خطبة الجمعة 24 صفر

خطبة الجمعة  24 صفر

فضيلة الشيخ عبدالحميد حفظه الله

فضيلة الشيخ عبدالحميد حفظه الله

تطرق سماحة الشيخ عبدالحميد حفظه الله في خطبة هذه الجمعة بعد تلاوة آية «ياأيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسی أن يكونوا خيراً منهم ولانساء من نساء عسی أن يكن  خيرا منهن» إلى  بيان أهمية الأخوّة الإيمانية قائلاً: لقد بين الله تبارك وتعالى  في القرآن الكريم للبشر أفضل أنواع الهدايات وأعظمهما. إن القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى  وهو يهدي إلى  طريق السعادة والنجاة. قال الله تبارك وتعالى «إنما المؤمنون إخوة»، وقد بين في هذه الآية والآيات السابقة الأخوّة بين المسلمين جميعا. توجد أخوة إعتقادية وإسلامية بين المؤمنين .ويبين الله عزوجل مسؤلية المؤمنين في حالة وقوع النزاع والخلاف بين طائفتين منهم  أن يقوموا إلى الإصلاح بينهم ويأمرهم أن لايجلسوا غير مبالين وأن لايتركوا الطوائف المختلفة على  حالهم، بل يجتهدوا ويسعوا في الصلح والإصلاح بينهم ويحاولوا إقناع وتفهيم الباغي الظالم ويجلسوه على  مكانه ليقتنع   بالعدل والانصاف ويقضوا بين الطرفين المتخاصمين  بالعدل والقسط .

وأضاف سماحته: عندما يقال لكثير من الناس في النزاعات والخلافات تعالوا إلى  الشريعة وتعالوا إلى المحكمة يقولون لانذهب إلى الشريعة والمحكمة. هؤلاء أناس مستكبرون باغون لابد من إقناعهم بالعقل والمنطق. ويوجد  كثير من الناس يقولون لاشريعة ولاقانون، فمثل هؤلاء لابد أن يقنعوا. لابد أن نسعى نحن في إقناعهم.  ماأحسن كلام كثير من العامة إن الله هو الحق وهو مع الحق والحقيقة فلا إفراط ولاظلم.
 من الناس من يطغى ويستكبر مستنداً إلى  قدرة قبيلته وطائفته وقد يستكبر كثير من الآباء نظراً إلى  قوة أبنائهم ويستكبر كثير من الناس  نظراً إلى  قوة إخوتهم. ويستكبر الكثيرون نظراً إلى  قوة الدولة ويقولون علاقتنا جيدة مع الدوائر الحكومية أو المسئولين ويريدون أن يرهبوا الطرف الآخر بهذه الأساليب. كلا!  ليس هذا هو الحل. لابد أن يكون الطريق طريق الحق وأن يكون الإنسان مقتنعاً بالحق متبعاً له ويخضع أمام الحق ويسلم له وإن راحت حياته ولتذهب من منطلق الحق لا من الباطل.
وأضاف سماحته قائلا :  إن  سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان أميرالمؤمنين في عصره  ولكنه حضر المحكمة لا لأجل خصم مسلم بل لأجل يهودي. جلس أمير المؤمينين أمام قاضي الكوفة الذي نصبه هو ليقضي بينهما بالحق فقضى القاضي لليهودي وقال لأمير المؤمنين إن كنت تدعي الحق فلابد من أن تأتي بالبينة، ولما جاء علي رضي الله عنه بإبنه حسن وعبد له بينة لم يقبله القاضي قائلاً  لا أستطيع أن أقبل شهادة الإبن لأبيه.  لأن الولد زينة حياة الأب وهو وارثه من بعده.  فكانت النتيجة أن ذهب اليهودي بالدرع.
فكان في ذلك العصر بإمكان جارية أن تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناحية وتعرض عليه حاجتها ليفهم النبي عليه السلام كلامه وكان النبي دائماً وراء الحق وطالبا له.
وأضاف سماحته: إن الحق مهم جداً لابد أن نسلم أنفسنا للحق، نطلب الحق في جميع معاملاتنا.  وإذا دعانا أحد إلى الحق نصغي له، والقرآن يدعوا إلى هذا، إن اختلفت أوتنازعت طائفتان من المؤمنين أن يحكموا كتاب الله وسنة النبي بينهما سواء كانت الدعوى  دعوى  مال أو عقار أي دعوى كانت لابد من أن يكون القضاء بالحق، ونرجع إلى الحق ونستسلم له ولابد أن تكون رؤوسنا خاضعة أمام الحق .
فهذه هي الهداية الأولى في هذه الآيات، يهدي القرآن إلى الجلوس على كرسى المفاوضة والقضاء بين المتنازعين قبل اشتداد الأمر وقبل أن يتأدى الاختلاف إلى خسائر أخرى.
هذا توجيه قرآني حيث أمر بنصرة الطرف المظلوم إذا بغت الطائفة الأخرى في النزاع.
وقد بين القرآن في هذه الآيات وهي آيات من سورة الحجرات مخاطباً المؤمنين أن يجتنبوا من السخرية والاستهزاء بأن لايسخر أحد من غيره بسبب عيب يجده فيه، فمن الناس من هو أعور ومنهم من هو أعرج ومن هو ذا مال أو جمال ومن ليس كذلك. فلايسخر طائفة من طائفة ولاقوم من قوم آخر. وإن رأى شخصاً معيباً أو مبتلى يقول « الحمدلله الذي عافاني مما ابتلاه» حيث لم يبتل بهذا العيب ويشكرالله عزوجل على ذلك بدل أن يسخر منه، ثم قال تعالى  ولاتجسسوا ولايغتب بعضكم بعضاً وكل هذه صفات تنشأ من الكبر، فالشخص المستكبر ومن هو معجب برأيه يسخر من غيره دائما ويطعن فيه، ويضحك منه. قال الله تعالى:  ويل لكل همزة لمزة. والكبر أكبر مرض يبتلى به الإنسان، والتواضع الذي هو مقابل الكبر من أفضل الصفات في وجود الإنسان فلينظر الإنسان إلى عيوب نفسه ولايتفكر في معايب غيره. فمن يلقي النظر في عيوبه لايبتلي بالكبر والتكبر، فالذي يرى نفسه أحقر من جميع الناس لايتكبر ولايستكبر أبداً ولايسخر من غيره أصلاً فالتكبر معصية كبيرة ولايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. وقد شقي إبليس بسبب التكبر وقد نجي آدم بسبب التواضع. فلما عصى آدم ربه تاب واعتذر وبكي ولكن الشيطان اندفع إلى نسبه وحقيقته قائلاً أنا خير منه فأنا خلقت من نار وآدم خلق من التراب، لأجل ذلك لعنه الله سبحانه وتعالى.
وقال فضيلة الشيخ: إن معظم الأمراض الروحية نحو الحسد والغيبة و التجسس تنجم من التكبر، والتكبر هوالذي يدفع الإنسان إلى الغيبة والطعن في الآخرين وتجسس معايبهم والسعي للتطلع على عيوب الناس المستورة وأسرار حياتهم. وهويحرم علينا شرعاً أن نكون وراء معرفة أسرار حياة الناس وكذلك استراق أسماع المتكلمين هاتفيا أمر منكر شرعاً.
وأضاف سماحته مبيناً حرمة التجسس في معرفة الأمور الشخصية والسرية للأفراد: إن سماع المحادثات الهاتفيهة محرم إلا على من كان لديه مسئولية مثل رؤساء الدوائر ومثل الأب بالنسبة إلى أبناءه، فالأب مسئول بالنسبة إلى إبنه ليتربى الإبن صالحاً ويكون مشرفاً عليه لئلا يذهب إلى الفساد أو يكون  رئيس الإدارة ذكياً بالنسبة إلى موظفيه ليفهم  ماذا يفعلون، أو الدولة مسئولة بالنسبة إلى الوزارات والدوائر في القسم المتعلق بالفساد لا بالنسبة إلى مسائلهم الذاتية. والتدخل في شئون الأشخاص الخاصة محرم على المسئولين بأن يتجسسوا في حياتهم كيف العلاقة بين الزوجين وكيف حاله مع أولاده فالدولة لاينبغي أن تتدخل في مثل هذه الأمور.
 واستطرد فضيلته: مع الأسُف لقد عمت الغبية في عصرنا بسبب وجود الكبر في قلوبنا فنحن نحسن الظن إلى أنفسنا ونسيء الظن إلى غيرنا مع أن الشريعة أمر بعكس ذلك.  ورد في الحديث «ولاتجسسوا ولاتحسسوا» أي لانكون وراء عيوب الناس المستورة ولانكون وراء أسرار الناس أيضاً. قال الله تبارك وتعالى في الغيبة أشد الأقوال: «أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً».
من الممكن أن يتنازع رجلان فيعض أحدهما عضوا من جسد الآخر ولكن لايتجرأ أحد من أن يعض جسد إنسان ميت فيأكل لحمه فهذا المثال من أشد الأمثال. فبالغيبة نعطي أجور أعمالنا الصالحة إلى غيرنا ونتحمل وزر معاصيهم وذنوهم، فالغيبة معصية لافائدة فيها أصلاً وهي معصية فارغة عن أي نوع من الربح. فعلينا بالتجنب من هذه المعصية.
 حكي عن الإمام الشافعي رحمه الله عند ما سأله شخص توقف عن الإجابة و تفكر. قيل له لماذا سكتت عن الإجابة؟ فقال: تفكرت هل التكلم خير أم السكوت.
فعلى الإنسان أن يتفكر أولاً ثم يتكلم إذا شاء. ربما تلقينا ألسنتنا في مشاكل ومهالك. وفي الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنه قَالَ:"  فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَال:َ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ".
إن اللسان نعمة إلهية عظيمة، فباللسان نذاكر العلم ونتلوالقرآن الكريم ونهلل ونسبح الله ونستغفره، وكل هذه الأعمال تجري باللسان، فنجبر اللسان على الخير ونشغله بذكر الله تعالى.
لم يخلق اللسان للكذب أو الغيبة أو الطعن والاتهام .وإن استخدام اللسان في هذه المعاصي استخدام سيء يلقي الناس في جهنم يوم القيامة.
نحن نحاسب يوم القيامة بسبب حصائد ألسنتنا، فالعين والبصر والفؤاد كل أولئك مسئول عنه يوم القيامة، فلانستعمل العين التي هي أحد أهم نعم الله سبحانه وتعالى في الحرام وفي النظر إلى ماحرم الله تبارك وتعالى. وكذلك لا نستعمل الأذن التي هي نعمة كبيرة من نعم الله تعالى في استعمال الأصوات المحرمة من الأغاني و الغيبة وغير ذلك.
وأضاف فضيلته: علينا بحفظ ألسنتنا ولانكثر من الكلام، فمن يحدث بكل ما سمع سيصدر عنه الكذب لامحالة أو يرتكب غيبة، فلنسكت ولانتحدث كثيراً. أفضل العبادات أن يختار الإنسان السكوت ويمرن نفسه على حفظ اللسان فنجري على اللسان ما فيه خير للدنيا أو الآخرة ومافيه نفع للدينا أو الآخرة ونتكلم بما فيه هداية وتوجيه للناس. نتفكر أولاً ثم نتكلم.
إن الإكثار في الكلام صفة مذمومة جداً، ولقد وصل لقمان إلى الحكمة نتيجة سكوته وعدم التكلم في غير محله و إن الله تعالى يجري الحكمة على اللسان الساكت، ويلقي النور في ذلك القلب، والذي يكثر من الكلام تحتل الظلمة مكان النور في قلبه. وما أحسن ما قاله الشاعر الفارسي: القلب يموت من كثير الكلام وإن كان النطق مثل اللؤلؤ. فنقلل من الكلام ونتفكر في العظمة الإلهية و ندكرالله عزوجل و نستغفره ونستخدم اللسان لنجاتنا في الدنيا والآخرة و نتكلم بما فيه صالح العباد وبما فيه منافعنا. وفقنا الله تعالى لما يحب و يرضى.
ثم أشار سماحته في القسم الأخير من الخطبة إلى حادثة انفجار القنبلة الصوتية في إحدى المساجد في الأسبوع المنصرم قائلاً:  إن تفجير هذه القنبلة في المسجد كانت قضية مؤسفة ومؤلمة لنا جميعا، فإن المساجد بيوت الله تعالى، يقول الله عزوجل «وأن المساجدلله»، المسجد ليس للشيعة و لا للسنة، فهي لله و إن انتسبت إلى الشيعة أو السنة أو أي طائفة أخرى أو كانت باسم أي شخص أو قبيلة فهي لله عزوجل. قال الله تعالى: «في بيوت أذن الله أن ترفع»، البيوت التي أمرالله عزوجل أن تعظم هي المساجد.
إننا إذ ندخل المساجد نضع الرجل اليمنى عند دخولنا المسجد احتراماً وتعظيماً له وندعو الله عزوجل ونجلس فيه ساكتين قانتين ذاكرين. قال الله عزوجل: «ماكان لهم أن يدخلوها إلاخائفين».
وأضاف سماحته: إن وضع القنابل في المساجد و تفجيرها فيها أمر خطير و هو يساوي إزالة عظمة و حرمة هذه الأماكن، وإذا ذهبت حرمة هذه الأماكن فلاتبقى لمجتمعنا شئ .
لأجل ذلك أدين بصراحة هذه الجريمة وأطالب الناس جميعاً أن هناك عناصر وأيدي مشبوهة تبغي الفتنة والفرقة وخلق المشاكل والمعضلات ولابد من إمساك مثل هذه الأيدي في المجتمع. لابد أن نشعر بالمسؤلية نحن جميعاً تجاه هذه الوقائع و لانكون غير مبالين بالنسبة إلى هذه القضايا و الأحداث.
ثم أشار فضيلته في النهاية إلى تعرض بعض أهل العلم من أهل السنة أمام منازلهم للضرب بالسكين من قبل عناصر مشبوهة في الأسابيع الماضية قائلا: لاندري ماذا يقصدون وما هي نواياهم من هذه الممارسات فهؤلاء يريدون أن يكونوا بأعمالهم هذه سببا للاختلاف والشقاق في المجتمع و يجعلوا المجتمع مجتمعا  غير آمن، وهذه الأعمال أيضاً خطيرة و موحشة، فإن أهل العلم طبقة لها الحرمة الخاصة في هذا المجتمع و يحبهم الناس فالعلماء شيعة كانوا او سنة للناس مشاعر خاصة بالنسبة لهم، فالناس يحترمونهم و يقدرونهم.
فعلى الشعب والمسؤلين أن يبادروا إلى مكافحة وسد هذه الأنواع من الجرائم.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات