اليوم :27 April 2024

أهل السنة في أشنوية

أهل السنة في أشنوية
Image
مدينة "أشنوية" من أقدم مدن إيران التي يبلغ قدمها إلى أكثر من ثلاثة ألاف. تقع هذه المدينة في  الطرف الجنوبي الغربي من محافظة "آذربيجان الغربية" وبينها وبين "أرومية" عاصمة المحافظة مسافة 76 كم. يسكنها الأكراد السنة الذين يبلغ عددهم تقريبا إلى 62 ألف نسمة. لقد زاد موقع هذه المدينة في النواحي الحدودية بين الدول الثلاث (إيران والعراق وتركيا) في أهميتها الإستراتيجية، كما أن طقسها الجميل ومناظرها الرائعة الجبلية الخلابة زاد في جاذبيتها السياحية.

كانت اشنوية تعد مركز حكومة ماد التي كانت أول دولة رسمية  ظهرت في ايران القديمة، وهي أصبحت في عهد الفتح الإسلامي – وقد تم فتحها عندما غزا الصحابة "أذربيجان" في عهد الخليفتين الراشدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم – مكانا مناسبا لتعريس الجيوش الإسلامية ولمعارك مصيرية بين أمراء العرب المسلمين أمثال وليد بن عقبة وسلمان بن ربيعة وبكير بن عبد الله والفرس والرومان و…..
ذكر المؤرخون وأصحاب الرحلات والبلدان "اشنوية" بأسماء متعددة في كتبهم، من أهمها: "أشنه"، "شنو"، "إيشبوئيني" و"اشنوناك". قد ورد إسم "اشنوية" في معظم الكتب المدونة قبل الإسلام .

أشنوية كما يراها ابن حوقل:
كتب ابو القاسم محمد بن حوقل البغدادي – الرحال والسياح المعروف الذي بدأ أسفاره سنة 331 هق (941م) بهدف مطالعة البلاد والشعوب المختلفة والتجارة ، وسافر تقريبا إلى أكثر البلاد  الإسلامية شرقا وغربا – في كتابه المعروف "صورة الأرض" عن أشنوية:  إن "مراغة" تقع في شرقها كما أن "ارومية" تقع في غربها. قراها واسعة وقصباتها عامرة. مدينة كثيرة الأشجار والأثمار والفواكه والمياه الجارية. وبسبب خصبة أرضها ملأتها من جميع أنواع الفواكه والخضراوات التي توجد في "ارومية" و"مراغة". يسكنها الأكراد الهذبانيون، فهي محل اصطيافهم ومرعى أغنامهم ومورد رزقهم ودارعيشهم .

أشنوية في معجم البلدان:
  ويذكر الحموي صاحب أشهر مصنف في جمع أحوال البلاد والشعوب عن مشاهدته لهذه المدينة قائلا: "أشنه" بالضم ثم السكون وضم النون وهاء محضة، بلدة شاهدتها في طرف "أذربيجان" من جهة "إربل". بينها وبين "أرمية" (أرومية) يومان، وبينها وبين "إربل" خمسة أيام، وهي بين "إربل" و"أرومية" ذات بساتين، وفيها كمثرى يفضل على غيره، يحمل إلى جميع ما يجاورها من النواحي إلا أن الخراب فيها ظاهر وكان ورودي إليها مجتازا من "تبريز" سنة 671 .

 من أعيان أشنوية:
لقد ظهر من أشنويه جماعة من المحدثين والرواة نكتفي بذكر أسماء البعض منهم ليتضح للقارئ الكريم أهمية ومكانة هذه المدينة العلمية والدينية  بعد الفتح الإسلامي، كما أن أهلها متمسكون  بالقرآن الكريم والسنة والعقيدة الإسلامية الصحيحة في العصر الحاضر.  جدير بالذكر أن المحدثين سموا المنسوبين إلى هذه المدينة مرة بـ "أشناني" وأخرى بـ "الأشنهي" وبـ"الأشنائي" بزيادة الهمزة بعد الألف، كما نسبوا أبا جعفر محمد بن عمر بالأشناني وهو الذي روى عنه أبو عبد الله الغنجاري وأصله من مدينة أشنه (أشنويه الجديدة).
من كبار محدثيها:
 الربيع بن يحيى أبو الفضل البصرى الأشنانى وهو من الطبقة  العاشرة ( من  كبارالآخذين عن تبع الأتباع ) حدث عن: شعبة، ومالك بن مغول، ومبارك بن فضالة، وزائدة ابن قدامة، وطبقتهم. وروى عنه  البخاري، وأبو داود، وحرب الكرماني، وأبو زرعة الرازي، وأبو مسلم الكجي، ومحمد بن أيوب البجلي، وآخرون. قال أبو حاتم: ثقة ثبت. وقال ابن قانع: مات الاشناني في سنة أربع وعشرين ومئتين من الهجرة النبوية .
من الفقهاء المنسوبين إليها:
 الفقيه عبد العزيز بن علي الشافعي صاحب الفرائض المعروفة الذي  قدم بغداد وتفقه فيها على الشيخ أبي إسحاق وسمع فيها من جماعة، وكان زاهداً، عارفاً بالمذهب والحديث، وصنف في المذهب والفرائض. رحل عن بغداد، ثم رجع إليها لرد قلم استعاره، وعاد إلى بلده فمات فيها. لم يذكروا وقت وفاته. والغالب أنه توفي في أشنه. و أحمد بن موسى الأشنهي الشافعي : وهو أحمد بن موسى بن حوشين أبو العباس الأشنهي. قدم بغداد واستوطنها ودرس الفقه للشافعي على المتولّي وغيره وسمع من أبي جعفر النجاري وأبي الغنائم ابن أبي عثمان وغيرهما وحدث بكتاب تنبيه الغافلين. وكان زاهداً ورعاً فقيهاً مفتياً؛ توفي سنة خمس عشرة وخمسمائة.
 وابن شيث القرشي الأموي الأشنائي العلامة المنشئ البليغ جمال الدين عبدالرحيم بن علي، ولد سنة 557 .  وتفنن في الآداب بـ "قوص" مع الدين والورع والباع الاطول في النظم والنثر وحسن التأليف والتصنيف. ولي الديوان بـ"قوص"، ثم بـ"الثغر"، ثم بـ"القدس"، ثم صار  كاتبا لصاحب مصر. وكان قاضيا لحوائج الناس كيسا كبير القدر.
مات في المحرم  سنة خمس وعشرين وست مئة.

أشنويه في عصرنا:

لقد ذكرنا قسطا بسيطا من تاريخ هذه المدينة وجماعة من المحدثين المنسوبين إلى هذه المدينة وذكر أصحاب البلدان والرحلات والتواريخ أسماء مختلفة لهذه المدينة، وأشهر ما اشتهر بها بعد الفتح الإسلامي وخاصة في كتب التاريخ والبلدان وتراجم الرجال هي "أشنه" ولكن اليوم تطلق عليها كلمة "أشنويه " وهي تقع كما قلنا في محافظة "أذربيجان الغربية" وهي محافظة واسعة في شمال غرب إيران على حدود من "تركيا" و"العراق" وهي من المحافظات الحدودية التي يسكن فيها عدد كبير من أهل السنة والجماعة.
لقد تداولت هذه المدينة أثناء الحروب الطويلة بين الصفوية والعثمانية شأن كثير من المدن الحدودية. مرة أصبحت من أراضي الصفوية وأخرى من أراضي العثمانية إلى أن تم كونها من أراضي إيران حسب التقسيمات الاستعمارية في القرون الأخيرة. وهي اليوم من أهم مدن أهل السنة في إيران في حدودها مع "تركيا" و"العراق" وقد احتفظت على أصالتها وثقافتها الاسلامية الأصيلة وعلى تمسكها بالكتاب والسنة. وقد تبدلت أشنويه في شهر " مهر"  سنة 1337 هجري شمسي إلى مديرية مستقلة بعد أن كانت من نواحي مدينة "أرومية" عاصمة المحافظة المذكورة . وهذه المدينة تتميز بعدة أمور، منها: موقعها الاستراتيجي، حيث يقع على حدود الدول الثلاث (العراق وتركيا وإيران) وهي من أهم دول المنطقة. وبالإضافة إلى هذا تتمتع بميزة هامة  أخرى وهي طقسها الجميل والأرض الخصبة للزراعة التي يخرج منها سنويا صنوف من المحاصيل والمنتجات الزراعية واليدوية والمراتع الطبيعية الواسعة لرعي الأغنام وغيرها من البهائم. مع ذلك كله فأهل هذه المدينة البالغ عددهم إلى أكثر من ستين ألفا ومعظمهم من الأكراد السنة يعانون من مشكلتين أساسيتين، الأولى: المشاكل المالية وشيوع المشاغل الكاذبة وانتشار البطالة، والثاني: المضايقات التي هي فوق الأولى من حيث الخطورة فإنها ربما تجرها نحو مشاكل ومصاعب جادة مثل شيوع الفوضى، وخاصة البيئة مستعدة لذلك بسب فقدان فرص العمل والاشتغال لكثير من الشباب، وبسبب المجاورة لدولة محتلة. نرجوا لأهل هذه المدينة الذين عاشوا منذ قرون ملتزمين بمبادئهم الإسلامية الأصيلة أن يقفوا جادين باذلين أقصى مساعيهم وجهودهم في سبيل الدين.
والله الموفق. 
 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات