اليوم :26 April 2024

خطبة الجمعة 25 ربيع الثاني 1429

خطبة الجمعة 25 ربيع الثاني 1429

Image
ألقی سماحة الشيخ عبدالحميد إمام وخطيب الجمعة لأهل السنة بمدينة زاهدان ومدير جامعة دارالعلوم زاهدان خطبته يوم الجمعة حول العكوف علی الحياة الدنيا وعدم الإقبال علی الآخرة، فبدأ خطبته بتلاوة آية من القرآن الكريم في سورة عنكبوت وأخری من سورة الأعلی، فقرأ: «وما هذه الحياة الدنيا  إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون».

 وأيضاً: «قد أفلح من تزكی وذكراسم ربه فصلی بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقی».
وقال: إن الله تعالی يقيس في هذه الآية ‌(في سورة عنكبوت) بين الحياة الدنيا وبين الحياة الآخرة حيث يصرّح الله سبحانه بقلة الحياة الدنيا أمام الآخرة، وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، مع أنّ حياة الدنيا  لها أهمية وخطورة عند المؤمن أيضاً لأنها مزرعة الآخرة، ولكن البشرية اليوم أصبحت تزيد من التكاثرمن الدنيا والتهافت عليها فتصرف قواها وطاقاتها ومواهبها في سبيل الحصول عليها، وقد صورالله لنا هده الصورة حيث قال: «ألهكم التكاثر حتی زرتم المقابر» يعني إنكم لاتزالون تجمعون أموال الدنيا وتتكاثرون منها ولا تتركونها حتی تأتيكم المنية وتصلوا إلی مقابركم.
وأردف قائلاً: إنّ القرآن يأمرنا بترك الدنيا كلياً وإنّما أجاز لنا ابتغاء فضله تعالی في النهار «وابتغوا من فضل الله» ولكن عن طريق حلال جائز وإنّ الله يريد أن ينبهنا بأنّ الحياة الدنيا لا تليق بأن تفضّلوها علی الآخرة «بل تؤثرون الحيوة الدنيا والآخرة خير وأبقی»، إنكم تتنافسون فيها وتسابقون في الحصول عليها. نسيتم الآخرة، نسيتم القبر وتقضون أيامكم في اللهو و اللعب، إنها لهو ولعب كمباراة تشاهدونها وتصرفون أوقاتكم لها ساعات فتتم، ولا تحصلون منها علی شيء. نعم! إنها حياة فانية قليلة جدا ما خلقتم لأجلها وإن متاع الدنيا للتسلية، هذا ما عبّره الله تعالی عن الدنيا (لهو و لعب) حياة مستعارة قليلة.
ثم استطرد فضيلة إمام وخطيب الجمعة لأهل السنة بمدينة زاهدان في بيان حقيقة الآخرة قائلاً: «و إنّ الآخرة لهي الحيوان»، إنها حياة أبدية، عزة في الجنة، عزة أبدية لا ذل بعدها، سلامة لا سئامة بعدها، إنها ليست كالمناصب الدنيوية التي تغدو وتروح، تأتي صباح و تذهب مساء، واحد يكون اليوم ممثلاً أو رئيساً أو وزيراً، وبعد أشهر أو أيام ينتهي دوره و يشغل غيره مكانه فلا يعرفه أحد ولا يبالي به. إنها ليست كالأموال في الدنيا هائلة لا يمكن للمرء أن يستفيذ منها لأجل مرض أصابه أو لأجل مشكلة طرأت عليه. أما في الجنة فيعطي الله عباده ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين. فهناك مساكن طيبة في جنات عدن، مساكن جميلة بنيت من أغلی وأعلی و ألمع اللآلي والأحجارالثمينة، إنها في جنات تحتها الأنهار أجر غير ممنون، وهناك رضوان الله في الجنة ورضوان من الله أكبر، وهناك نعم أعدها الله لعباده ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علی قلب بشر.
وأكد فضيلته علی أن تلك النعم في الجنة ثمرة الأعمال الصالحة في الدنيا، وقال: هناك سعادة وعزة ونورٌ في وجه المؤمن. إنه نور الإيمان بالله في الدنيا و نور الأخلاق الفاضلة قد تبدّلت إلی رضوان وجنات ونعيم في الآخرة.
وفيه قال عليه السلام «يحشر أمتي غراً محجلين في آثار الوضوء» وقال إني أعرف أمتي بآثار الوضوء في وجوههم وأيديهم وأرجلهم . وفي الجنة حياة السرور والفرح (لاخوف علیكم اليوم ولا انتم تحزنون).
«ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً» فلا عداوة ولا إثم ولا لغو ولا تأثيم، «ادخلوهابسلام» «سلام قولا من رب الرحيم» ولكن الدنيا خراب وعداوة وبغضاء وحقد وشحناء.
وأضاف قائلاً : إن الله تعالی يرزق في هذه الحيوة الأبدية الطيبة لمن عرف الله وعبده في الدنيا، للذي عرف واجبه ومسئوليته في الدنيا فأدّاه، الذي عمل للآخرة وأزال عن نفسه الحقد والبغضاء وترك الشرك والكفر والرياء والكبر، وزين نفسه بالسخاء والكرم والجود والصلاح، ترك المعاصي والآثام من الزنا وشرب الخمر والإدمان وقطع الطريق واختطاف الناس، وجعل نفسه في إطار أحكام الشريعة والتعاليم النبوية، الذي عرف الحق واتبعه وعرف الباطل واجتنبه. يقول الله تعالی: «قد أفلح من تزكی» أي تزكی من الأرجاس والرذائل الباطنية والظاهرية ووصل إلی حياة طيبة وعيش سليم ونجی من حياة المعلولين. فلا يمكن لأحد أن يجمع الأمرين في قلبه «ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه» إما هذا أو ذاك، طهارة أو خبث، رحمة أو لعنة، والمؤمن يترك الخبائث ويأخذ الطيبات.
وتابع قائلاً: بعد أن دخل أصحاب الجنة الجنة وأصحاب النار النار، يؤتي بالموت في صورة كبش فيذبح بين الجنة والنار فلا موت بعد ذلك ولا حياة، لايموت فيها ولا يحيی.
وذكر سماحة الشيخ أحوال أهل النار قائلاً: هناك أصحاب النار لا يموتون فيها ولا يحييون، لهم ظفير وشهيق، صراخ وعويل. قد شبه الله سبحانه وتعالی أصواتهم وصراخاتهم بأصوات الحمير. هناك أنواع العذاب والعتاب من الحيات الكبيرة والعقارب اللادغة، وهناك ظلل من النار الشديدة تحيطهم من فوقهم ومن تحتهم وهي عليهم مؤصدة. لا نستطيع أن نتحمل عذاب الله ولا يستطيع أحد من العالمين تحمل الشدائد فإنه عذاب أليم شديد أعاذنا الله وإياكم من عذاب الآخرة.
وهذه العاقبة الوخيمة الأليمة ليست إلا نتيجة أعمال العباد. «وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون»، «وما ربك بظلام للعبيد». إنها نتيجة القتل وأكل الربا والكذب والخيانة و… إنها نتيجة الكفر والنفاق، كما كان الجنة نتيجة الأعمال الصالحة «تلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون».
وصرح في نهاية هذه الخطبة أنّ المشاكل والأزمات العديدة التي نعانيها ونتحلها كل يوم كلها نتيجة أعمالنا ولأجل سخط الله علينا، وقال: إن جسر النجاح والفلاح هو التوبة الصادقة وإصلاح العمل والأخلاق والعودة إلی الإسلام.

وحرّض الناس علی التوبة من المعاصي قائلاً: والله إن أسخطتم ربكم لا تجدون عنه بدلاً، فلا تسخطوا ربكم لأجل آبائكم وأمهاتكم وأولادكم ولا لأجل أصدقائكم وأحبابكم، فإذا خسرتم الله فقد خسرتم السعادة الأبدية وخسرتم كل شيء.
وأضاف: إن النعم كلها من الله وإنها لايحبنا أحد ولا يبغضنا شخص إلا بإذن الله فإذا رأيت ولدك يعصيك فاعلم أنك عصيت الله، وإذا رأيت أحداً يبغضك ويشتمك ويظلمك فاعلم أن الله غير راض عنك، فتوبوا إلی الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
ثم بدأ سماحة الشيخ عبدالحميد بالكلام عن بعض القضايا والأمور التي أغضبت أهل السنة وعلی رأسها قضية اختطاف النساء من الشوارع في مدينة زاهدان وانتهاك أعراضهن وقال: وصلت إلينا رسائل كثيرة حول أزمات عنيفة جرحت قلوبنا وأثارت مشاعرنا، الأمر الذي لم نجرّب في هذه المنطقة حتی الآن في حياتنا ولم نسمع بذلك أبداً بأنّ النساء قد تعرضن لانتهاك الأعراض وهتك الحرمة، وقد وجدت بعض الجنائز علی حافات الشوارع. وإني لم أقبل ولم أصدق هذا الخبر حتی الآن وما وصلنا إلی اليقين بصدق الخبر ولكن يبدو أنها وقعت مصيبة كبيرة، ولم يحدث أمر تافه، ولما قال الناس عنه كثيراً نحن بدأنا نبحث عن حقيقة الأمر .
وأضاف: فإن هذا الأمر لما يوجد في هذه البقعة من بلادنا ونحن نظن أن القائمين بهذه الجريمة النكراء ليسو من أهالي المنطقة بل إنهم من خارجها يريدون بث الخلافات وإثارة العصبيات القومية والطائفية في المنطقة، وقد اشتهر أهل هذه المنطقة بالغيرة والحمية وكثرة الحياء علی العرض.
واستطرد قائلاً: إني سكتت في الجمعة الماضية عن هذه القضية ولكن كثرة الرسائل الواردة ألجأتني علی طرح القضية أمام الناس ومن هنا أعلن بأن مثل هذه الأمور ليست مما نسكت عليه ولا نتكلم عنه بل سنرفعها إلی المسئولين الكبار في العاصمة ولا نترك حتی يعاقب المجرمون جزاءهم معاقبة شديدة ونحن نحتاج إلی الأمن في هذه المنطقة، ونساءنا يحتجن إلی هذا الأمن في الشوارع في المدينة .
وأوصی سماحته أهل المدينة بالرقاب والأخذ بالحيطة وأن لا يتركوا بناتهم ونسائهم يذهبن بوحدهن إلی الشوارع أو المدارس.
ثم صرّح فضيلته بأن أمر العرض وأمر العقيدة أمران هامان عظيمان ذوي خطورة وأهمية بالغة لا نقبل لأحد أن يتعرض لهما، ونتحمس لهما ونغذي بهما أنفسنا ولا نتقبل أي مسامحة ولين في مثل هذه الجرائم الكبيرة ولا نفرق في أخذ الثأر لأجلها بين الشيعة والسنة، ونحن نحترم دماء الشيعة وأعراضها كما نحترم وندافع عن دماء السنة وأعراضهم، ولانتسامح في ذلك أحداً، شخصاً عادياً كان أو ذا منصب حكومي .
ثم أردف قائلاً عن مسئلة العقيدة وحريتها في الإسلام وفي بلادنا: إن عقيدة كل فرد من أفراد المجتمع محترمة لديه، وإنها الحد الأحمر والخط الخطير لا يجوز لأحد أن يتعدی هذه الخطوط الحمراء.
وأكد أيضاً: إن مذهب كل أحد محترم ولا يجوز لأي حكومة في العالم التعرض لعقيدة الأشخاص، فلا يجوز للحكومات السنية أن تتعرض لعقيدة الشيعة الأقلية في بلادهم وكذلك لا يجوز لحكومة إيران أن تتعرض لعقيدة الأقلية السنية المواطنين فيها.
وتابع قائلاً: إن الدستور قد سمح لنا أن نعلم أبناءنا ما نشاء موافقاً لعقيدتنا ومذهبنا، ونحن نقول بكل إخلاص وحماس: بأننا لا نسمح لأحد أن يتدخل في أمورنا التعلمية والعقيدية.
مدارسنا حرة لا نقبل تدخلاً حكومياً في أي صورة كان في صورة تنظيم أمور المدارس الدينية أو تمويلها أو غير ذلك. نعم نقبل الإشراف من قبل الحكومة في جميع الأمور ولا نتقبل التدخل.
ثم خاطب الجمع الحاضرين وقال: إني أوصيكم وأنا علی وشك السفر إلی الحرمين الشريفين وهذه عقيدتي أيضاً بأننا لا نسمح لمسجد من المساجد ولا مدرسة من المدارس أن يستعملوا هذه الأماكن لمحاربة الحكومة أو معاداة الشيعة. نعم! هناك إفراطيون ومتطرفون عن كلا الجانبين وحسابهم علی أنفسهم. نحن نعيش تحت لواء الإسلام وتحت رعاية الله سبحانه وتعالی ثم تحت لواء الحكومة الإيرانية، ولكن كما ذكرت آنفاً أن هناك خطوطاً حمراء عقدية وتعليمية لا نسمح لأحد أن يتعداها.
ثم أضاف قائلاً: إن المدارس السنية لها حق أن تبرمج وتخطط لها في أمر نظامها الدراسي وغيره ولا تقبل تدخل الحكومة، وهذا الأمر كما يقوله مراجع الشيعة ومدارسها، فإنهم أعلنوا بأنهم لا يريدون مدارس حكومية ولا يريدون ديناً حكومياً ولا مساجد حكومية ولا مذاهب حكومية. نعم! لابد أن تكون هناك حكومات دينية.
وأردف: إننا لا نريد إثارة الخلافات ولا نريد التطرف وإننا ناصحون نريد أن تردّ حقوق الشيعة إليهم كما نريد استرداد حقوق أهل السنة، ونحن معتدلون لسنا متطرفين، ولكن مع الأسف الشديد لا يفحترَم المعتدلون في بلادنا ولايحسب لهم حساب.
وفي الأخير أشار سماحة الشيخ عبدالحميد بأنه مسافر يوم الأحد إلی العمرة إن شاء الله وطلب من الجميع العفو والدعاء لقبول العمرة وقال: سندعوكم بجوار بيت الله الحرام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات