أول دولة أوروبية تعترف بهم.. النمسا واحة المسلمين في الغرب

أول دولة أوروبية تعترف بهم.. النمسا واحة المسلمين في الغرب

تستحق النمسا، أن يطلق عليها بحق، لقب واحة المسلمين في أوروبا، فلا اضطهاد من قبل الدولة، ولا تمييز  تمارسه الأغلبية الكاثوليكية ضدهم، بخلاف الأقليات الإسلامية، في العديد من دول القارة العجوز، كفرنسا وهولندا وإيطاليا، إضافة إلى أنها تربة خصبة، وبيئة مناسبة لنشر الإسلام، الذي تؤكد الإحصاءات الرسمية، تزايد اعتناق النمساويين له، بشكل غير مسبوق.
ويبلغ عدد المسلمين في النمسا، ما يزيد عن500 ألف نسمة، يشكلون6% من إجمالي تعداد السكان، البالغ نحو 8 مليون نسمة، والإسلام هو ثاني أكبر مجموعة دينية، بعد المجموعة المسيحية البروتستانتية، وفقا لدراسة، أجرتها الجمعية النمساوية للتفاهم الدولي، كما يوجد بالنمسا، حوالي87 مسجدا، منها27 في العاصمة فيينا.
وتؤكد الأرقام، أن حوالي نصف مليون مسيحي نمساوي، اعتنقوا الإسلام خلال العامين الماضيين, ويرجع خبراء أحد أسباب ذلك، إلى فقدان المسيحيين هناك الثقة في المسيحية، لاسيما بعد فضائح الاعتداءات الجنسية المتكررة، في الكنيسة الكاثوليكية، والتي لعبت دورا أساسيا في خروجهم من المسيحية، واعتناق كثير من أعضائها، والشعب النمساوي للإسلام بشكل جماعي.

الاعتراف بالإسلام
يذكر أن الاعتراف الرسمي للإسلام، قد تم عام 1912م، عندما أصدرت الإمبراطورية النمساوية المجرية، قانون الإسلام، ووقف القيصر فرانس يوسف، إلى جانب تشييد مسجد للمسلمين، في عاصمة الإمبراطورية بمساهمة مالية منه. لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914، حال دون تنفيذ مشروع المسجد في فيينا، وأما قانون الإسلام، فأُعيد إحياؤه في نهاية السبعينيات، بعد أن طالب مسلمو النمسا بالأمر.
ويمنح هذا التشريع القانوني للنمسا، لقب أول دولة أوربية، تعترف بالإسلام رسميا، وعلى المستوى العملي، فقد منح المسلمين مكاسب واضحة، مثل وجود هيئة تمثلهم رسمياً، أمام السلطات، وإمكان حصول مؤسساتهم التعليمية والتربوية والاجتماعية، على مساعدات مالية عالية، وإدراج مادة التربية الدينية الإسلامية، لتلاميذ المسلمين في المدارس العامة.  فيما يتلقى أكثر من 40 ألف تلميذ مسلم، في النمسا حالياً، تعليماً إسلامياً، على أيدي مائتي معلِّم مسلم، تشرف عليهم الهيئة الدينية الإسلامية.
وقد أقام المسلمون في أكتوبر الماضي، احتفالا كبيرا، في ساحة المركز الإسلامي، بالعاصمة النمساوية فيينا، وذلك بمناسبة مرور مائة عام، على الاعتراف رسميا بالدين الإسلامي، كدين رسمي في البلاد.
وقد سبق هذا الاحتفال، احتفال آخر رسمي، أقيم بمقر بلدية فيينا، وحضرته القيادات السياسية النمساوية، وعلي رأسهم رئيس الجمهورية الدكتور هاينز فيشر.

فيينا بداية النهاية
وتعتبر فيينا، النقطة الأكثر عمقاً، التي بلغتها حركة الفتوحات الإسلامية في أوروبا، من جانبها الشرقي، ففي عام م1683، وعلى مشارف العاصمة، دارت رحى واحدة من أهم الحروب الأوروبية، حيث شنت جحافل أوروبا المسيحية، هجوما مباغتا، على جيوش الصدر الأعظم، قرة مصطفى، لإنقاذ البوابة الشرقية للقارة، من التوسع الإسلامي، وكان العثمانيون قد  فرضوا حصارا طويلا على فيينا. لكن  الهجوم المسيحي، نجح في هزيمة العثمانيين، وانتهت المعركة بانسحاب العثمانيين، وهو الانسحاب الذي كان إعلانا، بأفول الدولة العظمى، التي اكتفت بتقديم التنازلات تلو الأخرى، على مدى قرنين تاليين من الزمن.
وتحتفظ العاصمة النمساوية، بالعديد من الآثار، التي تخلد ذكرى الحصار العثماني، مثل تمثال لفارس تركي مغوار، تمكن من التسلل منفرداً إلى قلب المدينة، على ظهر فرسه في تكريم لـ”شجاعة العدو”.

المركز الإسلامي
وقد سعى مسلمو النمسا، منذ سنوات طوال، إلى إقامة مركز ومسجد، يؤدون فيه شعائرهم في العاصمة فيينا، غير إن الإمكانات المادية، حالت دون ذلك، لكن مبادرة المغفور له بإذن الله الملك فيصل بن عبد العزيز، أحيت آمال المسلمين هناك، ففي عام 1975م، كلف سفيرالمملكة العربية السعودية في فيينا، الشيخ فريد بصراوي، بتلك المهمة، وفي الحادي عشر من شهر نوفمبر عام 1977 م، سمع الأذان لأول مرة في سماء العاصمة، وفي السادس والعشرين من شهر أبريل سنة 1978 م، كان الهلال ينتصب على قبة المسجد، وقد ساهمت معظم الدول العربية والإسلامية، وكذلك بعض الجهات النمساوية، بالتبرعات السخية من أجل تزيين وتأثيث المركز، الذي يحتوي على مسجد جامع، وآخر للصلوات الخمس، وشرفة للنساء، ومكتبة وصف لتعليم القرآن الكريم، وصالة كبيرة للمحاضرات، ومكاتب للرئيس والإدارة ومساكن للإمام والمؤذن .  وبشكل عام، يوجد بالنمسا حوالي87 مسجدا منها، 27 في العاصمة فيينا.

المسلمون والاندماج
ينخرط المسلمون، في كل الأعمال تقريباً، حتى الجيش النمساوي، فيه عدد من المسلمين، ويجدون الاحترام  والتقبّل من غيرهم، ويلعب المسلمون  هناك دورا كبيرا، في التعريف بالإسلام، لمواجهة الحملة الشعواء ضده، وفي عام 2007، قام مسلمو النمسا بتدشين حملة واسعة، في جميع أنحاء الدولة، للتعريف بالنبي محمد، “صلى الله عليه وسلم” وتعاليمه، للمواطنين النمساويين, والتي جاءت مصاحبة لحملات أخرى، تم إطلاقها في جميع أنحاء أوروبا، ردا على الرسوم الكارتونية، المسيئة للنبي، في الدنمارك عام 2005.
وللأمانة، فإن الدولة النمساوية، تلعب دورا كبيرا، في تحقيق اندماج المسلمين في مجتمعهم، فعلى سبيل المثال، وفي مقابل الحملة المشوهة للإسلام، التي انطلقت خلال السنوات الماضية، تدق أبواب أوروبا، نجد سكرتير دولة النمسا، لشئون الاندماج “سباستيان كورتس “، قد استنكر التصورات النمطية، والأحكام المسبقة حول المسلمين، الناتجة عن الشعور بالخوف, مؤكدا: “نحن نحتاج معرفة المزيد عن الإسلام”.
وفي أوائل عام 2012م، طرحت مبادرة تحت عنوان: “منتدى الحوار مع الإسلام”، بهدف دعم الاندماج، وتحسين التعايش مع المسلمين المقيمين في النمسا, والتي أكد خلالها كورتس، تقويض الأحكام المسبقة الخاطئة، عن الإسلام والمسلمين، من خلال تنفيذ عدة خطوات، تتضمن تنظيم يوم مفتوح، لزيارة المساجد، من قبل النمساويين، على مستوى جميع الولايات النمساوية.

المصدر: رسالة الإسلام

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات