اعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (15 صفر 1445)، “العدالة والمساواة” من أهم مطالب الشعب الإيراني، كما انتقد فضيلته بشدة غياب “الحريات الدينية” بحق أهل السنة خلال السنوات الأربع والأربعين من عمر الثورة.
أستطيع أن أقول بكل جرأة أن “الأهلية والكفاءة” لم تعتبر في إيران
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: إحدى القضايا التي يُهتف بها هذه الأيام وتهتف بها كافّة القوميات والطوائف هي “العدالة والمساواة”، وقد تحدث رئيس الجمهور مؤخراً (الخميس 14 صفر 1445) في لقاء مع مجموعة من علماء السنة، عن حقوق أهل السنة والحريات التي يتمتع بها أهل السنة، وأرى من الضروري تقديم توضيحات حول هذا الأمر.
وأضاف قائلا: مطلب أهل السنة خلال هذه السنوات الأربع والأربعين كان “العدالة”، بأن تحترم حقوق جميع القوميات والطوائف؛ وهي نفس الحق المصرح بها في الدستور وفي الدين الإسلامي وفي الجمهوريات، وكان ينبغي على بلادنا كنظام “جمهوري” و”إسلامي” أن تحترم هذه الحقوق، لكن للأسف لم يتم احترام هذه الحقوق.
وأضاف: لا وجود لأهل السنة في القوات المسلحة بينما في العهد البهلوي (النظام السابق)، كان أهل السنة يشغلون مناصب في مختلف رتب الجيش وقوات الشرطة والقوات المسلحة، ولم يكن أحد يشعر بالتمييز في تلك الفترة، والعديد من الشيوخ ووجهاء المنطقة جنود متقاعدون من العهد البهلوي حيث كانوا قادة في ذلك الوقت.
لقد مرت 44 سنة على الثورة، لكن لم يكن هناك ولو وزير سني واحد في الحكومة
وأضاف خطيب أهل السنة في زاهدان: لقد مضت أربعة وأربعون سنة على الثورة في إيران، ولم يكن في هذه الفترة وزير سني واحد في الحكومة، بينما هناك أهل الكفاءة والقدرات بين أهل السنة. أستطيع أن أقول بجرأة أن مبدأ الجدارة كان غائبا في نظام الحكم في إيران. بالطبع، لا أقول إنه لم يكن هناك أشخاص جديرون بين الذين تم توظيفهم؛ لقد كان هناك بعض الأشخاص الجديرين، لكن لو عينتم من أهل السنة والنساء في الدولة في الفترات السابقة والحالية، لكان ذلك لمصلحة البلد، ولمصلحة الوحدة والتعاطف، وكان لمصلحتكم، ولارتقى بذلك شرف البلد وسمعته على مستوى العالم.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: قدم فخامة الرئيس إحصائيات عن عدد المديرين السنّة في البلاد. صحيح أنه تم تعيين رؤساء للإدارات من أهل السنة في المدن الصغيرة، لكني حذرت مرارا وكتبت رسائل أن إدارات مراكز المحافظات فارغة من أهل السنة، والقليل من أهل السنة الموجودين في هذه الدوائر سيتقاعدون ولا يملأ فراغهم رؤساء جدد من أهل السنّة.
وأضاف: لا توجد عدالة في توظيف القدرات في مؤسسات مراكز المحافظات مثل “زاهدان” في سيستان وبلوشستان و”سنندج” في كردستان والعديد من المحافظات الأخرى التي يوجد بها عدد كبير من السكان السنّة. في المحافظات التي يوجد بها عدد أقل من السنّة، لا يوجد من أبناء أهل السنة في إدارات مراكزها. خلال تاريخ الثورة، لم يوظف حتى عضو سنّي واحد في مجلس أمن محافظة سيستان وبلوشستان، في حين أن أكثر من سبعين في المئة من سكان هذه المحافظة هم من البلوش وأهل السنّة، وهو نفس الوضع في عموم البلاد حيث لم يتم استخدام أهل السنة في مجلس الأمن في المحافظات ذات الأغلبية السنّية. لقد تابعت هذه القضية وطالبت بإنشاء التوازن في توظيف القدرات في مراكز المحافظات، وهذا له أثر إيجابي على الأمن والأخوة، ويحفظ الكثير من النفقات التي تبذل في مجال توطيد الأمن والوحدة، و من شأنه أن يخلق المودة بين الشعب ويسبب تضامن الشعب مع النظام.
يواجه أهل السنّة في طهران والمدن الكبرى مشكلات بسبب عدم امتلاك مسجد
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: قدم الرئيس أيضاً إحصائيات عن عدد مساجد أهل السنة. مرة أثناء رحلتي إلى طهران رأيت أنهم أعدوا رسالة عن إحصائيات المساجد السنية في البلاد، فقلت إنكم سجلتم إحصائيات عن المساجد في القرى. صحيح أن هناك مساجد في القرى، وهناك مساجد في بعض المدن الصغيرة، كما توجد مساجد في مدن مثل زاهدان وغيرها من مدن المحافظة، ورغم وجود مشكلات في هذا المجال إلا أنه لا توجد شكاوى، لكن مشكلة السنّة تتعلق بالمساجد في المدن الكبرى، وأهل السنة أقلية في تلك المدن.
وتابع: قد يصل عدد أبناء السنّة إلى 100 ألف أو 300 ألف أو 500 ألف أو حتى مليون شخص في بعض المدن، ولم تسمح لهم ببناء مساجد فيها. هناك مدن يبلغ عدد سكانها من أهل السنة مئات الآلاف وليست لديهم سوى أربعة أو خمسة مساجد، ويطالبون ببناء مساجد في أحياء مختلفة ولا يسمح لهم بذلك. لم يعط لأهل السنة مسجد في طهران، في حين أن طهران هي مركز ثقل البلاد وعاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والضيوف الذين يأتون من بلدان أخرى يسألون أين المسجد الذي يمكننا الذهاب إليه لنصلي. لا شك أن هناك قاعات ومصليات للصلاة، وهي أيضا ليست بلا ضغوط ومشكلات.
واستطرد فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: لو أعطيتم مسجداً لأهل السنة في طهران لكان ذلك في مصلحة البلاد ومبعثاً للعز. يُمنع أهل السنة في طهران والعديد من المدن الكبرى من الصلاة، في حين أن الصلاة ليست فيها ضرر لأحد.
وأشاد فضيلته بموقف عمدة نيويورك في إعطائه الترخيص للمسلمين برفع الأذان من مكبرات المساجد، وتابع قائلا: أعلن عمدة نيويورك مؤخّرا أن مسلمي هذه المدينة يمكنهم بث الأذان بحرية من مكبرات الصوت في المساجد، وقال: إننا فخورون بإعطاء الحرية لجميع الأديان والمعتقدات.
وأضاف فضيلة الشيخ قائلا: خلال رحلتي إلى موسكو، أعجبني قول ممثلي الحكومة الروسية في مؤتمر إننا توصلنا إلى نتيجة مفادها أن لا نتدخل في شؤون الأديان. تم بناء مسجد كبير بالقرب من قصر الكرملين وسط المدينة، وبلغت تكلفة بنائه مائتي مليون دولار دفعها المسلمون الروس، كما ساهم رجل أعمال بمبلغ مائة وخمسين مليون دولار في البناء لهذا المسجد. ولو كان رجل الأعمال هذا في بعض البلاد الإسلامية التي فيها ضيق الأفق، لكان عليه أن يترك بلده ويفر إلى مكان آخر، لأنهم كانوا سيسألونه من أين أتى بهذا المال ولماذا أنفقه في هذا العمل.
اجتنبوا من تسييس الدين والمذهب
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد أيضا إلى الإحصائيات المقدمة حول المراكز والمدارس الدينية السنية في البلاد قائلا: قدم الرئيس في خطابه أيضا إحصائيات عن المدارس والمراكز الدينية لأهل السنة.
وأضاف: لقد حدثت خلافات في الماضي في هذه القضية عندما أرادوا تسليم إدارة هذه المدارس الدينية إلى علماء الشيعة، وهو ما عارضه أهل السنّة بشدة وتحملوا مشكلات كثيرة في هذا المجال، وسجن الكثير منهم. ثم العديد من المدارس التي دخلت تحت مظلة “منظمة التخطيط للمدارس الدينية” إما أغلقت أو فشلت. نفس المشكلة كانت موجودة في العديد من المساجد. ليست لدينا هذه المشكلة في هذه المنطقة، لكن في المناطق التي فرض فيها أئمة المساجد على المصلين، هجر الناس المساجد. هناك العديد من الأمثلة في البلاد.
واستطرد خطيب أهل السنة: قلنا إنه ليس من العدل أن تسلم أمورنا الدينية إلى أيدي الشيعة، كما أنه ليس من العدل أن تسلم شؤون الشيعة الدينية بأيدي أهل السنة، بل ينبغي للشيعة والسنّة أن يتصرفوا بشكل مستقل في شؤونهم المذهبية.
وصرح فضيلته قائلا: لقد هتفنا في السابق بضرورة الاجتناب من تسييس الدين، وقلنا يجب أن تكون للأمور الدينية حريتها، ولا نرى من المناسب لأي دولة أو حكومة في أي مكان في العالم تسييس الدين. هذا الكلام ليس لإيران فحسب، بل لجميع البلدان. وفي رحلاتي إلى بعض البلدان، أوصيت بالحرية الدينية واحترام حقوق الإخوة الشيعة.
لا يحق لأي حكومة أن تضيق على الناس في عباداتهم
وقال خطيب أهل السنة في زاهدان: طلبنا أن تكون هناك حرية في الجمهورية الإسلامية حتى يسجل ذلك في سجل الجمهورية الإسلامية وسجل العلماء الذين هم على رأس الأمور. كان ينبغي أن تعطوا الحرية لأهل السنّة والاجتناب من الرؤية الأمنية إلى المساجد وقاعات الصلاة. بعد الأحداث الأخيرة التي جرت حول قضية الحجاب في البلاد والتعامل مع عدم ارتداء الحجاب، تعرضت مصليات أهل السنّة أيضاً للهجوم. قلت: هناك هجومان وقعا؛ هجوم على النساء، ونصحنا بعدم استخدام العنف، وقلنا لا يجوز لأي ضابط أن يمسك بيد المرأة ويسحبها ويرميها في السيارة. وفيما يتعلق بالصلاة، قلنا أيضا بعدم إغلاق المصليات، فالصلاة هي عبادة الله، ولم يأمر الإسلام بمنع العبادة، بل أمر الإسلام بعدم منع عبادة أي دين من الأديان. ليس في إيران فحسب، بل في جميع أنحاء العالم، لا يحق لأي حكومة أن تمنع الناس من العبادة وتعرقلها.
الدولة الـ13 لم تف بأي من وعودها فيما يتعلق بأهل السنة
وصرح فضيلته قائلا: نحن ننتقد الدولة الـ13 التي صوّت شعبنا لها على أمل الخير والمنفعة، لكن هذه الدولة لم تف بأي وعد من الوعود التي قدمتها لأهل السنة خلال حملتها الانتخابية. قالوا إنهم سيختارون المحافظ ونائب الوزير والسفير من بين أهل السنة، لكنهم لم يفعلوا ذلك.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: في اللقاءين اللذين عقدتهما مع رئيس الدولة الـ13، قلت إن مطلبنا الأول هو “وطني” ومطلب الشعب الإيراني بأكمله، والخطوة التالية هي المشكلات التي يواجهها السنّة والقوميات والطوائف في إيران. ولسوء الحظ، فإن المشكلات الحالية للسنّة تعتمد على سلسلة من السياسات غير المكتوبة. نحن نعتقد أنه لا يوجد توازن في عواصم المحافظات، وهناك عدد قليل جداً من رؤساء الدوائر من السنّة، والسنّة غير موجودين في القوات المسلحة والنظام القضائي وفي مجلس الوزراء، وكل هذا بسبب تطبيق السياسات غير المكتوبة. لما تابعنا القضية وجدنا أن اتخاذ القرار في هذا الشأن ليس في يد الدولة؛ بل في مكان آخر، والله أعلم أين هو؟
وأكد خطيب أهل السنة قائلا: الآن أهم وأعظم مطالبنا هي القضايا الوطنية. نحن لا نفرق بين شيعة وسنّة ونعتقد أن الجميع إخوة. أنا لا أتفق مع أي كلمة مثيرة للجدل، وأوصي بتجنب ذلك. نعتقد بضرورة احترام حقوق كافة القوميات والأديان والمذاهب الإيرانية، وهذه هي وجهة نظر الإسلام ونظرة الأنظمة الجمهورية. ليس من الممكن الحكم بشكل ضيق. يجب أن تكون وجهات النظر واسعة، فالعدالة والحرية مهمتان للغاية.
تعليقات