الحمد لله الذی يمنح العلم لمن يشاء من عباده.
نستأنف ترجمة أئمة الحديث في سلسة عباقرة فارس بعد وقفة ونبدأ بترجمة أحد أئمة الدنيا، الإمام أبو عيسی الترمذي الحافظ، العالم، الإمام، البارع، مصنف "الجامع" الكتاب الحديثي المشهور.

نبذة عن مسقط رأسه: (الترمذ) 
الترمذي نسبة إلی "ترمذ" أحد مدن خراسان القديم، وترمذ مدينة مشهورة من أمهات المدن تقع علی نهر جيحون من جانبه الشرقي؛ وقديماً ‌كان لها سور وكانت أسواقها مفروشة بالآجر ولهم شرب يجري من الصغانيان لأن جيحون يستقل عن شرب قراهم.
وقال نهار بن توسعه يذم قتيبة بن مسلم الباهلي ويرثي يزيد بن المهلب:
كانت خراسان أرضاً‌ إذ يزيد بها          وكل باب من الخيرات مفتوح
فاستبدلت قتبا جعدا أنامله              كأنما وجهه بالخل منضوح
هبت شمالاً‌ خريفاً‌ أسقطت ورقاً‌            واصفر بالقاع بعد الخضرة الشيح
فارحل هديت ولاتجعل غنيمتنا             ثلجا تصفقه بالترمذ الريح
إن الشتاء عدو لانقابله                  فارحل هديت وثوب الدفء مطروح

نهر جيحون:
يسمی باليونانية "أوكسوس" oxus ، ينبع من هضبة "بامير" بآسيا الوسطی، ويصب في بحر "آرال" aral، وقد دعاه العرب بنهر جيحون، ثم بطل استعمال هذه التسمية في العصر المغولي فأضحی يسمی نهر "آموداريا" amoudaria  وكلمة "أمو" تعني النهر فيكون اسمه نهر داريا. وهو اليوم من أنهار آسيا السوفيتية.

مولده:
ولد سنة عشر ومأتين (210) من الهجرة، وتعلم في بلده خراسان ثم ارتحل إلی العراق والحرمين ولم يرحل إلی مصر والشام. كان ذكياً، سريع الحفظ، يضرب به المثل في الحفظ.
قيل: ولد أعمی، والصحيح أنه أضر في كبره بعد رحلته  وكتابته العلم. ونأتي بالشواهد والأدلة القوية علی إثبات ذلك إن شاء الله ضمن ترجمة حياته.

شيوخه:
حدث عن قتيبة بن سعيد وأبا مصعب الزهري وإبراهيم بن عبدالله الهروي وصالح بن عبدالله الترمذي وحميد بن مسعدة وسويد بن نصر المروزي وعلي بن حجر السعدي ومحمد بن حميد الرازي ومحمد بن عبدالعزيز بن أبي رزمة ومحمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب وأبا كريب محمد بن العلاء ومحمد بن أبي مشعر السندي ومحمود بن غيلان وهناد بن السري وأبي عبدالله البخاري ، وروی عن غيرهم.

تلاميذه:
روی عنه حماد بن شاكر ومكحول بن فضل وأحمد بن يوسف النسفي ومحمد بن مكي بن نوح وآخرون، وقد كتب عنه شيخه أبو عبدالله البخاري، فقال الترمذي في حديث عطية، عن أبي سعيد، «يا علي! لايحل أن يجنب في المسجد غيري وغيرك». ( هو في السنن الترمذي 3727 من طريق علي بن المنذر، حدثنا محمد بن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن عطية، عن أبي سعيد … قال علي بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنی هذا الحديث؟ قال: لايحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك.
وعطية وهو ابن سعد العوفي ضعيف، ومع ذلك فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لانعرفه إلا من هذا الوجه، قال النووي: حسنه الترمذي بشواهده، وقال ابن حجر في "أجوبة المشكاة" 3/316: ورد لحديث أبي سعيد شاهد نحوه من حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه البزار من رواية خارجة بن سعد، عن أبيه، ورواته ثقات، وانظر "الفتح" 7/1. سير أعلام النبلاء ج 13/ ص 273 ) سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث.

ثناء العلماء عليه:
ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر.
وقال الخليلي: ثقة متفق عليه.
وقال الإدريسي: كان الترمذي أحد الأئمة الذين يقتدی بهم في علم الحديث، صنف الجامع والتواريخ والعلل تصنيف رجل عالم متقن، كان يضرب به المثل في الحفظ.
قال الترمذي: قال لي محمد بن إسماعيل (البخاري): ما انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي.
قال الحاكم: سمعت عمر بن علك يقول: مات البخاري، فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسی، في العلم والحفظ والورع والزهد، بكی حتی عمي، وبقي ضريرا سنين.
وكان الترمذي محضوضا جدا حيث روی منه الإمام البخاري!
قال الترمذي في حديثه عن علي بن المنذر بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة عن عطية عن أبي سعيد أن النبي صلی الله عليه وسلم قال لعلي: «لايحل لأحد يجتنب في هذا المسجد غيري وغيرك» سمع مني محمد بن اسماعيل يعني البخاري هذا الحديث.

ذكاءه:
يقول الترمذي: كنت في طريق مكة، وكنت قد كتبت جزئين من أحاديث شيخ فمر بنا ذلك الشيخ فسألت عنه، فقالوا: فلان، فرحت إليه وأن اظن أن الجزئين معي وإنما حملت معي في محملي جزئين غيرهما شبههما، فلما ظفرت، سألته السماع فأجاب وأخذ يقرأ من حفظه ثم لمح فرأی البياض في يدي فقال: ما تستحيي مني؟ فقصصت عليه القصة وقلت له اني أحفظه كله، فقال: اقرأ، فقرأته عليه علی الولاء، فقال: هل استظهرت قبل ان تجيء إلي؟ قلت: لا، ثم قلت له: حدثني بغيره، فقرأ علي أربعين حديثاً ‌من غرائب حديثه ثم قال: هات فقرأت عليه من أوله إلی آخره، فقال: ما رأيت مثلك.
قلت: هذه الحكاية وقول عمر بن علك عن الترمذي، يرد علی من زعم انه ولد اكمه، والله تعالی أعلم.

كتبه:
1- الجامع.
2- التواريخ.
3- كتاب العلل وغير ذلك.

النقد علی الترمذي وعلی كتابه «الجامع»:
الإمام الترمذي رحمه الله لاينجو من سهام النقد، قال محمد بن حزم في كتاب الفرائض: محمد بن عيسی بن سورة مجهول.
والعجيب أن محمد بن حزم ذكره في المجاهيل، ولانقول إن محمد بن حزم ما عرف الترمذي ولا اطلع علی حفظه وتصانيفه وقد ذكره العلماء والأئمة بجميل الثناء! وقد معنا آنفاً اعتراف العلماء بفضله وإمامته، كإبن حبان والخليلي والإدريسي والبخاري، فكيف يحكم ابن حزم بهذه القسوة علی إمام جليل مثل الترمذي وهو ثقة متفق عليه!!!
وأما أبو محمد بن حزم فانه نادی علی نفسه بعدم الاطلاع فقال فيه ما قال، والعجب أن الحافظ ابن الفرضي ذكره في كتابه المؤتلف والمختلف ونبه علی قدره فكيف فات ابن حزم الوقوف عليه فيه.
قال منصور الخالدي: قال أبو عيسی: «صنفت هذا الكتاب – يعني المسند الصحيح – فعرضته علی علماء الحجاز والعرق وخراسان فرضوا به ومن كان هذا الكتاب في بيته فكأنما في بيته نبي يتكلم».
وقد انتقد الذهبي هذا القول في كتابه "سير أعلام النبلاء" حيث قال: في "الجامع" علم نافع وفوائد غزيرة ورؤوس المسائل، وهو أحد أصول الإسلام، لولا ما كدره بأحاديث واهية، بعضها موضوع وكثير منها في الفضائل.
وقد حقق العلماء هذا الكتاب قديماً‌ وحديثاً وبينوا أن الترمذي يروي عن الضعاف والمتروكين ويخرج عن سيء الحفظ وعمن غلب علی حديثه الوهم، كمحمد بن الحسن بن أبي يزيد وكثير بن عبدالله بن عمر بن عوف المزني وغيرهما. فلايعتمدون قول الترمذي في التصحيح والتضعيف.
وقد انتقد الذهبي في كتابه "ميزان الإعتدال" تصحيح الترمذي أو تحسينه وبيّن أنه لايعتمد قوله في ذلك إذا انفرد وفي الحديث علة تمنع من القول بصحته.
ولكن هذا النقد لاينقص من جلالته وإمامته في الحديث وفي نقده وحمكه علی الحديث والرجال، لأن الترمذي وان كان يروي عمن غلب عليه الوهم وعن سيء الحفظ لكن يبين ذلك غالبا ولايسكت عنه.
وفي "المنثور" لابن طاهر: سمعت أبا إسماعيل يقول: جامع الترمذي أنفع من كتاب البخاري ومسلم، لانهما لايقف علی الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، و"الجامع" يصل إلی فائدته كل أحد.

وفاته:
قال غنجار وغيره: مات أبو عيسی في ثالث عشر رجب، سنة تسع وسبعين ومئتين بترمذ.
رحمه الله وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء.

المراجع:
معجم البلدان (ج1/ص55) لياقوت الحموي .
موقع الوراق.
ميزان الإعتدال: 4/290.
وفيات الاعيان: 4/278، تهذيب الكمال: خ: 1254 – 1255، تذكرة الحفاظ: 2/633 – 635، ميزان الإعتدال: 3/678، الوافي بالوفيات: 4/294- 296، البداية والنهاية: 11/66 – 67، النجوم الزاهرة: 3/88، طبقات الحفاظ: 278، خلاصة تذهيب الكمال: 355، شذرات الذهب: 2/174 – 639.
كتاب تهذيب التهذيب للإمام الحافظ شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 528 هـ. دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير (ج 2 / ص 404)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

تعليقات

تعليق واحد لـ : ““الإمام الترمذي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات