قام فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان ورئيس منظمة اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في محافظة سيستان وبلوشستان، برحلة دعوية استغرقت يومين (الثلاثاء والأربعاء 16 و 17 من ذي الحجة 1433) لمنطقة “سرباز” في جنوب محافظة سيستان وبلوشستان، شارك خلالها في جلستين عقدتا بمناسبة تخرّج عدد من الطالبات وحافظات القرآن الكريم.
تحدث فضيلة الشيخ عبد الحميد في هذا السفر أولا، في قرية “هاشم آباد” من قرى مدينة “راسك” التي قوبل فيها باستقبال واسع من جانب العلماء والمثقفين والشعب المؤمن.
قرية “هاشم آباد” يسكنها تقريبا 400 عائلة وهي تعتبر من القرى المحرومة في المنطقة. مع المشكلات التي تواجهها القرية في المعيشة، لكنها لم تتغافل عن تربية أبنائها ونشر التعاليم الدينية بينهم. وتوجد حاليا في قرية “هاشم آباد” معهد تشتغل فيه عدد من البنات بدراسة العلوم الشرعية، كذلك يوجد فيها مدرسة لتعليم القرآن للصغار.
خطبة فضيلة الشيخ عبد الحميد في قرية “هاشم آباد”:
قال فضيلة الشيخ عبد الحميد في خطبته في قرية “هاشم آباد”: إن الله تعالى خلق الإنسان لهدف كبير على الأرض، ولأجل هذا وضعت على كاهله مسئولية عظيمة. لقد صرح القرآن الكريم هذه الرسالة وهذه المسئولية حيث قال: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”.
وتابع فضيلته: إن الله تعالى خلق كافة الكائنات والأشياء الموجودة على الأرض لأجل الإنسان. خلقت الشمس والقمر والنجوم والأشجار والبحار كلها للإنسان. “هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا”.
كل مخازن الأرض ومصادرها من النفط والغاز التي لم يكن يعلم بها الأمم الماضية واكتشفها البشر في عصرنا، أشير إلى جميعها في هذه الآية، وهذا يدل على أن كافة حاجات البشر كانت في قدر الله وقضائه.
وأضاف: لقد قدر الله تعالى كافة حاجات البشر إلى يوم القيامة وخلقها حسب حاجة كل زمان ومكان، ليكون الإنسان في راحة كاملة، ويعبد الله بالقلب والروح. من المؤسف أن البشر يستفيدون من نعم الله تعالى لكنهم غافلون عن رسالتهم التي هي عبادة الله عز وجل.
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: علينا أن لا ننسى أن الله تعالى أنزل لباسا آخر للإنسان، لا يرى بعين الظاهر، وذلك هو لباس التقوى الذي أشير إليه في الآية “وأنزلنا لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير”. كما أن اللباس الظاهري يغطي جسم الإنسان ويقيه من الحر والبرد، ف كذلك لباس التقوى يحفظ الإنسان من نار جهنم وينقذه.
واعتبر فضيلته التضحية المالية والنفسية من علائم محبة الله قائلا: الذين يدعون محبة الله لكنهم لا يؤدون الزكاة أو لا يصلون، دعاويهم كاذبة لا أصل لها. كيف نستطيع أن ندعي المحبة ونفر من إنفاق المال في سبيل الله تعالى؟
القرآن كتاب لا مثيل له ويهدي إلى الأخلاق
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في قسم آخر من خطبته إلى دور القرآن في هداية البشر قائلا: القرآن الكريم كتاب لا مثيل له في الفصاحة والبلاغة. لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان العرب مشهورين بالفصاحة والبلاغة، ويتنافسون في الفصاحة والبلاغة والشعر، لكن لما نزل القرآن خضع كافة شعراء العرب وفصحائهم أمام القرآن الكريم وفصاحته وبلاغته. لكن من المؤسف أن المسلم في عصرنا غافل عن القرآن الكريم، ولا تتلى آياته في المساجد، مع أن المسجد ليس فقط مكانا للصلاة، بل مكان للتلاوة والذكر والاعتكاف والعبادات الأخرى. المسلم لا ينبغي أن يتغافل عن القرآن الكريم أينما كان، لأن تلاوة القرآن الكريم تقرب الإنسان من الله وتجعله محبوبا عند الله تعالى.
وأوصى فضيلته في نهاية خطبته الشباب والشابات إلى الدراسة وتعلم العلوم، مؤكدا أن حل المشكلات الاقتصادية وغيرها في الإنابة إلى الله تعالى وعبادة الله وطاعته في كافة الأحكام.
في نهاية هذه الجلسة الدينية، أعلنت أسماء عدد من البنات التي وفقهن الله تعالى لإنهاء الدروس الدينية وحفظ كتاب الله تعالى، في مدرسة خديجة رضي الله عنها للبنات.
جلسة استشارية للعلماء في قرية “نصير آباد”:
الجلسة الأخرى التي شارك فيها فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله، هي الجلسة الاستشارية السنوية للعلماء والناشطين في منطقة “سرباز” في المجالات الدينية والمذهبية، يوم الأربعاء في قرية “نصير آباد”. هذه الجلسة بدأت بتقارير النشطاء من المناطق المختلفة.
ألقى فضيلة الشيخ عبد الحميد خطبة بعد التقارير، وأشاد سماحته بعد بيان أهمية النشاطات الدينية والثقافية في المنطقة، ابتكار علماء منطقة “سرباز” في إقامة هذه الجلسات الاستشارية، معتبرا ذلك سببا لنجاح علماء المنطقة، وشجع نشطاء كافة المناطق إلى التأسي بهذه الأساليب.
ووصف فضيلته مسؤولية العلماء ثقيلة وعظيمة، بحيث لو لم يقوموا بهذه المسؤولية يعاقبون في يوم القيامة، وحثّهم على أن يحصلوا على رفع الدرجات والمحبوبية عند الله تعالى من خلال العمل على رسالتهم بنشر وبث الأحكام الدينية حسب جهودهم.
كما تطرق فضيلته إلى أعمال وجهود ونشاطات علماء كبار من منطقة “سرباز” أمضوا حياتهم في سبيل الدعوة والدين، كالشيخ تاج محمد رحمه الله، مؤسس مدرسة “أنزاء” الدينية، والشيخ عبد العزيز رحمه الله، مؤسس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان، والشيخ القاضي عبد الله السربازي رحمه الله، والد الشيخ عبد العزيز، والشيخ محمد عمر رحمه الله، مؤسس مدرسة منبع العلوم “كوه ون” الدينية، معتبرا إياهم من الزهاد والأتقياء.
ينبغي أن يتمتع العلماء بالحرية في مجال نشاطاتهم الدينية والمذهبية في إطار الدستور
وأشار رئيس منظمة اتحاد المدارس الدينية لأهل السنة في محافظة سيستان وبلوشستان، في قسم آخر من خطبته في جلسة العلماء والنشطاء في منطقة “سرباز”، إلى أن الدستور أعطى لأهل السنة الحرية للنشاطات المذهبية، ولا ينبغي أن يسلب بعض العناصر هذه الحرية بفرض سلائقهم الشخصية والتضييقات أو يتدخلوا في الشؤون المذهبية.
وتابع قائلا: طريق أهل السنة طريق الانسجام والاتحاد، لا الطائفية والاختلاف. أهل السنة مخالفون لأي نوع من نقض القانون والهروب منه.
وأوصى فضيلته النشطاء والعلماء إلى الدعوة والتبليغ بالطريقة المعتدلة، والتجنب عن أي تطرف أو إقامة العلاقات مع المتطرفين وناقضي القانون.
إقامة جلسة في معهد ديني في قرية “نصر آباد”:
المشاركة في جلسة معهد “رحمانية” في قرية نصيرآباد كانت نهاية هذه الرحلة الدينية. الجلسة الأخيرة عقدت بحضور عدد كبير من العلماء والمثقفين والنخب وطلبة المنطقة.
تحدث في هذه الجلسة التي بدأت بعد صلاة العصر عدد من العلماء والمثقفين من المناطق المختلفة في بلوشستان. كما ألقى الشيخ “عبد الواحد” من علماء منطقة “جابهار” كلمته قبل المغرب.
بعد صلاة المغرب، ذكّر الشيخ “محمد كريم صالح” في خطابه المؤمنين إلى رسالتهم الإسلامية والدينية. واعتبر فضيلته بعد سرد آيات كثيرة، الأمة المسلمة أمة مبعوثة من جانب الله تعالى، رسالتهم دعوة الناس إلى الدين الحق وعبادة الله تعالى.
وحضر فضيلة الشيخ “محمد عثمان” خطيب أهل السنة في مدينة “خاش” ومدير معهد “مدينة العلوم” في خاش، هذه الجلسة، وتحدث بعد تلاوة آية “مثل الذين اتخذوا من دون الله كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون”، مشيرا إلى أهمية ومكانة التوحيد في العقيدة الإسلامية.
خطبة فضيلة الشيخ عبد الحميد حفظه الله في نصير آباد:
أشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في جلسة قرية “نصير آباد” إلى حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام كأسوة بارزة من الصبر والاستقامة والإطاعة من تعاليم الرب تبارك وتعالى، قائلا: الأنبياء الذين أتوا من بعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانوا من سلالته الطاهرة. أنبياء بني إسرائيل من ذرية إسحق عليه السلام، ونبي الإسلام من ذرية إسماعيل عليهالسلام . لذلك نرى أن اليهود والنصارى والأديان التي أتت من بعد إبراهيم تسعى لإثبات انتسابها إلى إبراهيم.
وتابع خطيب أهل السنة قائلا: لكن القرآن الكريم أبطل هذه المزاعم والدعاوي لليهود والنصارى والأديان المنسوخة الأخرى، وذكرأن إبراهيم كان حنيفا مسلما، ويقول: “ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما”.
السبب في مقبولية إبراهيم ومحبوبيته عند الله تبارك وتعالى وخلود إسمه في العالم، أنه كان مطيعا للأحكام الإلهية. إن إبراهيم ألقي في النار لأجل دين الله عز وجل، وترك زوجته وولده في مكة في واد غيرذي ذرع، إطاعةً لحكم الله تعالى. كذلك أقبل إلى التضحية بولده لأجل إطاعة حكم الله تعالى.
واعتبر عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين “التوحيد والتجنب من الشرك والخرافات” من أهم تراث الدعوة الإبراهيمية للبشر، قائلا: ما تركه هذا النبي كتراث للبشر، هو التوحيد ووحدانية الرب تبارك وتعالى والتجنب من الخرافات والشرك. هذه الخصيصة توجد في المسلمين فقط، لذلك تعتبر الأمة المسلمة أقرب الأمم والأديان إلى الدين الإبراهيمي. فعلى الأمة المسلمة أن تجعل في إطاعته لأحكام الرب، سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أسوة لنفسه، ليكونوا منصورين ومقبولين مثل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
وتابع فضيلته قائلا: الدين الإبراهيمي كان مطابقا للعقل والمنطق والفطرة، ومن لا يقبله يكون سفيها حسب التعبير القرآني “ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه”. إن كان البشر متقدما في العلوم والفنون المختلفة ويصلوا إلى الدرجات العالية فيها، لكنهم سفهاء وجهلة من وجهة نظر القرآن الكريم ما لم يلتزموا بالدين والتوحيد والإطاعة من الله تعالى.
انتشار التدين في الغرب
وأضاف فضيلته قائلا: مع أن أروبا اللاديني وكذلك الشرق الشيوعي بذلوا جهودهم لمدة طويلة ضد التدين في العالم ليبعدوا الناس عن الدين، لكن يسعدنا جدا حيث نرى أن الصحوة الدينية تنتشر في العالم.
وتابع فضيلته قائلا: الاتحاد السوفياتي اعتبرت التدين أفيونا للشعوب يساعدهم لتهدئة الاضطربات النفسية فقط، وأشاعوا معتقداتهم اللادينية بين الشعوب المسلمة وأطعموهم لحوم الخنازير، واضطر المسلمون خلال مدة طويلة لتدفين المصاحف خشية تعرضها للإساءة والإهانة. لكنهم لم يكونوا يعرفون أن مصير الظلم خطير، ويجيء بنتائج سيئة. لذلك انهار الاتحاد السوفياتي بعد سبعين سنة من الظلم، بعد الجهاد الأفغاني، وفقدت معظم المناطق التي أنفقت فيها الملايين.
واستطرد فضيلة الشيخ قائلا: سمعنا أن في شهر رمضان الماضي قد تحقق ختم القرآن الكريم في أكثر من خمسين موضعا في مسكو في صلاة التراويح. هذا التقدم الديني في المناطق التي كانت تحارب الدين في وقت ما وكانوا يعتبرون الدين سمّا للمجتمعات البشرية، يدل على أن الدين يتفق مع الفطرة الإنسانية. لو تفكر الإنسان العاقل قليلا يدرك أن سعادة الدارين ترجع إلى ديانة الإنسان.
يجب أن نحمد الله تعالى أن الحريات الدينية والمذهبية تكثر في روسيا وتقل أجواء الضغط والخفقان بالنسبة إلى الماضي، وتقترب روسيا إلى الحرية والديموقراطية.
واعتبر فضيلته “كتاب الله” و”سنة رسول الله” كأهم نعمة إلهية، قائلا: الأمة المسلمة تملك نعمتين عظيميتن، والأمم الأخرى محرومة عن هاتين النعمتين. كتاب الله وسنة رسوله تراثان عظيمان خالدان للأمة المسلمة، وإن عمل عليهما المسلمون إلى يوم القيامة لن تبتلوا بالذلة والهوان أبدا. العمل عليهما سبب لعزة الإنسان وعلوه في الدنيا والآخرة. كما أننا نشاهد في التاريخ الإسلامي أن الصحابة بعملهم على القرآن والسنة فتحوا الدنيا وحصلوا على العزة.
السماح للإهانة إلى الآخرين ليس من الديموقراطية
وندد فضيلة الشيخ عبد الحميد عمل المسيئين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قائلا: نحن نختلف في بعض الأحيان مع قوانين للمنظمة الدولية لحقوق الإنسان، ونعتقد أن حرية الإنسان يجب أن تكون مقيدة بحدود. توجد تناقضات في قوانين حقوق الإنسان. التعدي إلى الأموال والأنفس محرمة في هذه القوانين، مع أننا نرى كيف يسمح لشخص جاهل في الولايات المتحدة أن يسيء إلى النبي الكريم ويثير غضب مليار ونصف مليار مسلم في العالم ويقلقهم ويكون سببا لمقتل العشرات من الأبرياء في المناطق المختلفة في العالم. هذه القوانين ناقصة وبعيدة عن المنطق والعقل.
وأكد خطيب أهل السنة: ليعلم أهل الدنيا أن الأمة المسلمة لن تعفو مثل هؤلاء الذين يهينون إلى محبوبهم الرسول الكريم. أي مسلم في أي نقطة من العالم لو قابل شخصا مسيئا سيعاقبه، ويعتقد المسلمون أن يقتل المجرم والعاصي فقط، ويدينون أي اعتداء على أموال وأرواح المسيحيين المقيمين في البلاد الإسلامية.
وأضاف قائلا: المسلمون يستعملون بدل مصطلحات “الديموقراطية” في قانونهم الحقوقي مصطلح “العدالة الاجتماعية” و”المساواة الإسلامية” التي أكدت في كل منها على الحقوق المتساوية بين المواطنين، وأن لا يسيء أحد إلى الغير. ليس لمسلم أن يسيء إلى مقدسات الآخرين، وكذلك ليس لغيرهم أن يسيئوا إلى مقدسات الأمة المسلمة.
وأكد فضيلته في نهاية خطابه على تعلم القرآن بالتجويد قائلا: تعلم القرآن الكريم ينبغي أن يكون بالتجويد وبشكل صحيح؛ خاصة الأخوات لابد أن يدرسن القرآن الكريم مستعينات بالوسائل الحديثة وبطريقة جيدة، ويتعلمن القراءات المختلفة ويعلمنها سائر البنات والنساء في المنقطة.
وقام فضيلة الشيخ عبد الحميد أثناء عودته إلى زاهدان، بزيارة كل من المدرسة الدينية “عزيزية” في أنزا، وكذلك “منبع العلوم” في كوه ون، وقابل أساتذة وطلبة هاتين المدرستين.
تعليقات