شهد العالم المعاصر ولا يزال مآسي مؤلمة من أوضاع المسلمين في بورما (ميانمار) مآسي ليس لها مثال في التاريخ المعاصر، حكومة غاشمة تظلم شعبها العريق وتصادر أمواله وتقتل النساء والولدان والمرضى وتهجّرهم إلى خارج البلاد بحجة أنهم مسلمون، ولا يقع ما يقع إلا في بلاد تدعي حكومتها الديمقراطية وكل ذلك بمرأى من العالم ومسمع. هل الآذان أصيبت بالصم والعيون بالعمى والألسنة والأقلام بالبكم حين يتعرض المسلمون لأبشع المجازر؟ ألا يسمعون صراخ الأطفال وأنين المرضى، وآهات الأرامل؟ ألا يرون اضطهاد المظلومين الذين يئنون تحت وطآت أناس هم أسوأ من الذئاب الضواري؟
إننا نتساءل أين حكام المسلمين وأين منظمات حقوق البشر وأين منظمة العالم الإسلامي عن إشهار هذه القضية في المحافل العالمية؟ وأين الدول العربية من هذا الحدث المخزي؟ وأين المؤسسات الأهلية والمدنية والحقوقية الكبيرة، وأين أصحاب الغيرة الإسلامية؟ وأين وسائل الإعلام والقنوات الفضائية في وطننا العربي والإسلامي من التفاعل مع هذه الإبادة؟ من لهذه الدماء المهراقة الرخيصة؟ هل ماتت الغيرة الإسلامية هل غابت الحمية الدينية؟ هل هؤلاء المضطهدون أسفل من الحيوانات التي يدافع عن حقوقها أناس يدعون الرحمة لكل ذات كبد طري؟ هل نسي المسلمون ما أوصاه به نبيهم أو تناسوه إذ قال: مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.
ولا ريب أن ما يجري في ميانمار للمسلمين من قتل وتشريد واضطهاد هو وصمة عار لا على جبين أدعياء حقوق الإنسان ودعاة الحرية ومدعيها بل هو وصمة عار على جبين الدول الإسلامية وحكامها ووزرائها، ولقائل لماذا اجترأ الجناة على هذه الجنايات السافرة ؟ ولماذا اختاروا هذه البرهة من الزمن لاضطهاد المسلمين؛ – وإن كانوا ارتكبوا مثلها في سالف الزمان-؟
ههنا يجب أن يتفكر المسلمون وذوو الرأي منهم، ما هي العوامل الرئيسة لهذا الواقع المأساوي المرير الذي يتندى له جبين الإنسانية، فإذا فكرنا محايدين وجدنا العوامل التي سببت هذا الوضع المؤلم.
إن الأعداء لما رأوا واقع المسلمين المعاصر حيث تفرقوا دولا وشعوبا وأحزابا ويسودهم أناس لا يهمهم الإسلام، وهم أكثر تلامذة القوميين العلمانيين مغسولة الأدمغة من قبل أسيادهم، فعلموا أنه لا يحرك ساكنهم أي حالة فاجترؤوا على ما اجترؤوا.
إنهم شغلوا العالم الإسلامي بفتن داخلية وافكار مستوردة وإيدولوجيات كاذبة ما أنزل الله بها من سلطان، فتنة الإرهاب، فتنة التكفير، فتنة القومية، فتنة الوطنية، وفتن كقطع الليل المظلم وجري وراء الأموال وحروب للحصول على كراسي الحكم، للوصول على المناصب وابتعاد عن الدين وتعالميه السامية، وإنهم وجدوا ورأوا ما أريق من دماء في الشرق الأوسط، مسلمون قصفوا مسلمين، مسلمون شردوا ملايين من المسلمين من بلادهم «وما يوم حليمة بسر».
ألم يروا ما جرى ويجري في سورية والعراق واليمن وفي أفغانستان والبلاد العربية والإسلامية، فزعموا أنه قد آن لهم أن يشاركوهم في التقتيل والتشريد، كما يساعدونهم في الإهلاك والإفساد.
إن الإسلام دخل في بورما (ميانمار) بعد ما جاء الدعاة المسلمون من الخليج وجنوب الجزيرة العربية ومن الهند وغيرها فأعجب أهل بورما بأخلاقيات الدعاة فدانوا بدينهم فعمل المسلمون في الزراعة والتجارة ونشروا الدين في أرجاء البلاد وبنوا ما يربو على 3000 مسجد وساعدوا مساجد ومدارس المسلمين في القارة الهندية. ولكن ثم تطرق الضعف إليهم فضعفوا في الدعوة إلى الله وقصروا في تأدية رسالة الإسلام وانشغلوا مثل كثير من المسلمين بالدنيا عن الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وتفرقوا أحزابا وجماعات بينما المؤامرات تحاك ضدهم من قبل أعداءهم سيما الإنجليز أولا والشيوعيون والبوذيون بعد الانقلاب عام 1962. فتغير حالهم فذهب إليهم الدعاة والناصحون وحذروهم ونصحوا لهم وأنذروهم لعلهم يحذرون. ولقد سافر الإمام الندوي رحمه الله إلى بورما فقال لهم: «إن السبيل الوحيد لبقاء المسلمين وصيانتهم أن يجاهدوا في الله حق جهاده ويبذلوا قصارى جهودهم لإعلاء كلمة الله ونشر دين الحق فإذا فعلوا ذلك نصرهم وحفظهم فلا يضرهم حينئذ من خذلهم ولا من خالفهم. وخاطبهم قائلا: يا أهل بورما إنما جئتم إلى هذه البلاد لتكوّنوا من أهلها رجالا مصلحين ودعاة عارفين، وعلماء عاملين، إنما جئتم ههنا لتنقذوا أهل هذه البلاد من النار وتؤهّلوهم لدخول الجنة ونعيمها، ولكنكم مع الأسف بدأتم تستفيدون من دنياهم ولم تعلّموهم دينكم، جئتم بصفتكم كأساتذة مشفقين، جئتم لتعطوهم لا لتأخذوا منهم ولكنكم انشغلتم بالتجارة وجمع الأموال عن الدين وأصبحتم تبنون المباني والقصور، واخترتم الغفلة عما يجب عليكم فسوف تتغير الأوضاع فلا ينصركم أحد وسوف تتكون حكومة بوذية لا ترحمكم، فاغتنموا الفرصة وانتشروا في البلاد دعاة إلى الله وبلّغوا رسالات ربكم إلى أهل البلاد وأنقذوهم من بوتقة الشرك والوثنية ودافعوا عن الحضارة الإسلامية، إني أنذركم بخطر داهم إن قصرتم في أداء الواجب، فستذكرون ما أقول لكم.ويا أهل بورما إن عليكم واجبَين، الأول: التمسك بدين الله بكل القوة، والثاني: الدعوة إلى الله؛ تدعون أهل هذه البلاد إلى الله وتعرّفونهم بدينكم، تقومون بالدعوة وتكافحون لنشر الحق وإخراج الناس من الوثنية والشرك إلى الدين الخالص.انتهى.
واجب المسلمين حيال مسلمي ميانمار
إننا نرجو أن تسبب الأوضاع الراهنة المأساوية يقظة المسلمين في ميانمار وعودتهم إلى الدين ولكن يجب على المسلمين الآخرين دولا وشعوبا أن لا يجلسوا مكتوفي الأيدي مكتفين بالتفرج ومشاهدة الأوضاع من بعيد، أو بالمظاهرة والإدانة، إذ الشجب والإدانة والمظاهرة لم تعد تجدي، بل الواجب على العرب والمسلمين المبادرة الجادة لإيقاف مجازر حكومة ميانمار ضد الأقلية الروهنغية بالوسائل الممكنة والحديث عنهم ونشر قضيتهم وعدم إهمالهم ونسيانهم.
وإننا نحثّ الدول المسلمة التي تقيم علاقات دبلوماسية مع دولة بورما أن تمارس عليها مختلف أنواع الضغوط لوقف حملة إبادة وتهجير مسلمي الرّوهينجا.
كما نحث المسلمين في كل مكان على نصرتهم بكل ما يستطيعون ماليًا وبدنيًا وفكريًا وإعلاميًا وجمع التبرعات لهم عن طريق المنظمات والنقابات والمساجد والجمعيات الخيرية وغير ذلك، ومن لم يستطع أن يقدم شيئا فلا أقل من أن يكثر من الدعاء لهم بالنصر والصبر وهو أهم وسيلة إذ الدعاء يعمل ما تعجز عنه القذائف والصواريخ، داعين كل صاحب مال أو سلطان أن يستخدم ماله ونفوذه لإنقاذ من يمكن إنقاذهم من هؤلاء المستضعفين، وهذا كله مضمون قوله عليه الصلاة والسلام: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم».ويجب أن يُعلم أن نصرة مسلمي الرّوهينجا واجب شرعي على الأمة كلها، فهم جزء من أمة الإسلام، وأمة الإسلام أمة واحدة، قال تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ).
كما نطالب أيضا المجتمع الدولي ومجلس الأمن والدول المجاورة والمنظمات الدولية بممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على دولة ميانمار، والتدخل السريع لإنقاذهم وإرسال سفن تقلّهم إلى مكان آمن، وعدم الاكتفاء بالإدانة المحضة، لما أن الإدانة اللفظية لا تفقهها القوات البورمية الشرسة.
إن القلب ليتحسر لما يحدث لإخواننا في ولاية أراكان من إبادة جماعية للمسلمين على أيدي شرذمة من بوذيين كفرة فجرة ظهروا على المسلمين فلم يرقبوا فيهم إلا ولا ذمة. وهم قد استنصرونا في الدين، وطلبوا النصرة، يستغيثون كل يوم: يا مسلمون انصرونا فنحن إخوانكم في الدين، قد سامنا البوذيون سوء العذاب، لقد انتهكوا أعراضنا، وقتلوا رجالنا، وذبحوا أطفالنا وهدموا مساجدنا وبيوتنا.
و«لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا» ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تعليقات