التطورات المتكررة والحوادث المريرة في أرجاء العالم الإسلامي أصبحت حديثاً مستفاضاً يحسن التأمل والبحث عن عللها والفحص عن أسبابها مكان التأسف والتأوه الخالي عن الحركة.
وإن نظرنا بمنظار أسود، نری الحقائق مقلوبة والعلل مجازا،ً وإن نلتفت إليها بأعين الإجراميين ونسمع إلی أطراف أحاديثهم لايضعجنا حلو أو مر علی كر الدهور ومر العصور؛ ولكن الحقيقة أضرّ مما نؤمل والمؤامرات أمرّ مما نفكر.
العالم الإسلامي المترامي الأطراف قد أصبح في براثن العدو، يضمه تارة ويرسله اخری، وأصبحت امريكا هي مضمار القدرة والعملاقة. هي وزبانيتها منبع كل الفتن والاشتباكات والحروب والأزمات؛ فمهما أحست بما يسيئها في جانب من العالم تصول مغاضبة مع شيوع الدعايات الفاسدة والأعمال الإجرامية كما سجلها تاريخ البشرية في الحروب السابقة.
إن من أكبر المؤامرات المخزية، هي زرع اسرائيل في قلب العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة، وقد اختفت امريكا بين جناحيها تطيرها كيف تشاء ويزداد نطاق الأمر بسرعة مرهفة.
وجود اسرائيل بين الدول العربية فتح باب واسع بمصراعيها لأمريكا وأياديها في المنطقة وإنها ترتدي برداء اسرائيل في إجراء مخططاتها المنسلكة من برلمان واشنطن والبيت الأبيض. والصهيونية تستعين أباها الأكبر في نشر الدعايات ضد المسلمين في أرضهم، وأصبحت غدة مهلكة تستهدف صحة مجاوريها وتتعدی كل يوم إلی جانب وإلی مجاور من البلاد المسلمة.
جعلت امريكا تتغذی بالمسلمين لاستعانة مولودها قبل أن تتعشی الدول العربية بها، وإنها تجتهد مع بث روح اليأس في نفوس المسلمين وإبعادهم عن عقيدتهم في إحباط قيمهم والمعارضة لمقوماتهم الدينية وردعاً للجوانب الإيجابية من معتقداتهم وإيمانهم.
وعلی كل فالأمر أشد وأحوج إلی حل صحيح من أن يتأسف أو يندم، بل الشعور الديني والإيماني لايسمحنا علی هذا فحسب بل يطلب منا خطواتاً تقدمياً لانحلال الأغلال التي سدت سبيلنا واندثار السدود والموانع ومكافحة الذل والهوان بترعيم المستعمر الغاصب.
إن الإسلام بازدهارها السالف الذي ومض في دياجير الظلمات والعتمات فبدلّها ضياءً ونوراً يؤملنا إلی مستقبل زاهر وغابر باهر؛ وبإيقاظ الوعي الديني والإسلامي في نفوس أبناء هذه الأمة التي قد تباعدت عن حقيقتها وتناكرت ازدهارها سيطلع في العالم فجر جديد ويومض نور آخر يبشرنا بالوصول إلی المجد والعظمة السابقة.
فإنها أمة الاستماتة والتضحية في تحقيق أهدافها الدينية والإيجابية، وإن مدی فكرها شاسعة بعيدة؛ والأزمات والانتكاسات قد ازدادت في وعي الأمة المسلمة وتسببت في نهوضها تارة أخری كما نشاهدها في شتی بقاع العالم الإسلامي، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
إن دوحة الإسلام مع ظلها الظليل الوارف ستظل علی أبناء هذه الأمة؛ فإن هذه نهضة الحمية لن يجعل الله سدی؛ والفتح والظفر موهونان ومعقودان بأذيال الدين والتدين بموازينه الشريف والتجنب عن البذخ والولع في ملذات الدنيا، فانها مغرية ثم مهلكة كما أهلكت قوم عاد وثمود، ومزيلة لشوكة الإسلام كما شهدها تاريخ الملوك السابقة الغرقة في اللهو وعيش الدنيا.
