اليوم :26 April 2024

الوعي الديني في بلوشستان.. في حوار مع فضيلة الشيخ “محمد يوسف حسين بور”

الوعي الديني في بلوشستان.. في حوار مع فضيلة الشيخ “محمد يوسف حسين بور”

فضيلة الشيخ “محمد يوسف حسين بور” هو الأمين العام لاتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في محافظة سيستان وبلوشستان، ورئيس مدرسة “عين العلوم” الشرعية في قرية “جشت” من توابع مدينة “سراوان”، وشيخ الحديث فيها، وأحد كبار العلماء والمشائخ لأهل السنة في إيران.
نظرا إلى أن فضيلته في بداية الثورة وأثناء تدوين الدستور كان من مرافقي العلامة “عبد العزيز” رحمه الله (الزعيم الديني السابق لأهل السنة في إيران) في مجلس الخبراء لأجل تدوين وكتابة الدستور الجديد للبلاد، توجد لديه مذكرات رائعة وجديرة بالنشر؛ يتطرق إلى مجموعة منها في حواره مع مجلة “نداء الإسلام” (المجلة الفصلية الوحيدة لأهل السنة في إيران).
وفيما يلي نص الحوار:


نداء الإسلام: نرغب في أن نسمع من سماحتكم في البداية عن دراستكم وعن المشائخ الذين تلمذتم عليهم أثناء طلبكم العلوم الشرعية والدينية.

فضيلة الشيخ: بسم الله الرحن الرحيم. بعد ما أتممت قراءة كتاب كنزالدقائق في الفقه الحنفي والكافية لابن حاجب في النحو، سنة 1369 هجرية على الشيخ “سيد شاه عبد الواحد الغشتي”، سافرت لمواصلة الدراسة إلى باكستان، ومكثت ست سنوات هناك أشتغل بتعلم العلوم الشرعية. قضيت السنة الأولى في “تيدي” وفي السنة الثانية ذهبت إلى “دار العلوم تندو الله يار” في ولاية “سِند”. في تلك السنة كان معي من بلوشستان الشيخ “مصلح الدين” وأخوه الشيخ “درمحمد” وكذلك الشيخ  “قمرالدين ملازهي” رحمهم الله في تلك المدرسة.
بقيت في “تندو الله يار” قرابة ثلاث سنوات. عندما أسست مدرسة “درالعلوم تندو الله يار” انتخب الشيخ “عبد الرحمن كامل فوري” الذي كان من تلاميذ الشيخ “محمود الحسن الديوبندي” صدرا للمدرسين فيها. وانتخب الشيخ “بدرعالم الميرتهي” عميدا للدراسات، وقدم الشيخ “محمد يوسف البنوري” سنة 1371 هجرية إلى هذه المدرسة وتولى إدارتها لمدة سنتين، وهاجر الشيخ “بدر عالم” إلى المدينة المنورة.
توقفت نشاطات هذه المدرسة سنة 1373 هجرية، واضطررنا إلى الهجرة إلى ملتان لمتابعة دراستنا. قضيت السنة الأخيرة من دراستي في ملتان. ثم توجهت في السنة القادمة إلى كراتشي مع فضيلة الشيخ “محمد يوسف البنوري”. وأسس الشيخ “محمد يوسف البنوري” سنة 1374 هجرية “جامعة بنوري تاون الإسلامية” في كراتشي وأنا اشتغلت فيها بالتعلم كأحد طلاب قسم التخصص في الحديث النبوي.
أثناء الدراسة في كرلتشي وصلت رسالة إلى يدي من جانب الشيخ “عبد الله الغشتي” طلب مني أن أرجع إلى إيران، لأنه كان يريد أن يغادرقرية “غشت”. بعد تسلم هذه الرسالة  رجعت إلى إيران، وفوّض الشيخ رحمه الله مسؤولية مدرسة غشت الدينية إلي، وقمت بإدارة هذه المدرسة كطريقتها السابقة.
مرض فضيلة الشيح “عبد الله الغشتي” بعد مدة وطلب مني أن أصحبه في السفر إلى كراتشي. في كراتشي اغتنمت هذه الفرصة وذهبت إلى زيارة الشيخ البنوري رحمه الله تعالى. سألني الشيخ البنوري عن نشاطاتي في إيران؛ قلت أعلّم عددا من الطلبة العلوم الشرعية. قال لماذا لا توسع نطاق نشاطاتكم؟ قلت رئيس المدرسة عمي وهو رجل زاهد لا يسمه بأن نطلب التبرعات من الناس لتوسيع نطاق نشاطات المدرسة. قال الشيخ البنوري: هذه ليست طريقتها. يجب أن تتوسع نشاطات المدرسة، ويجب أن تجمعوا التبرعات من الناس لهذ العمل. ثم أعطى خمسمائة روبية لي وقال هذا أول تبرع مالي إلى مدرستكم. إذهب واسْعَ وخطط لتطوير المدرسة.
بعد عودتنا من هذا السفر، بناء على وصية الشيخ البنوري رحمه الله قمنا ببعض الأعمال في سبيل تطوير وترقية مدرستنا، والحمد لله تتحسن الأعمال يوما فيوما.

نداء الإسلام: نهض علماء كبار وشخصيات دينية بارزة من مدينة “سروان”، كالشيخ “الشاه عبد الواحد الغشتي” والشيخ “شهداد مسكانزهي” والشيخ “عبدالعزيز الساداتي” وغيرهم. وللشيخ “عبد الواحد الغشتي” مكانة مرموقة. نرغب أن نتعرف على نشاطاته أكثر من لسانكم.

فضيلة الشيخ: قد أشيرت إلى تفاصيل حياته في مقدمة كتاب “أحسن المقصود في توحيد المعبود” يمكن لكم الرجوع إليها.
كان الشيخ رحمه الله من خريجي إحدى مدارس ملتان في باكستان. ثم ذهب رحمه الله بعد التخرج إلى الشيخ “حسين علي” رحمه الله تعالى وتعلم منه العلوم القرآنية بعد البيعة معه. ثم كلفه الشيخ “حسين علي” أن يقوم بالنشاط الديني في ملتان لسنتين. وعمل الشيخ على نصيحة معلّمه وأستاذه، وعاد بعد قضاء سنتين إلى “سروان”.
قبل قدوم الشيخ إلى “سروان” كان الشيخ “عبد الله السربازي” رحمه الله تعالى في منطقة “سرباز” في بلوشستان، وكان الشيخ “شمس الدين دامني” في “دامن” و”محمد آباد” مشتغلين بنشاطات دينية. ولكن لم تكن لهم كتاتيب ولا مدارس؛ ولو كان يريد شخص أن يتعلم منهم وينتفع من علمهم، كان يذهب إلى بيوتهم فيتلمذ عليهم. يقول الشيخ “شهداد”: كنت أصحب الشيخ “عبد الله” أينما رحل ونزل، وأنتفع من سماحته.
لعل الظروف في تلك السنوات تتطلب هذا. لكن الشيخ “عبد الواحد” بادر عقب عودته، إلى تأسيس مدرسة دينية قبل أن يتزوج. ولكن الأوضاع لم تساعده أن ينشط كما يريد. دخل رحمه الله قرية “غشت” سنة 1358 هجرية ويبدأ نشاطاته، ثم يتزوج بعد سنة من قدومه.
كان رئيس القرية خائفا من الأعمال الإصلاحية التي كان يقوم بها الشيخ، لذلك كان قام هو وجمع آخر من العلماء، واتهموا الشيخ رحمه الله بالتجسس لصالح الإنكليز، ورفعوا شكواه إلى المحكمة، لذلك تم اعتقاله وسجنه لمدة ستة أشهر في سنة 1360 هجرية في زاهدان. بعد الإفراج عنه، عاد فضيلته إلى “غشت” وبدأ ببناء جامع “خواجه غشت”. وبعد بناء الجامع لم ير الوضع مناسبا، وهاجر إلى منطقة “جالق” في “سراوان”. وكان ينشط في “سروان” سنتين في مجال الإصلاح الديني ومحاربة البدع والعادات والتقاليد الجاهلية، إلى أن ذهب إليه أهل “غشت” واعتذروا من سماحته وطلبوا منه أن يرجع إلى “غشت” مرة أخرى. كتب رحمه الله سنة 1364 هجرية كتابَي “كليد بهشت” و”أحسن المقصود في توحيد المعبود”، وسافر لأجل طباعتهما إلى ملتان، وبعد العودة يقوم بنشرهذين الكتابين، ويؤسس كُتّابا (اشتهر بعد ذلك بمدرسة عين العلوم غشت الدينية) في هذه القرية.
في هذه الأيام، أهل قرية “جكرد” في “سراوان” دعوا الشيخ “در محمد لال محمدي” من  منطقة “نوشكي” في بلوشستان الشرقية الواقعة في باكستان إلى منطقتهم، وأرسلوا إلى الشيخ “عبد الواحد الغشتي” قائلين إن كنت تعتبر ما نفعله بدعا فلابد أن تناظر الشيخ “درمحمد”. وذهب الشيخ رحمه الله بعد ما وصلته هذه الرسالة إلى هناك، وخطب يوم الجمعة بين الناس ووضح للناس جميع التقايد والأعراف التي لا أساس لها في الشريعة. بعد الصلاة يأتي الشيخ “درمحمد” ويقول: “يا شيخ! عندي شبهات إن استطعت أن تساعدني في رفعها”. ويقبل الشيخ طلبه هذا ويتباحثان هذان العالمان حتى الفجر. في النهاية يعلن الشيخ “درمحمد” أن الحق ما يقوله الشيخ “عبد الواحد الغشتي”. ثم طالب أهل “سروان” من الشيخ أن يطلب من الشيخ “درمحمد” ليبقى في “سروان” لخدمة الدين. وأقام الشيخ “درمحمد” في “سراوان” ووضع حجر أساس المدرسة الدينية التي تعرف اليوم بمدرسة “زنگيان” في “سراوان”.
وهكذا تغيرت وجهة نظر الشيخ “درمحمد” الذي أتي من باكستان لأهداف أخرى، إلى الخدمة الدينية والنشاط العلمي في “سراوان”، وعاد الشيخ “الغشتي” بعد ذلك إلى قريته “غشت” لمتابعة إدارة المدرسة التي أسسها.

نداء الإسلام: مدرسة “سرجوي” الدينية في سراوان تعتبر من أقدم المدارس الشرعية في سراوان التي قد تولى إدارته الشيخ “شهداد”، من الشخصيات البارزة في تاريخ بلوشستان  لسنوات. وضحوا لنا قليلا عن كيفية تأسيس هذه المدرسة وعن الشيخ “شهداد” رحمه الله تعالى.

فضيلة الشيخ: في السنة التي أسست مدرسة “سرجوي”، كنت في “غشت”. مؤسس هذه المدرسة كان “الحاج عبد الغفور شادي زهي”. ومع جهوده انتهت عملية تأسيس هذه المدرسة. جاء إلى الشيخ الغشتي رحمه الله وطرح قضية المدرسة، ثم أسس هذه المدرسة بمساعدة “الحاج موسى” و”الحاج شير محمد”، وطلب  المساعدة من الشيخ “شهداد” لإدارة هذه المدرسة.
في نفس السنة أعلنت الحكومة أن توظيف علماء المنطقة يشترط فيه امتلاكهم شهادات إفتاء مؤيدة من المراكز العلمية في “كردستان”.لأجل ذلك ذهب الشيخ العلامة “عبد العزيز” والشيخ “قمر الدين” والشيخ “شهداد” رحمهم الله إلى طهران، ومن هناك إلى الشيخ المفتي “محمود مفتي زاده” والد الشيخ “أحمد مفتي زاده”، وهو أيضا وقع على شهادات الإفتاء عندهم. مع ذهاب الشيخ “شهداد”، ذهب الشيخ لمدة إلى “سرجوي” وقام بإدارة هذه المدرسة. عندما رجع الشيخ “شهداد” من طهران، رجع الشيخ إلى حق آباد وفوّض إدارة المدرسة إلى الشيخ “شهداد”.
لقد تخرج الشيخ “شهداد” قبل إستقلال باكستان من الهند من جامعة “ديوبند” في الهند.
بعد عودته من الهند اختار الإقامة في “سوران”، وقوم بنشاطات اجتماعية وسياسة مع الشيخ “مير مراد”، ولا أذكر بالضبط تاريخ التحاقه بمدرسة “سرجوي”.
لقد جئت سنة 1375 إلى “غشت” والظاهر أنه جاء إلى “غشت” بعد سنة أوسنتين. والشيخ “شهداد” عندما جاء إلى “سوران” ترك نضاله السياسي وبدأ النشاط في  المجالات الثقافية. في ذلك العصر كانت بلوشستان يحكمها ملوك الطوائف، والحكومة المركزية كانت تداهن رؤساء القبائل، وهؤلاء الرؤساء بالدعم الذي كانوا يتمتعون من قبل الحكومة المركزية يطلبون العشر والضرائب من الشعب، ثم ينفقونها في غير مصارفها. الشيخ شهداد وميرمراد كانا يناهضان هذه المفاسد، وقد قام قبلهما الشيخ عبد الواحد الغشتي في منطقة غشت مع هذه المفاسد وأزالها تماما من تلك المنطقة. كان هؤلاء الحكام يدعون أننا لتوفي مصارف بيت المال نجمع العشر والإتاوات مثل خليفة المسلمين، هذا وقد كانت الأموال المجموعة تنفق في مصارفهم لا في مصارف بيت المال بل لم يكن هنا شيء اسمه بيت المال.
في منطقة “سرحد” (بلوشستان الشمالية) كان رؤساء القبائل يرسلون الناس لنهب أموال الناس في مناطق أخرى، وعندما كانوا يرجعون يدفعون خمس ما انتهبوه لرؤسائهم، وفي الحقيقة كانوا يأخذون منهم الخمس وقد أطلقوا عليه إسم” بنجو”.
لذلك قام الشيخ شهداد وشخصيات آخرى مع رؤيتهم هذه الظروف  للإصلاح البدع  والتقاليد التي لا أساس لها في الشريعة وقاموا ضد هذه المفاسد كلها. لو روى لنا أحد تاريخ ذلك العصر ندرك أنه لم يكن يختلف عن أوضاع مكة قبل الإسلام، والفرق الوحيد كان في أن أهل مكة ما كانوا يعرفون شيئا عن الإسلام في الجاهلية، ولكن أهل هذه المنطقة مع إدعائهم الإسلام لم ينجوا من  الكثير من عاداتهم الجاهلية. للمزيد من التفاصيل اقترح عليكم أن تطالعوا مقدمة كتاب “أحسن المقصود”.

نداء الإسلام: بعد تأسيس مجموعة من المدارس في مناطق مختلفة من بلوشستان، جاءت فكرة إنشاء إتحاد المدارس الدينية ببلوشستان. نريد أن نعرف المزيد من لسانكم كأحد من الشخصيات المؤثرة في إنشاء هذه المؤسسة، عن هذه المؤسسة وأهدافها.

فضيلة الشيخ: فكرة مؤسسة شاملة تجمع المدارس الدينية تحت لواء واحد وأهداف مشتركة ونظام دراسي موحد، لقد أخذناه من أساتذتنا في باكستان حيث قام مشائخنا وأساتذتنا في باكستان بهدف التضامن بين المدارس الدينية الكثيرة في تلك البلاد، وبهدف تطوير الأهداف التعليمية والتربوية، بتأسيس مجلس اشتهر بعد ذلك بـ”وفاق المدارس” وعينوا العلامة “محمد يوسف البنوري” رئيسا له.
لقد طرحت فكرة تأسيس مثل هذه المؤسسة مع العلماء، ثم أقمنا جلسة في مدرسة “عين العلوم غشت” حضرها الشيخ “تاج محمد” والشيخ “محمد عمر” والشيخ “عبد الرحمن الشابهاري” والشيخ “قمر الدين” والشيخ المفتي “خدا نظر” جاء بالنيابة عن الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله تعالى. في تلك الجلسة قرّر أن يشكل مجلس باسم “اتحاد المدارس الدينية”. وقرر أيضا  أن تترجم بعض الكتب إلى اللغة الفارسية، وقد تولى الشيخ “شهداد” نقل كتاب “تيسير المنطق” إلى اللغة الفارسية. كانت قرارات كثيرة في تلك الجلسة، مع الأسف لم يعمل على بعضها. في ذلك الوقت كانت مدرسة “عين العلوم غشت” ومدرسة “دار العلوم زاهدان” كانتا مدرستين أساسيتين، ومدرسة “شمس العلوم” ومدرسة “حقانية” لما تؤسسا. وقد أقام الشيخ جابهاري في جابهار مدرسة صغيرة كانت في مستوى الكتّاتيب. ومدرسة “دارالعلوم زنكيان” لم يلتحق بهذه المؤسسة، ومدينة خاش لم تكن فيها مدرسة دينية آنذاك.
في بداية الأمر لم يكن هذا المجلس ذا حيوية ونشاط، وأردنا أن نجعله نشطا، فأقمنا جلسة وعزمنا أن نسلّم رئاسة الاتحاد إلى فضيلة الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله، ولكن فضيلته لم يقبل هذا الأمر وفوّض إليّ رئاسة الاتحاد. بعد مدة شعرت أن بُعدي من عاصمة الاقليم يسبب في عدم أداء واجبي بأحسن طريقة، فاقترحت في الجلسة الثانية أو الثالثة لاتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في بلوشستان أن تُفوَّض رئاسة الاتحاد إلى فضيلة الشيخ عبد الحميد، ومن حسن الحظ وافق أعضاء الاتحاد على اقتراحي هذا وتمّ تسليم رئاسة الاتحاد إلى فضيلته. وإني أعتقد أن فضيلة الشيخ عبد الحميد كان ناجحا في واجبه من رئاسة الاتحاد في هذه المدة.

نداء الإسلام: ما هو استعراضكم للوضع الراهن للمدراس الدينية في بلوشستان؟

فضيلة الشيخ: المدارس الدينية أوضاعها واضحة للجميع، وهي في هذه العقود الأخيرة لقد حققت إنجازات كبيرة، ونشأت روح التنافس السليم بين الطلبة والأساتذة. ولكني أعتقد أننا لا نصل إلى مكان بالظاهر من دون العمل. في الماضي إن حصلت تقدمات وتطورات كانت نتيجة الإخلاص والروح في الأعمال. سر نجاح علماء السلف يكمن في هذا. إنهم كانوا رهبان الليل وفرسان النهار مثل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نداء الإسلام: ماهي انطباعاتكم عن جامعة “دار العلوم” بمدينة زاهدان؟

فضيلة الشيخ: جامعة دار العلوم في البداية في السنوات القديمة لم تكن مزدهرة مثل ماهي اليوم عليها.  جئت إلى الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله (مؤسس جامعة دار العلوم) وقلت له: مدرستكم لا تتقدم إلا أن تحدثوا تغييرات في النظام الإداري والتعليمي بها. قال فضيلته: ماذا نفعل حسب رأيك؟ قلت: فوّضوا إدارتها إلى عضو شاب ليستطيع الخدمة إلى هذه المؤسسة ويخرجها من الوضع الحالي. واقترحت عليه أن تفوَّض هذه المسؤولية إلى فضيلة الشيخ “عبد الحميد” حفظه الله. فأقام فضيلته جلسة وطلب مني أن أشارك فيها. في تلك الجلسة فوّضتْ إدارة المدرسة إلى فضيلة الشيخ “عبد الحميد”، وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز مخاطِبا الشيخ “يار محمد”: أنا وأنت بلغنا الكبر، ولا نستطيع إدارة شؤون هذه المدرسة؛ الأفضل أن نفوّض الأعمال إلى الشباب. من ذلك الوقت إلى الآن ونحن نشهد ازدهارا يوميا لهذ المركز العلمي.

نداء الإسلام: الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله، شخصية مؤثرة في الحياة الدينية والاجتماعية في بلوشستان، بل على مستوى أهل السنة في إيران في التاريخ المعاصر. كان فضيلتكم من مرافقي الشيخ “عبد العزيز” سواء قبل الثورة أو بعد الثورة، ومن مستشاريه. من فضلك تحدث لنا من شخصية الشيخ “عبد العزيز” وذكرياتكم في مرافقته.

فضيلة الشيخ: الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله، كان زاهدا وعالما ورعا. وقد كان نجما لامعا فى سماء العلم والورع، وفارسا شجاعا في ميدان الكفاح والسياسة. في الحقيقة كان من مصاديق “رهبان بالليل وفرسان بالنهار” في عصرنا. كنت أشعر أن الله تعالى وهبه روحا خاصة للعمل والعبادة، وكنت أقول دائما لمن حولي: لو كان في عصرنا في الأرض ولي لله، لكان ذلك الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله.
لم أكن أملك  ما يمتازني لمرافقته في هذا السفر وأن أكون في خدمته. وقد تكرم علينا أيضا حيث أرسل  نجله الشيخ “عبد الملك” رحمه الله إلينا للدراسة. وعندما كان للشيخ عمل خاص معي يبعث إليّ رسالة، فكنت أحضر إلى سماحته، وكنت أفعل ما كنت استطيع فعله؛ ولكن ما كنت أعرف كيف قامت هذه الصلة بينا.
في بداية انتصارالثورة سنة 1357 الشمسية، أسسنا حزبا باسم “اتحاد المسلمين”. طرح الشيخ “عبد المجيد” شقيق الشيخ عبد العزيز فكرة تأسيس هذا الحزب، بل وفّر تمهيدات هذا الحزب. بعد تأسيس هذا الحزب، أقمنا جلسة في الجامع المكي في زاهدان لنوضح نطاق نشاطات هذا الحزب. عندما جاء دور انتخابات مجلس خبراء القانون شاور فضيلة الشيخ “عبد العزيز” مع أعضاء الحزب حول الإجراءات المتخذة في هذا الشأن. ولكن أرسل أحد رؤساء الحزب الجمهوري رسالة من طهران للشيخ عبد العزيز أن يرشح هو وآية الله طباطبائي كممثلين من سيستان وبلوشستان للعضوية في مجلس خبراء القانون. طرح الشيخ عبد العزيز هذه القضية في جلسة الشورى المركزي لحزب اتحاد المسلمين، ولكن رفضت هذه الفكرة وقررت أن يعين مرشحان بلوشيان ومن أهل السنة، وتكون الكلمة الأخيرة لرأي الشعب. بناء على هذا رشح الشيخ “عبد العزيز” و”حميد الله ميرمرادزهي” الذي كان محاميا من قبل اتحاد المسلمين وقاما بمنافسة مع سائر المرشحين، وحازا أغلبية الأصوات في المحافظة. عندما دخل الشيخ رحمه الله المجلس طلب مني أن أحضر كمستشار له. ذهبنا إلى طهران وكنا في خدمة الشيخ لمدة أربعة أشهر أو أكثر، وكنت أحضر في مبنى المجلس كمستمع حر، وكنت أناقش مع الشيخ المسائل المطروحة في المجلس  في الليالي.
عندما طرحت قضية المادة الثانية عشرة في المجلس، قام الشيخ “عبد العزيز” وآية الله “مكارم الشيرازي” بالبحث والمناقشة حولها في المجلس.
لم ير أعضاء مجلس الخبراء أي حق لأهل السنة الذين كانوا يشكلون على الأقل عشرين في المائة من سكان البلاد، وقالوا أنتما شخصان فقط في هذا المجلس الذي يضم سبعين عضوا. كان آية الله “منتظري” رئيس مجلس الخبراء، وكان يديرها في الغالب آية الله “بهشتي”.
في اليوم الذي دوّنتْ المادة الثانية عشرة من الدستور، عمل آية الله “بهشتي” بشكل تكون إدارة المجلس مع “منتظري” لئلا تتوجه شكوى بهذه الطريقة إليه من قبل فضيلة الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله تعالى. بعد تدوين هذه المادة، قال لي الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله مباشرة: إذهب إلى آية الله “منتظري” و”بهشتي” وقل لهما نيابة عني، أنتم ارتكبتم ظلما بحق أهل السنة في البلاد. أنا تقدمت إلى الأمام وأخبرتهما بمقالة الشيخ. ثم غادر فضيلة الشيخ المجلس مغاضبا، وذهبنا إلى مدينة “قم”. وكان آية الله “خميني” عندئذ في “قم”، وهناك كان لقاء خاص مع سماحته. وفي هذا اللقاء قال الشيخ رحمه الله مخاطبا آية الله “خميني”: سماحة آية الله خميني! هذا أنت و مجلسك. أنا أعود إلى “بلوشستان”. قال آية الله “خميني” واضعا يده على لحية الشيخ: إن عدت إلى “بلوشستان” وحدثت فتنة بعد عودتكم وأريقت دماء، فمن المسؤل يوم القيامة عنها؟ أنا أم أنت؟ لا ترجعوا. أنا سأتابع هذه القضية.
في هذا اللقاء كان الشيخ  “أحمد مفتي زاده” وعدد من علماء تركمن معنا.
بما أن انتصار الثورة كان حديث العهد، لم يكن أحد يتوجّس الخوف في ذاك الزمن، وكان يطرح برأيه دون خوف أو خشية، وأتذكر عندما طرحت قضية المذهب الرئيسي في البلاد، وصادق الحضور على أن يكون “المذهب الإثنى عشري الحق” هو المذهب الرئيسي في البلاد، خالف فضيلة الشيخ “عبد العزيز” بشدة قيد “الحق” وقال: نحن لا نقبل هذا القيد، وعليكم أن تذكروا سائر المذاهب لأهل السنة بهذا القيد، لأن هذه المذاهب أيضا مذاهب على الحق، لذلك حذف هذا القيد وكتبوا “المذهب الإثنى عشري”.

نداء الإسلام: تمر 24 سنة من وفاة الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله، وقد عيّن رحمه الله في حياته الشيخ “عبد الحميد” كنائب له. حسب رأيكم ما هي الخصائص التي كانت السبب في تعيين فضيلة الشيخ كنائب للشيخ “عبد العزيز” رحمه الله؟

فضيلة الشيخ: نظرا إلى الفراسة التي كان يمتلكها الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله، فإنه رحمه الله أدرك – بلا شك – شهامة وصلاحية الشيخ “عبد الحميد” حفظه الله، حيث عيّنه نائبا له. فالشيخ “عبد الحميد” كان خادما حقيقيا لفضيلة الشيخ “عبد العزيز” وعالما ذا صلاحيات وكفاءات.
مع جهود الشيخ “عبد الحميد” نستطيع أن نقول أن جميع مطالب الشيخ “عبد العزيز” قد تحققت. نحن في ذلك الوقت لم نكن نأمل أن يملأ أحد الفراغ الذي تركه الشيخ “عبد العزيز” رحمه الله تعالى. لقد كان الشيخ “عبد الملك” نجل الشيخ “عبد العزيز” لا تنقصه الشهامة والجرأة في القول، مع ذلك لم ينتخبه الشيخ نائبا لنفسه، بل كان فضيلة الشيخ “عبد الحميد” موضع ثقة تامة من الشيخ “عبد العزيز”، ونحن أيضا كنا نشعر بأن سماحته ستتقدم بالأمور إلى الأمام، ولكني أقول بصدق وبكل صراحة أني لم أكن أتوقع أن يحقق فضيلته هذا النجاح الباهر في مهمته، ويصبح يوما شيخ الإسلام. وأعتقد أن هذه الاستقامة التي وهبها الله تعالى له، لقد أوصلته إلى هذه المكانة. الشيخ “عبد الحميد” يمتلك علما وعملا مفيدين، وهو يبدو كثير الالتزام بالأذكار والأوراد. حفظه الله تعالى ورعاه.

نداء الإسلام: كالسؤال الأخير، نرغب في أن نسمع حول اللغة البلوشية وطرق الحفاظ عليها. من فضلكم تحثدوا لنا عن الجهود التي قدمت في سبيل ذلك.

فضيلة الشيخ: عنىما كنت في باكستان تفطنت لأهمية اللغة البلوشية وقواعد الكتابة بها. لقد سعى عدد من المثقفين والكتاب البلوش دون المبالاة إلى ثقافة البلوش الدينية في أن يجعلوا اللا تنية موضع الكتابة بالبلوشية. مع رؤية هذه القضايا كان الواجب  في أن نعمل لأجل الحفاظ على اللغة البلوشية أكثر ونهتم بها. في ذلك الوقت بدأ الشيخ “خير محمد الندوي” رئيس مجلة “سوغات” جهودا في كراتشي. مر الزمان ومع الأسف لم أستطع أن أفعل شيئا في هذا المجال بسبب علل، ولكني أوصيت دائما من وفق للعمل وقاموا بخطوات للحفاظ على التراث البلوشي أن يعملوا جادين واعين في هذا المجال.
لقد قدمت أعمال في الماضي ولكنها غير كافية وتتطلب أن يقوم العلماء والمثقفون معا في تأسيس لجنة مشتركة لتدوين المباحث المتعلقة باللغة البلوشية. وإني أنصح هؤلاء الأحبة أن يستخرجوا أولا اللغات والكلمات الأصلية البلوشية ويقسموها إلى مجموعات ثم ليستعرضوا اللغات التي جاءت من غيرها من اللغات ويجمعوها في مجموعة مستقلة وتكون كتابة هذه اللغات بالشكل الذي تكتب في لغة المبدأ.
يصر الكثير على تغييرهذه اللغات التي جاءت من اللغات الأخرى وهذا غير صحيح. ثم اللغة البلوشية والفارسية لقد اختلطت باللغة العربية ولا يمكن فصلها بسهولة. ونحن نرى حروفا مثل “ظ” و”ط” و”ص” و”ض” لها أصول عربية وتستعمل هكذا في الفارسية، وبقيت على حالتها الأولى، لذلك يجب أن نحفظ في اللغة البلوشية على هذه الحروف. وبالنسبة إلى خط الكتابة فالخط المقبول في الأردية والفارسية وكثير من اللغات الآخرى هو الخط العربي، فلا ينبغي العدول عنه إلى اللاتيني.
فنحن البلوش بسبب عدم امتلاك بعض مخارج الحروف، نضظر إلى أدائها باللغة البلوشية ونغير بنية الحروف الأصلية في التتكلم، ولكننا في الكتابة لا نواجه هذه المشكلة ونستطيع أن نحفظ التركيبة الأصلية للحروف. هذا الأصل رائج في سائر اللغات؛ مثلا في الفارسية لا يراعى الأداء الصحيح لحرف “ث” حيث ينطقونها “س”، ولكن حفظ الشكل الأصلي لها في الكتابة، ففي الفارسية نكتب “يعقوب ليث” وننطقه “يعقوب ليس”.
والمطلب الأهم الآخر عدم الاستفادة من اللغات غير المعروفة بدل اللغات الشائعة. مثلا بدل مصطلح “صفحة ” التي هي عربية ويستعمل في الفارسية والأردية والبلوشية، اختار بعض الكتّاب خاصة في باكستان اللغة غير المعروفة “ديم تاك” أو مثلا بدل مصطلح “ترجمة” يستعملون مصطلح “رجانگ” مع أن مصطلح “الترجمة” تستمعل في العربية والفارسية والأردية بهذا الشكل، ولا حاجة إلى تغييرها في البلوشية.
خلاصة القول أنه لا حاجة إلى مثل هذه التغييرات بغرض الحفاظ على لغة وثقافة البلوش، فهذه الأساليب سببت التعقيد لفهم كتابات البلوش للبلوش أنفسهم.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات