اليوم :23 April 2024

عاشق في مكّة!

عاشق في مكّة!

قصّة سنوات مضتْ، قصّة عاشق كان قد عاد من الحجّ؛ عاد من أفضل بقاع العالم وأحبّها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من بلدٍ أقسم به الله عز وجل، ومن مدينة لا تشبهها مدينة، ومن أرض متفردة في كل شيء،  ومن بلد جعل الله فيه بيته الحرام، وخصّه بأنه أول بيت وضع للناس، وجعله مباركا وهدى للعالمين، وجعله حرما آمنا، فلا يسفك فيه دم، ولا يقطع فيه شجر، ولا ينفّر فيه صيد، وكان أهل الجاهلية – على شركهم – يحترمونه أشد الاحترام، ويجد أحدهم قاتل أبيه فيه فلا يقتص منه، فلما جاء الإسلام، زاده حرمة وتعظيما.

 كنت صغيرا آنذاك أدرس الابتدائية، وهذا العاشق كان قد ذهب للحج مع أول قافلة رحلتْ بعد فترة طالتْ سنواتٍ بسبب مشكلات حدثتْ وموانع ظهرتْ مثل التي نعهدها هذه الأيام، والتي حُرم بسببها آلاف من العشّاق.

عهدتُه قبل ذلك، كثير الصمت قليل الكلام، لكنّه عاد من الحج مختلفا وغريبا بعض الشيء، وكأني أسمعه لأول مرة يتحدث للمستقبلين والضيوف طويلا؛ يتحدث عن قبلة المسلمين، وعن الخصائص التي تفرّد بها البيت الحرام، والميزات التي امتازتْ بها مكّة، تلك البقعة التي لا يحبها إلا مؤمن ولا يبغضها إلا كافر أو منافق، ويتحدث عن الأساليب التي كان يستخدمها خدام الحجيج في تنظيم الحشود صوب الكعبة، وصبرهم وضبطهم للنفس وتعاملهم السامي مع الحجيج، و يتحدث عن الزوار القادمين من كافّة بلاد العالم، وعن مشاعر الحج ومواطن العبادة…
ثمّ علمتُ بعد ذلك أنّ من أصابتْه سهامُ العشق لتلك البقعة البعيدة، ليُقررنّ القدوم إليها مرارا وتكرارا ليُمتّع نفسه برؤية مفاتنها، وليلوذ بأحضانها، وعلمتْ أنّ هذه السهام إن أصابتِ الصامتَ الساكت من الناس، حملتْه على الحديث الطويل، لأنها سهام العشق لأحبّ بقعة في العالم!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات