قام فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة يوم الجمعة 16 محرم، برحلة دعوية إلى مناطق في جنوب محافظة سيستان وبلوشستان. وكان يرافق فضيلته في هذه الجولة التي استغرقت ستة أيام، والتي واجه فضيلته فيها باستقبال شعبي حار من قبل أهالي هذه المناطق، عدد من العلماء ووجهاء مدينة زاهدان.
في البداية شارك فضيلة الشيخ في جلسة رؤساء المدارس الدينية لأهل السنة في محافظة سيستان وبلوشستان، التي انعقدت صباح السبت (17 من محرم 1434) بحضور 150 من رؤساء المدارس والعلماء الكبار في المحافظة، في “جامعة الحرمين الشريفين” في مدينة “تشابهار”.
قد شارك الجلسة المذكورة علماء كبار كفضيلة الشيخ عبد الرحمن تشابهاري، وفضيلة الشيخ محمد يوسف حسين فور، رئيس معهد عين العلوم في جشت، والشيخ محمد غل، رئيس معهد مخزن العلوم في خاش، والشيخ عثمان، رئيس معهد مدينة العلوم في خاش، وعدد كبير من سائر رؤساء المدارس الدينية والعلماء البارزين.
في البداية قدم مراقب اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في بلوشستان تقريرا عن عمل المدارس في السنة المنصرمة، ثم جرت البحث والكلام حول بعض مواد دستور هذه المؤسسة، وكذلك المنهج الدراسي للطلبة، واتخذت تدابير وقرارات في هذ المجال.
تحدث فضيلة الشيخ محمد يوسف، رئيس معهد عين العلوم والأمين العام لمنظمة اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في هذه الجلسة، قائلا: الهدف من عقد هذه الجلسات أن يحدث تغيير وتطور وتقدم لأهداف هذه المدارس الدينية في مجال تعلم العلوم الإسلامية، وتحصل هذه الفكرة لرؤساء هذه المدراس وطلبتها.
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الرحمن تشابهاري الذي كان يتولى مهمة استضافة هذه الجلسة، وحدة علماء المحافظة من النعم الإلهية، قائلا: التحزب والتشتت في الفكرة والاختلاف بين العلماء والمثقفين في المجالات المختلفة العلمية والدينية، جعل العالم المعاصر في مواجهة المشكلات.
وأضاف فضيلته قائلا: الحمد لله توجد في محافظتنا الوحدة والتضامن في الفكرة والعمل، وكان هذا سببا لأن يتقدم الطلبة والعلماء في مجال العلم ودراسة العلوم الإسلامية.
الاختلاف في القضايا الجزئية مع وجود الوحدة في أصل العقيدة الإسلامية لا يبنغي أن يؤثر في هذه الوحدة ويكون سببا للتفرق والاختلاف بين العلماء.
وألقى فضيلة الشيخ عبد الحميد، رئيس منظمة اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في محافظة سيستان وبلوشستان كلمة في نهاية هذه الجلسة، قال فيها: مدينة تشابهار تعتبر من أهم المدن في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياحية في المحافظة، وعلى علماء هذه المنطقة أن يسعوا جادين في تطوير مستوى الوعي الثقافي والديني لأهل هذه المنطقة.
لقاء مع أساتذة وطلبة جامعة الحرمين الشريفين:
تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد في لقاء مع أساتذة وطلبة جامعة الحرمين الشريفين إلى توضيحات حول آية “يوتي الحكمة من يشاء ومن يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب”، قائلا: العلم والحكمة، وكذلك العلماء وطلب العلم لها أهمية كبيرة عند الله تعالى. ومن ناحية أخرى جعلت في القرآن الكريم مسؤولية العلماء عظيمة وكبيرة. “إنما يخشى الله من عباده العلماء”. فالعلماء بقدر الأجر الذي ينالونه من الله تعالى، عليهم أن يتحملوا المسؤولية الثقيلة.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد: على العلماء أن يسعوا مدى حياتهم في تزويد أنفسهم بالعلم ويقولوا دائما في أدعيتهم “رب زدني علما”.
وتابع فضيلته مشيرا إلى حديث “العلماء ورثة الأنبياء”: عندما نقرأ هذا الحديث وسائر فضائل العلماء في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، علينا أن ندرك خطورة مسئولية العلماء. فلو أحرزنا مقام الأنبياء وعلمهم ولكن لم نشعر بالمسؤولية وتركنا المجتمع على حاله، ليبتلى نتيجة المعاصي والذنوب وعدم تأدية الفرائض بالمشكلات والحوادث السيئة كالقحط، والوباء، والزلازل وغيرها. لو أن الشعب ابتلوا بالمشكلات الكثيرة وابتلى الآلاف من النساء والرجال والشباب والشابات في الغفلة وتناسوا الصلاة، فلو لم يفكر العلماء في إصلاح هؤلاء الناس، فمن يفكر لهم ويشفق لهم؟ هل يبعث نبي آخر ليعيد الحياة في الأمة؟ من يصحو لينقذ المجتمع من الوقوع في المهلكات؟ الناس ينامون الليالي وهم يحسبون أن الطلبة والعلماء أيقاظ يحيون الليالي، مانعين لعذاب الله تعالى. فلو أن الطلبة والعلماء ظلوا في نوم وغفلة، لقد ظلموا في حق شعوبهم ومجتمعاتهم. على العلماء أن يسعوا في إنقاذ قومهم وسائر طبقات المجتمع. فلو أن الأمة ابتليت بعذاب الله تعالى وسخطه بسبب غفلة العلماء، سيصيب العلماء حسرة وندامة غفلتهم.
واستطرد فضيلته قائلا: لما أن أهل العلم لهم معرفة أكثر بالنسبة إلى الأمور الدينية ويدركون المسائل الدينية أكثر من غيرهم، لذلك جعلهم الله تعالى مسؤولين . لما رجع موسى عليه السلام إلى قومه من الطور ووجد قومه في ضلال، وجه أصابع اللوم والعتاب نحو أخيه هارون وأخذ بلحيته يجره. لأن هارون كان أعلم من غيره، ويدرك الأمور أكثر من غيره. ففي الدرجة الأولى ألقيت مسؤولية ضلال بني إسرائيل على كاهله. فلو أن علماء الأمة كان لهم “موسى”، الله أعلم كيف كان يعامل العلماء. وإن سئل العلماء كيف حافظتم على الأمة؟ بماذا كان العلماء يجيبونه؟
وتابع فضيلته قائلا: الهدف من دراسة العلوم الشرعية لا تنحصر في التدريس وإمام الجماعة، بل الهدف الأصلي من كسب العلوم، القيام بالمسؤولية العظيمة تجاه المجتمع بكل طريقة ممكنة. إنقاذ القوم وكافة البشرية من العذاب الإلهي هي مسؤولية العلماء، كما أن الأنبياء كانوا يقوموا بهذه الرسالة. لقد ورد في الأحاديث النبوية الشريفة أنه صلى الله عليه وسلم كان كثير التفكير. في الواقع كان يفكر في إنقاذ البشرية من العذاب الإلهي. والأمة المسلمة لا تعتبر أمة ناجية حتى تعمل على الأحكام الإسلامة كلها في حياتها.
وأضاف رئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان مشيرا إلى آيتين من القرآن الكريم: إن الله تعالى بين مسئلتين هامتين للعلماء في القرآن الكريم، يجب أن ينتبه له العلماء. الأول: إصلاح النفس، بأن يكون العالم ربانيا، كما ورد في القرآن الكريم “ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون”.
الثاني: التزكية وتعليم الأمة وإصلاح المجتمع. “إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”. نظرا إلى هذه الآية، الطريق الوحيد للنجاة من العذاب الإلهي، اكتساب العلم والتزكية وإصلاح الأمة. فمن يسعى بهذه النية لكسب العلم، لا فرق بينه وبين الأنبياء السابقين. بما أن الإسلام أمانة الله تعالى ورسوله والسلف الصالحين التي وصلتنا، فعلينا أن نكون أمناء ولا نضيعها. الذين يبيعون الدين بمتاع قليل من الدنيا عليهم أن يعرفوا خسارة الضرر الذي يلحق بهم.
وفي نهاية خطبته أوصى فضيلته الأساتذة والطلبة قائلا: طالعوا أحوال العلماء الكبار في التاريخ، وزينوا ظاهركم وباطنكم بالتقوى. ارتدوا زيّ العلماء وراعوا أدب العلم. فالعلماء بعملهم ووقارهم وهيبتهم يحفظون الدين، ويعبدون الله ابتغاء لمرضاته، لا لأهداف مادية وأغراض أخرى.
كلمة فضيلة الشيخ عبد الحميد أمام أهل “تشابهار”:
ألقى فضيلة الشيخ عبد الحميد خطابا بعد صلاة المغرب مساء السبت في جامع “تشابهار” الذي كان يكتظ بالحاضرين الذين استقبلوا فضيلته بهتافات التكبير، وكان يُقدّر عددهم بأكثر من عشرة آلاف شخص.
وأشار فضيلته بعد تلاوة آية “وما هذه الحيوة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان”، وأبيات من أشعار العارف الرومي، إلى الهدف والغاية من حياة البشر، قائلا: في هذه الآية بيّن الله تعالى الهدف الأساسي والمقصد الحقيقي من حياة الإنسان، وهو معرفة الرب تبارك وتعالى والوصول إلى سعادة الدارين.
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: إن الله تعالى خلق كافة الكائنات على الأرض لأجل الإنسان وتوفير حاجاته. “هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا”. العلم والكرامة والنعم المادية وكذلك نعمة خلافة الرب العظمى على الأرض التي لم تعط للملائكة، من النعم الإلهية التي خصت للإنسان.
وأضاف فضيلته قائلا: العلوم الكونية والفنية كلها أودع في مصير البشر عند خلقه. هذه الابتكارات والاختراعات في المجالات المختلفة تعود إلى خلق الإنسان من جانب الرب تبارك وتعالى. لذلك يجب أن نشكر الرب تبارك وتعالى على كافة هذه الاختراعات. إن الله تعالى اختار من بين المخلوقات الإنسان، وأعطاه نعمه المادية والروحية ليستسلم أمامه، ويعبد ذلك الرب مالك القدرة المطلقة والعلم الكامل والحكيم والقدير وصاحب الأسماء الحسنى والصفات التي لا مثيل لها.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: أكثر الناس في العالم جعلوا التقدم المادي وكثرة الأموال والتطور في الماديات هدفا أصليا في حياتهم ورضوا بذلك. هؤلاء الناس يبتلون بالمشاكل يوم القيامة. والسعداء الناجون هم من مكّنوا محبة الله في قلوبهم، ولم يبعيوا دين الله تعالى بالمتاع القليل من الدنيا، ولم ينسوا الله تعالى ورسوله. هؤلاء هم الذين يصلون إلى السعادة الأبدية بعد وفاتهم.
وتابع عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قائلا: في عصرنا تبادر القوى الظالمة بإلقاء القنابل المخربة لأجل الاختبار على المظلومين، وهذا الاختبار خطأ وظلم كبير. المعصية مرة تم اختبارها في الجنة من قبل أبي البشر، ولا يجوز اختبار المعصية والخطأ. اختبار الخطأ هو نفسه خطأ كبير، لأن المعصية والخطايا تجلب سخط الله تعالى وعذابه. فحكم العقل ثابت. إن كانت المعصية فيها لذة وفيها منافع عاجلة والنفس تتمايل نحوها، ولكن يجب أن نعرف أن الله تعالى حذرنا من الاقتراب من المعاصي. “ولا تقربوا الزنى”. علينا أن نشعر بالخطر ما لم نلتزم بالشريعة كاملا، لأن طريق النجاة في الإتباع الكامل لله تعالى ولسنة رسوله الكريم.
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد “كثرة المعاصي” و”القصور في الصلاة والزكاة” من أسباب عدم استجابة الدعاء، قائلا:قوة المجتمع الإسلامي في التقوى والورع، وليست في الأسلحة المتطورة العسكرية. الأحكام الشرعية ليست للسعادة الأخروية فحسب، بل وعد الله تعالى أن يوصل المسلمين إلى السعادة في الدارين.
أثبتت التجربة أن الحزبية والطائفية والقومية لا تلبي مطالب البلد:
وفي قسم آخر من كلمته، أكد فضيلة الشيخ على مطالبة حقوق أهل السنة في إيران من طرقها المشروعة والسلمية، قائلا: لقد قمت أنا وسائر العلماء بإدانة التفجيرات التي وقعت قبل مدة في تشابهار، لأننا لا نعتقد بالعنف والقتل، ولكن لا نقصد بهذا أننا نغض الطرف عن حقوقنا القانونية والمشروعة. نحن نعتقد بأن إيران متكونة من الأقوام والمذاهب المختلفة، وقد أثبتت التجارب أن الحزبية والطائفية والمذهبية والقومية لا تلبي حاجات هذا المجتمع. وبما أن البلد يواجه تحديات وأزمات جادة، هذه الأمور تتطلب الوحدة والانسجام، والوصول إلى الوحدة والانسجام الوطني يتحقق بسعة الأفق والتدبير.
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد “أهل السنة في إيران خير فرصة للنظام”، قائلا: أهل السنة في إيران خير فرصة واختبار للنظام. على المسئولين أن يهتموا بأهل السنة ويستخدموهم في مناطقهم وكذلك في العاصمة، لأن التجربة أثبتت أن المدراء من أهل السنة يحسنون عملهم.
وتابع فضيلته قائلا: أهل السنة يحبون الإسلام ويحبون إيران ويتمنون عزة الإسلام. يرى أهل السنة ضرورة التعايش السلمي مع كافة مكونات الشعب الإيراني، ويجب أن يحافظ بعضهم حقوق البعض، وينفذ العدل، ونحن لن نسمح حسب قوتنا لأحد أن يثير الفتنة في المنطقة ويخل بالأمن.
عضوية فلسطين كدولة مراقبة حياة جديدة للشعب الفلسطيني:
أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى قضية فلسطين وطرق انتصار الشعب الفلسطيني والنجاة من الاحتلال، قائلا: في لقاء مع خالد مشعل في مكة المكرمة ذكرته أن الشعب الفلسطيني إن كان يضرب به المثل في المقاومة، لكن الطريق الوحيد لنجاة الشعب، هي التوبة إلى الله تعالى، وإقامة الصلاة في المساجد والأماكن العامة والشوراع.
وتابع الشيخ عبد الحميد: قضية عضوية فلسطين كدولة مراقبة، نجاح كبير لهذا الشعب ونستطيع أن نعتبرها حياة جديدة لهذا الشعب.
واستطرد فضيلته مخاطبا أهل تشابهار: أيها الشعب! تموج الصحوة في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط وفي العالم الإسلامي، ونتمنى أن تكتمل هذه الصحوة وأمواج المطالبة بالعدل. ما نراه في مصر من ظهور النسوة محجبات في الإعلام لأول مرة، وأن تكون الشريعة هي المحور الأساسي لقوانين هذا البلد، سبب للفخر؛ لأن القوانين الإسلامية لو نفذت بطريقة جيدة لكان فيها خيرا ونفعا عظيما، لأن فيها الحرية الكاملة المشروعة.
وتابع فضيلته قائلا: إن الله تعالى هو الذي أطاح بطواغيت مثل القذافي، ومبارك وغيرهم وأبلاهم بمصير لم يكونوا يتخيلونه.
لقاء مع الطلبة والمثقفين:
وفي جلسة عقدت بعد صلاة العشاء مع عدد من الطلبة والمثقفين في مدينة “تشابهار”، أشار فضيلة الشيخ إلى هذه المقولة لسيدنا عمر رضي الله عنه “تعلموا قبل أن تسودوا”، قائلا: إدارة منطقة أو مجتمع يتحقق مع العلم والفن. لذلك يجب على الطلبة الذين هم رؤساء ومسؤولو الغد أن يبذلوا سعيهم في اكتساب المهارات اللازمة.
وتابع قائلا: الطلبة من خير طبقات المجتمع. الشعب والمجتمع السني يفتخر بوجود الطلبة. الطلبة يجب عليهم أن يروجوا العلم بين الشباب بجانب دراستهم، ويكونوا ملتزمين بالدين الإسلامي وأحكامه. الطلبة الذين يسعون في سبيل العلم والدين هم عزة لنا وفخر لكافة علماء المحافظة.
فضيلة الشيخ في قرية “كهير”:
غادر فضيلة الشيخ عبدالحميد بعد نهاية جلسة رؤساء المدارس الدينية، مدينة تشابهار متجها نحو مناطق في جنوب غرب المحافظة.
الوجهة الأولى كانت منطقة “كهير” ولقاء أهله والتحدث معهم في هذه المنطقة. قرية “كهير” تبعد مسافة 70 كم من مدينة ” تشابهار” ويبلغ عدد سكان القرية إلى 700 أسرة، ويوجد فيها مسجدان كبيران، وتعقد صلاة الجمعة في واحد منهما. وتوجد بجانب المسجد، المدرسة الدينية التي تسمى بـ”التوحيدية”، ويشتغل فيها أكثر من 100 طالب. كافة سكان هذه القرية والقرى الواقعة في أطرافها التي تبلغ إلى خمسين قرية هم من البلوش السنة.
كان يرافق فضيلةَ الشيخ عبدَ الحميد في هذه الرحلة، “المفتي محمد قاسم”، رئيس دار الافتاء في جامعة دارالعلوم زاهدان، وأستاذ الحديث فيها، وكذلك الشيخ “محمد كريم صالح” من الدعاة النشطاء في المحافظة. واستقبل أهل القرى فضيلة الشيخ والوفد المرافق له استقبالا حارا، وذهب فضيلته مباشرة إلى الجامع في القرية الذي تجمع فيه عدد كبيرمن الناس، وبدأت الجلسة أعمالها.
في بداية هذه الجلسة رحب الشيخ “نواب هوت” رئيس مدرسة معهد العلوم وخطيب جامع “كهير” بقدوم الشيخ إلى قرية “كهير”، ثم تحدث فضيلة الشيخ المفتي محمد قاسم القاسمي حول موضوع الصبر والاستقامة في الدين قائلا: مشاعر أهل “كهير” في زيارة العلماء واستقبالهم يدل على إيمانهم وحبهم للدين. لكن لا ننسى أن الدين لا ينحصر في المشاعر والأشواق، بل الدين هو العمل على مجموعة من التعاليم الإلهية التي وصلتنا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم.
وأشار فضيلته إلى حديث “نضر الله إمرء سمع مقالتي فوعاها ثم أداها وفي رواية بلغها من لم يسمعها”، معتبرا تبليغ الدين وتعريف الرب لعباده سببا لسعادة الإنسان ونضارته، وقال: لا ينبغي أن تكون النصيحة وتبليغ الدين مختصا بالعلماء، بل يجب أن يقوم كل مسلم بتبليغ الدين والرسالة ونصيحة الناس وتوعيتهم.
وأضاف فضيلته في شرح آية “ياأيها الذين آمنوا اتقو الله وكونوا مع الصادقين”: التقوى من الله تعالى أن ندخل محبته في قلبنا، وأن نجتنب المعاصي بالنظر إلى نعم الله تعالى. الذين يؤمنون بالله تعالى ويحبونه حق محبته، لا يسخطون الله أبدا إرضاء للأقوام والأقارب. يجب تقوى الله في الفقر والغنى والتجنب من معصيته. بيّن القرآن الكريم أفضل الوصفات لترك المعاصي هكذا: “كونوا مع الصادقين”، و”اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قبله عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا”.
وأضاف: جالسوا الصادقين والصالحين، واجتنبوا صحبة من فيه إحدى هذه الخصال الثلاث: 1- من أغفل قلبه عن ذكر الرحمن. “ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا”. 2- من اتبع هواه وشهواته. ” واتبع هواه”. 3- من ضل عن الصراط المستقيم. “وكان أمره فرطا”.
وأنهى فضيلة الشيخ محمد قاسم كلمته بالتأكيد على اغتنام فرص الحياة، مشيرا إلى حديث “اغتنم خمسا قبل خمس؛ حياتك قبل موتك، شبابك قبل هرمك، صحتك قبل سقمك، فراغك قبل شغلك، غناك قبل فقرك”.
خطبة فضيلة الشيخ عبد الحميد في جامع الأقصى في قرية “كهير”:
وفي كلمته في جامع الأقصى في قرية “كهير”، دعا فضيلة الشيخ عبد الحميد الحاضرين إلى عبودية الله تعالى، قائلا: الصلاة ركن الإسلام، وسعادة الدارين رهينة في المداومة على الصلاة. والذين يضيعون الصلاة، عليهم أن يعرفوا أنهم يستجلبون بذلك أسباب نزول العذاب الإلهي لأنفسهم ومن حولهم.
وتابع فضيلته قائلا: المسلمون ورثة الرسول وخلفاء الصحابة رضي الله عنهم. اليهود والنصارى كانوا يدعون أنهم ورثة الأنبياء، لكنهم حرّفوا دين الأنبياء ولم يكونوا ورثة جيدين، ولم يتبعوا سير الأنبياء؛ لذلك ضلوا عن الصراط المستقيم، فليسوا ورثة في الحقيقة للأنبياء.
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد: الأمة الإسلامية التي هي ورثة الرسول وخلفاء الصحابة، عليهم أن يتبعوا سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ويمضوا على نهجهم. الدين الإسلامي ثروة كبيرة حرمت منها سائر الأمم. على المسلمين أن يحافظوا على حقوق الله تعالى ويعملوا بالفرائض الإلهية الموجودة في الدين.
واستطرد فضيلته قائلا: من المسائل الهامة الموجودة في الشريعة التي ضعف وجودها في مجتمعاتنا، هي رعاية حقوق العباد. إن كنا نريد أن نكون مسلمين صادقين كاملين، فعلينا أن نراعي حق الوالدين والأقارب. التبرع على الفقراء والأيتام وأسر المساجين أيضا من مراعاة حقوق الناس.
واستطرد فضيلته قائلا: القرآن الكريم أهم وثيقة إلهية يجب على المسلمين تعلمها وتلاوتها.
وتابع فضيلته مخاطبا شباب قرية “كهير” التزموا التدين وأنتم شباب، واختاروا لأنفسكم حياة المتدينين. كونوا مسلمين صادقين، لا مسلمين في الظاهر. المسلم الصادق من يكون مستسلما أمام أوامر الله تعالى.
وأوصى فضيلته في نهاية كلمته علماء ورؤساء القبائل وأهل قرية “كهير” قائلا: ادعموا أولادكم في مجال تعلمهم في الجامعات، وشجعوهم للدارسة، ليتعلموا في الجامعات ويكون لهم دور في القادم في هذه المناطق، إن شاء الله.
فضيلة الشيخ في “زرآباد”:
استمرت رحلة فضيلة الشيخ عبد الحميد يوم الأحد، بعد انتهاء الحفلة في قرية “كهير”، إلى “سورو” (زرآباد) للمشاركة في حفلة تخرّج الطلبة وحفاظ القرآن الكريم في هذه القرية. أثناء الطريق كانت وقفة قصيرة في منطقة “سندسر”( كاروان). استقبل أهل القرية بتجمعهم في مدخل القرية فضيلة الشيخ عبد الحميد، وذهب سماحته مباشرة إلى المعهد الشرعي “دار السنة” التي أسسها الشيخ الشهيد بإذن الله “أحمد سياد” رحمه الله.
وتحدث فضيلته في جامع هذه القرية بعد ما رحّب بقدومه أحد أساتذة هذا المعهد.
خطبة فضيلة الشيخ عبد الحميد في قرية “سندسر”:
أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في خطبته أمام أهل قرية “سندسر” (كاروان) إلى جهود الشيخ “أحمد سياد” و”ملا محمد عيسى” رحمهما الله في المنطقة، ودعا لهما بالمغفرة ورفع الدرجات من الله تعالى، ثم تطرق إلى جامعية الدين الإسلامي، قائلا: الإسلام دين جمع فرق وأفكار ورؤى مختلفة في ظله، ودعا الجميع إلى التفاهم والتضامن والمحبة.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد: الأمة المسلمة بإمكانها أن تتحد باتباع القرآن والسنة. علينا أن ننتبه أن المسميات والمصطلحات لا تنفع ولا تكون سببا للنجاح ما لم نعمل بأحكام القرآن الكريم. وأضاف: الطائفة التي تكون ناجحة وتتغمدها رحمة الله ونصره من الغيب، هي التي تتصف بالصداقة وتتجنب الطائفية والاختلاف.
حفلة التخرّج في معهد “الفاروق الأعظم” في قرية “سورو” من منطقة “زرآباد”:
تبعد قرية “سورو” عن مدينة تشابهار 200 كيلومترا، وهي تقع في جنوب غرب المحافظة. يبلغ عدد سكانها إلى 350 أسرة. انعقدت جلسة التخرج بحضور عدد كبير من العلماء الذين قدموا من تشابهار ومن مناطق مختلفة مع فضيلة الشيخ عبد الحميد، وكانت مشاركة واسعة أيضا من قبل الشعب المؤمن في هذه المنطقة، وعدد كبير قدموا من مدينة “جاسك”، و”ميناب” و”بندر كلاهي” وغيرها من مدن محافظة “هرمزكان”.
انطلقت هذه الجلسة الدينية بعد صلاة المغرب في ساحة المعهد بترحيب الشيخ “عارف”، مدير المعهد. ثم ألقى فضيلة الشيخ “عبد المالك ملكي فور” إمام الجمعة في مدينة “كنارك” خطبة، شكر فيها فضيلة الشيخ عبد الحميد والعلماء الحاضرين على تفقدهم أهل السنة في المنطقة وتحملهم المشقات لزيارة أهلهم في هذه المناطق النائية والبعيدة عن المراكز.
وأضاف فضيلته بعد تلاوة آية “إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم”: في هذا العصر مع الفتن المتنوعة لا ينبغي للمسلمين أن يقبلوا إلى التحزب والطائفية بين المؤمنين؛ والقرآن الكريم سمّى المؤمنين جميعا إخوة. العلماء والمفكرون يجب أن يسعوا في إزالة سوء التفاهم بين أبناء المجتمع.
وتابع فضيلته قائلا: ورد في الحديث الشريف “لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث”، لذلك حرام على مسلم أن يهجر أخاه المسلم، ويعرض عن التسليم والمصافحة أثناء اللقاء.
واستطرد فضيلته إلى الأوضاع السيئة للمسلمين في العالم قائلا: الأمة المسلمة تركت المنهج الإسلامي وخضعت للأعداء والأجانب، ونسيت رسالتها ومهمتها، وأصبحت في خدمة الأعداء، وهذا صار سببا لأن يتعرض المسلمون في المناطق المختلفة من العالم للظلم والمذلة والهوان. قال الله تعالى: “وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”.
ثم تحدث فضيلة الشيخ “محمد كريم صالح” من الدعاة البارزين والناشطين في الدعوة والتبليغ. وقال فضيلته بعد تلاوة آيات وأحاديث حول رسالة الأمة الأساسية: علينا أن نعرف رسالتنا الأصلية ومكانتنا الحقيقية، وهذه المعرفة لا تتحقق إلا من خلال القرآن الكريم. أشار القرآن الكريم إلى هذه الرسالة الهامة، مخاطبا الرسول الكريم “قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني”.
وتابع الشيخ محمد كريم قائلا: الدعوة إلى الله تعالى تشمل المؤمن والكافر؛ كما ندعو الكفار إلى الدين الحق، كذلك ندعو المؤمنين إلى الإيمان الصادق واليقين الراسخ.
وتابع فضيلته قائلا: المنصب والمال لا يحملان السعادة لأحد، بل السعادة الحقيقية تكمن في الدين. الذي يعرف الله تعالى لا يبتعد عنه بارتكاب المعاصي والمنكرات. يجب أن يسعى المسلمون جميعا لإنقاذ البشرية من العذاب الإلهي، وينفقوا الغالي والرخيص حتى الموت لأجل هذه الغاية السامية.
ثم خطب فضيلة الشيخ “محمد قاسم القاسمي” المشرف على دار الإفتاء التابعة لجامعة دار العلوم زاهدان. وبيّن فضيلته في كلمته أن الهدف من استماع النصيحة والموعظة هو العمل بمقتضاها، كما اعتبر فضيلته إقامة مثل هذه الجلسات سببا لنزول الرحمة والسكينة من عند الله تبارك وتعالى.
وأضاف فضيلته في توضيح آية “ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان”: العمل على أحكام الله تعالى في بعض الأحيان سهلة، كالعمل بمقتضى ” كلوا واشربوا”، وصعبة في بعض الأحيان بسبب تعارضها مع شهوات النفس والآراء الشخصية. وربما العمل على بعض الآيات تجلب أضرار مادية أو غضب الأولاد والأقارب ووجهاء المنطقة. المسلم الصادق من يكون مطيعا لأحكام الله تعالى في كافة الأحوال والظروف.
واستطرد فضيلته قائلا: الشيطان الذي هو عدو الإنسان، يدعو إلى الضلال وإلى شهوات النفس من غير تعب وكسل. إن الله تعالى خاطب الإنسان برحمته وكرمه، وحذره من الشيطان وقال: “يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا”.
وتابع فضيلة الشيخ محمد قاسم نقلا عن ابن القيم رحمه الله في تفسير المعوذتين، مشيرا إلى الموانع الخمسة التي يجعلها الشيطان في طريق الإنسان: يسعى الشيطان في الدرجة الأولى أن يحول بين الإنسان وإيمانه ويوقعه في الشرك. فإن اجتاز الإنسان هذا المانع، يسعى الشيطان في إيقاعه في المعاصي. وإن تجنب الإنسان المعصية، يزيّن الشيطان صغار المعاصي في ذهنه. وإن اجتنب الإنسان صغار المعاصي، يدخل الشيطان إذن من منطلق الأشياء المباحة، فيدعوه إلى طريقته. لذلك يجب أن يحفظ الإنسان نفسه بمعرفة طرق الشيطان، لئلا يقع في حيل ووساوس الشيطان.
خطبة فضيلة الشيخ عبد الحميد في حفلة التخرج:
تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد في حفلة التخرج إلى أهمية الدين الإسلامي قائلا: مرضاة الله تعالى تحصل فقط بالعمل على الدين الإسلامي. وبما أن الدين الإسلامي دين شامل وجامع، نزل لكافة البشر إلى يوم القيامة. كما أن القرآن الكريم هدى البشر منذ أن نزل إلى الآن، فهو هاد للبشر من الآن إلى يوم القيامة. الصالحون والمتدينون خالدون، وتبقى ذكرياتهم الجميلة في الأذهان إلى يوم القيامة، ولكن أصحاب السيئات وشرار الناس يلعنهم الجميع.
وتابع فضيلة الشيخ: الذين يفكرون في المادية وادخار الأموال فحسب، ولا يسعون للآخرة، فهؤلاء مصاديق قول الله تعالى “أولئك كالأنعام”. الذي يفضل الدنيا والمادية على الدين وأحكام الرب تبارك وتعالى، هو شخص ضيق التفكير وفاقد البصيرة. بما أن الدين الإسلامي أهم من كافة الأشياء وحتى نفس الإنسان، فإننا لو فقدنا جميع ما عندنا من المال والنفس، فلا نسمح بأن يتعرض ديننا للنقض والخلل.
واستطرد فضيلته قائلا: سر انتصار الصحابة وكافة المسلمين عبر التاريخ يكمن في الاتباع الكامل للشريعة الإسلامية. عزة المسلمين وشرفهم في الدين الإسلامي والسنة النبوية. كلما ابتعد الناس عن الدين، تضرروا وأصابتهم هزائم. فعلى المسلمين أن يلتزموا كافة أركان الإسلام ليستعيدوا عزتهم الفائتة.
وحذر عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في نهاية كلمته أهل منطقة “زر آباد” من التفرق والتشرذم والاختلافات المذهبية، قائلا: المذاهب الإسلامية تجمعهم عقيد واحدة. الاختلافات والنزاعات المذهبية تنشأ من الجمود الفكري. لا ينبغي إثارة مثل هذه الخلافات. على المسلمين أن يتعايشوا جنبا إلى جنب بالإيثار والتضحيات، لأن جميع المذاهب الفقهية لأهل السنة، متحدة في أصل العقيدة، وتوجد اختلافات في المسائل العلمية والفقهية، ولكل أن يعمل حسب ما يراه صحيحا في المسائل المختلفة، ولا يثير الاختلافات، ويقوم بتبليغ الإسلام والدين. أما المسائل الفقهية فإن عمل كل بالطريقة التي يراها صوابا، فلا تحدث اختلافات ولا نزاعات.
جلسة في منطقة “جاهان”:
غادر فضيلة الشيخ عبد الحميد والوفد المرافق له صباح الإثنين قرية “سورو” متجها نحو منطقة “كلات جاهان” التي تبعد عن قرية “سورو” 70 كم. تجمع الناس لاستقبال الشيخ والعلماء المرافقين له في جامع “جاهان” الذي بروعة جماله ومتانة وبنائه كان يحكي للناظرين حب أهل القرية للدين والعلم. أقام عدد من العلماء الشباب في هذه القرية كتاتيب لتعليم القرآن الكريم للبنات والبنين.
ألقى فضيلة الشيخ خطبة في جامع خاتم الأنبياء في “جاهان” دعا فيها أهل هذه المنطقة إلى تعلم القرآن الكريم والعمل على أحكامه قائلا: عزة المسلم رهينة بعمله على أحكام القرآن الكريم.
وأشار فضيلته إلى فتح إيران في عهد الصحابة رضي الله عنهم، قائلا: لم يكن أهل إيران يتصورون أن تكون للصحابة قوة لمواجهتهم. لكن الصحابة بالعمل على القرآن الكريم حصلوا على قوة استطاعوا أن يهزموا بها إمبراطوريتين عظيميتن في عصرهم.
وتابع فضيلته قائلا: الصحوة الإسلامية وكذلك البيئة الإسلامية السائدة في البلاد يجب أن تقودنا نحو الدين والعمل على الشريعة الإسلامية.
في قرية “دهان” من توابع مديرية “بنت”:
تقع قرية “دهان” من توابع مديرية “بنت” على بعد 85 كم من مدينة “نيك شهر” (جنوب غرب بلوشستان) ويبلغ عدد سكانها إلى 400 عائلة. وصل فضيلة الشيخ عبد الحميد ظهر الإثنين إلى هذه القرية، وقد اصطف أهلها خارج القرية لزيارة الشيخ طرفي الطريق، وقاموا بمرافقة الشيخ وسائر العلماء إلى المسجد الجامع.
وتطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد في الاجتماع العظيم في قرية “بنت” بعد تلاوة آية “وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إن الإنسان لظلوم كفار”، إلى النعم الإلهية الكثيرة قائلا: إن الله تعالى خلق حاجات البشر قبل خلقها. خلق الله تعالى نعمة العقل، ونعمة العين، ونعمة اللسان، ونعمة سائر الأعضاء والجوارح، ونعمة الزراعة والهواء، ونعمة العلم وغيرها من النعم الكثيرة التي نعجز عن عدها وإحصاءها. خلق الله كافة هذه النعم للبشر.
وأضاف فضيلته قائلا: النعم الروحية مثل نعمة الإيمان بالله تعالى، والصلة القلبية مع الرب تبارك وتعالى، والمعرفة الإلهية، والاعتقاد الصحيح بوحدانية الله والدين الإسلامي، من أفضل نعم الله علينا. لو أن الأرض كلها امتلأت ذهبا ومجوهرات، لهي قليلة مقابل نعمة الدين؛ لأن الدنيا فانية، ولكن ثروة الإيمان الصحيح والاعتقاد الصحيح خالدة تبقى مع الإنسان إلى الأبد. لذة الدنيا وحلاوتها لا تصاحب الإنسان إلى الأبد، بل هي تتعلق بالدنيا وتزول بالموت، ولكن الدين والعقيدة لا يغادران الإنسان ويصاحبانه في كافة المشاهد من القبر والقيامة. علينا أن نظل عاملين على الدين، ونحافظ على الأركان الإسلامية، ونعمل على الأحكام الشرعية، لأن الدين يضمن لنا السعادة والنجاة من عذابي الدنيا والآخرة.
التبشير المذهبي في المناطق المحرومة بحجة الدعم والمساعدة، أمر موفوض وخطوة طائفية:
وأشار رئيس اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في بلوشستان، إلى استغلال الفقر والحرمان الثقافي في بعض المناطق النائية من بلوشستان، من قبل بعض الجماعات التي تطلق على نفسها “سفراء الهداية” للتبشير المذهبي، قائلا: تأتي بعض الجماعات من المدن الأخرى باسم الخدمة في المناطق المحرومة، وإنهم يستغلون فقر وحرمان هذه المناطق لدعوة أهلها إلى مذهب الشيعة.
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد مثل هذه الخطوات “خطوات طائفية ومحرّمة”، كما حذّر فضيلته مسؤولي مدينة “نيك شهر” من مثل هذه الممارسات، مطالبا إياهم أن يقوموا بمنع هؤلاء من هذه النشاطات.
وأضاف: أعمال هذه الجماعات والأشخاص مثيرة للطائفية. نحن لا نسمح لسني أن يقوم بحجة الدعم والمساعدة للشيعة الذين لهم أحوال مشابهة، بدعوتهم إلى مذهب أهل السنة. وفي المقابل نرجو من المسئولين أن لا يسمحوا لهؤلاء الأشخاص من الشيعة ليقوموا بمثل هذه النشاطات التبشيرية؛ لأن هذه نشاطات محرمة. الشيعة والسنة بدل التبشير المذهبي، عليهم أن لا يسمحوا لأتباعهم من الشيعة أو السنة ليرتدوا عن الإسلام.
في نهاية هذه الجلسة وزعت هدايا على عدد من خريجيات مدرسة البنات في القرية المذكورة.
مساء الإثنين في مدينة “فنوج”:
ألقى فضيلة الشيخ عبد الحميد كلمة بعد صلاة المغرب في جامع مدينة “فنوج”. وأشار فضيلته إلى قضية بدء الوحي، قائلا: قبل نزول الوحي كان الظلم عاما، ونسي البشر غايته الأصلية، وكانت غارة أموال الناس الضعفاء نوعا من الشجاعة والمروءة ، إلى أن أنزل الله تعالى آية “قم فأنذر”، مخاطبا نبيه ليهتم بإنقاذ البشر.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد: الصحابة هم أول من آمنوا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وشعروا بحياة جديدة في حياتهم؛ حياة أنقذتهم من الظلم والجاهلية إلى عدل الإسلام.
وأضاف فضيلته: الإسلام يعارض الظلم والجور، ويهدي مكانها المساواة والأخوّة للعالم. الأخوّة التي دفعت بالأنصار إلى أن يقسموا أموالهم مع المهاجرين. الناس سواسية في ظل الإسلام كأسنان المشط، ولا فرق بين الصغير والكبير والغني والفقير.
وتابع خطيب أهل السنة: مع الأسف ابتعد المسلمون عن الإسلام، واتبعوا الأجانب، وابتلوا بمحبة الدنيا. ومادام المسلمون يقضون حياتهم على هذه الطريقة ولا يعودون إلى الإسلام الصادق، يعانون من المشكلات والمصاعب ويواجهون الفشل في حياتهم الإجتماعية.
وخاطب فضيلته أهل فنوج قائلا: يجب أن يحدث أهل فنوج وكافة مناطق بلوشستان حياة جديدة ويعودوا إلى الإسلام من جديد، ويسعوا في سبيل الصحوة الدينية وإصلاح النفس وإصلاح المجتمع.
فضيلة الشيخ عبد الحميد في قريتي “كتيج” و”محترم آباد”:
اتجه فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى قرية “كتيج” و”محترم آباد”. وأثتاء الطريق قاموا بزيارة قرية “سياهكان” وكتّاب ومسجد هذه القرية. كان يشتغل عدد كبير من الصغار في هذ الكتاب بتعلم القرآن الكريم والعلوم الدينية. عشق هؤلاء البراعم بالدين في هذه المناطق المحرومة والبعيدة واستقبالهم الحار لفضيلة الشيخ عبد الحميد بتلك الوجوه المعصومة، يثير في الناظر المشاعر وتذرف العيون بالدموع من رؤيتها.
وقام فضيلة الشيخ عبد الحميد في قرية “محترم آباد” وفقا لمخطط سابق بزيارة من مركز “ابو علي سينا” الصحي، الذي أسسته جمعية “صادقين” الخيرية. لقد تجمع أيضا عدد كبير من الشباب ووجهاء المنطقة والطبقات المختلفة في الجامع الذي افتتح حديثا للاستماع إلى نصائح فضيلة الشيخ عبد الحميد.
توجد في هذه المنطقة مقبرة تسمى بـ “دن شهيدان”، يقال عنها أن عددا من الصحابة أتوا إلى هذه القرية في عهد الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه، واستشهد عدد منهم نتيجة المعركة مع أهل هذه المنطقة ودفنوا في المقبرة المذكورة. كذلك توجد صخرة كبيرة في مصلى العيد يبلغ عمرها إلى 147 سنة تدل على تاريخ الجمعة والعيدين في هذه المنطقة.
في جلسة “محترم آباد” تحدث الشيخ “عبد الحليم قاضي” رئيس معهد الزهراء للبنات ومن الناشطين في هذه المنطقة، وقدم تقريرا موجزا من النشاطات الدينية والعلمية في منطقة “محترم آباد” وضواحيها.
ثم تحدث الشيخ “محمد كريم صالح” وذكّر المسؤلية الدينية لأهل “محترم آباد”.
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في كلمته إلى قصة بناء الكعبة المشرفة على يد إبراهيم وإبنه إسماعيل قائلا: بنى إبراهيم عليه الصلاة والسلام الكعبة، ليحيى الدين في مكة وأرجاء العالم، فينبغي أن يكون بناء المسجد في “محترم آباد” سببا للعمران والتقدم في تعلم القرآن الكريم والدين في المنطقة.
وأضاف فضيلته قائلا: نقوم بتذكرة تضحيات إبراهيم لأجل أن يتدارك المسلمون أن العمل على الشريعة والسعي في نشر الدين يكون سببا لتخليد الإنسان.
وتابع فضيلته قائلا: الدين والشريعة أفضل نعم الله تعالى على البشر. كما أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أوصوا أبنائهم بتعلم الدين والعلم، علينا أيضا أن نتأسى بالأنبياء وأعيان تاريخ البشرية في تربية وتثقيف الأجيال القادمة وأبنائنا.
واستطرد فضيلته قائلا: نظرا إلى الغزو الثقافي الذي وصلت آثاره إلى من خلال وسائل الإعلام الغربية إلى القرى المحرومة في المحافظة ويريدون بث الشبهات في الدين الإسلامي وتخريب عقائد الأمة المسلمة، وكذلك الجماعات التبشيرية النصرانية الي تحاول مسخ الأفكار الإسلامية في أذهان الأمة الإسلامية، علينا أن نكون واعين بالنسبة إلى أبنائنا وبناتنا أن لا يقعوا في مصائد الأعداء ومكائدهم.
فضيلة الشيخ عبد الحميد في قرية “كتيج”:
في البداية رحب الشيخ “عبد الرحيم قاضي” إمام الجمعة في قرية “كتيج” بقدوم فضيلة الشيخ عبد الحميد والضيوف القادمين إلى القرية.
ثم تحدث فضيلة الشيخ “محمد كريم صالح” حول النعم الإلهية الكثيرة التي لم يطلب الله من العباد على هذه النعم بدلا ولا عوضا. لكن الله تعالى منّ على عباده بنعمة الإسلام والإيمان، وقال: “لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم”. الإسلام الذي أريق في سبيله أزكى الدماء حتى وصل إلينا، فلنقدر هذا الدين وهذه النعمة العظيمة، ونكون عاملين على الشريعة الإسلامية.
بعد خطبة الشيخ محمد كريم صالح، قدم “فضل الله رئيسي” أنشودة رائعة باللغة البلوشية في مدح سيد المرسلين.
في ختام جلسة “كتيج” ألقى فضيلة الشيخ عبد الحميد خطبة تطرق فيها بعد تلاوة آية “ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة”، إلى تفسيرها قائلا: لقد خاطب الله في هذه الآية المسلمين وطلب منهم أن يدخلوا في الإسلام كافة.
وأضاف فضيلته مشيرا إلى قول الله تعالى “ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله”: نزلت هذه الآية في الصحابي الذي أقبل مهاجراً الى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلتهِ، وانتشل مافي كنانته، ثم قال: يا معشر قريش، لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً وايم الله، لا تصلون إليَّ حتى أرمي كل سهم معي في كنانتي ثم اضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلو ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي بمكة، وخليتم سبيلي. قالوا: نعم. فكانت فيه نزول هذه الآية. وهكذا ضحى هذا الصحابي الجليل جميع أمواله وتحرك نحو المدينة، فرضي الله تعالى عمل هذا الصحابي في الآية المذكورة وأعلن مرضاته لكل من يشري نفسه وماله ابتغاء مرضاة الرب تبارك وتعالى.
وتابع خطيب أهل السنة: نحن بإسلامنا كأننا أعطينا الله تعالى عهدا أننا نقوم بكافة أحكام الإسلام. يقول البعض إننا نصلي الصلوات بالجماعة في المسجد، ولكننا لا نعطي الزكاة لأننا وأولادنا بحاجة إلى الأموال، لكن الله تعالى لا يقبل إسلاما مثل هذا، ويقول “أدخلوا في السلم كافة”.
وأشار رئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان إلى رواج المنكر والفحشاء في المجتمع قائلا: القنوات الفضائية التي توجد في كافة مدن المحافظة وحتى القرى، من أسباب انتشار هذه المنكرات في المجتمع. وإنها تحاول أن تنشر ثقافة الابتذال والخلاعة في المجتمع، وتسلب الحياء التي هي شعبة من إيمان المسلمين. فعلى المسلمين رجالا ونساء أن يلتزموا بدل الثقافة الغربية بثقافتهم الإسلامية والدينية، والنساء المسلمات يلتزمن الحجاب الإسلامي عملا بقول الله تعالى “وليضربن بخمرهن على جيوبهن”، ويحافظن على عفتهن وكرامتهن، لأنهن بالحياء والحجاب الإسلامي سبب للعزة والفخر للأمة المسلمة.
النزاعات القومية والمذهبية “نزاعات عمياء”:
أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في قسم آخر من خطبته في قرية “كتيج” إلى النزاعات القومية والمذهبية، واصفا إياها بالنزاعات العمياء، قائلا: شياطين الإنس والجن يسعون في إثارة الخلافات بين الطوائف والمذاهب المختلفة. إنهم يثيرون البعض ضد الآخرين. لذلك ينبغي أن تكون المذاهب والأقوام كلها في وعي أن لا يصل العدو إلى غايته وهدفه. الوحدة والانسجام ضروري، والوحدة الأصلية والحقيقية تتحقق بالعدالة.
وتابع فضيلته قائلا: لا يسئل أتباع مذهب من أتباع المذهب الآخر، وأتباع المذهب هم المسئولون عن صحة مذهبهم أو بطلانه.
وأشار فضيلته إلى الإشاعات من قبل بعض المواقع والعناصر حول رحلاته الدعوية، قائلا: لا يخفى على أحد أني لم أحمل معي أموالا ولا سلعا في هذه الرحلة للشعب المحروم في هذه المنطقة. أنا أشعر بالمسئولية تجاه الذين لا يؤدون الصلاة. وهدفي من هذه الرحلة هي النصيحة، وإرادة الخير، وإحياء الأحكام الإسلامية في هذه المناطق. فالإشاعات التي تقول أني اقوم بتوزيع الأموال والسلع بين الناس واهية لا أساس لها.
خطبة فضيلة الشيخ عبد الحميد في قرية “جاه علي”:
سافر فضيلة الشيخ عبد الحميد يوم الأربعاء إلى قرية “مسكوتان” وقرية “جاه علي” من توابع مديرية “بمبور” في مدينة “إيرانشهر” وشارك في جلسات مشابهة.
أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في خطبته في جامع قرية “جاه علي” إلى مكانة الصحابة وتضحياتهم في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية، قائلا: الصحابة بإيمانهم القوي وتوكلهم على الله تعالى استطاعوا أن يغلبوا على إمبراطوريتين عظيمتين في عصرهم، ويرفعوا راية الإسلام في أنحاء العالم.
وأشار رئيس منظمة اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في محافظة سيستان وبلوشستان إلى حديث “لا دين لمن لا عهد له ولا دين لمن لا أمانة له”، قائلا: الصحابة كانوا أمناء جيدين، لأنهم بلّغوا الدين الإسلامي الذي كان أمانة في أعناقهم من غير نقص ولا زيادة إلى الجيل القادم. مع الأسف في العصر الراهن لما ابتعد المسلمون عن الدين وأصبحوا غافلين بالنسبة إلى هذه الأمانة الإلهية، هجمت القوى الاستكبارية على الإسلام وسيطروا على معظم البلاد الإسلامية. فعلى المسلمين أن يعودوا إلى دينهم الحقيقي ويستعيدوا بالعبادة والعبودية والتوكل على الله تعالى عزتهم الفائتة.
انتهت رحلة فضيلة الشيخ عبد الحميد التي استغرقت ستة أيام بخطبته في قرية “جاه علي”، وغادر فضيلته القرية يوم الأربعاء متجها نحو مدينة زاهدان.
الأهداف الأساسية من هذه الرحلة:
أهم أهداف هذه الرحلة تختصر في ما يلي:
السعي في توعية الناس دينيا، ودعوتهم إلى التوبة والعودة إلى الله تعالى، والتزام أحكام الشريعة، ومعرفة الرب تبارك وتعالى، وإصلاح النفس والتزكية.
وأوصى فضيلته في معظم جلسات هذه الرحلة على التقوى وتعلم العلم. يرى فضيلة الشيخ عبد الحميد أن يكون المؤمن مؤمنا صادقا، وأن يهتم مجتمع أهل السنة خاصة أهل السنة في إيران إلى علمي الشرعي والعصري، ويرى أن الأمة مهما لم تلتزم بعبادة الله تعالى مخلصين خاشعين، ولم تعمل بأحكام الشريعة خاصة إقامة الصلاة وتأدية الزكاة، فإنها تواجه مشكلات وتحديات جادة في حياتها، ولا تأمن من عذاب الله في الدارين.
تعليقات