اليوم :26 April 2024

نموذج من استقامة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وكرمه

نموذج من استقامة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وكرمه
esteqamahإن التاريخ الإسلامى حافل بنماذج وروائع من صبر أعلام هذه الأمة وأفذاذها على الشدائد والمصائب، ومن استقامتهم في بيان الحق والقيام في المحن والبلايا، وقد زخرت الكتب والمكتبات الإسلامية بتراجم حياتهم وذكر روائعهم.

 

وإن الإمام أحمد بن حنبل إمام السنة وقامع البدعة في عصره أحد من الثابتين في المعركة بين الحق والباطل الذي لا تخفى مكانته على أحد. فهو أحد الأئمة الأعلام ، ومن الأفذاذ الذين قلما يجود الزمان بمثلهم. وقد أحاط رحمه الله بالمجد من جميع أطرافه، وبرز في كثير من العلوم، فهو عند المحدثين إمامهم، وعند الفقهاء سيدهم، وعند الحفاظ أميرهم، وعند الشجعان رائدهم، وعند الثابتين على الحق قائدهم. وقد وقف في محنة خلق القرآن صابرا مثابرا على الحق، لم يتنازل عن موقفه قيد شبر، فأبلي في ذلك بلاء حسنا، وألقي في السجن وأوذي وعذب في الله شديدا، وقصته في المحنة مشهورة ورائعة، وأروع منها تلك الأخلاق السامية الكريمة وروح العفو والتسامح التي كان رحمه الله يملكها، وفي هذه القصة التي ذكرها ابن حبان رحمه الله في كتابه “روضه العقلاء ونزهه الفضلاء” درس كبير لنا من أخلاقه وكرمه وصبره العظيم في المحن والبلايا وعلو مكانته وسمو مرتبته، وإليكم القصة:
حكى ابن حبان البستي عن إسحاق بن أحمد القطان البغدادي بتستر، قال: كان لنا جار ببغداد كنا نسميه طبيب القراء، كان يتفقد الصالحين ويتعاهدهم فقال لي: دخلت يوماً على أحمد بن حنبل، فإذا هو مغموم مكروب، فقلت: مالك يا أبا عبدالله؟ قال خير! قلت وما الخير؟ قال امتحنت بتلك المحنة حتى ضُربت ثم عالجوني وبرئت ، إلا أنه بقي في صلبي موضع يوجعني، هو أشد علي من ذلك الضرب، قال قلت: اكشف لي عن صلبك، فكشف لي، فلم أر فيه إلا أثر الضرب فقط، فقلت: ليس لي بذي معرفة، لكن سأستخبر عن هذا. قال: فخرجت من عنده حتى أتيت صاحب الحبس، وكان بيني وبينه فضل معرفة، فقلت له: أدخل الحبس في حاجة؟ قال: أدخل، فدخلت وجمعت فتيانهم وكان معي دُريهمات فرقتها عليهم وجعلت أحدثهم حتي أنسوا بي، ثم قلت: من منكم ضرب أكثر؟ قال فأخذوا يتفاخرون حتى اتفقوا على واحد منهم أنه اكثرهم ضربا، وأشدهم صبراً، قال فقلت له: أسألك عن شيء، قال: هات، فقلت:شيخ ضعيف ليس صناعته كصناعتكم، ضرب على الجوع للقتل سياطاً يسيرة، إلاّ أنه لم يمت، وعالجوه وبرأ، إلاّ أنّ موضعاً في صلبه يوجعه وجعاً ليس له عليه صبر، قال الذي عالجه كان حائكاً وقلت: ايش الخبر؟ قال ترك في صلبه قطعة لحم ميتة لم يقلعها، قلت فما الحيلة؟ قال: يُبَطُّ  صلبه وتؤخذ تلك القطعة ويرمى بها، وإن تركت بلغت إلي فؤاده فقتله. قال فخرجت من الحبس فدخلت على أحمد بن حنبل فوجدته على حالته فقصصت عليه، قال: ومن يبطه؟ قلت أنا، قال: أو تفعل؟ قلت: نعم، قال فقام ودخل البيت ثم خرج وبيده مخدّتان وعلى كفه فوطة، فوضع إحداهما لي والأخري له، ثم قعد عليها، وقال: استخر الله، فكشف الفوطة عن صلبه وقلت أرني موضع الوجع، قال ضع إصبعك عليه، فإني أخبرك به فوضعت إصبعي وقلت: ههنا موضع الوجع؟ قال: ههنا أحمد الله على العافية، فقلت ههنا؟  قال: ههنا أحمد الله على العافية، قال فعلمت أنه موضع الوجع. قال فوضعت المبضع  عليه، فلما أحس بحرارة المبضع وضع يده على رأسه وجعل يقول: اللهم اغفر للمعتصم، حتى بططته، فأخذت القطعة الميتة ورميت بها وشددت العصابة  وهو لا يزيد على قوله اللهم اغفر للمعتصم، قال ثم سكن ثم قال كأني كنت معلقاً فأحدرت. قلت: يا أبا عبدالله! إن الناس إذا امتحنوا محنة دَعَوا على مَن ظلمهم ورأيتك تدعو للمعتصم، قال:  إني فكرت فيما تقول، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكرهت أن آتي يوم القيامة و بيني وبين أحد من قرابته خصومة، وهو مني في حِلّ.
رحم الله إمام السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمة واسعة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات