اليوم :19 March 2024

في مقابلة "سني أون لاين" مع صيادين بلوش؛

من زاویة السجن إلی حضن الأسرة / الجانب المنسی من قصة اعتقال 17 من الصيادين البلوش في صوماليا حتى إطلاق سراحهم

من زاویة السجن إلی حضن الأسرة / الجانب المنسی من قصة اعتقال 17 من الصيادين البلوش في صوماليا حتى إطلاق سراحهم

«عبدالرزاق رحمتي» و«آرش نیاز» كانا ضمن مجموعة من الصیادین البلوش المتكونة من ثماني عشر شخصا. عادا إلى البلد یوم الخمیس 7 شوال 1439 بعد 11 شهرا من الاعتقال في مدينة «بوصاصو» الصومالیة، وتحمّل مرارة السجن.
بدأت قصة هذه المجموعة من الصیادین لما اقتحموا البحر في السنة الماضية، لكنهم منذ جولتهم الأولى وقعوا في شباك الحرس الساحلي للحكومة الصومالية، وقضوا نحو سنة كاملة في غياهب السجن في صوماليا.
ألقى “عبدالرزاق” و”آرش” الضوء على تفاصيل هذه القصة في حوار لهما مع موقع “سني أون لاین”. روایة هذين الصیادين عن اعتقالهما إلى إطلاق سراحهما من السجن والعودة إلى إیران رغم مرارتها لا تخلو من حلاوة وفائدة.
كلاهما يذعنان ويعترفان بدور فضیلة الشیخ عبدالحمید، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في إطلاق سراحهم، وتثور حيرتهم من إهمال وسائل الإعلام الإيرانية لجهود فضلیة الشیخ عبدالحمید ومساعیه المستمرة.

بدایة القصة
في البدایة فتح «عبدالرزاق رحمتي» باب الكلام، وتكلم لنا عن لحظة الاعتقال قائلا: في الليلة الأولى لما ألقینا الشبكة في المیاه للصید، تعطل محرك سفينتنا، ولم يكن هناك سفينة ولا قارب بجانبنا. اتصلنا بأحد من الأصدقاء، فردّ قائلا: الشيء الذي تحتاجون إلیه قد يوجد عندي، وكانت المسافة بیننا 50 إلى60 میلا. بدأت سفينتنا تمتلأ بالمیاه رویدا رویدا، فقلنا: قبل أن نموت جميعا، وتغرق السفینة، الأفضل أن نذهب ونحصل على هذه القطعة، ونخرج من ذلك المكان وننجو بأنفسنا، ولم نكن نفكر أننا سوف نواجه الحرس الساحلي للحكومة الصومالية، ولكن مع الأسف رأیناهم ظهروا أمامنا فجأة، بسفينة كانت تشبه سفن القراصنة، وبدأوا بإطلاق النار دون إنذار سابق.

الربان الذي رحل إلى ربّه
“عبدالرزاق” هو شقيق ربان سفينة الصيد ومساعده؛ هو يقول: كنت في هذه اللحظة أقود السفینة، و أخي «حیدر» الذي كان ربان السفينة يستريح، لكنه استیقظ من نومه بصوت إطلاق النار، جاء إلي وقال: اذهب بالأشخاص إلی الطابق الأسفل وأنا أقود السفينة بنفسي، ما إن ذهبت بالركاب إلی الأسفل وصعدت إلی الفوق، رأیت السفينة قد هدأت، فقد أكثروا من إطلاق الرصاص عليها، وحینما صعدت رأيت الجنود قد أوصلوا أنفسهم إلى السفينة. سألوا: أین الربان؟ قلت: في غرفة القيادة. قالوا: لیس فيها أحد! ذهبت إلی غرفة القيادة، ورأیت أخي ساقطا على الأرض. قلت: الربان الذي تسألون عنه قد قتلتموه بالرصاص. یستطرد عبدالرزاق كلامه قائلا: عندما استشهد أخي ووصلنا إلى مدینة «بوصاصو» سألولنا في المحكمة هل أنتم ترضون أن یدفن جسد ميتكم هنا، قلنا: لا، أبواه في انتظار، يجب أن ينقل إلى بلده. بقي عشرة أیام، ثم جاء “سلیم رئیسي” أحد الصیادین من مدينة «كنارك» بسفینته لینتقل بجسد المرحوم إلى «كنارك». یقول عبدالرزاق في جواب هذا السؤال «هل كان یذكر اسم أخیكم في المحاكم التي تنعقد لمحكمتكم؟» نعم، كانت قضیة مقتل أخي تطرح في المحكمة، ولكنهم كانوا یبرئون سلطاتهم ویقولون: إن الخطأ والتقصیر من حكومتكم وصاحب سفینتكم. خذوا منهم الدیة، وأنتم مقصرون لأنكم أردتم الفرار.

المعتقل
نسأل عبدالرزاق عن مكان الاعتقال، یقول: حینما تمّ أسرنا كانت المسافة بیننا وبین الساحل الصومالي شاسعا، ووقعت هذه الحادثة في الساعة 11، وكنا یومين في الطریق حتی وصلنا إلی الشاطئ. المكان الذي تم إيقاف سفينتنا كانت ضمن المياه الدولیة، وعرضنا هذا في المحكمة، والقاضي أیضا قبل بأن المیاه لم تكن من المیاه الصومالية.

سجن میناء «بوصاصو» وصعوباته
يحكي “رحمتي”: الحرس الساحلي للحكومة الصومالية ذهب بهم جميعا مع جثمان المتوفى “حیدر رحمتي” إلى الصومال، وبعد وصولهم إلى الساحل، یبقونهم في السفینة يومين، وبعد التنسیق تنقلهم السلطات إلى سجن «بوصاصو». یتحدث عبدالرزاق عن شطر من المشكلات التي تحملها هو ورفاقه في السجن ويقول: قد تكلفنا وتحملنا مصائب كثیرة وشديدة في السجن. كانوا یعطون فقط طعام الغداء للمسجونین، ولأجل هذا طلبنا من أهلنا النقود، وكنا نشتري العشاء حتی لا نشعر بالجوع، وكان مكاننا ضیقا جدا، وكنا نقیم في غرفة صغیرة ضیقة مليئة بالتراب، ولم تكن لدينا بطانیات مدة 5 إلى 6 أشهر، ثم نجحنا أن نتصل بشخص كان يعرفنا، ونطلب منه بطانیات، وقد ساعدنا أيضا.

جهود فضيلة الشیخ عبد الحميد والشیخ حسین سعید
یقول “عبدالرزاق” مشيرا إلى جهود الشیخ حسین سعید (من الدعاة في الصومال) الذي كان يسعى في إطلاق سراح المعتقلین البلوش بطلب من فضيلة الشيخ عبدالحمید، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان: قد بذل الشیخ حسین سعید لإطلاق سراحنا جهودا كبيرة، وكان یأتي لزیارتنا ولقائنا دوما. مرة جاء إلینا ورأى أننا ننام على الأرض، قال: أذهب وآتی لكم ببطانیات. قلنا: لا حاجة إلى أن تكلف نفسك، وقد وعدنا شخص بأنه یأتي ببطانیات.
یشیر عبدالرزاق إلى دور فضیلة الشیخ عبدالحمید ووساطته لإطلاق سراحهم ویقول: إن فضیلته قد بذل جهدا كبيرا لأجلنا، وفرحنا فرحا كثیرا. في الحقيقة كان السبب الرئیسي لإطلاق سراحنا ربنا الله تعالى ثم بعده جهود فضیلة الشیخ عبدالحمید.
عندما وصلنا إلى العاصمة «طهران» كانت أول ما تلهج به ألسنتنا وتنطلق به، هو اسم الشیخ عبدالحمید عند اللقاء مع الصحافیین، ثم أدركنا بعد أنهم أزالوا اسمه، ولا ندري لماذا أسقطوا أسم الشيخ من الحوارات والمقابلات؟!

في المحكمة
يقول “آرش نياز” أحد المواطنين من “كنارك” ممن صَاحبَ عبدالرزاق في سفره المليء بالمغامرات، والذي تجاذبنا أطراف الحديث معه في كيفية انعقاد جلسات المحكمة، وكيفية صدور الأحكام، أجاب عن أسئلتنا قائلا: إننا حضرنا المحكمة خمس مرات، وحُكم علينا كل مرة؛ في المرة الأولى صدر الحكم بأن يؤدي كل واحد منا ١٥٠٠ دولارا، وفي المرة الثانية حكم بالإعفاء عن ١٥٠٠ دولارا، ولكن بقيت مدة السجنن لسنتين كما كان من قبل، وأما في المرة الثالثة عفوا عنا سنة واحدة من السجن، وبقيت سنة واحدة أخرى على حالها، وفي المرة الرابعة عند ما ذهبنا إلى المحكمة عفوا عنا السنة الأخيرة التي بقيت من السجن، ولكن حكموا علينا بتأدية ٢٠٠ دولار، انعقدت كل هذه الجلسات الأربعة من المحكمة في مدينة بوصاصو.
بفضل متابعة الشيخ عبدالحميد يصدر الحكم بإفراج المعتقلين من مدينة “غرو” عاصمة ” فانتلاند” في الصومال،
أرسل وزير العدل أحدا من مساعديه لإصادر الحكم الرسمي، وإبلاغه إلى المعتقلين في سجن بوصاصو ليحكم المسؤولون هناك بإطلاق سراحهم.
يقول نياز: انعقدت الجلسة الخامسة للمحكمة بناء على طلب من فضيلة الشيخ عبدالحميد، وبأمر من السلطات القضائية العليا الذين جاؤوا من “غرو” وعُقدت الجلسة في السجن هذه المرّة، ووضعوا المنضدة والكرسي، وجلسوا للقضاء. بعد استقصاء الملف، حكموا بإطلاق سراحنا وعفوا عنا هذه المرة ٢٠٠ دولار.
قال القاضي الذي حضر لإبلاغ الحكم: إن هذا الأمر صدر من قِبل وزير العدل ليطلق سراح هؤلاء المساجين اليوم.
طلبنا من “آرش نياز” ليوضح لنا أكثر حول انعقاد المحكمة الأخيرة، قال: تكلموا من مكتب فضيلة الشيخ عبدالحميد مع الوزير في الولاية، وقيل لنا من جانب الشيخ عبد الحميد أن وزيرا سيأتيكم، فأعرضوا عليه مطالبكم. بعد أيام جاء الوزير بنفسه لزيارتنا في السجن، وتكلمنا معه وبيّنا له مشكلاتنا ومصائبنا وطلبنا منه أن يخرجنا من هذا المصير المعلّق، فوعَدَنا بمتابعة القضية. بعد قدوم الوزير انعقدت جلسة خاصة لمحكمتنا في سجن بوصاصو.

إطلاق السراح من السجن والوقوع في مخلب المحامي
بالتزامن مع اعتقال هذه الجماعة من الصيادين، لقد اتخذ صاحب السفينة لمتابعة الملف والنظر في أوضاع المساجين محاميا. فلما اطلع المحامي بانعقاد المحكمة الخامسة، انتظر في باب السجن، وفور خروج السجناء أخذهم رهائن.
سألنا من نياز “ماذا طلب منكم المحامي؟ ولماذا أخذكم رهائن”؟
قال: كان من المقرر أن يكون هذا المحامي متابعا لقضيتنا وملفنا، وما رأينا نحن ذلك المحامي غير مرّة، وذلك بالاعتراف من القاضي أنه رآه، وكان يأتي أحيانا إلى السجن، ويحضر معه بعض الأغذية كـ”فاصوليا والتونة” واستدعى ذلك المحامي من صاحب سفينة الصيد ٥٠ ميليون تومان لمتابعة ملفنا.
وصف “آرش” لحظة إفراجه من السجن ووقوعه رهينا على يدي محامي الملف قائلا: في اليوم الذي انعقدت محكمتنا الأخيرة وصدر حكم الإفراج عنا في الساعة ١٢، خرجنا من السجن مساءً، فرأينا المحامي واقفا بسيارته ينتظرنا؛ ظننا أنه يذهب بنا إلى حاجز الميناء، فجأة ذهب بنا إلى دار وقال: هذا المكان مكانكم، إذا دفعتم ٤٠ ألف دولار الذي عليكم فأنتم طلقاء وبإمكانكم مغادرة المكان حينئذ.
تابع “آرش” قائلا: حينما اطلع الشيخ سعيد بأن المحامي جاء بنا إلى داره، زارنا مرارا والتقى بنا. جاء مرّة بأطعمة وحضر لنا شاة، وهو أيضا تكلم مع المحامي ليفرج عنا، ولكن المحامي قال: إني أنفقت على هؤلاء وأريد منكم أن تعطوا لى ٤٠ ألف دولار فسأطلق سراحهم.
يقول “نياز”: إن عائلاتنا اتصلوا بمكتب فضيلة الشيخ عبدالحميد من طرق مختلفة وتابعوا قضيتنا. قال الشيخ حسين للمرتبطين معه: لو سمحتم بأن نُخرِخ الصيادين من بيت المحامي بقوة السلاح لفعلنا، ولكنهم لم يسمحوا بذلك، لئلا يصيب أحد بأضرار.

كيفية الخروج عن سجن المحامي المختطف والوصول إلى الوطن
سألنا آرش “أخيرا كيف تخلصتم من يد المحامي؟”، فأجاب: كنا ٤٥ يوما تقريبا من بداية العشرة الأخيرة من شعبان في قبضة المحامي. كان للمحامي أخ غير شقيق، وكان رجلا صالحا، فلما اطلع على قضيتنا لامَ أخاه كثيرا ووبّخه، وقال: حينما أطلقتِ الحكومةُ سراحهم، بأي حقّ أنت تأخذهم رهائن؟ ولكن المحامي كان يأتي بأعذار متكررة ويقول: إني أنفقت لإطلاق سراحهم أموالا كثيرة. غيّر في هذه المرة المحامي اتجاهه وموقفه وقال: إني أريد منكم ٦ آلاف دولار فحسب.
كنا في شهر رمضان حيث جمع أصحاب سفينة صيد لمدينة “كنارك” وقود سفنهم وأعطوها له ليُطلقنا وشأنَنا، وأخيرا جاء أخو المحامي، وأوصلنا إلى مكتب الشرطة وعرّفنا لهم، وكان المحامي معنا، ولكن كان غضبان ساخطا، لا يتكلم بشيء.
يواصل “آرش” قائلا: في النهاية توفرت مقدمات عودتنا من قبل شرطة بوصاصو، وتركنا بوصاصو متجهين نحو مقديشو حتى وصلنا إلى كينيا، ولقد سلّمونا إلى السفارة الإيرانية، وواصلنا سيرَنا من كينيا إلى دبى، وصلنا صباح الخميس (7 شوال 1439) من دبى إلى طهران.
يقول “آرش”: في كل هذه المدة كان “عبد الغني” الذي هو أحد سكان مدينتنا والذي كان يسافر عبر البحر إلى الصومال معنا، ساعدنا وتابع قضيتنا بجد واهتمام، واتصل مرات بمكتب فضيلة الشيخ عبدالحميد وبعائلاتنا، فإني بدوري أشكره وجميعَ الأعزة الذين بذلوا لنا جهودا كثيرة.

تجاهل وسائل الإعلام الإيرانية لدور فضيلة الشيخ عبدالحميد في القضية
“آرش” يتعجب من تجاهل وسائل الإعلام الإيرانية لاسم الشيخ عبدالحميد ودوره في الإفراج عنهم، في حوار أجرتْه وسائل الإعلام الإيرانية مع الصيادين.
يقول “آرش”: لقد بذل فضيلة الشيخ عبد الحميد لإطلاق سراحنا جهودا كبيرة، ونحن ندري بأنه لا يتوقع من أحد أجرا ولا مكافأة مالية. ولقد ذكرنا اسم الشيخ في حواراتنا ومقابلاتنا مع وسائل الإعلام، وشكرنا سعيه الحثيث في ذلك، ولكن مع الأسف البالغ، لم يراعوا الأمانة ولم ينشروا هذه الحصة من كلامنا.

كنا نتوقع من السلطات والمسؤولين أكثر
هذا الصيّاد البلوش مع ما يقدمه من الشكر الوافر إلى السفارة الإيرانية في كينيا، وعن سائر الأعزة الذين سعوا في توفير مجالات عودتهم إلى البلد، وأيضا لتوفير تذكرة سفرهم، يضمر في نفسه بعض الشكاوي عن المسؤولين، حيث يقول: كنا نتوقع أن يهتم بنا المسؤولون المعنيون بالأمر في كينيا أو في طهران، وأن يعطوا لنا على الأقل أحذية مناسبة وأن يكرمونا بثوب. وصلنا نحن بأحذيتنا الممزقة، والثياب البالية إلى إيران. في مطار دبي لما رآنا الناس تعجبوا وقالوا: من أين جئتم؟ وصلنا إلى مطار طهران مع تلك الأثواب البالية والأحذية المخروقة، وظهرنا أمام شاشة التلفاز بهذا الوضع المؤسف، ورحبوا بنا بهذه الحالة، وكان لا يليق هذا بشأننا. لقد تأسف المسافرون الذين كانوا معنا في سفرنا عن طهران إلى تشابهار على حالتنا هذه. قال في نهاية الأمر مع ذلك كله نشكر الله حيث رجعنا وعُدنا مرة أخرى إلى أحضان عائلاتنا.
لقد أكّد الصيّادون البلوش في مقابلتهم مع “سني أونلاين” أن هذا الحادث كان من عند الله، و لم يصدر منهم أي خطأ في ذلك، قائلين: نحن نأمل أن لا تقع هذه المشلكة لأي مواطن من مواطنينا، ويشتغل الصيادون بمهتهم من غير قلق ولا اضطراب، وإننا لا نتقن شغلا غير الصيد، ولا يوفر لنا مجال عمل سوى الصيد.

التعريب: “إسحاق فاحص” و”إحسان الله مرادي”

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات