اليوم :24 April 2024

اشتغال اليهود بالسحر (تفسير آيتي 102 و103 من سورة البقرة)

اشتغال اليهود بالسحر (تفسير آيتي 102 و103 من سورة البقرة)

وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿١٠٢﴾ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّـهِ خَيْرٌ ۖ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿١٠٣﴾

التفسير المختصر
اليهود كانوا أمة سفهاء نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحر والشعوذة لذلك{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} وهم الخبائث من الجنّ {عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} في وقت سلطنته {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} والبعض من سفهاء اليهود كانوا يتهمون سيدنا سليمان بالسحر والشعوذة، وهذا إتهام باطل لأنّ السحر كفر إمّا اعتقادا أو عملا، وسيدنا سليمان عليه السلام لم يكفر أبدا.{وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} الخبائث من الجنّ كفروا قولا وعملا بسبب اتّباعهم السحر وتعليمه الناس، وهذا السحر كان توارثه اليهود بينهم واتبعوه. {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}وكذلك يتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين، {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا}تحذيرا {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ}وجودنا امتحان للناس ليعلم من ينجو من السّحر الذي يتعلّمه من لساننا ومن يهلك {فَلَا تَكْفُرْ} فتهلك بسببه {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ} بالسحر {مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله} بقدر الله ومشيئته {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ} بسبب الإثم الذي فيه وبسبب أنه موجب للكفر، {وَلَا يَنْفَعُهُمْ} فيكون اليهود في ضرر عظيم بسبب السحر، {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} نصيب، {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا}بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، {وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ} ثواب {مِنْ عِنْدِ الله خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}

فقه الحياة أو الأحكام
لقد وردت روايات إسرائيلية في سبب نزول الآيات المذكورة وتفسيرها. تلك الروايات تثير الشبهات في الأذهان، وأننا سنقدم إلی القرّاء ما قاله الإمام حكيم الأمة مولانا الشيخ أشرف‌علي التهانوي في هذا الموضوع بإيضاح و تفصيل يردّ الشبهات الواردة، ويطمئن القلوب، وهو مايلي:
1ـ إنّ حمقاء اليهود كانوا ينسبون السحر إلی سيدنا سليمان عليه‌ السلام فبرّأه الله تعالی سليمان ممّا قال اليهود.
2ـ أراد الله سبحانه وتعالی ذمّ اليهود في هذه الآيات حيث كانوا مشهورين بالسحر، وهناك قصة تذكر بشأن هذه الآيات تسمی “قصة الزهرة” ولكن لا أصل لها وقد كذّبها طائفة من أهل العلم نظرا إلى مخالفتها مع القواعد الشرعية والذين لم يروها مخالفة مع القواعد الشرعية أوّلوها، ولسنا ههنا بصدد قبول هذه القصّة أو ردّها، ولكن نقول إنّ تفسير هذه الآية لا يتوقف على تلك القصّة.
3ـ ومن الجدير بالتدبّرأنّ اليهود وإن كانوا يعلمون ولكن يخالفون أمر الله ولا يتدبّرون في آيات الله، فالله سبحانه وتعالى أثبت لهم العلم أولاً نظراً لخصلتهم هذه؛ ثمّ نفى عنهم ذلك، وقال ياليتهم يعقلون ويعلمون وذلك لأنّ العلم الذي لا يصاحبه الفكر والعمل فهو كالجهل تماماً.
4ـ كانت مدينة “بابل” في العراق في الأزمان السالفة مركزاً للسحر فأعجب الناس به فتشابهت عليهم معرفة السحر والمعجزة، واختلف الناس في السحرة فطائفة منهم كانوا يعظّمون السحرة ويتبعونهم، ومنهم من يستحسنون السحر ويتعلّمونه كما يعامل النّاس مع المسمريزم (التنويم المغناطيسي ومثله) فأراد الله أن يبيّن الحقيقة للناس فأرسل ملكين ببابل، وهما هاروت وماروت، ليوضّحوا للناس ما تشابه عليهم، حتى يجتنبوا السحر ويبتعدوا منه، فكما أنّ نبوّة الأنبياء تثبت بالمعجزات والبراهين فكذلك أثبت كون هاروت وماروت ملكين بالبراهين حتى يطمئن الناس ويمتثلوا أمرهما. ولم يستخدم لهذا العمل الأنبياء لسببين؛ الأول، لأنّ المقصود كان التفريق بين السحرة والأنبياء، والثاني: أنّ هذا العمل لم يكن يليق بشأن الأنبياء لأنّهم كانوا مظهر الهداية والخير، وأمّا الملائكة فقد جرت العادة على إستخدامهم في الأمور التي هي من الخير نظراً إلى مصالح العالمين وإن كانت من الشرّ بإعتبار ذاتها ولزوم المفاسد، وهذا مثل خلق الحيوانات الضارّة أو النفوس الظالمة، أمّا الأنبياء الكرام عليهم ‌الصلاة والسلام فهم يستخدمون في دائرة التشريعات التي هي من الخير بأسرها، وهذا هو اللائق بشأنهم.
ومما يجدر بالذكر أنّ الأنبياء عليهم ‌الصلاة والسلام كانوا يكتفون ببيان الأحكام الكلّية في بعض الأمور ولا يذكرون التفاصيل ولا يذهبون إليها خوفاً من الفتن. فمثلاً بيّنوا أنّ الرشوة يحرم تعاطيها ولكن لم يذكروا طرقها و تفاصيلها حتى لا يتعلمها الناس، كذلك السحر وأقسامه. وعلى كلّ فالملائكة بدأ عملهم في مدينة بابل، و بيّنوا أصول السحر وفروعه للناس ثم أوصوهم بإجتنابها والإبتعاد منها وحذروهم. وهذا مثل ما يبيّن بعض أهل العلم كلمات تسبب الكفر ثم يحذّر الناس منها، لكي لا يتلفظوا بها ولا يكفروا ولمّا بدأ الملكان عملهما، تردد الناس إليهما وطلبوا منهما أن يعلماهم السحر كي يتعرفوا به ويحذروا منه ويفرقوا به بين السحر والمعجزة وكان الملكان يقولان للناس قبل التعليم أنظروا إنّ الله سبحانه يريد أن يبلوكم حتى يعلم من يحفظ دينه ويبتعد من الشر ومن يختار الشرّ ويبتلى به وينتهي إلى الكفر. أنظروا قد بلغنا إليكم، فلا تقصدوا من تعلّم هذا الفنّ الذي يوقعكم في الشرّ، إحذروا أن تفسدوا دينكم به، وهكذا كان الملكان ينصحان للناس ويأخذان منهم العهد ثمّ يبيّنان طرق السحر وأصوله وفروعه، فالذين تعلّموا السحر صاروا فريقين: فريق حافظ على العهد، وفريق نقض العهد وآذى الناس بالسحر ومنهم من فجر وكفر بسببه، ويمكن لنا أن نضرب مثل الملكين مثل عالم له مهارة في العلوم العقلية والنقلية يأتيه أحد الطلبة ليتعلّم منه علم الفلسفة ليستخدمه في المناظرات ودفع الشبهات فيقول له عالم الفلسفة: أنّي أعلّمك هذا العلم ولكنّي آخذ منك العهد أن تستخدمه لصالح الإسلام والدفاع عنه ولا تثير به الشبهات حول العقيدة الإسلامية، ثم الطالب يخلف الوعد بعد أن تعلّم الفلسفة ويستخدمها كما يريد فلا لوم على العالم المعلم، وكذلك عملُ الملكين في تعليم السحر. ثمّ رفع الملكان إلى السماء بعد أن أدّيا واجبهما، والله أعلم بحقيقة الحال.[بيان القرآن للعلامة أشرف‌علي التهانوي]

حقيقة السحر
السِحر بكسر السين يقال لكل أثر خفيَ سببه ولم يظهر(القاموس) سواء كان ذلك السبب معنوياً كالكلمات المخصوصة التي لها تأثير أو كان شيئا غير مرئي لعامّة الناس كتأثير الجنّ والشياطين أو كتأثير القّوة الخيالية في التنويم المغناطيسي أو كتأثير النجوم والكوكب ومن ثمّ كثرت أقسام السحر، ولكن يطلق السحر في العرف العامّ على كل عمل يتدخّل فيه الجنّ والشياطين أو تؤثر فيه القوة الخيالية، أو الكلمات المخصوصة.
وقد ثبت السحرعقلاً، وقد أثبتته التجارب والدراسات، وأذعن الفلاسفة قديماً وحديثاً أنّ الحروف والكلمات لها خواصّ لا تنكر وقد تظهر تلك الخواصّ إذا قرأت الكلمات بمقدار معيّن، كما تظهر أحياناً إذا قرأت الكلمات على أظفار أيّ إنسان أو شعراته وملابسه ويطلق السحر في إصطلاح القرآن الكريم على أيّ أمر عجيبٍ استعين فيه بالشياطين لتحقيقه. والإستعانة بالشياطين لها صور شتي، قد يقرأ بعض الناس كلمات توجب الكفر والشرك أو يمدح بها الشياطين أو تعبد بها الكواكب والنجوم، وبذلك يفرح الشياطين وقد يرتكب المرء أعمالاً يحبها الشياطين مثل القتل والإستفادة من دم المقتول، أو يتلطخ بالنجاسات أو يمكث في حالة الجنابة فلايتطهر ولا يتوب، فكما أنّ مدد الملائكة يحصل بالأعمال التي يحبّها الملائكة مثل التقوى والتطهروذكر الله وأعمال البرّ والإجتناب من القذرات، فكذلك مدد الشياطين يحصل بأعمال يحبّها الشياطين ويرضونها ومن ثمّ نرى أنّ السحرة لا يزالون في حالة النجاسة والمعاصي ويبتعدون عن ذكر الله وأعمال الخير، والنسوة اللّاتي يقمن بالسحر في حالة الحيض يؤثّر سحرهنّ أكثر من غيرهنّ، أمّا الشعوذة وخفّة اليد والتنويم المغناطيسي سمّي سحراً مجازاً.

أقسام السحر
قال الإمام الراغب الإصبهاني في مفردات القرآن: إنّ السحر أقسام؛ قسم ليس له حقيقة وإنّما عبارة عن تصرّف النظر وتصريف الخيال كما يفعله بعض المشعوذين بخفّة الأيدي فيخيّل إلى النّاس أنّه كذا، لأنّه يقصّر نظرهم عن الواقع، أو يؤثر أحدٌ في شخص آخر عن طريق المسمريزيم أو التنويم المغناطيسي فيرى أو يشعر أشياء لا وجود له في الواقع وقد يستعان في هذه الأمور بالشياطين فيؤثرون في أعين الناس وأفكارهم فيرون أشياء وأحوالاً لا حقيقة لها في الخارج. والسّحر الذي عمله سحرة فرعون كان من القسم الأول كما ورد في القرآن الكريم حيث قال جلّ من قائل: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} وقال في مقام آخر: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} وتدلّ كلمة {يُخَيَّلُ} أنّ العصي والحبال التي ألقاها السحرة لم تتبدل إلى حيّات، ولم تتحرك في الواقع ولكن خُيّل إلى موسى عليه‌ السلام والناس المتفرّجين أنّها حيات تسعى وتتحرك.
أمّا القسم الثاني من السّحر فهو ما يكون بسبب الشياطين كما ورد في القرآن الكريم: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم(ٍ222 ){شعراء} وقال تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ }
والقسم الثالث من السحر ما يسبب إنقلاب الماهية، مثل ما يجعل الإنسان جماداً أو حيواناً، قال الإمام الراغب الإصبهاني والإمام أبوبكر الجصاص وطائفة من العلماء: لا يمكن بالسحرتغيير حقيقة شيء بشيء، وقالوا: ما يشاهد من تغيير في الحقائق فإنّما ذلك تخييل وتصرّف في النظر والرؤية، وهكذا قال المعتزلة، لكنّ الجمهور يرى أنّ التغيير ليس مستبعدا ومحالا عقلا وشرعا، أمّا قول الفلاسفة أنّ انقلاب الحقائق محال فالمراد بالحقائق عندهم حقيقة المحال، والممكن والواجب،‌ فلا يمكن أن يكون المحال ممكناً أو الواجب محالاً، أو الممكن واجباً، أما ما جاء في القرآن الكريم أنّ سحرة فرعون سحروا أعين الناس فهذا لا يلزم منه أنّ كل سحر تخييل، فهذا نوع وهناك أنواع أخرى، وإستدلال البعض على تغيير الماهية بحديث كعب الأحبار الذي أخرجه الإمام مالك في المؤطا عن قعقاع بن حكيم أنّ كعباً كان يقول: «لولا كلمات أقولهنّ لجعلتني اليهود حماراً» ويمكن أن يراد بالحمار الأحمق والجاهل، ولكن لا يصح ترك الحقيقة واختيار المجاز من غير الضرورة، وثبت من قول كعب شيئان، الأول أنّه يمكن صيرورة الإنسان حماراً بالسحر، والثاني أن الكلمات التي كان يقرؤها كعب، هي كلمات مفيدة لها تأثير في دفع السحر، فلمّا سئل كعب عن تلك الكلمات قال هي: «أعوذ لوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه وكلمات الله التامّات التي لا يجاوزهن برٌّ ولا فاجرٌ وبأسماء الله الحسنى كلها ما علمت منها وما لم أعلم من شرّ ما خلق وبرأ وذرأ»(أخرجه الإمام مالك في الموطأ في باب التعوذ عند النوم)

الفرق بين السّحر و المعجزة
إنّ ما تصدر من السحرة من أعمال قد تتشابه ما يصدر من الأنبياء والأولياء من معجزة وكرامة خرقاً للعادة فيلتبس الحق على من لا يعلم حقيقة الأمر فلا بدّ من علامة يفرقّ بها بين السحر والمعجزة، فأعلم أنّ هناك فرقين؛ فرق في الظاهر وفرق في الحقيقة والماهية. أما الفرق الحقيقي بين السحر والمعجزة أنّ ما يصدر أو يظهر بسبب السحر فورائه أسباب لا يراها العامّة لخفائها، ولا يعلمها لغموضها فيتعجبون منه ويظنونه خرقاً للعادة لأنّ الشياطين والجنّ أوتوا قوة يقدرون بها على الإتيان بأشياء لا يطيقها عامّة الناس بخلاف المعجزة فإنّها فعلُ الله تعالى بلا واسطة ولا دخل للأسباب الطبيعية في صدورها، كما قال الله سبحانه وتعالى {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} فصارت النار برداً وسلاماً بإذن الله ولم يضر إبراهيم عليه ‌السلام، أمّا الذين قد يدخلون النار وقد دلكوا على أبدانهم ما يضادّ الإحراق فلا يسمى فعلهم معجزة والدليل على أنّ المعجزة فعل الله تعالى مباشرة ما قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ الله رَمَى} والآية تشير إلى ما حدث في “وقعة بدر” حيث أخذ النبي صلّى الله ‌‌عليه ‌وسلّم حفنة من التراب والحصى، ورمى بها في وجوه الأعداء فأصابتهم في أعينهم فانهزموا، فاتضح الفرق بين المعجزة والسحر بأنّ المعجزة فعل الله تعالى ولكنّ السحر من فعل البشر عن طرق القيام بالأسباب الخفية. ههنا سؤال! كيف يمكن لعامّة الناس أن يفرقوا بين المعجزة والسحر حتى يؤمنوا بالأول ويكفروا بالثاني، لأنّ ظاهرهما سواء! والجواب: أنّ ههنا فوارق أساسية يمكن لعامّة الناس أن يميّزوا بها بين المعجزة والسحر،وهي كما يلي:
الأول: المعجزة أو الكرامة تصدر من أيدي أناس يتّسمون بالطهارة والتقوى والخلق النبيل، لكنّ السحر يصدر من أناس متلطّخين بالدنس والأرجاس بعيدين عن عبادة الله والفعل الحسن، وهذا ما يعرفه جميع الناس؛
الثاني: جرت عادة الله سبحانه وتعالى أنّ الذي يدّعي النبوة والإتيان بالمعجزة لا يقدر على الأعمال السحرية، وإنّما يفعل السحر أناس لا يدّعون النبوّة والرّسالة.
هل يؤثر السحر على الأنبياء عليهم‌ ‌السلام؟
الجواب: أنّ السحر نتيجة لأسباب طبيعية، وأنّ الأنبياء تؤثر فيهم الأسباب الطبيعية وهذا لا ينافي شأن النبوّة، فكما يؤثّر فيهم الجوع والعطش والأسقام، فكذلك قد يؤثر السحر فيهم، وقد ثبت في الحديث أنّ اليهود سحروا النبي صلّى ‌الله ‌‌عليه ‌وسلّم وظهر أثر السحر عليه، ثمّ أذهب الله تعالى ذلك عنه وكذلك ثبت في القرآن أنّ سيّدنا موسى عليه ‌السلام شعر بالخوف بعد أن رأى سحر السحرة {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}
الأحكام الشرعية للسحر
لقد سبق فيما ذكرنا أنّ السحر عمل يفعله السحرة مستعينين في تحقيقه بالجنّ والشياطين بعد أن يرضوا بالكفر والشرك والفسق وإرتكاب المعاصي وكان هذا النّوع من السحر رائجاً في “بابل” (جصاص) وهذا السّحر الذي جعله القرآن كفراً.
قال أبو منصور: “إنّ القول بأنّ السحر كفر على الإطلاق خطأ بل يجب البحث عن حقيقته فإن كان في ذلك ردّ ما لزم من شرط الإيمان فهو كفر وإلا فلا”
ومن المعلوم أنّ اللعن على الشياطين ورد حكمه مراراً في الكتاب والسنة وثبت أنّ موالاتهم ومحاولة إرضائهم إثم كبير، وإذا ابتلى الإنسان بالكفر والشرك يسلب إيمانه وإذا ابتلي بالفجور والمعاصي وتمادى في الأنجاس والأرجاس ابتعد من رحمة الله وحرم دعاء الملائكة. وإذا أضرّ أحدا بسحره صار أثيماً، وجملة القول: إنّ السحر الذي ورد ذكره في القرآن والسنة لا يخلو من الكفر إما عقيدة أو عملاً، فإذا حاول الساحر إرضاء الشياطين بالأعمال الشركية والكفرية يكون كفره اعتقادياً وإذا ارتكب الذنوب والآثام لأجل الشياطين يكون كفره عملياً.
مسئلة: إذا علم أنّ السحر لا يخلو من الكفر الاعتقادي أو العملي، فتعلّمه وتعليمه والعمل به حرام، اللهم إلا إذا قصد بالتعلم لدفع الضرر عن المسلمين فأجازه بعض الفقهاء.(راجع ردّ المحتار والهندية).
مسئلة: التعاويذ والحجب التي يعملها بعض الناس إذا استعين بها الجنّ والشياطين فحكمها حكم السحر وإذا كانت كلماتها مشتبهة أو غير معلومة يحرم استعمالها.
مسئلة: كل سحر اشتمل على الكفر والشرك صار حراما.
مسئلة: وإذا كانت الكلمات مباحة فشرط الجواز أن لا تستعمل للأغراض الفاسدة والأهداف المحرمة.
مسئلة: لا يجوز استعمال كلمات القرآن والسنة للأغراض الفاسدة.(قاضي خان وردّ المحتار)

تعليقات

تعليق واحد لـ : “اشتغال اليهود بالسحر (تفسير آيتي 102 و103 من سورة البقرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات