إن الأحداث التي يمر بها المسلمون في شتى بلدان العالم قد تصيب البعض منا باليأس والإحباط؛ لكثرة المؤامرات التي تحاك ضد المسلمين هنا وهناك، وكثرة ما يلاقيه المسلمون من الاضطهاد والتنكيل، وكثرة ما يُروج عن الإسلام من الأكاذيب والافتراءات.
غير أن هذه الحالة سريعا ما تزول إذا ما علمنا حجم الإقبال على الإسلام في دول الغرب بلْه الشرق، وكذلك إذا ما علمنا أنه مع كل هجوم على الإسلام في الغرب يزداد شوق الأوربيين والغربيين عموما للتعرف على هذا الدين، ومعرفة حقيقة ما يثار حوله، ومن ثم يزداد الإقبال على الدخول في هذا الدين الحنيف.
وإن من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ما نراه اليوم من كثرة الإقبال على الإسلام من الغربيين، وهو الأمر الذي لا تخلو منه مدينة من مدن الغرب، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:” ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام و ذلا يذل الله به الكفر”.
ويُصَدق هذا أيضا ما حدث في ألمانيا الاتحادية، تلك الدولة التي لم تعرف الإسلام إلا من قرنين أو ثلاثة قرون على الأكثر، ورغم هذا فقد أصبح المسلمون بألمانيا ثاني أكبر الطوائف الدينية بها بعد المسيحية، ولقد قفزت نسبة المسلمين من 56 ألف مسلم إلى ما يقرب من خمسة ملايين مسلم في فترة لا تزيد عن ثلاثين عاما.
وخلال هذه الصفحات سنعرض لتجربة الإسلام في ألمانيا، لمعرفة العوامل التي أدت إلى هذه الطفرة، وأيضا لإلقاء الضوء على ألمانيا الاتحادية المسيحية قبل أن تتحول إلى ألمانيا المسلمة، كما تشير كثير من الدراسات والتقديرات.
الموقع الجغرافي :
تقع ألمانيا غرب أوروبا الوسطى، ويحدها من الشمال بحر الشمال، والدنمارك وبحر البلطيق ومن الشرق بولندا وجمهورية التشيك، ومن الجنوب النمسا وسويسرا ومن الغرب فرنسا، ولوكسمبورج، وبلجيكا، وهولندا .
كيف دخل الإسلام إلى ألمانيا:
لم يصل المسلمون في فتوحاتهم إلى الأرضي الألمانية، كما لم يصلوا إليها في الماضي بغية الاستقرار، بيد أن كتب التاريخ تكشف لنا عن وجود صلات عباسية ألمانية بين الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد وبين شارلمان، وذلك في نهاية القرن الثاني الهجري.
ثم سارت-بعد ذلك- جموع من الألمان مع الجيوش الصليبية إلى البلاد الإسلامية، ونزلوا بلاد الشام، وعاشت جماعات منهم هناك حتى فشلت الحملات الصليبية وطُرد أتباعها من الأوربيين نهائيا، ولم يحدث تأثر واضح بالإسلام؛ لأنهم قد خرجوا يقودهم الحقد، وفي نفوسهم تصور سيء مسبق كاره للإسلام.
ثم عاد الألمان بعد ذلك والتحموا بالشعوب الإسلامية، إبان الحرب العالمية الأولى عندما تحالف الألمان مع الأتراك العثمانيين وتغيرت فكرة الألمان عن الإسلام.
كما أطلق سراح عدد من الأسرى المسلمين، ففضل البعض منهم البقاء في ألمانيا، ثم توافد على ألمانيا عدد من التجار والعمال المسلمين من تركيا ودول المغرب العربي ويوغسلافيا، مما أدى إلى دخول عدد من الألمان الأصليين في الإسلام.
كما فرعدد من المسلمين من ذوي الأصول الألمانية من روسيا الشيوعية إلى ألمانيا، وتبعهم بعض التتار بعد أن وئدت فكرة استقلالهم.
كما توافد على ألمانيا عدد من التجار الأفغان والإيرانيين، واستقروا بها، إضافة إلى عدد من اللاجئين الفارين من المناطق التي سيطرت عليها روسيا إبان الحرب العالمية الثانية، وأعقبهم عدد من الجنود الروس الفارين بدينهم من الشيوعية والروس.
وفي مطلع القرن الرابع الهجري انتقل عدد من الألمان إلى إفريقية لتأسيس مستعمراتهم في الكاميرون، وتانزانيا، وتوغو واحتكوا بالمسلمين هناك ، وأسلم قسم منهم، فمنهم من بقى، ومنهم من عاد إلى بلاده بعقيدته الجديدة داعيا إليها.
أضف إلى هذا توافد الآلاف من الطلاب المسلمين من كافة الدول الإسلامية للدراسة والعمل في ألمانيا، ثم توج هذا كله ببعض المراكز الدعوية المساجد المنتشرة في كافة مدن ألمانيا.
نسبة المسلمين في ألمانيا:
تعد المسيحية الديانة الرسمية لألمانيا، وهي أكبر ديانة موجودة بها فحسب تقديرات عام 2007م، يبلغ عدد المسيحيين بألمانيا 52.116 مليون معتنق (63%) يشكل البروتستانت نسبة 32.3 % منهم، بينما يشكل الكاثوليك 31 % ، ثم يأت الإسلام ليمثل الديانة الثانية في ألمانيا حيث يبلغ عدد المسلمين الألمان ما يقارب 4.3 مليون معتنق (5%) من الشعب الألماني، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن عدد المسلمين الألمان في بداية الثمانينيات لم يتعد56 ألفًا.
ويبدو أن نسبة المسلمين الألمان تفوق هذا العدد بكثير، لأن الإحصائيات الرسمية تهمل من اعتنق الإسلام من الألمانيات مما لا عمل لهم، وكذلك تغفل الأولاد الذين ولدوا من آباء مسلمين بالأصل وتزوجوا ألمانيات.
وتشير التقديرات أن النسبة الكبرى من المسلمين الألمان من السنة حيث تقدر نسبتهم بنحو 2.5 مليون شخص، كما يوجد نحو 500 ألف من العلويين معظمهم من تركيا، إلى جانب 200 ألف من الشيعة معظمهم من لبنان، كما يوجد بضعة آلاف من الصوفيين والإسماعيليين.
البهائيون والقاديانيون واليهود وخطرهم على مسلمي ألمانيا:
يعد البهائيون والقاديانيون من أشد الفرق خطرا على الإسلام والمسلمين، لما ينشرونه من تعاليم تخالف الإسلام، ولا يخفى على أحد مدى الارتباط الشديد بين كلا الطائفتين واليهود، وبدا خطرهم في عدة مواقف منها محاولتهم الدخول والزج بأنفسهم في بعض الجمعيات الإسلامية الألمانية، فكان عبثهم شديدًا، وخطرهم كبيرًا، كذلك مما يؤسف له أنهم قد ترجموا معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية حسب معتقداتهم التي تخالف أصول الإسلام، وهي التي يُروج لها في الأسواق.
كما يدعى بعض اليهود الإسلام ويعمل على حربه من الداخل ويدعي ادعاءات كاذبة، ويفتري الكذب وهو يعلم.
المساجد والمراكز الإسلامية في ألمانيا:
يوجد في ألمانيا حوالي 400 هيئة ومؤسسة إسلامية وعشرات من المراكز الإسلامية ، إضافة إلى أكثر من 300 مسجد في المدن الألمانية الكبرى ، ويلتحق بغالب المساجد والمراكز الإسلامية مدارس لتعليم المسلمين وتعمل هذه المدارس أيام العطلات بلغة الجالية التي شيدت المسجد أو المركز. وأهم هذه الجمعيات، المركز الثقافي في كولومبيا، واتحاد الجمعيات الإسلامية في ميونيخ.
ويعود تاريخ بناء أول مسجد في ألمانيا إلى 13 يوليو 1915, وتحديدًا أثناء الحرب العالمية الأولى؛ حيث تم إنشاء مسجد خاص للمسلمين المعتقلين أثناء الحرب العالمية الأولى، الذين كانوا يعملون في جيش دول المحور، حيث اعتقلت القوات الألمانية، من ضمن ما اعتقلت، جنوداً مسلمين من أصول مغربية، جزائرية، هندية وغيرها.
أماكن الانتشار والتجمع:
أشارت إحدى الدراسات إلى أن 98% من المسلمين يعيشون في الولايات الغربية وبرلين، في حين يعيش 2% فقط في الولايات الشرقية. وأشارت إلى أن القسم الأكبر من المسلمين يتركزون في ولاية شمال الراين التي تستحوذ على أكثر من ثلثهم، حيث أنشؤوا مجتمعات كاملة لهما صبغة تركية وإسلامية؛ لدرجة أن برلين توصف بأنها اسطنبول الثانية.
أسباب اعتناق الألمان للإسلام:
تؤكد مونيكا فريتاج المتخصصة في السوسيولوجيا الثقافية، أن أسباب اعتناق الألمان للإسلام كثيرة ومتنوعة تلخصها في الآتي:
1- الزواج من مسلم بشكل أساسي.
2- وهناك عوامل عديدة أخرى على حد قول هذه الباحثة، تتجسد الدوافع في رغبة الألمان في تغيير نمط حياتهم من خلال بناء نظام أخلاقي جديد.
3- هذا إضافة إلى الهجرة الرمزية التي يمارسها العديد منهم بحثا عن انتماء مغاير يجدونه في الإسلام بعيدا عن الوطن والعرق الألماني.
4- كما أن هناك العديد من الألمان دخلوا الإسلام متخذين المسلمين المقيمين بألمانيا كنموذج للإقتداء.
5- وهناك فئة أخرى من الألمان قررت السفر والعيش في البلدان الإسلامية مما سمح لها باكتشاف الدين الإسلامي من ناحية وساعدها على تبني ثقافة هذه البلدان من ناحية أخرى.
الإسلام والمسيحية في ألمانيا:
كشفت دراسة مقارنة بين التيار الإسلامي والتيار المسيحي في ألمانيا نشرتها صحيفة “دي فيلت” الألمانية أن الدين الإسلامي بات يفرض نفسه بقوة، وأن المسلمين في تزايد واضح، ولتؤكد حقيقة معروفة هي أن المسيحيين داخل أوروبا يعيشون في انفصال تام عن الكنيسة في أغلب الأحوال.
وتشير الدراسة التي أجراها المعهد المركزي للأرشيف الإسلامي بألمانيا إلى أنه على الرغم من الصعوبات التي يواجهها المسلمون في بناء المساجد، إلا أن أعدادها تتزايد، في نفس الوقت الذي تتقلص فيه أعداد الكنائس داخل ألمانيا التي تدين بالمسيحية، ولا تعوق بناء الكنائس كما هو الحال مع المساجد حسبما نشرت جريدة الراية القطرية.
ووفق الدراسة التي تشير إلى أن المستقبل في ألمانيا ربما يكون للإسلام وخاصة في ظل انخفاض أعداد المواليد الألمان، فإن بناء المساجد في ألمانيا شهد قفزة منذ عام 2004 ليرتفع من 141 إلى نحو 159 مسجدًا، بينما لا يزال 128 مسجدًا طور الإنشاء.
وذكرت الدراسة أن الزيادة الواضحة في بناء المساجد بألمانيا يقابلها انكماش واضح في دور العبادة المسيحية، وهو الأمر الذي اعتبره رئيس المعهد المركزي للأرشيف الإسلامي بألمانيا سالم عبد الله أمرًا عاديًا وملحوظًا منذ فترة، ملقيًا باللوم على قادة الكنيسة
وكشفت الدراسة عن حقيقة مهمة, وهي أن المسلمين باتوا جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع الألماني بعد أن ارتفع عددهم إلى نحو مليون شخص مقابل 56 ألفًا فقط منذ بداية الثمانينيات(هذه الدراسة قديمة ، والعدد الآن يفوق هذا بكثير).
التسامح بين مسلمي ألمانيا:
أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة “برتلسمان” الألمانية للدراسات والبحوث في سبتمبر 2008، أن غالبية المسلمين في ألمانيا أكثر تسامحاً مما هو شائع عنهم على الرغم من تدينهم، موضحة أن 90% من المسلمين في ألمانيا متدينون، منهم 41% يوصفون بأنهم “شديدو التدين”.
وفي معرض تعليقها على نتائج هذه الدراسة قالت ريتا زوسموت الرئيس السابق للبرلمان الألماني البوندستاج :”إن هذه الدراسة من الممكن أن تسهم في إزالة بعض الكلاشيهات”، فيما رأت حميدة موهاغيغي رئيسة الأكاديمية الإسلامية في ألمانيا :”أن المسلمين الذين ينتمون لجماعات متطرفة هم أكثر من يلفت انتباه الرأي العام”، مؤكدة أن المسلمين المتدينين ينتمون أيضا لهذا المجتمع.
ماذا قال مسلمو ألمانيا الجدد عن الإسلام:
قال أحدهم: أحد الألمان سألني: كيف أصبحت مسلما؟ فأجبت بأنني لم أرتد عن ديني، ولكنني عدت إلى الدين الصحيح.
وقال آخر: قرأت في الإنجيل، ثم قرأت القرآن لأول مرة واقتنعت بما فيه.
وقال ثالث: قرأت عن الهندوسية والبوذية، وأحضرت كتب عن اليهودية، أردت أن أتأكد بأن الإسلام هو الطريق الصحيح، وخرجت بقناعة، أن كل شخص يبحث عن الحقيقة ويريدها سيصل إلى الإسلام، وزفي الواقع عندما يقرأ المرء القرآن بتمعن يجد أنه لا يوجد كتاب مثل القرآن وصف الله تعالي فيه نفسه، وأعطى الله فيه لكل شيء حكمة ومعنى، وتكلم فيه عن سبب وجود الخير والشر، وهذا ما لا تجد له جواب في النصرانية،…ثم قال كنت قد تحاورت مرة مع قسيس، وقال لي بكل صراحة بأن الإنجيل قد حرِّف.
وعن أهمية دعوة التوحيد قال أحد الألمان: إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يركز على التوحيد، وهو دين التوحيد الوحيد.
تحديات الإسلام في ألمانيا:
1- التضييق من قبل البهائيين والقاديانيين واليهود ، إضافة إلى الاتجاه العنصري النازي في ألمانيا المعادي للوجود الإسلامي في ألمانيا.
2- التضييق على بناء المساجد في ألمانيا.
3-كثرة الهيئات الإسلامية وعدم انضوائها تحت راية واحدة، بحيث تكثف الجهود وتتوحد الكلمة، والسبب في هذا هو التنوع المذهبي فهناك أهل سنة ، وهناك شيعة ، وعلويين،..إضافة إلى الكيانات البهائية والقاديانية.
4-قلة الدعم المالي لدعم الأنشطة الدعوية، وبناء المساجد والمراكز الدعوية.
5- الدعاية السيئة التي يروج لها أعداء الإسلام في الخارج، فلا يكاد يخلو مقال أو خبر عن الإسلام من إيحاء يربط بين الإرهاب وهذا الدين. فوسائل الإعلام تجتهد في تكريس صورة الإسلام المهدد للغرب عموما، وأوروبا خصوصا.
6- الحاجة لتنشيط الدعوة الإسلامية فيما كان يسمي بألمانيا الشرقية.
المصدر: المختصر / مركز التأصيل للدراسات والبحوث
تعليقات