إن من أهم ما يؤملنا إلی النصر والإنتصار ويتسری الانقضاض في مجری الأعداء والكفرة، هو توسيع دائرة التوادد والتحابب بين أبناء هذه الأمة وتحكيم الروابط الودية بين الدول الإسلامية وطرد الأعداء جماعياً بحيث لم تتمكن من أي دعاية ضد المسلمين ولئلا يقيم ظهرها مضادة لمقوماتنا الدينية.
وكذا يعيننا علی ما نهدف توسيع دائرة النشر والتأليف وكثرة وسائل الإعلام في تدعيم معتقداتنا وحفظ مآثرنا الدينية وردّ الدعايات الفاضحة من جانب المستكبرين والكفرة؛ والأوضاع الراهنة تستدعي رص الصفوف في مواجهتهم بهذا النهج الوحيد وبهدف التوصل إلی توحيد الجهود والطاقات لترغيم الجاحد البذي.
إن الإسلام دين التحابب والمودة والرأفة والكرامة وكما لايخفی أن الديانة اليهودية كانت مضادة مع الديانة النصرانية وألقی شبح الحرب رحله بينهم من أمد بعيد وكانت المعاداة والتناحر والتباغض معظم مشغلتهم في زمن من حياتهما ولكن الأمر الذي يستدعي الاهتمام هو أنّ هاتان الديانتان اجتمعا في نقطة واحدة وهي تحطيم قيم الإسلام وتضئيل مباينه؛ وركزوا قواهم في هذا الهدف بحيث تناسوا الاشتباكات و الانتكاسات التي تأزمت حياتهم وتحطمت أمارات الإنسانية؛ وجعلوا يتوجهون إلی مدار واحد ونقطة واحدة وهي هدم منارات الإسلام وتبعيد المسلمين وإخراجهم من ساحة الحياة والكون، وفي هذا غاية منشودهم والتسري عن همومهم. فإذا كان هذا دأب الكفرة وعالم الإلحاد والزندقة فما يمنع المسلمين الذين هم أبناء أب واحد وملة واحدة عن الوحدة والاعتصام وترك الخلافات الجزئية لمكانها؛ أما قال الله تعالی: «إنما المؤمنون اخوة» وشرحها النبي صلی الله عليه وسلم قائلاً: «تری المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكی عضواً تداعی له سائر الجسد بالسهر والحمی». ( متفق عليه )
إن الإسلام هو دين الحماسة والشجاعة ودين الجهاد والغلبة، كما عجز عن إنكاره الجاحدون ورغم علی إقراره الملحدون؛ والأمة المسلمة أمة ما غفلبت في ساحة إلا نهضت نهوض الحصان في ساحة المبارات، وانتجت المغلوبية التجربة لأبناء المسلمين والدعم والمساندة في سبيل تحقيق آمالها، وإنها أمة تخرق أستار الهوان والهمجية وتصفي الطرق الشائكة ليتطرق إلی فجر قد بزغ أنواره وطلعت أضواءه.
وفي ظل المنغصات التي تكدر صفو حياة المسلمين، عليهم النهوض والشعور الديني والوعي الإيماني؛ فإن براعم الإيمان حينما تفتحت وعيون الإسلام لما تدفقت وتغلغلت في أحشاء أصحابها فبنصر الله وعونه يكسر أعناق الطواغيت والمردة عن مواجهتهم الإسلام ويظل الإسلام هو الوحيد المنصور في كافة الساحات، والفريد في قوته وسلطانه، كما سجلها تاريخ الإسلام من قبل.
ومع خمود شرار الإيمان في نفوس المسلمين، تعكس الأوضاع ويفدان المظلوم المعتدی عليه، بل قد يحظی الظالم بالتأييد والمساندة، وإن الإسلام لايكسره الإبادة والاحجامات، بل هي مبدأ انتفاضتها ونهوضها، ولاشك في أن هذا دين يسبب الأزمات إلی انبثاق فجره، فإنه عسی أن ينوء الانتكاسات ويرتاع ناصعة ببواسلها وعسی أن يجعل أمر الأعداء مرتطما.
إن تبييت المؤامرات التدميرية التي لامبرر لها، لهي من أشد ما تعانيها الأمة المسلمة من قفبَل جراثيم الوثنية والإلحاد واستغلالهم عن غفلة المسلمين وغفوتهم، ويتسبب هذا الأمر إلی ازدياد العنف والإضطهاد، فإن العلمانيين المستعمرين يؤامرون ويخططون لجوانب إضعاف المسلمين وتذليلهم وما يلبث إلا ونری التخطيطات علی ساحة التنفيذ والإجراء من غير أن يصدها صدود او يمنعها حدود.
وأكبر الأسباب في هذا الدمار هو تخلف المسلمين عن ركوب بحر المعنويات والروحانيات واختلافهم فيما بينهم وعدم الوحدة والتضامن ونسيان الأخوّة والمحبة التي شاهدها القرون الأولی من حياة الإسلام؛ وما نشاهدها من الاختلاف والشقاق والتنازع بين المسلمين يستغنينا عن تتبع جوانبها وجرّ ذيولها؛ وخلاصتها فيما يلي:
سريع إلی ابن العم يلطم وجهه وليس إلی داع الوغی بسريع
وقال الله تعالی: «واطيعوا الله ورسوله ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».
فما هي إلا وذهاب ريح المسلمين بمرمی أبصارهم ويقين قلوبهم.
لكن الأمر المستلزم للبحث والتفصيل هي أن ندور حول أسباب الفرقة والاختلاف، والجوانب الإيجابية لمحل الصراعات المذهبية والحزبية وعدم الاقتصار علی العقلية العصبية المتعلقة بأي مذهب كان؛ فإنها لافائدة فيها غير تضعيف بنيان الدين والعقيدة؛ فلنحاول لضماد الشقاق الموجود بين المسلمين وتوحيد صفوفهم والتشبث بمعين واحد ومنبع صافي لايخالطه غش وزيف، وردع الشهوات مقابلة المعنويات.
فعلينا أن نعتبر من المؤتمرات المنعقدة من جانب اليهود والنصاری و ننظر إلی ما يجري بينهم بعين الحقيقة والاعتبار؛ فإنهم قد آثروا الوحدة ووضعوا العصبية علی قفاهم بل جعلوها خلف ظهورهم دفعاً للاختلافات المضغنة و توحيد الصفوفهم لمقابلة الإسلام ومحاربته.
إنهم يطرحون قضايا مختلفة في المؤتمرات وفي الممالك الإسلامية ليشغلوا الأمة المسلمة عن أهم أمورها ولينتهوا عن التفكير حول النقاش معهم كما أنهم عقدوا مؤتمرات حول المرأة المسلمة يبحثون فيها عن الحرية والقسط، ليشغلوا بال المرأة بل الرجل المسلم بالحرية المزعومة في الممالك الغربية ويتوسعون في أطراف أحاديثهم عن هذا ويعلنون هذه المؤتمرات في وسائل الأعلام لينوّهوا بأنهم هم دافعو حقوق الإنسان فحسب، وهم الذين نالوا ذروة الحضارة والمدنية؛ وبهذا الطريق ينسی المسلم أن في جانب هذا الخداع والتزوير يقضی هذا المستعمر الغاصب علی حياة المسلمين في بقية اقطاع العالم ويخطط لغصب أراضي المسلمين وبجنبهم عن الحكومة الإسلامية والإمرة والخلافة، ويدير الحكومات كيف يشاء.
هذا هي الخطة التدميرية التي يعرضها الغرب في ملبس وزي جميل.
فما لنا لاننهض عن النوم الطويل الذي ذهب الإيمان والدين والسيطرة والخلافة من أيدينا، وما زلنا نائمين؟ ألا يليق بنا الحركة والانتفاضة؟ فعلينا أن نجتهد في ترشيد الصحوة الإسلامية وتطبيقها بالقرون الأولی الزاهرة مدی تاريخ البشرية والتجنب عن الدنيا والمادة، فإنها أهلكتنا كما أهلكت من قبلنا، والعزوف عن الشهوات والملاهي؛ عسی الله أن ينصرنا ويرحمنا ويرشدنا إلی معالي الأمور عن سفاسفها، وصالح الأعمال من فاسدها، فإن نواصينا بيديه يقلبنا كيف يشاء. عسی أن ينبثق فجر الآمال وتغرب شمس الآلام والدواهي بوحدة المسلمين وإنابتهم إلی الله تعالی.
وقد وعدنا الله تعالی بالخلافة بعد الإيمان والعمل الصالح.
«وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضی لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الخاسرون».
والله ولي التوفيق وبيده الهداية والإرشاد.
تعليقات