الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد؛ فقد أتانا شهر رمضان الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ.
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينبه أصحابه وأمته قبل حلول رمضان ويحثّهم على اغتنام الفرص كي لا تضيع لحظة من لحظاته المباركة وقد روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في آخر شعبان:
«أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرُ بَرَكَةٍ، يغْشَاكُمْ اللهُ فِيهِ، فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةُ، وَيَحُطُّ الخَطَايَا، وَيَسْتَجِيبُ فِيهِ الدُّعاءَ، يَنْظُرُ اللهُ إِلى تَنَافُسِكُمْ فِيهِ، وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلائِكَتَهُ، فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِي مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللهِ».(رواه الطبراني)
تلاحظون أن النبي صلى الله عليه وسلم عدّ في هذا الحديث خمس خصائص لهذا الشهر المبارك 1- نزول الرحمة 2- مغفرة الذنوب والخطايا 3- استجابة الدعاء 4- الحث على التنافس 5- مباهاة الله بأعمال العباد لدى الملائكة. ثم تلاحظون أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار الزمن المناسب لهذه الوصية الهامة فأراد بذلك الاستعداد التام للحصول على الخيرات والبركات في هذا الشهر المبارك.
إذن ينبغي لكل مسلم أن يشمّر عن ساق الجد ويجدد العزم والإرادة لينال حظا وافرا مما يفيض الله على العباد، ويحذر جدا من أن تفوته هذه الفرصة المباركة التي لا يدري هل تتكرر مرة أخرى أم لا؟ فكم من أناس كانوا يتمتعون بالحياة وصاموا وقاموا في رمضان المنصرم فانقلبوا إلى رحمة الله وكم منهم من قصروا وضيعوا الفرصة رجاء أن يدركوا رمضان آخر فيتوبوا ويصلحوا ولكن لم تمهلهم المنيّة فماتوا وهم يتأسّفون ويتحسّرون ولم يدركوا هذا الشهر ودخلوا بطون المقابر. و «كم حسرات في بطون المقابر». ألا يجدر بنا أن نعتبر ممن مضى فنكون من أولي الأبصار؟
إذن لا بد من برمجة وتخطيط للاستفادة الهادفة من رمضان هذا العام علما بأن الوقت هي الحياة، والحياة هي الثواني والدقائق والساعات والأيام.
حياتك أنفاسٌ تُعدّ فكلما / مضى نَفَسٌ انتقصتَ به جزءا
فالعاقل السعيد والناجح الناجي هو الذي يملأ أوقاته بالخير ويتزود للآخرة وينتهز كل فرصة للتقرب إلى ربه ويستعين في ذلك به تعالى ويطلب منه التوفيق والسعادة ويجاهد نفسه في طاعة الله ويحارب الشيطان ويدع الكسل والبطالة وما لا يعينه، مقتديا بالسعداء والصالحين، مخلصا لله الدين، متبعا سنة سيد المرسلين. فيا له من سعيد كريم. وها قد جاءكم رمضان أيها المؤمنون المتقون وقرع أبواكم فاستقبِلوه بأعمال البر والخير متأسّين بالنبي المختار صلى الله عليه وسلم «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا». فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجودَ بالخيرِ في رمضانَ من الريحِ المُرسَلة.
مما ينبغي الانتباه له والالتفات إليه والاهتمام به في هذا الشهر:
1-ترك جميع الذنوب والمعاصي والتوبة منها؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتق المحارمَ تكنْ أعبدَ الناس» إن المعاصي تُبعد العبد من الله وتسبب الحرمان من النعم والبركات وتورث الظلمة والقسوة في القلوب وتُذهب نور العبادة.
2-المواظبة على الصلوات الخمس بالجماعة؛ فالذي يتكاسل في الصلاة، أو يضيّعها فهو لما سواها أضيع. ولا يغيب عن البال أن أداء أي فريضة في رمضان يعدل سبعين فريضة فيما سواه ويجدر بالمسلم أن يكون بجانب أداء الفرائض مهتمّا بأداء النوافل فإن العبد لا يزال يتقرب إلى الله بالنوافل كما ورد في الحديث القدسي: «وما يَزالُ عَبدي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوافِلِ حَتّى اُحِبَّهُ، فَإِذا أحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذي يَسمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذي يُبصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يَبطِشُ بِها، ورِجلَهُ الَّتي يَمشي بِها، وإن سَأَلَني لَاُعطِيَنَّهُ، ولَئِنِ استَعاذَني لَاُعيذَنَّهُ.» (رواه البخاري)
3- الإكثار من التلاوة؛ لأن القرآن الكريم نزل في هذا الشهر ومن ثمّ نرى في حياة السلف الصالح أنهم كانوا يكبون على المصاحف ويكثرون من التلاوة فمنهم من يختمه كل يوم ومنهم من يختمه في ثلاثة أيام ومنهم… ومنهم… فصارت حياتهم مليئة بالبركات لأن القرآن كتاب مبارك فمن اتصل به تلاوة وتدبرا وعملا وتبليغا صار مباركا وموفقا لكل خير.
4- تفطير الصائمين والإنفاق في سبيل الله؛ فالذين يفطرون الصائمين يشاركونهم في أجورهم بل ولهم مثل أجورهم. وإن الإنفاق والصدقة تتضاعف أجورها في هذا الشهر.
5- كثرة الدعاء والتضرع إلى الله؛ فإن أبواب الإجابة مفتوحة في هذا الشهر وينبغي للمسلم أن يخصص ساعات للدعاء والاستغفار ولا يكونن من الغافلين سيما وقت السحر والإفطار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث لا ترد دعوتهم المسافر، والمظلوم والصائم حتى يفطر. وقال عليه السلام «من فُتحت له أبواب الدعاء فُتحت له أبواب الإجابة».
وما أحوج المسلمين إلى الدعاء سيما في الأوضاع الراهنة حيث لا تنتهي مشكلة إلا إلى مشكلات ولا مأساة إلا إلى مآس. ألا نرى الظلم والعدوان والمؤامرات من قبل الأعداء، ألا نرى التشتت والتفرق والغفلة في المسلمين، ألا نرى الجاهلية الجديدة ترقص في ديار المسلمين؟ إذن أفلا يجدر بنا أن نتضرع إلى الله ونستغيث به ونسأله الهدى والنصر والعز والسعادة؟ ألم يأن لنا أن نتوجه إلى الله ونلجأ ونستجير به وننصر المسلمين المضطهدين الذين يئنون تحت وطآت الكفار والظلمة بالدعاء في هذا الشهر المبارك، نحذر أنفسنا والآخرين من إضاعة الأوقات بالانشغال بالتواصل والواقع الافتراضي والجلوس أمام شاشات التلفاز و…. وقتل الوقت مع أهل البطالة أو اللهو.
لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. وهو المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المصدر: مجلة «الصحوة الإسلامية»، الصادرة شهريا من جامعة دار العلوم زاهدان-إيران (العددين المتواليين ١١٥-١١٤)
تعليقات