إن محمد صديق المنشاوي أحد القراء المشهورين المعاصرين الذي يلفت اسمه نظر الباحث في حياة القراء، المحب لكتاب الله عز وجل؛ فهو كنجم عال متألّق بين نجوم هذه السماء، تنصرف إليه العيون وتصغي إلی تلاوته الجميلة الآذان، وتهوي إليه أفئدة القراء الذين يريدون محاكاة شيخ في القراءة؛ فقد ترك من خلفه آلافاً ممن يحاكيه في قراءته وتلاوته وينهج نهجه ويقطع سبيله.
إن مما يزيد في شعور الإنسان القارىء بالمسئولية العظيمة التي ألقيت على كاهله وبالإعجاب بهذا الإنسان العظيم هو لقب "شهيد القراء" الذي قد يزيّن به اسمه دون غيره من القراء. لقد توقف الكثير هنا متسائلين لماذا لقّب المنشاوي بشهيد القراء؟
نعم! زيّن الأستاذ بهذا اللّقب الغالي لما منعه الأطباء المعالجون له في مرضه من قراءة القرآن الكريم، فأبى أن يمتنع من هذه العبادة الكبيرة التى عشقها طول حياته، فإن الفراق من محبوب لازمه في كل لحظة يصعب علی مثله.
ولد الأستاذ محمد صديق المنشاوي سنة 1299 في منشاه من مدن مملكة مصر في بيت عرف واشتهر بالتديّن والحب لكتاب الله عزو جلّ، فأبوه "صديق" من القراء الذين تغنّى واستغنى بكتاب الله تعالی وربّى ابنه محمد على ذلك، فقد كان يقرأ القرآن لأنه كتاب لله المنزّل وهو الهدي المبين، ولم يسئل في حياته الأجرة على التلاوة من أحد ولم يتكلم عنها، وقد كان يزّين المحافل التي يحضرها بتلاوته الخاشعة الخاضعة ثم يغادر المكان بسكينة ووقار تخالطه خشية إلهية.
أقبل "محمد" بتشجيع وترغيب من جانب أبيه إلى تعلم العلوم الشرعية والإسلامية، خاصةً علوم القران والقراءات، فحفظ القرآن وهو في التاسعة من عمره، وكان يقيم حفلات قراءة القرآن في ليالي رمضان.
بدأ "محمد" ينتشر صيته في الآفاق شيئًا فشيئًا وقد دخل عنفوان شبابه، استقبلته الإذاعات ببثّ تلاواته الرائعة، فازدادت شهرته في أنحاء مصر، ومنها فى العالم الإسلامي كله، وصار أكبر قارىء عرفه الجيل المعاصر له.
خصائص قراته:
لا شك أن المنشاوي قارىء كبير يندر وجود أمثاله في المتقدمين والمتأخرين، وهو من مفاخر العالم الإسلامي العظمى، وهو يعدّ من مبتكري الألحان القرآنية المختلفة.
فممّا امتازت به قراءة المنشاوي الأسلوب الخاص له في التلاوة، والصوت الحسن، واللحن الحزين، والتلفظ الصحيح، والأداء القوي للكلمات القرآنية؛ فهو بمهارته وقدرته وتسلطه علی هذه الأساليب يجعل السامع بحيث يتدبر في القرآن أكثر فأكثر، ويعدّ المنشاوي كذلك أحد أساتذة فنّ القراءات السبع والعشرة.
قرأ المنشاوي القرآن كله بقراءة الترتيل بتسلّط كامل وأسلوب خاص، توجد أشرطة تلاوته بالتحقيق والترتيل في العالم الإسلامي، تبثّ تلاواته أسبوعياً من إذاعة القرآن لإيران، وقد سافر الأستاذ إلی بعض الدول الإسلامية كسورية وكويت وبعض الدول المجاورة للخليج، وانتفع المسلمون في هذه البلاد بتلاوته الجميلة وتعرفوا على أسلوبه في القراءة، إلی أن وافته المنية في سن يناهز 49 سنة، عام 1348هـ. ش في مدينة القاهرة.
نرجو أن يحشره الله في زمرة أهل القرآن وخاصته. آمين
الكاتب: ضياء الرحمن صحت (أستاذ القراءة والتجويد في جامعة دارالعلوم بزاهدان)
تعليقات