الشيخ عبد الحميد: من سعادة المرء الحضور في المشاعر التي تقبل فيها التوبة وتغفر المعاصي

الشيخ عبد الحميد: من سعادة المرء الحضور في المشاعر التي تقبل فيها التوبة وتغفر المعاصي

تطرق فضيلة الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان في خطبة هذه الجمعة بعد تلاوة قول الله تعالى “إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ  فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”، وقوله  تعالى “وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ  وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ  وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ  هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْر”، إلى بيان أهمية العشرة الأولى من ذي الحج وفريضة الحج قائلا: إن الله تعالى بإحسانه وكرمه وفضله، هيأ لعباده مجالات العبودية، وجعل هذه الكائنات وما فيها بشكل تكون مساعدة لكل من يريد العبودية وإطاعة أحكام الله.
إن الله تعالى جعل أجسامنا بشكل تمدنا وتعيننا على عبادة الله عز وجل، وأن نعبد ربنا وإلهنا بطريقة صحيحة. لقد هيّأ الله لنا مجالات وفرص كثيرة في الحياة. جاء بشهر رمضان وجعل فيه ليلة القدر، وأنعم علينا بالعشرة الأولى من ذي الحجة، وهذه الأوقات كلها فرص ذهبية في حياة المسلم، وبإمكانه أن يدّخر لآخرته وينتفع بها أكثر الاستفادة وأفضلها؛ بل الحياة كلها فرصة. العافية والسلامة والشباب والمال والثروة جميعها فرص للوصول إلى الله تعالى.
وتابع فضيلته: من أهم الفرص، هذه الأيام التي نحن فيها، وهي العشرة الأولى من شهر ذي الحجة، وهي من أيام الحج؛ فبعد نهاية شهر رمضان بدأت أشهر الحج. كان الناس في الماضي البعيد الذي يستغرق فيه الذهاب إلى الحج لمدة ثلاثة أشهر وربما أكثر، وكان يتم استعداد الحجاج من شوال، فكانوا يحرمون فيه ويبدأون السفر من النواحي البعيدة، ويتحملون شتى أنواع المشقة، وكانوا ينفقون أمولا كثيرة، وربما كانوا يمشون على الأقدام وينتقلون بين المناسك مشيا على الأقدام بغية للأجر.
واستطرد فضيلته قائلا: ذلك الحج المليئ بالمشقات والمصاعب كان يليق من يؤديها أن يلقب بالحاج، أما اليوم فقد أكرمنا الله تعالى حيث قرب المسافة ولكن قلت التضحية والمشقات في الحج، وليست هناك جهود ومشقات في حجنا في هذا العصر كما كانت في الماضي. والحج الأكثر أجرا وثوابا عند الله ما كانت المشقة فيه أكثر. وعلى الحاج أن يتفتخر في الحج إذا تحمل مشقة أو واجه مشكلة، فإن الحاج كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ” الشعث التفل”.
وأضاف مؤكدا على إنفاق المال والنفس في الحج: الحج من الفرائض الهامة ومن أركان الشريعة  ومن العبادات البدنية والمالية، ومن الأفضل أن يحج الإنسان بماله وأن يحضر بنفسه للحج. هناك فرق كبير بين أن يؤدي الإنسان الحج بنفسه ويشاهد الكعبة الشريفة وبين أن يؤدي أحد بالنيابة عنه.  فالكعبة بيت بناه سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام وقبله الملائكة ثم  إعاد البناء إبراهيم وإسماعيل عليهم الصلاة والسلام، فمن سعادة المرء أن يوفق  للحج ويحضر في عرفات ومنى و سائر مشاعر الحج التي حضرها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والتي تغفر فيها المعاصي والذنوب، وتقبل فيها التوبة.
وأردف خطيب أهل السنة قائلا: كل مشاعر الحج ومناسكه أماكن لها خصوصيتها وميزتها، تتطلب الذهاب إليها والحضور فيها، فرمال عرفات لقد اختلطت بدموع أفضل الخلائق من الأنبياء والأولياء. وهذه الأماكن مشاعر مقدسة وأماكن ذات قيمة روحانية كبيرة، وعلى الحاج أن يعرف مكانة هذه الأماكن التي يحضر فيها وأن يعرف قيمة الفرصة التي منحها الله تعالى.
وأكد فضيلته على تأدية الديون قبل السفر للحج، وطلب المعافاة من أصحابها عند مغادرة البلاد قائلا: الذين لا يؤدون ديون الناس ويهربون من عند أصحابها، فعمرتهم لا تعتبر عمرة وحجهم لا يقبل، بل مثلهم كمن رحل للسياحة، ومثل هؤلاء لا يريدون الحج، بل إنما يهربون من عند الدائنين. فدين الناس وحقوقهم مقدمة على الحج والعمرة، وعلى الحاج أن يكتب وصيته قبل الذهاب، ولابد من الاستئذان من صاحب الدين للذهاب للحج.
الحج ذهاب إلى الله، فينبغي قبل الذهاب توديع الأهل والأقارب وتأدية الحقوق كلها. قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: “إني ذاهب إلى ربي”.
وأضاف فضيلته موصيا الحجيج: من وفقه الله  بشرف الزيارة للحرمين، فلا يضيع الفرص والأوقات في التجول في الأسواق وفي الشراء والتجارة. من العبادات الهامة في الحج رؤية الكعبة وطوافها، وينبغي للحاج أن يقضي معظم أوقاته في عبادة الطواف وغيرها من العبادات، فأجر الصلاة في المسجد الحرام كما ورد في بعض الروايات بمائة ألف صلاة وصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة.
وتابع سماحته مخاطبا  الحجيج: أنتم نواب هذه المنطقة في الحج، فعليكم أن لا تنسوا بلادكم والبلاد الإسلامية من الدعاء، فالعالم الإسلامي اليوم يمر بظروف صعبة، والأوضاع تتغير، والمسلمون أمام أوضاع مستجدة، وقد شهد بعض البلاد تطورات، وأن لا تنسوا في أدعيتكم الشعوب التي ثارت لاستعادة حريتها وكرامتها وهي تقمع بأبشع الأشكال، وخاصة شعبي سوريا واليمن، حيث يضطهدان في هذه الأيام ويقمعان من قبل نظامين مستبدين.

عدم حضور فضيلة الشيخ عبد الحميد للحج في هذه السنة، بسبب احتجاز جواز سفره من قبل السلطات:

وأضاف فضيلته قائلا: مع الأسف لم أوفق هذه السنة للذهاب إلى الحج والخروج من البلاد، وإن كان إسمي ظهر من المشمولين في قائمة حجاج البلاد في هذه السنة (و ذلك بسبب احتجاز جواز سفر فضيلة الشيخ من قبل السلطات الإيرانية وفرض حظر السفرعلى سماحته).
وتابع قائلا: وقد أعلن اليوم الجمعة أول أيام شهر ذي الحجة في السعودية، وعلينا أن لا نضيع فرصة العبادة هذه الأيام والليالي العشرة التي أقسم الله بمكانتها وفضيلتها قائلا: “والفجر وليال عشر”. وورد في الحديث الشريف في فضيلة العبادة فيها: “مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ”، و صوم يوم عرفة ” يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ”.
فنجتنب الكسل والقصور في هذه العشرة، ولا نضيع الفرصة،  فإن العبادة فيها لها فضل كبير. والذي يريد أن يضحي، ينبغي له أن يتشبه في هذه الأيام بحجيج بيت الله ويستحضر تلك المشاعر والأماكن.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات