اليوم :18 April 2024

تقاربٌ يُحرج الولايات المتحدة

تقاربٌ يُحرج الولايات المتحدة

انعقد مؤتمر صحفي للرئيس التركي “أردوغان”، ونظيره الروسي “بوتين”، أعرب الجانبان عن الأمل في استعادة العلاقات بين البلدين، وأعلن الرئيس التركي تطوير العلاقات بين روسيا وتركيا، والتواصل على أعلى المستويات! من يصدق؟ بالأمس القريب وبعد إسقاط المقاتلة الروسية في تركيا تحدّث العالم عن الحرب بين البلدين!
ومن جانب آخر أعلنت الخارجية الأميركية: أنّ اللهجة المعادية للولايات المتحدة الصادرة من تركيا غير مفيدة!
تركيا من أقدم حلفاء الإمريكان في المنطقة؛ فهل هناك لهجة معادية من تركيا للولايات المتحدة؟
كلّ شيء محتمل في عالم السياسة، عالم المصالح والمنافع المشتركة.
لا شك أنّ الولايات المتحدة عملاق القوّة العسكرية في العالم، والتي لديها أكثر من ستمائة قاعدة عسكرية في أنحاء العالم، ولديها ترسانة من السلاح ما يمكنه من تدمير العالم مرّات كما يقال، لكن هذه القوّة حصلت عليها من خلال تحالفاتها مع قوى أخرى في العالم، وتدميرها لقوى أخرى. فأيّ قوة لم تتحالف معها ولم تنضم لمنظومة البيت الأبيض، تعرضت للخراب والدمار! والأمثلة كثيرة.
تركيا حليفة قديمة للولايات المتحدة، وهي في نفس الوقت منافسة قوية مزاحمة لأمريكا في الشرق الأوسط، وروسيا منافسة إقليمية دولية أخرى لها. حاولت الولايات المتحدة التخلص من الأول بالانقلاب على حكومته المنتخبة وتدميرها، وإضعاف الآخر بتوريطه في سوريا. فشل الانقلاب في الأول وخرج أقوى مما كان عليه، أمّا روسيا فهي لم تزل متورطة في ملفّ معقّد متأزّم، وهي تعلم جيدا أنّ تدخلها العسكري يصبّ في مصلحة الغرب والإمريكان، وهذا ما يجعل قادتها يبحثون عن تسوية ينجون منها بشيء قليل يحفظ لهم ماء الوجه، ولا منجى لهم سوى تركيا أكبر داعم للمعارضة المسلحة في سوريا.
روسيا دعمت النظام السوري وتدعمه، وتركيا دعمت مخالفيه وتدعمهم؛ وإذا أرادتا حلّ الأزمة، فإما أن تتنازل تركيا، وإمّا أن تتنازل روسيا، والتنازل الروسي هو المحتمل بعد فكّ الحصار في حلب. فإذا شعر الروس أنّ دعم النظام السوري أصبح لا ينفعهم، من المحتوم أن يتخلّوا عنه.
فلو حصلت تسوية في أزمة سوريا، تلك التسوية تجعل الولايات المتحدة الأمريكية في موقف حرج، لأن من مآلات تلك التسوية صعود جهات في سوريا خارج هيمنة الأمريكيين.
على أي حال، إنّ تسوية الأزمة السورية من خلال تقارب روسي تركي لا تعجب الولايات المتحدة الأمريكية ولا حلفائها في المنطقة، لذلك سعوا في تخريب العلاقات بين البلدين سابقا، وهو ما أدركه الأتراك آنذاك، فأعلنوا التطبيع مع روسيا، لكن عُوقبوا من قبل الولايات المتحدة بالانقلاب الأخير الذي فشل، وخرجت تركيا منها أقوى.
واليوم نشهد الرئيسين التركي والروسي في مؤتمر صحفي يتحدثان عن استعادة العلاقات وتطويرها.
سواء حصلت تسوية لأزمة سوريا أم لم تحصل بهذا التقارب، لكن مجرد التقارب بين تركيا وروسيا بعد فشل الانقلاب الأخير المدعوم من الولايات المتحدة، يترك سيدة العالم في موقف مُحرج في الشرق الأوسط، لأنّ بهذا التقارب يقوى منافس إقليمي في وجه الولايات المتحدة، وقد ينجو منافس آخر من الفخّ الذي ساقوه إليه، ولا تُعجب الأمريكيين وحلفائهم لا قوّة هذا ولا نجاةُ ذلك.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات