اليوم :26 April 2024

أوباما وخيبة آمال المصفقين له في الشرق الأوسط

أوباما وخيبة آمال المصفقين له في الشرق الأوسط

لما انتخب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الإمريكية، بدأ عمله السياسي بمجموعة من المحاضرات الخلابة المليئة بالوعود التي لقيت استجابة وقبولا في وسائل الإعلام خاصة الإعلام العربي، وعلق الكثيرون الآمال على حل القضية الفسطينية وأن يحدث توازن مطلوب في السياسة الإمريكية تجاه المسلمين والقضية الفسطينية، وأن يوقف القصف العشوائي على منطقة القبائل، وينتهي التدخل الأمريكي والغربي في العراق وأفغانستان. لكن خابت هذه الآمال، لأن في اليوم الذي قام الرئيس أوباما بالحلف الرئاسي، قامت الطائرات الأمريكية بقصف المدنيين في منطقة القبائل وقتل عدد كبير من الأبرياء هناك.
كان العقلاء وأصحاب البصيرة  قد أدركوا جيدا أن الرئيس الأسود الذي سيبدأ العمل في ضغوط الأكثرية المتشددة لن يكون بوسعه أكثر من أن يتجول في البلاد فيلقي خطبا يعد فيها وعودا أو يطرح من الأفكار. ثم لما دخل أوباما البيت الأبيض رأى الجميع أن هذا الأسود وحيد بين زملائه في البيت الأبيض ولا يوجد أسود غيره على منصب من المناصب الهامة في البيت الأبيض إلا شخص أو شخصان في  المناصب التي تبلغ المئات. فأوباما في البيت الأبيض مثله كرئيس من طائفة السيخ أو المسلمين في الهند ذو الأكثرية الهندية الذي لا يملك فعل شيء إلا بإذن من الأكثرية وإن كان رئيسا.
لقد بالغ الليبراليون من العرب والمسلمين في الترحيب بخطابي أوباما في أنقرة والقاهرة، وفرحوا بأن كفتهم سوف تغلب كفة عدوهم في الشرق الأوسط، ورأوا في الرئيس الجديد منقذا ومشفقا وحاميا للعرب والمسلمين. وقام الرئيس الأمريكي  أيضا في خطابه لهم مطئنا إياهم بأن بلاده ليست عدوة للإسلام وهناك فرق بين المسلمين وإنه سيحارب المتطرفين من المسلمين وغير ذلك.
لكن في الحقيقة زاد الرئيس الجديد على سياسات الرئيس السابق العدائية للإسلام والمسلمين أسلوبه الجديد الذي أظهر فيه الصداقة وأبطن العدواة. الرئيس بوش كان أحمق وأكثر تحمسا ويظهر في ظاهره شيء من باطنه يزعج عملائه من الحكام المسلمين العرب وأدرك العقلاء من السياسيين الإمريكيين خطورته، لذلك شعروا بأنهم على حاجة إلى رجل له ظاهر متواضع وخطاب لين لتغطية كافة هذه العداوات ضد المسلمين، وكان أوباما هو المنتخب.
مع الأسف، الكثير منا نسوا غارات البلاد الأوربية النصرانية ضد الإسلام والمسلمين ومتبعي الديانات غير النصرانية. والكثير اعتبروا مقولة الرئيس الأمريكي السابق التي  صرح فيها بالحرب الصليبية ضد المسلمين  حيث اعتبر قتل المسلمين وإبادتهم عبادة مقدسة، زلة لسان.
لا شك أن النصرانية أيضا مثل الديانات الأخرى توجد فيها تعاليم تدعو إلى المؤاساة والمحبة والشفقة والاجتناب من الظلم، لكن من المؤسف أن النصرانيين اختاروا سياسة إبادة غير النصرانيين عبر التاريخ، والتاريخ خير شاهد على مشاهد القتل والغارة وعلى مجازرهم ضد الهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا واحتلال أراضيهم، وتركهم في المحميات كالقردة أو كحيوانات حديقة الحيوانات يقصدهم السياح للتفرج، وإشاعة الإدمان فيهم، وحرمانهم من أبسط حقوق العيش من الصحة والتعليم. وتعتبرمجازر الإسبان المسيحيين ضد مسلمي الأندلس وفلباين والسكان الأصليين في جنوب أمريكا من الأبواب المظلمة للتاريخ، ثم كيف نحن ننسى أن استعباد المسيحيين لسكان إفريقيا وأخذهم كالعبيد إلى القارة الإمريكية وإكراههم على أشق الأعمال وأصعبها، حيث لقي عشرات الآلاف منهم حتفهم في الطريق، ومات عشرات الآلاف منهم في المزارع أثناء العمل. ثم من ينسى مجازر البوسنة والهرسك؟
لما تولى أوباما الرئاسة واصل عمله السياسي على سياسة الكذب والتزوير والنفاق، وقد كان بدأ حملته الإنتخابية بشعار”التغيير” “change- we can belive in  ”  لكن خلال هذه المدة لم يشهد العالم تغييرا إيجابيا واحدا في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، بل الكذب والنفاق السياسي مستمر كالسابق، وقتل عشرات الآلاف من الأبرياء في أفغانستان ومنطقة القبائل، ثمرة التغيير الذي وعد به أوباما العالم الإسلامي.
الحكام المسيحيون الجدد المدعون للديموقراطية والحضارة لم ينسوا مهنة أسلافهم في القتل عبر مئات السنين. ففي الحرب العالمية الأولى والثانية تقاتل بعضهم  البعض وقتل قرابة ستين مليونا في هذه الحروب، لكنهم سرعان ما تفطنوا بأن الأفضل أن نقتل المسلمين وننقذ أنفسنا. وبناء على هذه السياسة الجديدة خططوا لمجازر بوسنا والعراق وأفغانستان. من الغريب أن الحكام المسيحيين لا يرسلون أبنائهم أو أقاربهم إلى معارك القتال في هذين البلدين، بل يرسلون الغرباء والمساكين من مواطني بلدهم. وعندما يقتل هؤلاء المساكين في ميادين الحرب يكتفون بإرسال تعزية لأسرتهم وتعيين راتب لهم.
قضية فلسطين أهم القضية في الشرق الأوسط، بل كافة الأزمات بين الأمة الإسلامية والغرب تعود إلى هذه القضية، والعالم لا يشم رائحة الأمن ما لم تحل هذه القضية.
نحن نعلم جيدا أن المتعطشين من نصارى الإسبان كيف قتلوا اليهود قبل الحرب العالمية الثانية وأقاموا مجازر بشأنهم حيث يتندى منها الجبين، ودفنوهم في مقابرجماعية. ثم حاول هؤلاء الحكام بهدف تغطية مجازرهم وكذلك إشغال الأمة المسلمة في عقر دارهم أن يوطنوا اليهود في فلسطين، فقاموا بشراء الأراضي من العرب المساكين وباعوها لليهود. ولما كثر عدد اليهود هنا أعلنوا قيام دولة إسرائيل وحشدوا اليهود من كافة أرجاء العالم كرها أو طوعا، وبنوا لهم مستوطنات، وتركوهم يعيشون مسلحين. ثم بدأت الدولة الوليدة باحتلال أراضي جديدة من الفلسطينيين وساعدتها الدول الأروبية على هذ الاحتلال لأراضي العرب.
قبل أربعين سنة لم تحتل إسرائيل بيت المقدس فقط، بل احتلت الضفة الغربية للأردن أيضا. تعتبر الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأروبية في الصف الأول من حماة هذه السياسة التوسعية الاستيطانية لإسرائيل. فعندما تولى أوباما الرئاسة وعد العرب والفلسطينين بحل قضية فلسطين وأن تكون لفلسطيين دولتهم المستقلة.  لكن مع مرور أربع سنوات فقد ساعدت أمريكا إسرائيل في كل اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، وقامت بفيتو أي قرار ضد إسرائيل. وباتت من الجلي والواضح للجميع أن سياسة كافة الدول الأروبية المنافقة الداعمة لإسرائيل أنها لا تسعى في جعل بيت المقدس جزءا من إسرائيل فحسب، بل يريدون إضافة الضفة الغربية أيضا لها، وإن سرعة عمليات الاستيطان في هذه المنطقة من جانب إسرائيل سوف تجعل كافة آمال الشعب الفلسطيني في بناء دولة فلسطينية مستقلة سرابا.
في الظروف الراهنة عين “توني بلير” المشهور بعداوته للعرب والمسلمين مسؤلا عن حل قضية فلسطين، ولم نشهد أن قضية فلسطين لقيت تقدما جزئيا. ولا شك أن ” توني بلير” من وراء الكواليس يدعم مشروع الاستيطان الإسرائيلي وبل يشيرهم بسرعة العمل لكي تنتهي القضية في أسرع وقت ولا تبقى للشعب الفلسطيني أرض يطالبون بدولة مستقلة عليها.
لا شك أن الأنظمة الاستبدادية وكذلك الخلافات الطائفية بين المسلمين أعطت أيضا هذه الفرصة للأعداء ولعبت دورا أساسيا في أن تبقى  هذه القضية بلا حل. فكما أن المسلمين كانوا السبب بأعمالهم وتشتتهم وتفرقهم لإنهاء الدولة الإسلامية في شرق آسيا وشرق أوربا والهند، مع الأسف يبدو أن  المسلمين في العقود الأخيرة أيضا شمروا عن ساق الجد بتشتتهم وتفرقهم وحبهم لمنافعهم استئصال الغصن الذي يجلسون عليه.
مع الأسف في هذه المدة تربع على كرسي الحكم من المغرب العربي إلى أندونيسا حكام عملاء، عمروا بنوك الغرب وأمريكا بأموال بلادهم. لم نشهد في تاريخ الإسلام حكاما  فارغين عن الغيرة والحمية مثل الذي شهدناه في العقود الأخيرة، حيث عندهم الدولة والمال والطاقة، لكنهم لا يرفعون صوتا ولو كان ضعيفا ضد مجازر الظلم والإبادات الجماعية للدول الغربية. فلو أوقفت هذه الدول البترول الذي يصدرونه للغرب والأروبيين لمدة يوم واحد أو رفعوا أسعاره، سيطير عقل هؤلاء الداعمين لعدو العرب والمسلمين ويضطرون لجلوس على طاولة الحوار الجاد لحل  قضية فلسطين حلا منصفا.
نرجو أن تكون الثورات التي عصفت بمجموعة من المستبدين والعملاء في الشرق الأوسط مقدمة نصر وخير إلى الوحدة الإسلامية والعربية التي تكمن فيها حل معظم الأزمات، وعلى رأسها أزمة فلسطين وقضيتها.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات