حذّر فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (12 رجب 1444)، مرة أخرى من تعذيب السجناء، مؤكدا على مراعاة الحقوق الإنسانية لهم.
الاعتراف القسري انتهاك لحق السجين
أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأسرى، مصرّحا: ما ضرب رسول الله أسيرا ولا عذّب أحدهم قط، رغم أنهم كانوا أعداء محاربين، واقترح عليه البعض أن يضرب أعناق الجميع حتى يضعفوا، لكنه صلى الله عليه وسلم أبدى الرحمة بهم وأطلق سراحهم، ولم يأذن بضرب شخص واحد منهم، بل أطلق سراحهم جميعا، وقال إننا نأمل أن يبصروا الحق في المستقبل.
وأضاف قائلا: تعاليم الإسلام وسيرة الرسول تؤكدان على الرفق والرحمة بالسجين، لا ينبغي ضرب السجين ومعاملته بوحشية. لا يجوز تعذيب السجين لانتزاع اعتراف منه، سواء كان السجين رجلاً أو امرأة، فهو إنسان وكلّ انسان يستحق الاحترام والتكريم. مسؤولية كل واحد منّا كبشر، الإحسان إلى جميع الناس، مسلمين وغير مسلمين. جميع البشر محترمون ويجب ألا ننظر إلى عقيدتهم أو عرقهم.
واعتبر خطيب الجمعة في زاهدان الإهانة إلى الأسير حراما، وأضاف قائلا: لا يجوز ضرب السجين والضغط عليه، والإهانة إلى السجين ممنوعة. لا ينبغي أن يشعر السجين بأن محققه يريد التعرض له، والاعتراف تحت الإكراه يعني حرمان السجين من حقه.
إغلاق أبواب النقد، سبب المشكلات الحالية
واعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد أن مشكلات البلاد الراهنة ناجمة عن “إغلاق أبواب النقد” وقال: لا تسجنوا العلماء والمنتقدين؛ فالانتقاد سبب الخير ومعالجة، والقضايا التي ظهرت في أجواء البلاد اليوم سببها إغلاق أبواب النقد. ربما انتقد البعض في مكان ما، لكن لم يسمح لعامة الشعب بالانتقاد.
وأضاف فضيلته قائلا: يجب أن يتمتع الكتاب والصحفيون بحرية كاملة ليمكن لهم التعبير عن الحقائق ويمكننا التغلب على نقاط ضعفنا، هذا الخطاب موجه لجميع الأنظمة والحكومات. أفضل نظام في العالم هو الذي يوفر حرية التعبير والقلم ويسمح بالنقد، ليمكن أن نجد طريقنا في ظل النقد. بالطبع أنا أيضا أرفض التخريب، ويجب أن يكون النقد بناء وواقعيا، وليس قائما على الأكاذيب والافتراءات والتهم.
الحكومة مطلوبة من أجل تحقيق العدالة وليس جمع المال
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: ينسب إلى سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال لا قيمة للحكومة عندي، وإنما رضيت بها لأن العدل يهمني، والحكومة مطلوبة طالما يريدها الشعب، ويرافقون معها، وإذا كان الشعب لا يريدونها فلماذا يوقع المسؤولون أنفسهم في مشقة؟ يريدون الحصول على أي شيء؟ الحكومة مطلوبة طالما يريدها الشعب، والحكومة مطلوبة لتحقيق العدل وأخذ حق المظلوم، لا لجمع الماديات والأموال.
وتابع فضيلته قائلا: عاش سيّدنا علي رضي الله عنه زاهدا تقيا لدرجة أنه رضي بالخلافة كزاهد، ولم يجمع شيئًا لنفسه عندما كان أمير المؤمنين. هكذا كانت الحكومة بيد سيدنا الحسن لمدة ستة أشهر وكانت حكومة عظيمة، لكن سلمها الحسن إلى معاوية في خلاف بينه وبين معاوية لأنه لم يكن يرى الاختلاف من مصلحة المسلمين، رغم أن الحسن كانت لديه قوة المواجهة مع معاوية رضي الله عنهما وكان معظم المسلمين معه.
وأضاف فضيلته قائلا: لو كانت حياتنا اليوم متوافقة مع سيرة أهل البيت والصحابة، لكانت الدنيا مليئة بالعدل والأخلاق. إن قلنا إننا نحب الله ثم لم نتبع أوامره، فلا قيمة لدعوى المحبة. إذا قلنا إننا نحب عليا والحسن والحسين والسيدة فاطمة رضي الله عنهم ولم نتبع سيرهم، فلا فائدة من البكاء ليل نهار. محب أهل البيت هو من يتبع أخلاقهم وسلوكهم.
عليكم بتحمّل انتقاد العلماء
وأشار خطيب أهل السنة إلى الضغوط الأخيرة على علماء السنة، قائلا: الشيخ عبد المجيد (الذي أعتقل قبل أيام) والشيخ كركيج وعلماء كردستان تحدثوا فقط، والبعض منهم لو أجروا مقابلة مع وسائل الإعلام الأجنبية يجب التسامح وتحمل هذه الكلمات. يجب على الحكومة والمؤسسات المختلفة توسيع رؤيتها. العلماء لهم دور الأب بين الشعب، ولا نقول إلا ما فيه خير ومصلحة. نحن نريد الخير للجميع، ولا نريده لمجموعة واحدة فقط. في رأينا الجميع لديهم حقوق ونحن جميعا نستحق الترحم، ويجب أن نُرحم وأن نرحم نحن غيرنا.
وأضاف: فضيلة الشيخ عبد المجيد كان شخصية مشفقا ونأمل أن يطلق سراحه قريبا بجهود مسؤولي المحافظة، ويجب الإفراج عن العديد من العلماء البارزين في كردستان الذين تحدثوا بدافع الشفقة. يجب إطلاق سراح السجناء جميعا رجالا ونساء وشبابا وفنانين وآكاديميين ومن أي طبقة كانوا. هؤلاء حريتهم مطلوبة، ولا بد من الجلوس معهم. لا تهددوهم؛ فإذا كانوا مخطئين، لا بد من توضيح مواضع خطأهم، وإذا كانوا على حق تقبلوا ذلك منهم، لا سيما النساء والأطفال هم أحق الناس بالرحمة والشفقة.
الإعدام من أجل المخدرات لم يكن نافعا للنظام ولا للشعب
وحذر فضيلة الشيخ عبد الحميد من الإعدامات التعسفية في البلاد وقال: إن أكثر ما صدمني هو إعدام شقيقين في محافظة كرمان بتهمة الاتجار بالمخدرات، وهذه نهاية قسوة القاضي الذي حكم على شقيقين بالإعدام. يا ليته لم يحكم على واحد منهم، وأنا أقول لم يكن له إعدام الإثنين أيضا. أنا ضد الإعدام وأعتقد أن جميع عمليات الإعدام من أجل منع المخدرات لم تكن مفيدة للنظام ولا المجتمع.
وأوضح فضيلته قائلا: المخدرات لا يجلبها الناس العاديون بل تتورط فيها أيادي كثيرة. قافلة هذه المخدرات لم تتوقف أبدا. هذا هو رأيي وأنا على استعداد للقول إن عقوبة الإعدام لم توقف الاتجار بالمخدرات ولم تحقق أي فائدة. يا ليت من قرروا هذه القوانين راعوا الترحم. كل قوانيننا بحاجة إلى المراجعة. من الذي سيهتم بهؤلاء الأطفال الذين يصبحون أيتاما؟ هل تمكنا من رعاية أولئك الذين أعدمت آباءهم؟
كان المطلوب أن تكون عملتنا أكثر العملات قيمة في المنطقة
وأكد خطيب أهل السنة على ضرورة الاهتمام بداخل البلاد، قائلا: من المهم أن ننظر إلى داخل البلاد، وقد أكدت مرات عديدة على أن النظر يجب أن يكون موجها إلى داخل البلاد، بدلاً من أن يكون النظر إلى الخارج. يجب أن تكون وجهة نظر الحكومة في الخارج قائمة على السلام، ولا بد من تقوية رؤيتها إلى الشعب. أحد الآلام التي يصرخ الشعب هو عدم الاهتمام بالمسائل الداخلية، وكان علينا التركيز على الداخل وبنائه.
وتابع فضيلته قائلا: لو كانت نظرتنا إلى الداخل بدل الخارج، لكانت عملتنا واحدة من أكثر العملات مكانة في المنطقة. كان من حق شعب إيران أن تشبع بطونهم وتمتلأ جيوبهم. لقد أحرزنا تقدما في صناعة الأسلحة وهذا أمر جيد لأمننا، ولكن إذا كانت رؤيتنا سلمية، كان ينبغي إنفاق جزء كبير من هذه الأموال على تنمية البلاد.
أرى أن يتم توظيف العلمانيين أيضا في الحكومة
وأضاف فضيلة الشيخ عبد الحميد، قائلا: يجب أن تكون وجهة النظر عابرة للعرقيات، والأحزاب، والديانات. أعتقد أنه ينبغي توظيف العلمانيين أيضا في الحكومة. لا تلوموني، ولقد كتبت إلى مسؤولي بعض البلدان حول هذا الموضوع. ليس كل الناس متدينين، لكن هناك غير متدينين لديهم الأهلية والضمير، فلا بد من توظيفهم واستخدامهم؛ هذه هي السياسة الصحيحة.
وتابع فضيلته قائلا: إذا كانت وجهات نظر حكومات العالم عابرة للأحزاب، والقوميات، والديانات، فهذه رحمة للحكومة، والشعب يرافق الحكومة بناء على الأهلية والجدارة، وليس على أساس الدين والمذهب. كل هؤلاء هم الشعب. يجب تغيير الموقف ولو لم يتم ذلك، لن تحل المشكلات بشكل صحيح.
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: قلنا احترموا الحقوق الإنسانية وحقوق الشعب، بدأ البعض بالإهانة، نتحدث عن السلام والبعض يقولون: لا للسلام. قلت: “سلام عادل”، ونحن لا نقبل السلام الجائر. هذه هي كلماتي.
مهاجمو المساجد لم يشمّوا رائحة الإسلام
وفي قسم آخر من خطبته، ندد خطيب الجمعة لأهل السنة في زاهدان بالهجوم الإرهابي على مسجد في بيشاور بباكستان، قائلا: ما صدمني للغاية هو الانفجار الذي وقع في مسجد في بيشاور بباكستان. كان الأمر مفجعًا حقًا. من هؤلاء الذين يفجرون المساجد؟! لم يتبنّ أحد المسؤولية عن هذا الانفجار، ولكن لا شك أن الذي قام بهذا العمل لم يشم رائحة الإسلام. هؤلاء يزعمون أنهم سيذهبون إلى الجنة، لكن لا يُسمح لهم بالاقتراب من الجنة. أي دين هذا؟ هذا ليس من دين رسول الله ودين القرآن أن تستهدف المساجد. استهداف المساجد أينما كان فهو مؤلم للغاية.
ليهتم الشعب الإيراني العزيز والمسؤولون بمصابي زلزال “خوي”
وأعرب فضيلة الشيخ عبد الحميد عن تعاطفه مع ضحايا زلزال مدينة “خوي” وقال: وقعت حادثة مفجعة أخرى هذا الأسبوع، وهي زلزال “خوي” حيث نزح مواطنونا الأعزاء وجرحوا، وهم يعانون من البرد في هذا الموسم. نصيحتنا لكل من المسؤولين والشعب هي الاهتمام بهم. على شعب إيران أن يساعدوهم وعلى السلطات أن تقوم بواجبها.
جرحى الجمعة الدامية يريدون معاقبة عواملها
أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى لقائه مع جرحى الجمعة الدامية قائلا: لقد اجتمعت مع جرحى الجمعة الدامية هذا الأسبوع، وقد جرح قرابة 300 شخص واستشهد حوالي 100 شخص في هذا الحادث. أصيب خمسة عشر شخصا بالعمى تقريبا وبعضهم أصيب بقطع في النخاع الشوكي، والجميع طالبوا بأن يعاقب عوامل هذه الجريمة ومن أصدروا الأوامر.
وفي الختام طالب خطيب أهل السنة بإزالة الأجواء الأمنية في مدينة زاهدان، قائلا: البيئة الأمنية تؤثر سلبيا على اقتصاد المدينة، وبحسب ما لدينا من أنباء، فإن بعض أصحاب الأموال يريدون الهجرة إلى المدن الأخرى، وهذا يؤثر على اقتصاد مدينة زاهدان وأهالي المحافظة.
وأشار فضيلته قائلا: نصيحتنا أن لا يقلق المسؤولون، والأفضل أن يكون الوضع طبيعياً، طالما أن الناس يتعاونون، فلن تكون لدينا مشكلة في الأمن. كلنا نريد الأمن وقد قمنا بحمايته حتى الآن ولم نسمح لأي شخص بتعطيل الأمن والإخلال به.
تعليقات