اليوم :4 December 2024

أمريكا أكبر عدوة للثورة السورية وأسوءها

أمريكا أكبر عدوة للثورة السورية وأسوءها

إن الثورة السورية تمتاز من بين الثورات المعاصرة بأمرين؛ الأول: وقوع هذا البلد في جوار الكيان الصهيوني المحتل الذي لا يرضى بجيران مستقلين أقوياء. والثاني: النظام المجرم الذي لا يبالي بإراقة دماء عشرين مليون سوري وحرق بلد كامل. فقد اتضحت هذه الحقيقة في شعارات عبيده الذين قالوا “الأسد أو نحرق البلد”.
لذلك من السذاجة أن يعلق بعض أبناء الشعب السوري آمالهم وأمانيهم بإسقاط نظامهم في مجلس الأمن والولايات المتحدة التي لا تهمها في العالم الإسلامي قضية أكثر مما يهمها أمن إسرائيل، وبأن تكون الولايات المتحدة مدافعة عن ثورتهم وترحب بها، أو تتخلى عن دعم الأسد الذي تقدمه له من خلال عضوين بارزين من أعضاء مجلسها (مجلس الأمن). كما أنه من الحماقة أن يطلعوا إلى أن يرضى النظام المجرم بالجلوس على طاولة الحوار.
لقد أدرك الثوار السوريون وهم الإسلاميون – شاء العالم أو أبى – في الداخل كل ذلك في أول يوم من ثورتهم، لذلك استنكفوا من إعطاء ضمانات للولايات المتحدة وكذلك لإسرائيل الجارة التي عاشت في أمن وسلام لمدة أكثر من أربعين سنة بعد احتلال الجولان في عهدي أسد الأب والإبن.
إن إمريكا إن لم تطمئن من المعارضة المسلحة السورية في داخل سوريا أنها تمتثل أوامر البيت الأبيض كالاتحاد الشمالي في أفغانستان إبان احتلال الولايات المتحدة لأفغانستان، لن تتخلى عن الأسد في الحرب مع شعب سوريا، لأن النظام الراهن وكذلك سلفه السيء نظامان وفرا أمن الحدود الإسرائيلية، بل اطمأن إسرائيل من جانبهما اطمئنانا لم يطمئن من أي نظام آخر، وقد باتت الحقيقة واضحا للشعب السوري حيث يقتلون بدم بارد بأيدي قوات النظام السوري وليس قوات الصهاينة، وعلموا جدا أن الأحاديث التي امتلأت بها آذانهم وأسماعهم من الممانعة والمقاومة ليست إلا أكاذيب وأراجيف وخداعات من النظام السوري.
من ناحية أخرى كلما يضيق المجال على طاغية دمشق ونظامه ويقترب من الانهيار المفاجئ، وكلما تقدم للجيش الحر، ترتعد فرائص الصهاينة وأسيادهم أن يسقط النظام بأيدي الثوار الذين يتحمسون للجزء المحتل من أرضهم كما يتحمسون لكرامتهم وعزتهم، ويظهر رئيس أو سياسي أمريكي ليشغل الشعوب في العالم أن أمريكا مهتمة بالشأن السوري. وهذه المرة نطقت وزيرة الخارجية وهي تبحث عن بديل للمعارضة المسلحة وكذلك المعارضة غير المسلحة، لأن المجلس الوطني السوري ربما لا يلبي حاجاتهم. فقالت: “واشنطن تعتزم إجراء تعديل كبير في قيادة المعارضة السورية بحيث تكون أفضل تمثيلاً “. معناها أن واشنطن لا ترضى بالقيادة الراهنة التي ظهرت من بطن الثورة، لأنها لا تلبي منافع واشنطن في المنطقة وعلى رأسها أمن إسرائيل. وقالت أيضا: “الولايات المتحدة سوف تطرح بعض الأسماء والمنظمات التي يتعين أن تظهر بشكل أكثر بروزاً في أي قيادة جديدة للمعارضة في سوريا”.
هذه تصريحات أدلت بها وزيرة الخارجية الإمريكية وليس هذا كل شيء؛ بل قالت كلينتون في تصريحات أدلت بها للصحفيين في زاغرب: “إن أيام قادة المجلس الوطني المذكور باتت معدودة”.
إن المبتدئين في كليات العلوم السياسية يعلمون أن من قواعد السياسة الخفاءَ والخداعَ والمداهنة، وقد كان يسع وزيرة خارجية الدولة العظمى أن تمشي على تلك القواعد طالما وقفت أمام الجمهور وتحدثت إلى الصحافة والإعلام، فإذا ما خَلَتْ بالمجلس الوطني السوري الموقر  أرعدت وأبرقت وهدّدت وتوعدت، إلا أنها فُتنت بعظمة دولتها العظمى (والقوة تُطغي) فأنستها فتنتها بقوتها ما تعلمته في الكلية، وباحت على الملأ بما لا يجوز البوح به إلا في الاجتماعات الخاصة داخل القاعات المغلقة.
فهل الأمريكيون من يحددون حياة المجالس للشعوب وموتها؟ مع الأسف هكذا يفكر القادة الأمريكيون للثورة السورية التي قدمت بأرواح خيرة شعبها للانتصار على أعتى طاغية العصر. يرضون لطاغية أن يقتل ويخرب ويدمر ويمثل بجثث الأطفال، ولا يرضون بالمجلس الوطني السوري ويتمنون قيادة جديدة للمعارضة. وهذا يدل على أن الأميركيين ما يزالون يعبثون بسوريا وشعبها وثروتها منذ ثلاث وستين سنة؛ وبعدما اختاروا لشعب سوريا الكريم العظيم أسوأ مجرمي الكوكب، فسلطوهم على رقبته منذ ذلك الحين. ويعلم الشعب السوري أن أحداً لم يؤذِ سوريا خلال القرون الخمسة الأخيرة كما آذتها أميركا، ويعلمون أيضا أنهم لن يتركوا الشعب السوري ليعيشوا بسلام ولن يتوقفوا عن العبث بسوريا، حاضرها ومستقبلها، ويعلمون جيدا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر عدوة لثورتهم وأسوءها.
ولكنْ مَن قال إن الشعب السوري سيسكت بعدُ كما سكت من قبل؟
إن الشعب الذي صمد في وجه آلة الإجرام التي صنعتها الصهاينة بمباركة أمريكية – روسية  وحرصوا على حمايتها ورعايتها ومدّها بكل أسباب القوة والبقاء، هذا الشعب قادر – بعون الله- على الصمود في وجه أي آلة أخرى يمكن أن تتفتّق عنها عبقرية الصهاينة المجرمة المجنونة اليوم وغداً، وفي أي يوم آتٍ من الأيام.
على الأمريكيين أن يفتحوا أعينهم، فلقد انقضى المنام وسقطت الأوهام، واستفاق شعب سوريا الأبيّ الكريم، وأنه لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين بإذن الله تعالى.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات