خطبة الجمعة 20 جمادى الأولى 1430

خطبة الجمعة 20 جمادى الأولى 1430

فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله

فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله

تطرق سماحة الشيخ عبد الحميد حفظه الله إمام وخطيب الجمعة لأهل السنة في مدينة زاهدان في خطبته يوم الجمعة إلى موضوع "الشكر"، ثم أشار سماحته في القسم الأخير من خطبته إلى قرب موعد الانتخابات الرئاسية في إيران وبيان مطالبات أهل السنة في إيران بضرورة رفع الضغوط والتمييزات القومية والمذهبية ومشاركة جميع الطوائف والأحزاب في الحكومة.

قال فضيلة الشيخ عبد الحميد بعد قرأءة حديث "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ، فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ": يتضح من هذا الحديث الشريف أن كل ما ننتفع به من نعم الله عز وجل يجب أن نشكره عليها. ومن أهم هذه النعم على العباد هي نعمة الجسد الذي  أودع الله في أعضائه العافية والسلامة، وهي نعمة في غاية الأهمية والضرورة، إذ نحن ننتفع بها ونحن محتاجون إليها، فيجب الشكر عليها. ورد في الحديث الشريف "خلق الله كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل" ونحن لا نكون شاكرين عندما نصبح إلا أن نشكر الله على كل مفصل من هذه المفاصل.
وأضاف فضيلة الشيخ قائلا: إننا لا نفطن إلى أهمية وضرورة هذه المفاصل وسائر أعضاء الجسد إلا عندما نفقدها أو نفقد سلامتها وعافيتها، فإذن لما تشتكي واحدة منها يشتكي بسببها سائر الأعضاء. العين مثلا إذا أصيبت أو تألمت فلا يبقى غيرها من الأعضاء مستريحة، وكذلك الأذن إذا تألمت تزول الراحة والاستراحة من كل الأعضاء. وربما تختل بسبب عضو واحد حياة الفرد. لذلك نرى الكثيرين من المصابين بالأمراض يقومون بأسفار إلى أنحاء العالم ليجدوا طبيبا ماهرا بارعا فيعالج مرضه.
فالعافية من أهم نعم الله علينا، لذلك قال الله عزوجل لأهل الجنة: "أدخلوها بسلام آمنين"، وصرح بذكر نعمتين عظيمتين بعد الدخول في الجنة أولاهما السلامة والعافية والأخرى الأمن.
ورد في الحديث الشريف "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" وذلك بأن الإنسان عندما يتمتع بالصحة يقدر على التجارة والزراعة والمشاركة في مختلف المجالات وكذلك المشاركة في الأعمال والنشاطات السياسية، والفراغ من الوقت لا نعرف قدره وأهميته إلا بعدما نبتلى بالمشاغل والأمراض والمشاكل وتشغل أذهاننا بالكثير من الأمور ولا نقدر على شيء عندئذ.
ثم استطرد سماحته إلى شمولية الصدقة المذكورة في الحديث قائلا: لما كان التصدق بالمال خارج عن طاقة الكثيرين وخاصة الفقراء بين النبي صلى الله عليه وسلم معنى أعم وأشمل لهذه الصدقة يمكن للجميع أن يفعلوها حيث قال صلى الله عليه وسلم "والكلمة الطيبة صدقة" فللصدقة معنى أشمل مما نزعم نحن، وهي لا تنحصر في المال بل تعم الأعمال والأفعال والأقوال وكل ما نعمل في حياتنا من دلالة من ضل الطريق والأخذ بيد الأعمى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترحم على الطفل الصغير وتوقير المسن والعجوز والمحبة مع الأولاد والأهل، يدخل في معنى الصدقة كل هذا. ثم حث سماحته الحاضرين على تعليم وتربية أولادهم قائلا: علينا أن نقوم بتربية وتعليم أولادنا الذين هم أثمار حياتنا، فنربيهم تربية إسلامية صحيحة ونعلمهم القرآن الكريم، ويجب أن نفكر لتعليم وتربية هذا الجيل الجديد الذين هم بُناة مستقبل هذا المجتمع فإن نسبة الأطباء والخبراء والمثقفين ممن الحاجة ماسة إليهم في مجتمعنا قليلة بالنسبة إلى سائر المجتمعات.
وأضاف خطيب الجمعة في مدينة زاهدان: إن خدمة وإيصال النفع  إلى الغير الذي مر ذكره في الحديث أيضا من أهم العبادات، وهي تأتي على رأس العبادات المتطوعة بأن يكون فينا باعثا لإيصال النفع إلى غيرنا عامة من خلق الله مسلمين كانوا أم غير مسلمين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "الخلق كلهم عيال الله"، فكلهم عاكفون على مائدة الله يرزقون، ولم يقل المسلمون عيال الله، فننفع الجميع إلا من هو محارب معتد على البلاد الاسلامية وذلك لأن الاسلام ليس دين حرب ودين تطرف بل هو دين معرفة الحقوق وتأديتها ودين الرحمة ودين العاطفة. وقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالترحم على كل شيء حتى الحيوانات إلا الفواسق منهن فأمر بقتلها. قال النبي صلى الله عليه وسلم "عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"، فالإسلام علمنا الرحمة والعاطفة والترحم، وقد كان هذا شعارنا قبل أن يكون شعارغيرنا لا لبواعث دنيوية بل لأنها تعليم ديننا.
ثم تطرق سماحة الشيخ في القسم الأخير من خطبة هذا الأسبوع  نظرا إلى اقتراب موعد الدورة العاشرة للانتخابات الرئاسية إلى أهمية قضية هذه الانتخابات قائلا: أعتقد أن الانتخابات الرئاسية هي الأهم من بين جميع الانتخابات في البلاد. وأضاف سماحته: والرئيس الناجح في وجهة نظري من كانت سياسته في الصعيدين الداخلي والخارجي ناجحة بأن يقدر على التوحيد والتوفيق بين صفوف الأقوام والطوائف المختلفة في الداخل بمشاركتهم في جميع المجالات ويخطط سياسات صالحة في البعد الخارجي لئلا تساق البلاد نحو الحرب أو الانزواء.    
واستطرد سماحة الشيخ عبد الحميد قائلا: على الشعب الإيراني أن يفكروا في القضية جادين ويختاروا رجلا قادرا على إدارة البلاد. فالبلاد لا يحتاج إلى رجل يقوم ببعض مشاريع عمرانية في مدينة ما، بل يحتاج إلى سياسي محنك يقود البلاد قيادة صحيحة، وإن إيران من أغنى بلاد العالم بالأموال والثروات الطبيعية التي تمتلكها، ويجب أن توزع هذه الثروات بطريقة عادلة بين جميع سكانها.
وتطرق سماحته أيضا إلى ذكر الأقوام والمذاهب المختلفة الموجودة في النواحي المختلفة من إيران الواسعة قائلا: إيران ليست مدينة واحدة ولا محافظة واحدة بل هي متشكلة من مدن ومحافظات مختلفة كما أنها تتواجد فيها أقوام ومذاهب كثيرة ، ومن أهم سياسات الدولة هي توحيد صفوف هذه الأقوام والمذاهب، والسياسي الناجح من يقدرعلى أن يرضي أصحاب الأفكار المختلفة والمذاهب والأقوام المتعددة، ويقوم بمشاركة الجميع في إدارة البلاد، وينتفع باستعداداتهم وقدراتهم.
وقال سماحته معلنا عدم انحياز أهل السنة والجماعة إلى حزب خاص من بين الأحزاب المتنافسة في رئاسة البلاد: أعتقد أن سياسة النزعة الحزبية سياسة خاطئة تسود على هذه الأحزاب حيث يبادر الحزب الفائز إثر فوزه في هذا السباق السياسي بإبعاد جميع عناصر الحزب الآخر من كل المناصب وإزالتهم، وإننا مع عدم انتماءنا إلى حزب خاص من بين هذه الأحزاب نعتقد أن الرئيس الناجح في الرئاسة القادمة من تكون دائرة نشاطاته أوسع من النزعات الحزبية والقومية والمذهبية، ولا يبادر إلى إزالة عناصر هذا الحزب وذلك الحزب المخالف، فإن الوحدة الوطنية لن تحصل إلا بمشاركة جميع الأحزاب والقوميات والمذاهب واستخدامهم لا أن تقوم الدولة بالخدمة فقط.
ثم واصل فضيلة الشيخ عبد الحميد خطبته ببيان بعض مطالبات أهل السنة والجماعة من الرئيس القادم قائلا: إن أهل السنة والجماعة كجزء أساسي من الشعب الإيراني لهم مطالباتهم وتمنياتهم من رئيس بلادهم القادم، وعلى رأس هذه المطالبات استخدامهم في المناصب العليا وأن لا ينساهم الرئيس القادم الجديد.
 واستطرد فضيلته: إن أهل السنة أصبحت تنتظر منذ ثلاثين سنة ذلك اليوم الذي يصل فيه المسئولون إلى نتيجة استخدامهم في المناصب العليا لإدارة بلادهم بطريقة عادلة متساوية، ولقد كان هذا أكبر اضطراب وقلق لدى السنة رجالهم ونساءهم.
وأضاف سماحته: نحن أهل السنة جنبا لسائر إخواننا من الشيعة شركاء في هذه المملكة ونعتقد أن الدستور لو نفذ بطريقة صحيحة لتراعى حقوقنا، وإن أهل السنة تمتلك قدرة الخدمة  في المستويين الداخلي والخارجي.
وأشار خطيب الجمعة إلى الحرية الدينية والمذهبية لأهل السنة كمطالبة أخرى قائلا: صرح الدستور بحرية كافة المذاهب من الحنفية والشافعية والحنابلة وكذلك مذاهب الشيعة الأخرى غير الإمامية وأن يمارسوا شعائرهم الدينية والمذهبية والتعليمية بحرية تامة،  ويقوموا بتعليم وتربية أولادهم حسب مناهجهم ومعتقداتهم. وأضاف:إننا قلقون جدا من أن يفرض بعض العناصر آرائهم الذاتية فتصاب الوحدة الوطنية بخسائر، فإنها قد تعلقت بالحرية المذهبية.
وقال سماحته :إن المجتمع السني لن يرضى أبدا أن يستبدل  تربية وتعليم أبنائهم بشيء آخر، ولن يقبل القرار الصادر بهدف تخطيط وتنظيم مدارس أهل السنة وهو في الواقع تدخل واضح في أمور هذه المدارس والمراكز الدينية، وهي من حقوقهم التي لابد للدولة أن تبادر إلى إعدادها.
وأعرب سماحته أخيرا أسفه عن عدم استطاعة أهل السنة الترشيح للرئاسة قائلا: قد كان من بين من رشح نفسه للرئاسة أربعون إمرأة، وتأتي هذه المشاركة للنسوة بعد إصلاح كلمة الرجال الوارد في نص الدستور حيث أوضحوا بأن معنى الرجال لا يعني تخصيص الجنس، بل المراد منه القادرون لتولي هذه المهمة. وإننا آسفون جدا أن لا يستطيع أهل السنة أن يرشحوا أنفسهم لهذه المهمة بناءا على ما ورد في الدستور أن يدين من يرشح نفسه للرئاسة بالديانة الرسمية للدولة وهي المذهب الشيعي الإثناعشري.
لا شك أننا من أعداء سياسات الدولة الإمريكية  وغيرها من القوى الاستكبارية في العالم، لكن من المؤسف جدا أن يستطيع رجل أسود من إفريقيا تولى الرئاسة في إمريكا ولا يمكن لسني في بلادنا أن يجلس على كرسي الرئاسة. ونعتقد أن هذه المادة من الدستور غير صحيحة ولا بد أن تصلح، فالدستور من صنع البشر وليست قوانين لا يمكن إصلاحها أو تغييرها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات