هذه الأيام في إيران أيام خاصة لإقامة المآتم والتعازي وإنشاء قصائد الويل والمراثي وقراءة الأدعية الخاصة لهذه الأيام. من هذه الأدعية دعاء خاص ليوم عاشوراء المشهور بزيارة الإمام الحسين يوم عاشوراء.
هذا الدعاء كما تقدم صورته المطبوعة للقراء يبدأ بالسلام علی الإمام الحسين في اسطر قليلة « السلام عليك يا أبا عبدالله … ».
ثم في سطر تتبين فيه عظمة المصيبة علی أهل الإسلام وعلی أهل السموات والأرض ثم يبدأ كاتب هذا الدعاء بأصل الموضوع ويسرد اللعن والنكير والرد وإظهار البراءة والحقد والبغض بهذه الكلمات : « فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها »، بعد لعن الأمة جميعاً الذين في زعمهم اغتصبوا حق أهل البيت وأزالوهم عن مكانتهم الحقيقية الثابتة من جانب الله يبدأ بلعن القتلة والذين حاربوا الإمام الحسين بقوله: « ولعن الله أمة قتلتكم ولعن الله الممهّدين لهم بالتمكين من قتالكم ».
ثم يسرد باللعن علی كل بني أمية بقوله: « لعن الله آل زياد وآل مروان ولعن الله بني أمية قاطبة »، لايستثني أحداً بل يطلق كلمات اللعن علی آل الجميع ويؤكد بالشمول علی كل من ينتمي إلی بني أمية وكان يعيش تحت حكمهم.
ثم لحظات قليلة يقطع اللعن ويبدأ بإظهار التقرب إلی الله بموالاة أهل البيت والبراءة، لا من أعداء أهل البيت فقط بل ممن أسس الظلم والجور علی أهل البيت ومن أتباعهم وأشياعهم، ويسئل من الله تعالی أن يرزقه البراءة من أعداء أهل البيت وأن يرزقه طلب الثأر تحت راية إمام هدیً ظاهر.
فلايلبث قليلاً حتی يستأنف إطلاق اللعن مرة أخری علی بني أمية والصحابي الجليل، كاتب الوحي، خال المؤمنين، معاوية رضي الله تعالی عنه وأبيه أبي سفيان بقوله: « اللهم العن أبا سفيان ومعاوية ويزيد بن معاوية عليهم منك اللعنة أبد الآبدين.
لايتعب من إطلاق اللعن علی بني أمية حتی يتذكر الرعيل الأول من الأمة ويبدأ بلعن أول ظالم بزعمه لحق محمد صلی الله عليه وسلم وآله ويرشد القاري أن يلعن مأة مرة بقوله: « اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له علی ذلك »، ويؤكد مرة أخری علی القاري أن يقول: « اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني وابدأ به أولاً ثم الثاني والثالث والرابع، اللهم العن يزيد خامساً …».
و واضح أنه إلی من يشير بالأول والثاني والثالث والرابع وجعل الخامس يزيدَ.
هذا هو خلاصة دعاء يوم عاشوراء، وإنا قبل كل شيء نستغفرالله ونتبرأ إلی الله مما في هذا الدعاء حيث نقلناه كما ورد، وواضح أن نقل الكفر ليس بكفر.
واضح أن هذه الزيارة بتعبيرهم ليس فيها شيء سوی اللعن والنكير لا علی القتلة فقط بل يشمل المسلمين في الصدر الأول والخلفاء الراشدين وجميع الأمة المسلمة إلی يوم القيامة غير أهل البيت، لأن فيها تعميم لكل من يتبع تلك الأمة.
نحن في إيران وكل من له إلمام بالتاريخ ومطالعة في كتب الشيعة ونظراً إلی ماتجري يومياً في محافلهم وأوساطهم العلمية وما تجري علی ألسنتهم علی يقين ومعرفة بحقيقة عقيدتهم وبما يضمرونه في صدورهم. هذه عقيدتهم وإيمانهم الذي تربوا عليه ويموتون عليه. لايمكن لأحد أن يصرفهم، كما أنه لايمكن لأحد أن يصرفنا ويلومنا علی حب الصحابة والإعتقاد بهم؛ كذلك نحن لانستطيع أن نتدخل في عقيدتهم ونتمنی أن يتجردوا عن هذه العقيدة، لأنها عقيدة ورثوها عن أبائهم وأجدادهم. نحن نحب الصحابة وهم يبغضون؛ نحن نثني علی الرعيل الأول وهم يلعنون؛ نحن نستغفر للأمة السابقة وندعو لهم بالخير وهم يشتمونها ويدعون بالسوء؛ نحن نقول تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ونفوض أمرها إلی الله، وهم يرون اللعن ودعاء السوء عليهم عبادة وتقرباً؛ نحن نری حب الصحابة والخلفاء الراشدين إيماناً ويقيناً وهم يرون البراءة والبغض لهم قربة وثواباً؛ نحن نجمع بين حب الصحابة وأهل البيت ولانری أي تناقض في هذا الجمع وهم يرون حب الصحابة بغضاً لأهل البيت ولايمكن الجمع عندهم بين حب الصحابة وأهل البيت. هذا إجمال ما تعتقده الشيعة وما يعتقده أهل السنة بالنسبة إلی الصحابة وأهل البيت والرعيل الأول من الأمة الإسلامية.
ولايخفی علی أحد البون الشاسع والفرق الواضح والتفاوت العميق بين الرأيين.
أما المشكلة المهمة والقلق الذي يشكو منه أهل السنة في إيران لاسيما في هذه الأيام ( أيام إقامة المآتم والعزاء )، هو نشر هذه الأدعية ( زيارة عاشوراء ) بين أطفال أهل السنة والتلاميذ في المدارس الحكومية وإجبارهم بمتابعة القاري الذي يقرأ هذا الدعاء أمام التلاميذ والتكرار بعده.
فقد حدث في إحدی المدارس المتوسطة للبنات وهي مدرسة – كوثر – الواقعة في زاهدان – شارع المدني – أن المديرة وزعت هذا الدعاء بين التلميذات وطلبت منهن أن يتابعن التلميذة التي تقرأ الدعاء أمامهن، وعليهن أن يتكررن ويرفعن صوتهن؛ وهؤلاء التلميذات أكثرهن من أهل السنة. في هذا الصف الذي وزع فيه هذا الدعاء من بين ثلاثين تلميذة فقط ستة منهن من الشيعة وسائرهن من أهل السنة وهن أكثر من عشرين تلميذة.
واحدة من هذه التلميذات تأتي بهذا الدعاء إلی بيته وتقدمه إلی أبيها. فلما يقرأ أبوها ويوضح لبنته أن هذا الدعاء كله لعن وسب علی الصحابة وسلف الأمة، تبدأ البنت المسكينة بالبكاء وتستغفر الله وتتوب.
هذا العمل ( نشر الأدعية بين التلميذات من أهل السنة ) ما لايقبله أي سني ولا أي عاقل يعتقد بالحرية في العقيدة في دولة ترفع شعار الوحدة وتنادي باحترام المذاهب الأخری وتدعي التقريب بين المذاهب وتری نفسها أسوة لسائر الدول.
تعليقات