اليوم :26 April 2024

متى تنتهي هذه الليلة الظلماء؟! محنة أهل الشام محنة الأمة جمعاء

متى تنتهي هذه الليلة الظلماء؟! محنة أهل الشام محنة الأمة جمعاء

يكاد يكتمل العام الثاني ولا زالت محنة الشام مستمرة. فقد ذهب ضحية هذه المحنة أكثر من ثلاثين ألف شهيد، ولا تسأل عن الجرحى والأسرى والمفقودين والمشردين. إن رحى التقتيل يدور كل يوم، فيقتل الرجال والنساء والصبيان في عقر دارهم.
ولا تزال المؤتمرات تنعقد والصحف تنتشر وأهل السياسة يعلّقون ورجال باسم المعارضة يحتفلون ويتشاورون ولكن دون جدوى!.
ولا شك أن ما يذوقه الشعب السوري المظلوم من الويلات والمصايب منذ تأسيس الدولة البعثية إلى هذا اليوم لا يعلم شدتها إلا الله وحده، ولا يخفى على ذوي البصائر والخبراء بأحوال الأمة ما ارتكبه الأسد الأب من جنايات على المؤمنين في حماة وبعض المدن الأخرى حيث قتل أكثر من أربعين نفساً، وارتكب أبشع مجزرة في التاريخ المعاصر. ولكن ماذا فعلت الأمة الإسلامية وهيئة الأمم المتحدة آنذاك؟
إن السفاح الأب ارتكب ما ارتكب، وتربع على عرش الحكومة وأمن المؤاخذة والإدانة من قبل الحكومات العربية الإسلامية وشعوبها، فصار قدوة لمن تولى الأمر بعده، فهذا ولده الذي هو سر لأبيه ورث أباه في الشر، وصار يطبّق ما أوصاه سلفه. ولا شك أن ما نشاهده من حوادث دامية ومجارز بشعة وأوضاع مبكية ليست إلا وليدة أعمال سابقة وغفلات ماضية.
أين كان العلماء والدعاة وأهل الغيرة من الرجال حينما تولد هذا النظام وترعرع وكبر وتمتع بحماية الدول الإسلامية وشعوبها أو صمتها وغفلتها، فاشتدت جذورها وأعدَّت لمستقبلها كل الإمكانيات على غفلة من أهل البلاد. ولنعم ما قال القائل: أخطأنا دقائق وذقنا العذاب قروناً، ولا ينسى كاتب هذه السطور لما سافر قبل عشرين عاماً إلى بلاد الشام وجد أكثر أهلها غافلين، أو مذعورين وخائفين، ووجد صورة الحاكم السفاح معلقة على جدران المعاهد الدينية ودور التربية والعلوم، كان الرجل استخف قومه فأطاعوه، فلم ينبس العلماء ببنت شفة إلا قليلاً منهم، ومنهم من كان يتولى الحاكم ويتقرب إليه، ومنهم من يسكت على الظلم والعدوان خوفاً من الحكام، وفي جانب آخر وطّدت الدول العربية الإسلامية علاقاتها مع النظام الغاشم إلى أن أتت المرحلة الحالية التي قلما يوجد لها نظير اللهم إلا في عهد الفراعنة.
إن الحكومة الظالمة تمارس اليوم أشد العنف ضد المواطنين العزل فتدمّر شعبها، ولا تألو جهداً عن إراقة الدماء ودوس الحرمات وتشريد الناس وتعذيب المعتقلين، وترتكب أشنع الجرائم الحربية جهاراً ونهاراً، يبدو الكل أمامها مكتوفي الأيدي عاجزين عن اتخاذ أبسط إجراء رادع يمنع الظالم من تقتيل شعبه وإبادتهم الجماعية.
فالعالم العربي والإسلامي جميعاً يبدوان متفرجين تجاه المواقف الدامية والمجازر الوحشية الأسدية، ولا يقدر أحد أن يتكهن أو يتنبأ متى تنتهي هذه الليلة الظلماء، ومتى تتوقف إراقة الدماء، وإلى أين تصير الأمور، ومتى يعود الأمن والسلام والهدوء والطمأنينة إلى أرض الأنبياء والصالحين؟!.
هنالك يتساءل أهل الشام ويتساءل كل ذي ضمير حي، أين العقلاء الغيورون على مصالح الأمة؟! أين الذين يؤمنون بأن المسلمين كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو اشتكى سائر الجسد بالحمى والسهر؟! ألا يسمعون صرخات الأرامل وأصوات الأيتام؟! ألا يرون على الشاشات حيرة اللاجئين الذين أخرجوا من ديارهم ونُهبت أموالهم؟!  ألا يرون صواريخ الظلمة تنثر حجارة منازل المظلومين؟ ألا يرون الأجساد المقطعة والأذرع المبتورة في صور تنبئ عن مقدار خواء نفوس مرتكبيها من الإنسانية والمثل وتجرد أفعالهم من الشيم النبيلة، تجري دماء الشاميين جريان دجلة والفرات ليس على عدو ظاهر، بل على يد مدعي العروبة وحراسة العرب ودفاع الأرض المقدسة على وجه لا يحتمل العذر ولا تستره المبررات.
ألم يأن للذين لديهم بقية من الغيرة الإسلامية من الحكام والشعوب في الوطن الإسلامي أن يفيقوا من غفلتهم وينتبهوا من رقدتهم؟! ألم يأن للعلماء والمشايخ أن يجددوا النظر في أعمالهم وبرامجهم ومناهجهم، ويسعوا من جديد لإيقاظ الشعوب والجماهير؟! لقد آن للجميع أن يتوبوا إلى الله ويستغيثوا به حتى يأتي نصر الله. ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)﴾
وليعلم الجميع أن فضل الشام وكونها ثغر الإسلام يحتّم على الجميع التنادي لنصرة أهلها بالأنفس والأموال والاستغاثة والدعاء و…و…
ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاح الشام معياراً لصلاح الأمة كلها، حيث قال: “إذا فسد أهل الشام فلا خير لكم”. كيف وإن أرضها مدرج الأنبياء ومنزل الوحي من السماء، هي أرض المحشر والنشر، وحين يبعث الله المسيح ابن مريم في آخر الزمان لا ينزل إلا فيها عند المنارة البيضاء شرقي دمشق كما رواه الإمام مسلم.
إن خبراء الباطل وسعاة الفساد يعلمون جيداً أهمية بلاد الشام ودورها في التاريخ الإسلامي، فهم لا يمتنعون من تطبيق مخططاتهم الخبيثة، فهل يعقل المسلمون، وهل يعي أهل الحق، وهل يتنبه النائمون؟! لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.

بقلم/ سماحة الأستاذ المفتي محمد قاسم القاسمي، رئيس دار الإفتاء بجامعة دار العلوم زاهدان
المصدر: مجلة الصحوة الإسلامية (مجلة شهرية باللغة العربية تصدرها جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان – إيران)

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات