اليوم :7 November 2024

رمضان أجمل دورة تغيير في حياتك

رمضان أجمل دورة تغيير في حياتك

صيام رمضان فرصة كبيرة لإطلاق النفس من قيود الرغبات الشخصية، وتحريرها من أسر الأغراض المادية، والعادات المضرة، والترقي بها في طموحات أرحب وأفضل وأرقى وأزكى وأعلى، فالنفوس في رمضان عن الشهوات تترفع، وعن الملذات تتسامى، وعن العادات السيئة تبتعد، وعن كل غرض دنيوي تتعالى؛ لأن الصوم يقيدها ويهذبها، وينقيها ويصفيها.

فالصوم يعوِّد المسلم على التحمل والصبر؛ لأنه يحمله على ترك كل رغباته وعاداته السيئة، ومعلوم أن كبح جماح النفس وإلجامها فيه مشقة كبيرة، ولهذا كان الصوم من أقوى العوامل على تحصيل أنواع الصبر الثلاثة، وهي صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله، ومتى اجتمعت أدخلت العبد الجنة بإذن الله؛ قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

فالصوم يساعد المسلم على التغلب على نفسه الأمارة بالسوء؛ ومن عادة النفس أنها تدعوه لرغبات لا حد لها ولا منتهى، لكن الصوم يفوت عليها هذه الفرصة؛ إذ يكسر حدة هذه الرغبات ويقف لها بالمرصاد، فيضعف سلطان النفس وعتوها، وتمردها وجنوحها للعادات السيئة المضرة المهلكة.

ثم إن الصيام يضعف جريان الشيطان في الجسد، ومن ثَمَّ يضعف تسلطه على المسلم، فيعود هذا المسلم نقيًّا مهذبًا صالحًا، بعيدًا عن كل عادة سيئة وفعل شيطاني مهلك، ومتى أطلق المسلم لنفسه العنان، تمكن منه الشيطان وأخذ بيده لِما يريد به من الضلال والغواية، والحرمان من الخير، فتجده مسرفًا على نفسه بالبعد عن ربه، مختلفًا مع الخلق في كل صغيرة وكبيرة، عصبي الطبع مع أهله، حاد المزاج، سريع الغضب، قوي الانفعال، متهورًا في كل أموره، مندفعًا في كل قراراته فيدخل رمضان فيندفع تلقائيًّا كما معلوم نحو الصيام والقيام، والصلة والبر، والإحسان وقراءة القرآن، فترقُّ نفسه، ويخضع قلبه، فتنحسر عنه سبل الغواية، وتسلط الشيطان، فيعود خاضعًا ذليلًا لربه، رفيقًا بأهله، محافظًا على صيامه، محسنًا للناس، فما أجملها من دورة لتغيير النفس لو كان يعقل ويتذكر هذا الإنسان!

وما أجمله لو استثمر هذه الدورة في تغيير حياته نحو الأفضل، وأقلع عن كل ما يضر به ويدمر صحته وجسده!، إن رمضان هو أفضل فرصة للإقلاع عن العادات السيئة، وعلى رأسها التدخين، فإن الشخص إذا استطاع الامتناع عنه طوال اليوم لأكثر من 14 ساعة، فذاك دليل جازم على قدرته على الإقلاع عنه مدى الحياة؛ لأن ساعات الصوم الطويلة تؤدي إلى انخفاض مستوى النيكوتين في الدم؛ مما يسهل على المدخن ترك السجائر، والابتعاد عنها كليًّا، فالصوم عبارة عن دورة تدريبية؛ للإقلاع عن هذه العادة التي أرقت أذهان كثير من الناس، وجعلتهم يحتارون في كيفية تركها.

وما البرنامج الأمثل للابتعاد عنها؟

وكيف ينتصرون على أنفسهم في الإقلاع عنها؟  

إن رمضان دورة تدريبية للنفس البشرية للرقي بها نحو الكمالات، والابتعاد عن المهلكات، ودورة لتنقية النفس من شوائب الحياة التي دمرت قدرة النفس البشرية، والعودة بها نحو الصفاء والنقاء والفطرة التي فطر الله الناس عليها.

وما من عادة صعبت على النفس البشرية واستعصت، إلا كان رمضان هو الحل لتركها؛ فرمضان هو مدرسة متكاملة تعلمك فن الانتصار على نفسك، ورغباتها، التي تقودك إلى الهلاك والخسارة، وتدمير العقل والجسد.

فخبراء النفس يثبتون أن العادات تتغير خلال 14- 21- 28 يومًا، على حسب العادة التي أصبحت كابوسًا على الإنسان، ويريد التخلص منها أو اكتسابها؛ لذا يعتبر شهر رمضان فرصة ذهبية سانحة للتغيير من كل هذه العادات السيئة التي تجلب الإرهاق والتعب والمشاكل لهذا الجسد، الذي ائتمنك الله عليه؛ وقال: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن لجسدك عليك حقًّا»، ومن خلال هذه الدورة التدريبية التي تستمر لمدة شهر يستطيع الإنسان برمجة نفسه وإعدادها، حسب الجدول الذي يريد.

فرمضان دورة في فن الصبر عن تناول كل ما تشتهي النفس، وهو دورة كبرى في صناعة الإرادة والانضباط، والالتزام والجدية.

وطريق الإرادة الذي يصنعه لك الصوم يتحدث بطريقة تلقائية من اليوم الأول في رمضان، والعاقل النبيه هو من يستغل هذا الطريق لصالح نفسه كي يحدث تغييرًا جذريًّا يشرق من خلاله مستقبله، فيغلق على نفسه كل طرق الغواية والعشوائية، والدمار والهلاك، ويفتح أمام نفسه طرق الصحة النفسية والجسدية والتوفيق.

وينتصر الإنسان في رمضان حينما تعرض له رغبات كثيرة، فيتركها انصياعًا لله، وتوقيرًا لدينه، والتزامًا بأمره ((يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به))، فمجاهدة النفس هنا وإلجامها من أشرف مقامات العمل، لِما تؤول إليه من التهذيب والتدريب؛ قال الحسن البصري: “ما الدابة الجموح بأحوجَ إلى اللجام الشديد من نفسك”.

 فالإنسان ينتصر على نفسه في رمضان بتغيير عاداتها السيئة، فيدخل في ترتيب جديد يحمله لو اتعظ وتذكر وارعوى على تغيير كل السلبيات الضارة في حياته، والعادات القاتلة في حياته.

ويشعرك الصيام بتركيب سياج معنوي جديد متزن، ينتج عنه جمالًا في الروح، وتهذيبًا في النفس، وصحة في الجسد؛ ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: «الصوم جنة»؛ أي: وقاية، يقي الجسد من كل مهلكة، ويقي النفس من كل ضر، ويقي من كل عذاب دنيوي أو أخروي، فلفظ (وقاية) لفظ يعم ويشمل لو تأملت وأمعنت النظر في ذلك.

فما أجمل هذه العبادة التي تمثل سياجًا واقيًا من الأهواء والرغبات! وبها ينال العبد مبتغاه من ربه تعالى، وينجو بها من كل ما يعكر صفو حياته.

فمن صام بإحسان، وامتثل أمر الله بإذعان، واحتسب جوعه بإيمان، وأقبل على الذكر والقيام والقرآن، وكف عن اللغو وضَبَطَ اللسان، فقد خطا خطوات الانتصار، وبدأ في مشروع الإعمار، وحاز بكل جدارة الامتياز، وصعد إلى مراكب العلا والإنجاز.

وفي هزيمة رغبات النفس الضارة بهذا الجسد هزيمة للهوى وقتل للمزاج، وقهر للشيطان، لا سيما وشروط الهزيمة متاحة سهلة من خلال تضاعف الرحمات، وتنزل البركات، ونزول الخيرات، وتصفيد الشياطين وتقييدهم؛ وفي الحديث: ((وصفدت مردة الجن والشياطين)).

وخلائق الصوم العجيب كثيرة   ***   فلا تنتهي تقوى وقد عظم الصبرُ 

وفيه جهاد للنفوس ومتعــــــة *** وفيه تراتيل وما نقص الأجــــــرُ 

المصدر: موقع طريق الإسلام

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات