اليوم :25 April 2024

الصحوة الإسلامية العربية بين المخاوف والآمال

الصحوة الإسلامية العربية بين المخاوف والآمال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الإسلام يعلو ولا يعلى عليه”.
إن التاريخ خير شاهد على أن الدين الإسلامي منذ بزوغ فجره، واجه مشكلات وتحديات كثيرة. من العهد الأول إلى يومنا هذا، ظهرت عواصف شديدة وأعاصير مدمرة لتدمير هذا الدين، وقامت ضده مؤامرات معقدة، وشنت ضده حملات واسعة؛ كما أن التوقعات كانت تطمئن بمضي هذا الدين إلى الأمام من غير تأثر بالحوادث والكوارث التي تلم به، لأن الله تعالى وعد بقوله “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.
اقتضت حكمة الله تعالى وإرادته أن يتغلب الإسلام على التحديات والتطورات وموجات الفتن وأنواع المحن والبلايا، لامعا متلألأ، وينشر نوره في العالم كله.
لا شك أن ما يجري في عالممنا المعاصر باسم الصحوة الإسلامية والربيع العربي، حجة قوية على حقية الدين الإسلامي، ويدل على أن غيوم الظلام لا تستطيع أن تلقي بظلالها على وجه شمس الحقيقة وتحجبها عن الأعين للأبد وتحرم العالم من نورها وضيائها.
يزعم قادة الباطل أن الأمور كلها تتمشى وفقا لإراداتهم وتدخلاتهم، لكن الحقيقة دائما تتقدم في ظل عنايات الرب وجهود المؤمنين المخلصين والشعوب الواعية اليقظة ومساعيهم.
في التاريخ المعاصر للبلاد الإسلامية، عملت معظم الجهود والمساعي ضد الإسلام في العالم العربي، وفي العالم العربي ركزت النشاطات المعادية للإسلام في مصر، لأن خبراء الباطل كانوا على يقين بأن مصر هي المركز العلمي والثقافي، ومجمع الأفكار والثقافات في العالم العربي، ولها تأثير كبير على سائر المناطق في البلاد الإسلامية. لذلك بدأوا نشاطاتهم في أشكال مختلفة وبأساليب متنوعة وشعارات خلابة في هذا البلد، اختاروا خيرة شباب مصر ليغسلوا أدمغتهم ويستعملوهم عملاء لهم، بحيث أن شخصا مثل “طه حسين” الذي كان حافظا للقرآن الكريم وكان من نوابغ عصره وتخرج من الأزهر، يتأثر بالفكر الغربي، ويكون داعيا ومبلغا للثقافة الغربية في العالم العربي، ويهاجم حقائق الدين الإسلامي باسم البحوث والدراسات والنشاطات الأدبية والثقافية.
“قاسم أمين” الشخصية الآخر الذي اشتهر ببطل حرية المرأة، كان شابا من خريجي دار العلوم في قاهرة، درس في فرانسا ورجع إلى مصر متأثرا بالأفكار الغربية المحايدة للدين الإسلامي، ليقوم برسالته في المجتمع الإسلامي، وأن يحارب الأسرة ويسعى في تمزيقها تحت عنوان “حرية المرأة”، ونشر الخلاعة والمفاسد في المجتمع.
“محمود أبو ريه” تأثر بآراء المستشرقين، وحمل لواء الاعتزال الجديد ليورد الشك في أحاديث الرسول والسنة النبوية وحملتها، ويورد الشك في حجية السنة النبوية.
الدنلوب البريطاني الذي أرسلته الدولة البريطانية إلى مصر أعلن بصراحة: “إني جئت إلى مصر لأحارب ثلاث 1- القرآن 2- الكعبة 3- الأسرة المسلمة”.
واغتنم كذلك دعاة الماسونية الفرص، ولم يالوا جهدا في تحريف ومكافحة القيم الإسلامية.
ومن ناحية أخرى، رفع “جمال عبد الناصر” لواء القومية العربية وأعلن مفتخرا: “نحن أبناء فرعون”. وفي بعض البلاد الإسلامية الأخرى أيضا أطلق تلاميذ “ميشل عفلق النصراني” في الحزب البعث، هتاف “نؤمن بالبعث ربا لا مثل له، وبالعروبة دينا لا مثل لها”. وحكم العسكريون المستبدون العملاء للغرب أكثر من نصف قرن على مصر وبلاد عربية أخرى. وكان همهم الوحيد مطاردة الإسلاميين وعداوة الدين الإسلامي. وأودع خلال هذه العقود، العديد من العلماء والدعاة المخلصين، ونشطاء الدعوة الإسلامية والمفكرين الغيارى إلى السجن، وعذبوا، وعاش آخرون في المنفى الجبري، ومنهم من غادر أوطانهم، واستشهد عدد كبير.
مع ذلك، لم يوقف عباد الله المخلصون نشاطاتهم وأعمالهم في خضم الأحداث وبحبوحة المشكلات والمصاعب، واغتنموا كل فرصة لخدمة الدين والشعب، وأيقنوا بنصرالله ووعده، ولم ييأسوا أبدا ولم يقنطوا من رحمة الله تعالى، إلى أن ظهرت عناية الله بشأنهم في شكل التطورات الأخيرة، وطويت بساط الحكام المستبدين، واهتزت راية الحق والعدالة من جديد.
لكن يجب أن نعرف جيدا أن اكتساب شيء ليس صعبا بقدر ما يكون الصيانة والحفاظ منه صعبا. في تاريخ الثورات، ما يقلق البال بشكل مستمر، أن بعد الثورات آفتان تبطلان كافة الجهود والمساعي التي بذلت لأجل الثورة:
1-    عندما  تعود الأمور بأيدي أناس أجانب بالنسبة إلى أهداف وحقيقة الثورة، لا يعرفون شيئا سوى الشعارات والهتافات واغتنام الفرص وانتهازها.
2-    ربما الثوار لا يسمحون لغيرهم أن يخطفوا ثورتهم أو يحرفوها من صراطها، ربما هم يتعرضون أنفسهم عاجلا أو آجلا للانحراف، وبدل ترضية شعوبهم يسعون في تلبية منافعهم وتثبيت مكانتهم، وبدل الخدمة لشعبهم يرجحون خدمة أنفسهم وحزبهم، وبحجة الخدمة للشعب يشغلون المناصب الهامة والرئيسية ويستمرون في جمع الأموال لصالح أنفسهم وأقاربهم وحاشيتهم. وإن قدموا خدمة ولو كانت قليلة للشعب، ترفع أصوات طبولهم الدعائية بحيث تخرق الأجواء والآذان.
فمثل هؤلاء الثوار الغافلين عن رسالتهم، والناقضين لعهدهم، إن كانوا يحصلون المنصب والثروة والشهرة، لكنهم يفقدون مكانتهم ومحبتهم بين الشعب، ويكرههم الشعب؛ ومع الدعايات الكبيرة وبذل الأموال الباهظة، لا يقدرون على استعادة ثقة الناس بهم. ولا شك أن مثل هؤلاء، لن يأمنوا سخط الله وعقابه.
ليعلم قادة الثورات الأخيرة والذين وثق بهم الناس، أنهم أمام امتحان كبير. في مثل هذه الظروف، ينشط من ناحية فيروس النفاق والرياء، ومن ناحية أخرى يحاول الأعداء عرقلة الأمور والمؤمرات أن يظهروا بأن هذه الثورات لا صلة لها بالإسلام والعدالة، ويجب أن يبعد الدين والتدين من السياسة والاجتماع والاقتصاد؛ لأن في زعم هؤلاء، التقدم والرقي يكمنان في ظل العلمانية فحسب.
ومن جانب آخر ينتظر الشعوب المؤمنة والكثير من شعوب العالم، بفارغ الصبر، لينظروا الأساليب التي يتخذها الحكام الجدد؟ كيف ينفذون العدل، وكيف يتعاملون مع الأقليات؟ كيف يقيمون علاقتهم بالعالم والدول العظمى؟ ما هي رؤيتهم بالنسبة إلى مسائل العالم والأمة الإسلامية؟ وما هي الخطوات التي يرفعونها في سبيل الوحدة  والتعاون المزيد بين الدول الإسلامية؟ وما هي سياساتهم لحل المشكلات الاقتصادية والمالية وتوفير الحرية والأمن للمواطنين؟
الأسئلة والتوقعات  في هذا الخصوص كثيرة وينتظر الصديق والخصم القريب والبعيد ماذا يحدث؟ وكيف يملأ السياسيون الجدد الفراغات والنقائص التي عانى منها الشعوب منذ زمن.
ثم لا يخفى شيء من أعين الإعلام والمحللين وأقلام المؤرخين، ستسجل حسنات وسيئات هذا الدور من الأدوار التاريخية الهامة للأجيال القادمة.
فمسئولية الجميع خاصة القادة ورجال السياسة خطيرة جدا، وعلى كواهل الدعاة والعلماء والطبقات المختلفة أيضا رسالة ثقيلة. ينبغي أن يقوم الجميع مستعينين بقوة الله العلي العظيم بمسؤولياتهم.
“قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون”.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات