هذه الممارسة تبين موقف الرجل الغربي تجاه الإسلام والمسلمين حيث تحطم عنده جميع القيم الأخلاقية والإنسانية وخاض في شخصية أقدس الرجال في التاريخ البشري، وليس ذلك من المستغرب والمستبعد من الغربيين، ولكن العجب كل العجب منا معشر المسلمين كيف نرجو منهم كلمة الخير وأيديهم تلطخ بدماء الأبرياء.
***************************************
الدفاع عن الحبيب المصطفی صلی الله عليه وسلم
(ربيع النبوة في ربيع الطبيعة)
* الدكتور عبيدالله بني كمال (أستاذ بجامعة دارالعلوم)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی أشرف الأنبياء والمرسلين وعلی آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
قال الله تبارك تعالی: «وما أرسلنك إلا رحمة للعلمين». وقال عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
إننا في الشهر الثالث من الشهور القمرية وهو ربيع الأول الذي ولد فيه النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام ثم توفي فيه، ولاشك أن ولادة النبي عليه الصلاة والسلام كان ربيعاً معنوياً للعالم كله حيث يعيش الإنسان في جميع أقطار العالم آنذاك في قحط شديد واضطراب فكري واحتضار روحي. قال الله تعالی: «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم علی شفا حفرة من النار فأنقذكم منها».
إن العالم الإنساني كما وصفه الله تعالی كاد أن يسقط في حفرة من النار، فجاشت الرحمة الإلهية وأخذت بيد الإنسانية البائسة المتحيرة بولادة النبي عليه الصلاة والسلام بأن برزت تباشير الصبح من ذلك الحين ثم انكشفت الغمة ببعثته صلی الله عليه وسلم، وحقاً كان ربيع الإيمان والهداية للعالم. قال تعالی: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
من حسن الاتفاق صادف ربيع ولادة النبي عليه الصلاة والسلام بربيع الطبيعة في هذه السنة، فالإنسان العاقل هو الذي يعمل فكره في مثل هذه التصادفات الكونية ويربط بين العالم المعنوي الروحي والعالم الطبيعي ويصل إلی أعماق القضايا ليقتبس من نورها وبالتالي يسعد في الدنيا والآخرة.
فنظراً إلی الآيات القرآنية وما صرّح به النبي الكريم صلی الله عليه وسلم أنه بعث إلی كافة الناس ليتمم مكارم الأخلاق تتضمن رسالته جميع الأحكام والقيم الأخلاقية من تعاليم الكليم والمسيح عليهما السلام.
ذكر الله سبحانه مقال الجن في القرآن حيث رجعوا إلی قومهم بعد استماع القرآن الكريم، «يا قوم إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسی مصدقاً لما بين يديه يهدي إلی الحق وإلی طريق مستقيم» الأحقاف / 30
إن القرآن الكريم من أول الأمر أكد علی ذلك بأن الدين هو الإسلام، «إن الدين عند الله الإسلام»، ومحمد صلی الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، «ولكن رسول الله وخاتم النبيين»، ولقد تم هذا المعنی تماماً في المجتمع الذي بعث فيه النبي الكريم واستمر بدعوته فآمن به من آمن من قومه ومن مشركي العرب فحسن إيمانهم وخلصت أعمالهم ورأينا أناساً من أهل الكتاب (اليهود والنصاری) والذين كانو يبحثون عن الحق والحقيقة فآمنوا به وعزروه ونصروه، وهؤلاء الرجال لهم تاريخ وبداية من لدن رسول الله صلی الله عليه وسلم، ولن تنته هذه السلسلة المباركة في العصر الراهن ولا في المستقبل إن شاء الله.
بداية هذه السلسلة المباركة من عبدالله بن السلام رضي الله عنه من أهل الكتاب اليهود حيث آمن بالله ورسوله الخاتم صلی الله عليه وسلم ومن النجاشي – أصحم بن أبجر – المسيحي ملك حبشة الذي آمن بالله وبرسوله الخاتم واستقبل المسلمين المهاجرين في أرضه خير استقبال.
إن في سيرة أمثال هؤلاء الرجال الذي آثروا الهداية والحق علی كل تعصب ديني وعرق قومي لعبرة وعظة لمن يدعي التحقيق ويبغي الحقيقة، وبخاصة في عصرنا الحاضر، عصر التحقيق والحقيقة.
فأبناء العصر وأهل هذا الزمان عليهم أن يتّعظوا ويعتبروا من مثل هذه الثورات والتغييرات في تاريخ الرجال والأبطال، وعلی الأقل يفهموا حقيقة الأمر كما يتفاهمون مع القضايا الواقعية والحقائق الثابتة، وبخاصة في عصر الحوار والنقاش بين أهل الأديان السماوية حيث أن العالم الإنساني اليوم يحتاج إلی التضامن الشامل لإقامة نظام راسخ لسلام واقعي وأمن عالمي قائم علی التسامح والتفاهم والاحترام من خلال جهود مشتركة خالصة من كل الشعوب والجماعات وأصحاب الديانات في العصر الراهن.
لكن مع الأسف الشديد لقد شاهدنا ولانزال نشاهد مؤامرات مخططة مسلوكة تهدف أهدافاً سيئة بشعة يعرق بها الجبين.
نعم! لم تهدف هذه المؤامرات البشعة فرداً أو جماعة ولا حكومة أو مؤسسة، وإنما استهدفت خاتم النبيين ورحمة للعالمين، وذلك بنشر الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للنبي الخاتم عليه الصلاة والسلام تحت غطاء ما يسمی بالديمقراطية وحرية البيان، وإن في هذه الجريمة اللاأخلاقية واللاعقلانية في الحقيقة إساءة إلی مليار ونصف مسلم الذين يمثلون ربع سكان المعمورة، بينما كان موقف الإسلام بالنسبة لأتباع الديانات السماوية واضحاً بما فيه من الكفاية والابتعاد عن كل ما يجلب الشقاق والنزاع، فلماذا هذا الإصرار علی تحري التصادم وإثارة النفرات واستفزاز المسلمين بالعودة إلی نشر هذه الرسومات السيئة بساحة النبي المكرم عليه الصلاة والسلام.
لقد ارتكب الصحف الدنماركية هذه الجريمة في عام 2005 وأثارت غضب العالم الإسلامي آنذاك ثم أعيدت هذه السنة بنطاق أوسع منها!!!
«يا حسرة علی العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون».
ولكن ينبغي أن يفعلم ويفذعن بأن الإسلام يطلب من المسلمين بكل صراحة ووضوح الإيمان بجميع الأنبياء والرسل والكتب السماوية. يقول الله تبارك وتعالی: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله». (البقرة : 285)
ومن هذا المنطلق لايجوز لمسلم أن يتفوّه بكلمة تسيء بشأن الأنبياء الآخرين والكتب السماوية، وهذا من عقائد المسلمين العامة، يعرفها كل واحد.
ثم إنه يجب علی الكاتب أو العالم الغربي أن يعرف جيداً بأن مثل هذه الجريمة الحمقاء هي التي تزرع الحقد والبغض في قلوب المسلمين ويدفعهم إلی الصراع الدائم المتواصل، كما أنها تدل علی ضعف المنطق والمنهج لديهم.
هل الدعاية لمثل هذه الجريمة اللاأخلاقية هو حرية الفكر والبيان؟؟!!
نعم! الحرية القانونية أمر لا يتنازع في مشروعيته كما لا ينكر وجوده في الدول الغربية ولكنه يجب أن يكون في إطار إنساني كما ينبغي أن لا يتجاوز القيم الأخلاقية لدي أرباب العقول.
أما الدراسة العلمية والتحليل التاريخي للنظم الإسلامية والأحكام الإسلامية في شتی المجالات من قديم الزمان قام بها رجالات الغرب من المستشرقين وغيرهم، ولقد خاضوا المعارك العلمية في الأحكام الإسلامية المحضة حيث درّسوا ودارسوا، كما ألّفوا وتكلموا حتی في ذات الرسول عليه الصلاة والسلام وحياته الشخصية وأفعاله الطبيعية، ولا شك أنهم ضلوا في ذلك وأضلوا ولاتزال هذه الفكرة مسلوكة إلی اليوم، فلم نجد ولعلنا لن نجد أحداً من المسلمين يحرض عامتهم وحكامهم وكتّابهم خلاف هذه الفكرة المسلوكة.
نعم! الجواب العلمي والرد المنطقي كان من حق المسلمين، فالحاصل أن الحوار المنطقي والتحقيق العلمي بابه مفتوح ولابأس به، ولكن الذي نشاهده مما يرتكب الكاتب أو الرسام أو الصحفي الغربي في مسمع العالم ومرءاه ، هل هذا حوار علمي؟! أو كلام منطقي ؟!
كلا، وألف كلا!!
إنه يشبه تماماً بل أقبح من فعل الرجل الذي وقع بينه وبين شخص آخر مناقشة علمية أو مناظرة كلامية، فينهزم الرجل لضعف المنطق والاستدلال، فيتجزد عن العقل ويبدأ بالسبّ والشتم، وبالتالي يسخر ويلعب بكرامة وشرافة الطرف المقابل.
إن هذا العمل يرشدنا جيداً بموقف الرجل الغربي تجاه الإسلام والمسلمين حيث تحطم عنده جميع القيم الأخلاقية والإنسانية وخاض في شخصية أقدس الرجال في التاريخ البشري باعترافف من بني جلدتهم، وليس ذلك من المستغرب والمستبعد من رجالات الغرب وأئمتهم، ولكن العجب كل العجب منا معشر المسلمين، كيف نرجو من أفواههم كلمة الخير وأيديهم تلطخ بدماء الأبرياء بالأمس واليوم؟!
ينبغي أن نعلم ما يفعله الرجل الغربي ونطلع عليه الفينة والأخری، لأن ما يتشدق به فهذا عشر عشير مما يكمن في صدره ودماغه. قال تعالی: «قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر».
فإنها من مخططات الغزو الفكري الذي دبرها "لويس التاسع" في سجن المنصورة بمصر بعد أن فشل في الحروب الصليبية، فأخذت الحرب شكلاً آخر.
الكاتب أو الصحفي الغربي ربما يعذر لهجله وتعصبه وقلة معرفته وعدم أخلاقه وإنسانيته، ولكن هل يعذر أكبر رجل ديني وهو إمامهم (بنديكت السادس عشر بابا الفاتيكان) الذي تشدّق بسخافة الكلام والثرثرة الجوفاء المنحطة بشأن الإسلام وجرح قلوب المسلمين، ثم طالبناه نحن المسلمين بسحب تصريحاته التي حملت إهانة وتجريحاً للإسلام والمسليمن كشرط قبول لاعتذاره.
العجب كل العجب!!
نعم، لو سحب كلامه من محاضرته فمن يسحبه من جوف دماغه وقلبه وقلوب آلاف من المسيحين؟؟ وما ذلك إلا سياسة يلعب بها رجالات الغرب وأئمتهم بكرامة الإسلام والمسلمين.
فالصراع باق والمعركة مستمرة، شئنا أم أبينا، حتی يأتي الله بأمره، لكن المهم ماذا نفعل؟ وهل أدينا ما كان بوسعنا وقدرتنا؟ هل الأمة المسلمة، علمائها ودعاتها، خاصتها وعامتها، حكوماتها وحكامها، قد أدت مسئوليتها وواجبها؟؟ كلا وألف كلا!!
واجب المسلمين تجاه هذه الجريمة:
فماذا علينا نحن المسلمين تجاه هذه الأعمال المنحطة والإساءات الشنيعة بالنبي الخاتم يا تفری؟؟!!
ولا شك أن ما قام به المسلمون أفراداً وجماعات وحكومات ومؤسسات تجاه هذه الجريمة من احتجاج ومظاهرة وغضب عارم واعتراض سياسي وجواب علمي ومقاطعة للمنتجات الأروبية وما إلی ذلك، فاتخاذ هذه المواقف المسلوكة الرائجة واختيار جميع الطرق السليمة الهادفة للرد علی شناعة هذه الجريمة حق قانوني للمسلمين في مثل هذه المواقع المهمة، كما لاتخفی إيجابيات هذه الردود والمظاهرات علی مستوی العالم.
لكنه يجب اتخاذ بعض القرارات والمواقف الجادة والبرامج الدائمة لدحض هذه الأباطيل والأساءات، وبالإيجاز نشير إلی البعض:
1- لقد عرفنا وهو معروف لدی الجميع بأن العالم الإسلامي لايعرف النبي الخاتم كما ينبغي أن يعرف. نعم، عنده إيمان وحماس، ولكن القضية في مثل هذه المواقع تحتاج إلی دراسته تحليلية وعلم عميق، ولايكفي إقامة حفلة رسمية بذكری المولد الشريف في شهر ربيع الأول فقط، بل ويمكن سد هذا الفراغ بإقامة حفلات الدروس في السيرة النبوية علی صاحبها الصلاة والسلام في المساجد والبيوت والنوادي، كما تقام الندوات العلمية في الموضوع علی مستوی الإقليمي والعالمي.
2- وهكذا العالم الإنساني (غير الإسلامي) لايعرف عن نبي الإسلام ولا عن الإسلام شيئاً، وكثيراً ما يحدث مثل هذه الإساءات بسبب الجهل عن شخصية وعظمة النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام. فالعالم بأسره بحاجة إلی أن يفعرّف لهم النبي الهادي بلغتهم وعقليتهم، كما نقل بعض المواقع بأنه إثر هذه الجريمة في المرة الأولی توجّه مئات في الدول الأروبية إلی تعرّف الإسلام والنبي الخاتم عليه الصلاة والسلام، فينبغي أن يؤلف ويترجم الكتب والرسائل في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام إلی معظم اللغات في البسط والتفصيل.
3- إنشاء وفتح المراكز العلمية في الجامعات الرسمية في الدول الإسلامية لدراسة سيرة النبي المصطفی دراسة تحليلية مقصودة، لا كمادة مكررة في ضمن التاريخ حيث تذكر فيها بعض الغزوات فقط.
4- اختصاص مبلغ خاص من ميزانية الدول والمؤسسات الإسلامية لخدمة السنة والسيرة النبوية علی صاحبها الصلاة والسلام.
5- بذل جميع الطاقات للاحترام والدفاع عن ذات النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وأهل بيته وأصحابه أجمعين. فينبغي في هذا السبيل وضع قوانين جادة وفرض نظام أخلاقي فيما بين المسلمين يتكافل الاحترام والدفاع عن جميع هؤلاء الشخصيات، ومن هذا المنطلق لا يسوغ لشخص أن يسيء ويقع في أحد أصحاب الرسول وأمهات المؤمنين وأهل بيته.
لايجوز ذلك من ناحية المعتقد والمبدأ والعقل، لأنه يفتح الباب للكاتب والصحفي الغربي فيخطو خطوة أخری ويقع في ذات النبي صلی الله عليه وسلم، وربما يجرّأه علی ذلك فعل الكاتب المسلم حيث أساء لأحد الصحابة وأزواج النبي وأهل بيته، وعندما لا نراعي نحن المسلمين فيما بيننا فماذا نتوقع من الكاتب الغربي؟؟!!
وبالتالي الإساءة والقدح في أزواج النبي وأهل بيته وأصحابه إساءة وقدح فيه عليه الصلاة والسلام، لأنه في ميزان الأخلاق الإساءة إساءة، كيف ما كانت، وفي أي كانت، وممن كانت.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقات