من آداب الإسلام الاجتماعية إفشاء السلام، لما فيه من عقد أواصر المحبة وربط القلوب بعضها ببعض، ممايمكن المودة في الأفئدة وينسج غلائل التعاطف بين أفراد المجتمع.
فالسلام اسم من أسماء الله، وإفشاءه فيه ذكر الله، وكثرة إفشائه تعني ذكر الله، وقد قال الله تعالی: «والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما» {الحزاب : 35}
وكم دففع شر بسبب كلمة "السلام عليكم"!
وكم حل من خيرات وبركات بسبب كلمة "السلام عليكم"!
وكم وصلت من أرحام بكلمة "السلام عليكم"!
وفي المقابل كم حل من نكد وبلاء، وبؤس وشقاء وقطيعة رحم، وإدبار وتنافر، بسبب ترك كلمة "السلام عليكم"!
فالمسلم مطالب بالسلام علی من عرفه من المسلمين وعلی من لم يعرف، ومكلف كذلك بردّ التحية بمثلها أو بأحسن منها.
قال الله تعالی: «وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها» [النساء:86]
قال صاحب الظلال: ونقف أمام اللمسات الكامنة في آية التحية هذه: إنها أولاً تلك السمة المتفردة التي يحرص المنهج الإسلامي علی أن يطبع بها المجتمع المسلم بحيث تكون له ملامحه الخاصة وتقاليده الخاصة… وهي – ثانياً – المحاولة الدائمة لتوثيق علاقات المودة والقربی بين أفراد الجماعة المسلمة …وإفشاء السلام والرد علی التحية بأحسن منها من خير الوسائل لإنشاء هذه العلاقات وتوثيقها. [ظلال القرآن:2/726]
السلام من حقوق المسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلی الله عليه وسلم قال: «حق المسلم علی المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة وتشميت العاطس.
[صحيح البخاري: رقم 124، كتاب الجنائر]
وقد رفع الإسلام من مكانة السلام، وجعله من الأعمال الصالحة الرفيعة.
عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم: «إن أولی الناس من بدأهم بالسلام». [رواه أبوداود: رقم 5197]
السلام يجلب المحبة وينشر المودة بين الناس
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم: «لاتدخلون الجنة حتی تؤمنوا، ولاتؤمنوا حتی تحابوا، أوَلا أدلكم علی شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم». [صحيح مسلم، كتاب الإيمان، رقم: 93]
إفشاء السلام يعني إشاعته ونشره والسبق إليه عند أي لقاء وتكراره إذا احتجب الأخ عن أخيه، ولو وراء الشجرة عند ما يعود إليهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلی الله عليه وسلم: «إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه». [رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، مجمع الزوائد: 8/37]
كل ذلك لأن إفشاء السلام في أمة الإيمان يؤلف القلوب ويوحد الصفوف ويجعل الأمة كالجسد، فالرجل يسلم علی أهل بيته كما يسلم علی الصبيان، ويسلم علی كل من يلقاه، عرفه أم لم يعرفه.
جاء في فتح الباري: «وبذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق والتواضع وعدم الاحتقار، ويحصل به التآلف والتحابب». [فتح الباري: 1/20]
وجاء فيه أيضاً: «من فوائد إفشاء السلام حصول المحبة بين المتسالمين وكان ذلك لما فيه من ائتلاف الكلمة، لتعم المصلحة بوقوع المعاونة علی إقامة شعائر الدين، وإخزاء الكافرين، وهي كلمة إذا سمعت أخلصت القلب الواعي لها علی الفور إلی الإقبال علی قائلها». [المرجع نفسه: 11/7]
أبخل الناس
وقد جعل رسول الله صلی الله عليه وسلم أبخل الناس الذي يبخل بالسلام عليهم، وحذر من ترك السلام، حيث قال: «أعجز الناس من عجز في الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام». [رواه الطبراني بإسناد جيد قوي]
قال المناوي: {أبخل الناس} أي أمنعهم للفضل وأشحهم بالبذل {من بخل بالسلام} علی من لقيه من المؤمنين ممن يعرفهم وممن لايعرفهم، فإنه خفيف المؤونة، عظيم المثوبة، فلايهمله إلا من بخل بالقربات، وشح بالمثوبات، وتهاون بمراسم الشريعة. أطلق عليه اسم البخل، لكونه منع ما أمر به الشارع من بذل السلام، وجعله أبخل، لكون من بخل بالمال معذور بالجملة لأنه محبوس للنفوس، عديل للروح بحسب الطبع والغريزة، ففي بذله قهر للنفس، وأما السلام فليس فيه بذل مال، فمخالف الأمر في بذله لمن لقيه قد بخل بمجرد النطق، فهو أبخل من كل بخيل. [فيض القدير: 1/556]
وقد شرعت للسلام آداب، منها:
قول الله تعالی: «وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها» [النساء: 86]
وقول النبي صلی الله عليه وسلم: «يسلم الصغير علی الكبير والمار علی القاعد والقليل علی الكثير». [البخاري مع الفتح:11/13]
وقد تكون هناك موانع شرعية تمنع من إلقاء السلام، بل ومن ردّه، كأن يكون عدم الرد كي ينزجر العاصي عن معصية ويقلع المذنب عن ذنبه.
وفي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «وآتي رسول الله صلی الله عليه وسلم فأسلم عليه، فأقول في نفسي هل حرّك شفتيه برد السلام أم لا».
وأخرج أبوداود من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: قدمت علی أهلي وقد تشققت يداي فخلّقوني بزعفران، فغدوت علی النبي صلی الله عليه وسلم، فسلمت عليه فلم يردّ علی وقال: «إذهب فاغسل هذا عنك». [سنن أبي داود:5/8]
وقد يكون في إلقاء السلام علی رجل شرير دفع لشره:
وقد قال النبي صلی الله عليه وسلم في شأن رجل: «بئس أخو العشيرة»، فلما قدم ألان له النبي صلی الله عليه وسلم القول.
إذا وجدت مصلحة شرعية من وراء ترك السلام، فحينذ نقف مع المصلحة الشرعية ويترك إلقاء السلام، بل ويترك الرد، وينبغي أن يكون هذا بقدر، أعني ترك إلقاء السلام أو ترك الرد بحسب الحاجة ولايتوسع فيه، والله أعلم. [فقه الأخلاق]
ومما يجلب المودة أيضاً أن ترسل سلامك إلی الناس:
وقد جاءت بذلك السنة: أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنهما أنها قالت: قال رسول الله صلی الله عليه وسلم: «يا عائش هذا جبرئيل يقرئك السلام».
وفي مسند أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلی الله عليه وسلم قال: «إني لأرجو إن طال بي العمر أن ألقی عيسی ابن مريم عليه السلام، فمن لقيه منكم فليقرئه مني السلام». [مسند أحمد:2/298]
ولما كان السلام يبعث روح الوداد ويغرس معاني الألفة في الأمة، فقد تصدی أعداء الأمة له وصوبوا سهامهم إليه لاستبداله ونسيانه، فطرحوا ألفاظاً جديدة للسلام، خلعوا عليها هالة التقدم، فتقبلها المتمدنون المفتونون بدعات الضلال الزاحفة من الشرق أو الغرب، وراحوا يرون في تحية الإسلام سبة وعاراً وتخلفاً ورجعية، وذهبوا يتباهون بألفاظ أجنبية يطلقونها ليدلوا بذلك علی أنهم تقدميون، من مثل قولهم: «صباح النور» أو «صباح الخير» عند اللقاء، و«باي باي» و«مع السلامة» عند الوداع، إلی غير ذلك من الألفاظ التي لايقرها الإسلام بديلاً عن التحية التي ارتضاها لأمة الإيمان، فكان ذلك امتداداً للحقد اليهودي علی السلام، أحد شعائر الإسلام، ولم يكن جديداً ولا مستحدثاً، وهم الذين جاؤوا إلی رسول الله صلی الله عليه وسلم فسلموا عليه قائلين: «السام عليكم»، والسام: الموت، فكان جوابه صلی الله عليه وسلم لهم: «وعليكم» فقط. [سبعون حقاً للأخوة: ص 25]
فما أعظم أمة الإيمان التي اختصها الله عزوجل بهذه التحية المباركة، كي تصل بها إلی مرضاة ربها وتحقق الألفة والمؤدة في ربوعها، فعليك بها وأكثرمنها. سلّم علی الصغير والكبير والغني والفقير ومن عرفت ومن لم تعرف، بل وسلّم علی الأموات كذلك وتأكد أن في ذلك خيراً إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقات