الإسلام هو رسالة الله الخالدة إلى عباده، فمن أراد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن أراد أن يضلّه يجعل صدره ضيِّقاً حرجاً، فمنذ ظهور الدعوة الإسلامية قام أناس ضاقت صدورهم يكيدون للإسلام كيداً.
فأول من عاند الدعوة الإسلامية وعادى الحق ووقف في وجهه هم المشركون، فحاولوا لإطفاء نوره، وبذلوا النفس والنفيس لإخماد جذوته وإبادة أهله، ثم تلاهم المنافقون في المدينة فمكروا مكراً كباراً، ولم يألوا جهداً ليصدّوا عن سبيل الله، وهم الذين تظاهروا بالإسلام، وأبطنوا الكفر والضلال، ولكن الله أبى إلا أن يتم نوره وينصر رسوله.
إن أعداء الإسلام ـ وهم أعداء الحق والحقيقة ـ لا يزالون يمكرون على الحق وأهله، ويبدعون الأساليب والطرق، بحيث يصعب على أهل الإسلام معرفتهم ومعرفة مكايدهم وحيلهم، سيما في الآونة الأخيرة حيث ضعفت صلة المسلمين بالإسلام والقرآن، وفشا الجهل عن تعاليم الدين بين المثقّفين الدارسين، فقد يحسبون العدو صديقاً، والصديق عدواً، فينخدعون بالشعارات الخادعة والهتافات الرنّانة، وإنما تهمّهم الصور والأشكال لا الحقائق والمعاني.
هنالك يستغل أهل الباطل الفُرَص لتضليل أبناء المسلمين والجيل القاددم، فيدسّون السم في الدسم، ويعرضون الذئب في زي الشاة.
ومن هؤلاء فئة المستشرقين الذين كثرت نشاطاتهم في القرون الأخيرة حينما ظهرت طلائع الاستعمار الغربي في العالم الإسلامي.
إذن يجب على دعاة الحق أن يتعرفوا على حركة الاستشراق وخلفيتها وتاريخها ورجالها ونشاطاتها ودوافعها وأساليبها.
تاريخ الاستشراق:
لا يعرف بالضبط من أول من اهتم بالدراسات الشرقية ووضع حجر الأساس لحركة الاستشراق، ولكن المؤكد أن بعض الرهبان الغربيين قصدوا الأندلس في إبان عظمتها ومجدها، وتثقّفوا في مدارسها، وترجموا القرآن والكتب العربية إلى لغاتهم وتتلمذوا على علماء المسلمين.
ومن هؤلاء الرهبان: الراهب الفرنسي جربرت (jerbert) الذي انتخب باباً لكنيسة روما عام 999بعد أن تعلم في معاهد الأندلس وعاد إلى بلده. وبطرس المحترم (1156ـ 1092م) pierreele aenere وجيرادي كريمون (1187ـ 1114م) gerard de”gremane.
وبعد أن عاد هؤلاء الرهبان إلى بلادهم نشروا ثقافة المسلمين ومؤلفات أشهر علمائهم، ثم أُسِّست المعاهد للداراسات العربية الإسلامية.
ولم ينقطع منذ ذلك الوقت وجود أفراد درسوا الإسلام واللغة العربية، حتى جاء القرن الثامن عشر وهو العصر الذي بدأ فيه الغرب في استعمار العالم الإسلامي والاستيلاء على ممتلكاته وخيراته والغارة على مواهبه ونهب ثرواته.
فإذا بعدد من علماء الغرب ينبغون في الاستشراق ويصدرون لذلك الصحف والمجلات، ويغيرون على المخطوطات في البلاد الإسلامية، فيشترونها من أصحابها الجهلة، أو يسرقونها من المكتبات العامة، وينقلونها إلى بلادهم ومكتباتهم، وقد بلغت في أوائل القرن التاسع عشر مأتين وخمسين ألف مجلداً، وما زال هذا العدد يتزايد حتى اليوم.
مجال الاستشراق:
إن المستشرقين وإن بدأوا بدراسة جميع ديانات الشرق وعاداته وحضاراته وتقاليده في البداية ولكن أهم ما عُنوا به هو الإسلام وحضارته نظراً للدوافع الدينية والسياسية التي حثتهم على ذلك.
دوافع الاستشراق:
1ـ الدافع الديني
هدفهم الأكبر أن يطعنوا في الإسلام ويشوِّهوا سمعته ويحرفوا حقائقه ليثبتوا لجماهيرهم ومثقفيهم أن الإسلام دين لا يستحق الانتشار وما أنزل الله به من سلطان، وأن المسلمين قوم همج لصوص وسفاكو دماء، ويحثهم دينهم على الملذات الجديدية ويبعدهم عن كل سمو روحي وخلقي. يقول الإمام أبو الحسن الندوي:
“أما العامل الديني للاستشراق فواضح وهو يهدف إلى نشر الديانة المسيحية وتبليغ دعوتها وتصوير الإسلام تصويراً يُثبت فضل المسيحية ورجحانها على الإسلام، ويبعث في الطبقة المثقفة إعجاباً بالمسيحية وحرصاً عليها. ولذلك نرى أن الاستشراق والتبشير يسيران معاً في أغلب الأحوال وأن عدد المستشرقين الأكبر أساقفة وعدداً كبيراً منهم يهود ديانة وجنساً”.
2ـ الدافع السياسي أو الاستعماري
لما انتهت الحروب الصليبية بهزيمة الصليبيين جلسوا يجدّدون النظر في جهودهم وتخطيطاتهم، فاتجهوا إلى دراسة بلاد المسلمين في كل شؤونها من عقائد وأفكار وأخلاق ومواهب وثروات ليتعرفوا إلى مواطن القوة فيها فيُضعفوها وإلى مواطن الضعف فيغتنموه. ويقول الإمام السيد أبو الحسن معلِّقاً على هذا الدافع:
“إن المستشرقين بصفة عامة كانوا روّاد الدول الغربية في الشرق ومن واجبهم أن يمدوها بمددهم العلمي، ليتسنى للغرب أن يبسط نفوذه وسلطته في الشرق، وزد إلى ذلك ما يقوم به المستشرقون من الرد على الأفكار والعقائد وقمع الحركات والأوضاع التي تسبب للدول الغربية صداعاً وعرقلة”.
ولذلك فقد شعرت الدول الغربية بقيمة الاستشراق ومكانتهم ومساعدتهم لتحقيق أهدافهم.
ولتحقيق هذا الغرض يصدر المستشرقون من مختلف أقطار الغرب عدة مجلات ورسائل حول العالم الإسلامي ينشرون فيها مقالات تحليلية ومواد تحقيقية تبحث عن مشكلات العالم الإسلامي وميوله ونزعاته، ولا تزال مجلة “الشرق الأوسط” (gournal of near est) ومجلة “العالم الإسلامي” (the muslim world) من أمريكا، ومجلة (MONDDE MISULMANSLE) من فرنسا”.
ومن ديدن المستشرقين إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس الجيل المعاصر حتى يفقدوا الثقة بأنفسهم فيرتموا في أحضان الغرب يستجدون منه المقاييس، والمعايير، ومن تخطيطاتهم بث الخلافات الفكرية والاعتقادية بين المسلمين، وتشجيع القوميات التاريخية التي مضى عليها الزمن، فمثلاُ يحاولون إحياء الفرعونية في مصر والآشورية في العراق، والفينقية في سوريا ولبنان، وهكذا ليتسنى لهم تشتيت شمل المسلمين حتى لا يتباهى الجيل المعاصر بالإسلام ورسوله، بل يتباهى بقومه وكبرائه من غير المسلمين.
الكاتب: سماحة الأستاذ المفتي محمد قاسم القاسمي (أستاذ الحديث والإفتاء بجامعة دار العلوم زاهدان)
المصدر: مجلة الصحوة الإسلامية
تعليقات