اليوم :16 April 2024

الشيخ عبد الله الأنصاري؛ عبقري من عباقرة فارس

الشيخ عبد الله الأنصاري؛ عبقري من عباقرة فارس

هو الشيخ الجليل العلامة الفلكي، خادم العلم، عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الأنصاري؛ والشيخ له نسب عريق في الصالحين حيث ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه وأرضاه.
كنيته أبو محمد، و”محمد” أكبر أبنائه.
والشيخ سليل أسرة كريمة، أسرة خير وبر وفضل. هاجرت أصولها من الجزيرة العربية إلى منطقة بلاد فارس، والتي تشتهر بـ”شيبكوه” في ظل ظروف سياسية أو دينية أو اقتصادية.
مولده ونشأته:
ولد الشيخ عبد الله الأنصاري – رحمه الله – في قرية “چاه مسلَم” في “ميناء لنگه” من محافظة “هرمزكان” جنوبي إيران، عام ألف وثلاثمائة وخمسة وثلاثين للهجرة ( 1335 هـ ) وهذا هو الصحيح في موطن ولادته، خلافاً لما ذكر في مصادر ترجمته التي أجمعت على أنه ولد في الخور بقطر، وهذا لا شك خطأ على التاريخ.
نشأ – رحمه الله – نشأة صالحة في بيت علم وتقى، واعتنى أبوه الشيخ إبراهيم بتربيته على طاعة الله تعالى والخوف منه، وقد تأثر صاحب الترجمة بهذه التربية منذ صغره، وهو يحكي بنفسه – رحمه الله – قصة حدثت له في صباه تدل على ذلك. قال في تقديمه لكتاب “المجموعة الجليلة” وهو يتحدث عن متن الأربعين النووية: ويجدر بي أن أتحدث بنعمة الله علي إذ حفظت هذا المتن وأنا ابن سبع سنوات وقبل أن أختم القرآن، وكنت أذكر – والخير يُذكر- وأنا مع والدي – رحمه الله – في بعض بلدان الإمارات فأُطلب في دواخل البيوت من جمع النساء المحترمات والحريصات على سماع أحاديث الرسول، وكنت أحدثهم وأنا ابن سبع سنوات، ولا غرو أن أذكر شيئا سلف حتى أن بعضهن يقدمن لي شيئا من الطعام في شهر رمضان فامتنع بدعوى أني صائم، فيقلن: إنك صغير السن وليس عليك صوم، فأجيبهن بأن والدي يرغب ذلك مني، وقد قالت لي مرة سيدة تُدعى حصة : يا بني كل ولا تخبر والدك ، فقلت لها : وكيف أخفي أمري على الله تعالى، وهو يعلم كل شيء، فبكت المذكورة ومن حولها من هذه القصة، أذكر هذه القصة ولا أنساها. إنها قصة تدل على مدى عناية الشيخ إبراهيم – رحمه الله تعالى – بحسن تربية أبنائه، والتي بلا شك أثمرت نفسا تعرف الله تعالى وتراقبه .
نشأ الشيخ نشأة صالحة دينية في كنف والده الشيخ العابد الصالح الكريم إبراهيم الأنصاري الذي رباه وتعهده، وبدأ يقرأ القرآن وهو ابن خمس سنين على يد والده الذي كان له كُتَّاب يدرس فيه أبناء المسلمين القرآن الكريم واللغة العربية وكان والده قاضياً، ثم أجلسه للتلقي عنه وتحصيل العلم، فحفظ الشيخ عبدالله كتابَ الله، وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وبجانب حفظه للقرآن كان أبوه يلقنه متن الأربعين النووية،  وبعد حفظه للقرآن تلقى على والده شرح الأربعين وفقه الشافعية، ومتن الرحبية في علم الميراث، وبلوغ المرام من أدلة الأحكام، وألفية ابن مالك في النحو والصرف، كما تلقى على أبيه أيضا بعض مبادئ علم الأدب، كما ذكر ابنه أبو عمر محمد بن عبد الله الأنصاري.

رحلاته العلمية في طلب العلم:

ثم رحل الشيخ في طلب العلم إلى الأحساء ومكة والبحرين، ومن شيوخه: الشيخ محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي بكر الملا ، خاتمة علماء الحنفية في الأحساء ، الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الله بن عبد الرحمن العمير ، الشيخ محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العبد اللطيف ، الشيخ أحمد بن عبد اللطيف الملا ، الشيخ عبد العزيز بن صالح العلجي ، الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة إمام وخطيب المسجد الحرام ، الشيخ السيد علوي بن عباس الحسني المكي المالكي .
درس الشيخ عبد الله الأنصاري على الشيخ محمد بن مانع رحمه الله بقطر إبان وجود الشيخ ابن مانع بقطر وتدريسه بالمدرسة الأثرية، وقد عُدّ الشيخ أحد خريجيها، وكان ذلك في عهد الشيخ عبد الله بن قاسم آل ثاني ثم رحل رحمه الله لأجل طلب العلم إلى عدة مدن، والتقى شيوخاً كثيرين في المدن التي قصدها سواء في السعودية أو في البحرين.
ثم سافر إلى الحج وهناك بقي بمكة المكرمة للدراسة بالمدرسة الصولتية التي أنشأها العلامة الدهلوي حيث درس على مشايخ مكة المكرمة أمثال الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة، والشيخ محمد بن مانع، والشيخ علوي المالكي وغيرهم، وبعد خمس سنوات من الإقامة بمكة المكرمة للدراسة والتفقه في علوم الدين عاد إلى قطر.

عودته إلى السعودية وبدء النشاطات الدينية والتربوية:
ولم يطل بقاء الشيخ الأنصاري في قطر، حيث سافر بعد سنوات إلى المملكة العربية السعودية، وعمل إماماً وخطيباً ومدرساً في قرية دارين بالمنطقة الشرقية، وبعد سنة استدعاه قاضي القطيف ليكون مساعداً له في عمله القضائي، ثم انتقل كمدرس ومدير للمدرسة الرسمية التي أنشأتها وزارة المعارف السعودية، حيث قضى فيها ثلاث سنوات. وفي سنة 1374هـ ورد خطاب من حاكم قطر الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني إلى الملك سعود بن عبدالعزيز يطلب فيه السماح للشيخ الأنصاري بالعودة إلى وطنه الأول قطر، وبعد عودته أنشأ معهداً تولى إدارته، ثم تقلّب في مناصب متعددة كان آخرها مدير إدارة الشؤون الدينية، حيث انطلق يؤسس مراكز تحفيظ القرآن الكريم في قطر وخارجها، ويطبع كتب التراث الإسلامي بعد تحقيقها ومراجعتها، ويقوم بتوزيعها على طلبة العلم والمساجد والمراكز والمؤسسات الإسلامية في أنحاء العالم، وقد جاوز المطبوع منها المائة وخمسين كتاباً، كما اهتم بنشر الدعوة الإسلامية وتفريغ الدعاة والأئمة والمدرسين وتقديم المساعدات المالية للمحتاجين من المسلمين في كل مكان، وإقامة المدارس والمعاهد والمساجد والمراكز واستمرار الدعم لها ورفدها لتنهض في أداء رسالتها الإسلامية.
ولقد كان رئيساً لبعثة الحج القطرية لسنوات عديدة، وقد بنى مسجداً جامعاً في مكة المكرمة، كما أنشأ مكتبة إسلامية عامرة تقوم بتوزيع كتب التراث الإسلامي. وكان يشرف على تحفيظ القرآن الكريم في جميع المساجد والمدارس بدولة قطر، كما كان يشرف على الوعظ والإرشاد ويوجه الدعوات لعدد من العلماء والوعاظ في مصر وبلاد الشام للوعظ في شهر رمضان المبارك. ومساعداته إلى البلدان من مختلف أنحاء العالم الإسلامي أكثر من أن تحصى وهي معروفة لدى الخاص والعام، وكان له نشاط اجتماعي ملموس في عمل الخير والإصلاح بين الناس في داخل قطر وخارجها. كما كان له اهتمام كبير بعلم الفلك وحساباته وهو الذي كان يُصدر التقويم القطري في كل عام فالشيخ الأنصاري يرحمه الله كان شعلة من النشاط في شتى الميادين التي تعود بالنفع على الإسلام والمسلمين.

جهود الشيخ في خدمة الإسلام والمسلمين :
لعل أبرز جهوده – رحمه الله – في خدمة العلم كانت في نشره الكتب المفيدة ، فقد كان له جهود في التأليف والتحقيق والمراجعة والعناية بالطباعة والنشر للكتب النافعة، ولا يزال – رحمه الله – مشتغلا بنشر العلوم ورفع منار الشريعة باعتنائه بالتآليف المفيدة والحرص على نشرها والإفادة منها حتى قضى رحمه الله ؛ وقد كان مجموع الكتب التي كان للشيخ – رحمه الله – دور في الإشراف على طباعتها وإخراجها وتوزيعها على أهل العلم وطلبته 210 كتابا ، وبيانها بالإجمال كالتالي :
1- صفه التحیه فی الاسلام2-   الخمر ام الخبائث3-    مجموعه المتون الفقهیه
4- رساله الإعلام فی بلاد الإسلام وعلاقتها بالدعوه الإسلامیه 5-  عتاب من الکبد
6 – معرفه الصواب فی موافقه الحساب 7- ردود علی اباطیل ورسائل شیخ محمد
8- ادعیه واذکار نبویه9-  مواقیت الصلاه حسب توقیت لندن  ( تحقیق و تألیف )
10- تقویم القطری بالتوقیت الغروبی والزّوالی ( تحقیق وتألیف ) وغيرها من الكتب التي ألفها أو حققها.

الشيخ ومساعيه المستمرة في الدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية:
فقد شارك  رحمه الله في العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، كما كان عضواً في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة. وقد أثنى من خلال محاضراته على الصحوة الإسلامية المباركة، ودعا لمن كان السبب في جمع الشباب المسلم على المنهج الصحيح والعمل لخدمة الإسلام والمسلمين والتصدي لتيارات الكفر المستوردة التي تريد إبعاد الأمة عن دينها، وربطها بعجلة الغرب الصليبي، الذي يطمع في خيرات الأمة الإسلامية ويريد استغلالها لمصالحه المادية وأطماعه الاستعمارية.
كما شارك في  افتتاح المركز الإسلامي الياباني الذي قدَّم له الدعم السخي، وقام أيضا بسفر إلى باكستان  لزيارة العلماء والدعاة فيها فقد كان له دور بالغ الأهمية في جمع كلمة المجاهدين الأفغان، وتكوين الاتحاد الإسلامي ، حيث أقام الأنصاري وليمة كبرى لجميع الوفود المشاركة فرحاً بقيام هذا الاتحاد الذي كانت الآمال معلقة عليه في أن يُسدل الستار على الخلافات التي كان يُذكي أوارها عملاء الشرق والغرب على حد سواء.
كان الشيخ عبدالله الأنصاري العلامة المشرقة المضيئة لقطر، حيث كان الناس في أنحاء العالم الإسلامي يذكرون جهوده المشكورة في المجال الدعوي والعلمي والثقافي والمالي والإغاثي، ويدعون لمن يقفون إلى جانبه في أداء رسالته السامية في خدمة الإسلام والمسلمين في كل مكــان.
قد كان للشيخ – رحمه الله – جهودا ملموسة في جوانب كثيرة لخدمة الإسلام والمسلين؛ فقد جاب الشيخ كثيرا من أقطار الأرض حاملا رسالته داعيا إلى الله تعالى قائما بعلمه عاملا به، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.  
قال الشيخ عبد القادر العماري: وما سفراته ورحلاته في العالم الإسلامي إلا من أجل خدمة الإسلام والمسلمين وتقديم ما يستطيعه من دعم مادي ومعنوي لمختلف المشاريع الإسلامية. وكان من إجابات الشيخ عبد الله الأنصاري – رحمه الله – عن سؤال الأستاذ محمد المجذوب عن الغاية والأثر من سفراته الكثيرة أن تنقلاته في مختلف بقاع المعمورة تقصيا لأحوال المسلمين ودراسة لأوضاعهم قد وضعت يده على مشكلاتهم واحتياجاتهم ، وكان لذلك أثره الطيب في نفوس أولي الأمر الذين سرعان ما استجابوا للواجب وأسهموا في علاج تلك الأوضاع بما قدر الله لهم من التوفيق . وتحدث فضيلته عن بعض هذه الإسهامات التي شارك في تحقيقها ، حيث أنشئت المساجد والمدارس ودور اليتامى وما إلى ذلك في شتى الأقطار كالهند وباكستان وأفغانستان وكوريا والفلبين والسودان وأمريكا وبريطانيا وغيرها من البلاد الأفريقية والأسيوية والأوربية؛ وإلى جانب ذلك بدأ تدفق آلاف الطرود من المطبوعات الإسلامية على مسلمي تلك الأقطار من قبل حكومة قطر. كما سُجلت للشيخ مواقفه العظيمة في نصرة إخوانه المسلمين في بقاع الأرض: في فلسطين وفي أفغانستان وفي الفلبين وفي الهند وفي أريتريا وغيرها .
لقد جمع حشداً كبيراً من العلماء والدعاة في منزله مرة وشدد في حديثه على ضرورة تكاتف الدعاة والعاملين في حقل الدعوة الإسلامية للعمل صفاً واحداً، أمام هذه الهجمة الضروس التي يتولى كبرها أعداء الإسلام في الشرق والغرب على حد سواء، يريدون إخراج المسلمين من دينهم، وإحداث الفتن في صفوفهم وبذر الشقاق بين دولهم، وتسليط اليهود عليهم. وإن الواجب على العلماء والدعاة المعاصرين أن تتوحد كلمتهم، وتتضافر جهودهم في كل أنحاء العالم الإسلامي لينطلقوا في الدعوة إلى الله يداً واحدة وجسداً واحداً يشدّ بعضه بعضاً، وإن الشعوب المسلمة إذا وجدت العلماء المسلمين يداً واحدة، سارت وراءهم واستجابت لدعوتهم، كما أن الحكام سيحترمون هؤلاء العلماء ويعرفون قدرهم ويحسبون حسابهم. وإن هذه الصحوة الإسلامية التي تعم ديار المسلمين، هي تباشير خير لعودة شباب الأمة إلى دين الإسلام، فيجب الاستفادة من طاقاتهم، والعمل الجاد المتواصل لتوجيههم في المسار الصحيح، ليؤدوا دورهم في خدمة دينهم وأمتهم، وبناء حاضرهم والاستشراف لمستقبلهم وفق التصور الإسلامي الصحيح المستقى من الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة.

تلامذة الشيخ:
ذكر ابنه أبو عمر بعض تلامذته الذين تخرجوا من المعهد الديني، ومنهم : الأستاذ راشد عبد الله علي، وزير الخارجية بدولة الإمارات سابقا، والأستاذ عبد الله حميد المزروعي، وزير العدل الأسبق بدولة الإمارات، والأستاذ ثاني بن عيسى بن حارب ، وزير الأوقاف والشئون الإسلامية الأسبق بدولة الإمارات، والأستاذ أحمد عبد الله عسكر رحمه الله، والأستاذ محمود هزاع عبد ربه ( يمني ) من رجال التربية والتعليم بدولة الإمارات العربية، والأستاذ عبد العزيز عبد الله تركي، وزير التربية والتعليم السابق بدولة قطر، والأستاذ محمد سالم الكواري، سفير سابق، والأستاذ يوسف عبد الرحمن الملا ، مساعد وكيل وزارة التربية والتعليم للشئون الثقافية بدولة قطر، والأستاذ سلطان محمد الملا ، مساعد إدارة التربية الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم بدولة قطر، وغيرهم كثير .

أبناء الشيخ:

للشيخ عبد الله رحمه الله سبعة أبناء ذكور أكبرهم محمد وبه يكنى، وكنية ابنه محمد أبو عمر. ثم من بعده عبد العزيز ثم ابنه عبد الرحمن ثم ابنه الشيخ إبراهيم، ثم جابر ثم أحمد ثم علي وهو أصغر أبناء الشيخ.
وقد توفي للشيخ بعض الأبناء في حياته فصبر على فقدهم، واحتسب الأجر من الله تعالى.

صفات الشيخ وسجاياه:

فهو خادم للعلم، ساع في الخير، عامل في حقل الدعوة الإسلامية، باذل للمعروف، مصلح بين الخصوم، جامع للقلوب محب للعلماء، معين للفقراء، مؤيد لأصحاب الحق، مشجع لطلبة العلم، ناصح لولاة الأمر.
وكان الشيخ الأنصاري رقيق الحاشية، جياش العاطفة، تستثيره أوضاع المسلمين، فيبكي لحالهم، ويتألم لأوضاعهم، ويبذل قصارى جهده للتخفيف من آلامهم وتقديم العون لهم. فلسفته في العمــل ومن فلسفته في الحياة التقرب إلى ولاة الأمر وتقديم النصيحة لهم، بالحكمة والموعظة الحسنة، والاستفادة من جاههم وسلطانهم وأموالهم، لخدمة المسلمين والصبر على ما يصدر منهم من هفوات وعدم التشهير بهم، لئلا يستغل ذلك بطانةُ السوء الذين يريدون عزل الراعي عن الرعية، وإقامة الحجاب بين الحاكم والمحكومين، وعدم اطلاع ولي الأمر على حقيقة ما يجري، لتزداد الهوَّة بين الشعوب والقادة فيصطاد المفسدون في الماء العكر.
نعم؛ قد كان الشيخ رحمه الله خلوقا متواضعا كريما سخيا، وكان ذلك يخرج عنه من غير تكلف.  والحق أنه لا يتحدث عن السجايا إلا من كان قريبا من صاحبها، أو مسافرا معه، أو متعاملا معه، ليسبر شخصيته وخلقه؛ وأنقل هنا ما كتبه القريبون من الشيخ صداقة وسفرا وعملا:
قال الشيخ عبد المعز عبد الستار – حفظه الله : وأشهد لقد كان الشيخ عبد الله الأنصاري – رحمه الله وأجزل مثوبته – من أسرع الناس نهضة في الصريخ , وإغاثة لملهوف , ونصحا لعباد الله , ورغبة في عمل الخير , بل حرصا على خير العمل , ونجدة المحتاج , وإنصاف المظلوم ا.هـ.
وقال لي الدكتور عبد العظيم الديب – حفظه الله : كان سريع الاستجابة في الخير ذا مشاعر حية وعواطف جياشة ؛ كان من الذين ينطبق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ” رواه ابن ماجة. كان قريب الغور ، طاهر القلب ، في غاية الرقة والسهولة واليسر والبساطة والتواضع غير المتكلف والمصطنع ؛ يدرك ذلك كل من لقيه وعرفه . كما كان ممن أوتي حسن الخلق ، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما خير ما أعطي العبد قال : ” خُلُقٌ حَسَنٌ ” رواه احمد وابن حبان ؛ ففي مجلسه يبدو بسيطا مع الجميع ، فلا يشعر أي واحد في مجلسه أنه يفرق بين الحضور ، بل يشعر كل فرد أنه يهتم به وحده أو يجامله وحده .
وقال الأستاذ ناصر العثمان : كان بسيطا إلى درجة متناهية ، لين العريكة ، واسع الصدر ، حليما طيب القلب إلى درجة مفرطة ، تراه دائم المزاح والمرح والابتسام ، لا يجنح إلى الغضب ، ولا يقترب من الغلظة ؛ ومع كل ما كان عليه من وقار كنت تراه يساير الأطفال فيما يفرحهم ، وينزل إلى مستوى البسطاء فكأنه منهم ؛ وعالما بين العلماء ، ورجلا بين الرجال ، فكسب محبة الجميع بذلك واحترامهم وتقديرهم.
وقال الأستاذ عمر الخطيب : كان صبورا كاظم الغيظ حليما .
كما عمل بالغوص على اللؤلؤ في أول شبابه، وكان نوخذة في جالبوت سلطان بن خلف، وكان مضرب المثل في شجاعته، وكان إذا نزل في أعماق البحر يطول مكثه تحت الماء لطول نفَسه، وكان يتأخر في الوقت قليلاً بعد إخوانه الذين ينزلون معه للبحث عن اللؤلؤ.

وفاة الشيخ:
إن العارفين للشيخ عبدالله الأنصاري، ســيظلون يذكرون له مواقفه ومآثره، وإن المؤسسات والمراكز الإسلامية ودور القرآن الكريم، والأيتام والأرامل في جميع أنحاء العالم الإسلامي الذين وصلتهم مساعداته لن ينسوا هذا الرجل العالم العامل، والداعية المجاهد، وسيدعون له جزاء ما قدَّم من خير، وإن تلامذته وإخوانه وأبناءه ، يواصلون السير في الطريق الذي سار عليه الشيخ والأستاذ الجليل، لأنه الطريق الموصل إلى مرضاة الله تعالى.
ولقد اختار الله الشيخ الجليل إلى جواره، بعد مرض ألمَّ به، حيث غادر دنيانا إلى الدار الآخرة يوم 14-3-1410هـ (الموافق 15-10-1989م). نسأل المولى الكريم أن يغفر لنا وله وأن يتغمده برحمته ويدخله في جنته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
يقول القاضي الفاضل عبدالقادر العماري في مجلة المجتمع الكويتية: “إن الحزن على الشيخ عبدالله الأنصاري حزن على ثروة من الخلق والعلم والفضائل والتجارب، فقد كان بالأمس بيننا ملء السمع والبصر، يفيض علينا من روح السماحة والمحبة ودماثة الأخلاق وكريم السجايا ونور العلم، فقد حرص على أن يكون كل ذلك، وأن يكون واسطة خير، وأن يستخدم مكانته وجاهه ونفوذه من أجل نشر العلم، وفعل الخير، وقد وجد التجاوب من الدولة وأميرها وولي عهده لتحقيق الهدف السامي في نشر الثقافة الإسلامية وتعميم الكتاب الإسلامي، إذ لا تكاد تجد مدينة في العالم الإسلامي إلا وفيها هدايا دولة قطر من الكتب النافعة.
إن الشيخ الأنصاري كان جماعة في واحد، أمة في فرد، همة عالية ونشاطاً متواصلاً، كبرت همته فأثقلت على جسمه وشيخوخته. إن الجماهير الغفيرة التي احتشدت للصلاة عليه في المسجد الكبير بالدوحة ضاق بها المسجد على سعته، وإن الجموع الحاشدة التي خرجت تودعه إلى مثواه، لم تشهد قطر لها مثيلاً في تاريخها”.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات