يُعَدُّ غياث الدين أبوالفتح, الحكيم, “عمر الخيام النيسابوري” واحدا من الشعراء الفلاسفة الكبار, الذين تركوا أصداء مدوية في أرجاء العالم المحتفي بالفن والفكر والتأمل. وبالرغم مِن أنّه يشهد للخيام بالألمعية في علوم الرياضيات والفلك والنجوم؛ فإنّ شهرته أتت من رباعياته التي نظمها باللسان الفارسي, وانداحت على ألسنة أقوام شتى, جعلت منه فارسيا يتحدث ويغني بكل لغات العالم , ويدخل معه الآلاف محراب الشك واليقين , الذي مازال قائما بعد رحيله منذ ألف سنة, فما هي حقيقة تراث هذا الشاعر والفيلسوف؟ وما حقيقة ما نُسِب إليه من شعر أثر في الصورة الحقيقية المرسومة له عقائديا وفكريا وأدبيا ؟
غياث الدين أبو الفتح : “عمر” بن إبراهيم الخيام, المعروف: بعمر الخيام .
مولده:
ولد في مدينة نيسابور, في إیران. في أواخر النّصف الأوّل مِن القرن الحادي عشر للميلاد. ما بين 1038 و1048م .
الخيّام:
“الخيّام”: هو لقب والده، حيث كان يعمل في صنع الخيام .
نشأته:
كان أثناء صباه يدرس مع صديقين حميمين، وتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الآخرين، وهذا ما كان. فلما أصبح صديقه نظام الملك “وزيراً للسلطان “ألب أرسلان”، ثم لحفيده “ملكشاه”، خصص له راتباً سنوياً يتقاضاها من بيت المال كل عام، من خزينة نيسابور؛ فضمن له العيش في رفاهية مما ساعده على التفرغ للبحث والدراسة. وقد عاش معظم حياته في نيسابور وسمرقند.
رحلاته:
كان النيسابوري يتنقل بين مراكز العلم الكبرى مثل: بخاري وبلخ وأصفهان, رغبة منه في التزود من العلم , وتبادل الأفكار مع العلماء…
من أساتذته:
أبو الحسن الأنباري الحكيم كان حكيماً، والغالب عليه علم الهندسة، وكان الحكيم عمر الخيام يستفيد منه .
من تلاميذه:
1 ــ أبو المعالي عبد الله بن محمد الميانجي.
2 ــ علي بن محمد الحجازي الطبيب. كان مقيما في ” بيهق ” بقرب نيسابور, له علم بالمعقولات .
أهم أعماله:
رغم شهرة الخيام بكونه شاعرا, فقد كان من علماء الرياضيات في عصره، واشتهر بالجبر, واشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملكشاه، والذي صار التقويم الفارسي المتبع إلى اليوم.
وهو أوّل من اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع المخروط، وهو أول من أستخدم الكلمة العربية “شي” التي رسمت في الكتب العلمية الإسبانية (Xay) وما لبثت أن استبدلت بالتدريج بالحرف الأول منها “x” الذي أصبح رمزاً عالمياً للعدد المجهول، وقد وضع الخيام تقويما سنوياً بالغ الدقة، وقد تولى الرصد في مرصد أصفهان.
إسهاماته العلمية:
ترجع شهرته إلى عمله في الرياضيات حيث حلَّ معادلات الدرجة الثانية بطرق هندسية وجبرية. كما نظم المعادلات وحاول حلها كلها، ووصل إلى حلول هندسية جزئية لمعظمها. وقد بحث في نظرية ذات الحدين عندما يكون الأس صحيحاً موجباً، ووضع طرقاً لإيجاد الكثافة النوعية. ولم ينبغ الخيام في الرياضيات فحسب، بل برع أيضاً في الفلك. وقد طلب منه السلطان “ملكشاه” سنة 467هـ/1074م مساعدته في تعديل التقويم الفارسي القديم. وجعلوا النيروز عند نزول الشمس، أول الحمل. وكان النيروز قبل ذلك عند نزول الشمس نصف الحوت.
ويقول “سارطون”: إنّ تقويم الخيام, كان أدق من التقويم الجريجوري.
مؤلفاته:
للخيام عدة مؤلفات في الرياضيات والفلسفة والشعر، وأكثرها بالفارسية. وقد كتب الحكيم عمر الخيام رسالة عن النيروز بالفارسية، عنوانها (نوروز نامه) وطبعت سنة 1330 بطهران.
أما كتبه بالعربية فمنها :
“شرح ما أشكل من مصادرات كتاب أقليدس” .
“الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم مركب منهما”، وفيه طريقة قياس الكثافة النوعية.
“مقالة في الجبر والمقابلة” .
“الخلق والتكيف ” بعث به إلى القاضي أبي نصر النسوي.
و ” رسالته جوابا لثلاث مسائل ” في أربع ورقات، في المجموع 1933 بخزانة أسعد أفندي باستنبول، وصفها الميمني بأنها جليلة ملوكية.
و ” رسالة في الموسيقى ” ثلاث ورقات، في معهد المخطوطات.
اتهامه بالإلحاد:
قدح أهل زمانه في عقيدته، منهم نجم الدين الرازي , الذي ألف كتابه “مرصاد العباد” سنة 620 الهجري. وهذا الكتاب من أقدم المصادر التي ورد ذكر الخيام فيها, أعلن الرازي في مرصاد العباد : أنّ الخيام فيلسوف كافر.. وذكر من رباعيات الخيام مما يدل على ذلك..
وقال القفطي: ” ولمّا قدح أهل زمانه فِي دينه, وأظهروا مَا أسره من مكنونه , خشي على دمه , وأمسك من عنان لسانه و قلمه, وحجّ متقاة, لا تقية … ولمّا حصل ببغداد سعى إليه أهل طريقته في العلم القديم, فسدّ دونهم الباب النادم, لا سد النديم. ورجع من حجه إِلى بلده بروح إلى محل العبادة, ويغدو ويكتم أسراره ولا بدّ أن تبدو وكان عديم القرين في علم النّجوم, والحكمة , وبه يُضرب المثل في هذه الأنواع ” ..
فسّر البعض فلسفته وتصوّفه على أنه إلحاد وزندقة وأحرقت كتبه، ولم يصلنا منها سوى الرباعيات لأنّ القلوب أحبّتها وحفظتها من الضياع، غير أنّ الخيام كان عالماً عبقرياً, وملماً, ومبدعاً , أكثر بكثير من كونه شاعراً، وضياع كتبه في الرياضيات والفلسفة حرم الإنسانية من الاستفادة والإطلاع على ما وضعه في علوم الجبر والرياضيات.
تعتبر تهمة الإلحاد والزندقة من المسائل الجدلية في التاريخ الإسلامي ففي حين أنّ هذه التهمة أثبتها فريق كبير من الناس على الخيام؛ إلا أنّ هناك فريق آخر يقر له بأنّه مات على الإسلام, منهم ظهير الدين البيهقي المعاصر له..
رباعيات الخيام:
الرباعيات هي عبارة عن مقطعات من أربعة أشطار، الشطر الثالث مطلق بينما الثلاثة الأخرى مقيدة، وهي تعرف باسم الدوبيت ( دوبيتى ) بالفارسية، وقد ألفها بالفارسية رغم أنه كان يستطيع أن يصوغها بالعربية. كان في أوقات فراغه يتغنى برباعيات في خلوته، وقد نشرها عنه من سمعها من أصدقائه، وبعد عدة ترجمات وصلت لنا كما نعرفها الآن. ويرى البعض أنها لا تنادى إلى التمتع بالحياة والدعوة إلى الرضا أكثر من الدعوة إلى التهكم واليأس، وقد يكون السبب في ذلك كثرة الترجمات التي تعرضت لها الرباعيات، بالإضافة إلى الاضافات، بعد أن ضاع أغلبها.
ومن جهة أخرى هناك اختلاف على كون الرباعيات تخص عمر الخيام فعلا، فهي قد تدعوا بجملتها إلى اللهو واغتنام فرص الحياة الفانية، إلا أن المتتبع لحياة الخيام يرى أنه عالم جليل وذو أخلاق سامية، لذلك يعتبر بعض المؤرخون أن الرباعيات نسبت خطأ للخيام.
وقد أثبت ذلك المستشرق الروسي زوكوفسكي فرد 82 رباعية إلى أصحابها فلم يبقى إلا القليل الذي لم يعرف له صاحب .
إذن لا نستطيع أن نحكم على الشاعر من خلال أبيات لا يُعرف قائلها, وقد عزى زوكوفسكي هذه الرباعيات إلى أصحابها ك : بابا أفضل كاشي, عاكف , علاء الدوله السمناني , أنوري , عسجدي, فردوسي, طالب آملي , نصير الدين طوسي… وغيرهم
والقرائن أيضا لا يساعدنا على اثبات العزو الرباعيات إلى الخيام, والسبب في ذلك أولا: لا يوجد أية نسخة مخطوطة قريبة العهد للشاعر . ثانياً: الرباعيات التي وصلت إلينا فيها من الركاكة ما فيها…والمعاني الكلية فيها أسهل من المعاني الجزئية..
وقد نجد الأبيات يناقض بعضها بعضا مما يدل أنّها ليست لشاعر واحد .
ولا يسعنا إلا أن ننسب الرباعيات إلى “الخيام” على سبيل الشك والريب , لا اليقين والجزم؛ حتى نجد دليلا على ذلك.
ومما ينسب إلى عمر الخيام :
آن به كه درين زمانه كم گيرى دوست
با اهل زمانه صحبت از دور نكوست
آن كس كه ترا به جملگى تكيه براوست
چون چشم خرد باز كني , دشمنت اوست
يقول :
مِنَ الخير إقلالكَ الأصدقاءْ فهذا زمان انعدام الوفاء
وصاحبْ على البعد أهل الزمان ففي قربهم مُستَقرُّ العَناءْ
و مَن قد وثِقتَ به وَاعتَمـدتَ عليه فلو زال عنك الغِشاء
بعَين البصيرة سوف تراه عدوّا لدودا شديد العَداء
افسوس كه نامه جواني طى شد وآن تازه بهار شادماني دى شد
آن مرغ طرب كه نام او بود شباب فرياد ندانم كه كى آمد كى شد
ويا أسفي ! بل ويا لَوعتي!! كتاب الشباب انطوى واحتجب
وصار ربيع الحياة النديُّ شتاءً ممِلا فيا لَلعجب
وذا عندليب يُسمَّى الشباب وقد زارني برهة و هرب
فوا أسفي لستُ أدري متى جاء يشدوا غناءً متى قد ذهب
أفنيتُ عمري في اكتناه القضـاء
وكشف ما يحجبـه في الخـفاء
فلم أجـد أسـراره وانقضـى
عمري وأحسست دبيب الفـناء
ويقول في رباعياته:
لبستُ ثوب العمر لـم أُسْتَشَـرْ
وحرت فيه بيـن شتّـى الفكـر
وسوف أنضو الثوب عني ولـم
أدركْ لمـاذا جئـتُ أيـن المقـر
لـم يبرح الداء فؤادي العليـل
ولـم أنل قصدي وحان الرحيـل
وفـات عمـري وأنا جاهـل
كتاب هذا العمر حسم الـفصول
وهو يعجب لهذا الفناء السريع للشباب والحياة ‘فيقول’:
تناثرت أيّـام هـذا العـمر
تناثـر الأوراق حول الشـجر
فانعم من الدنيـا بلذّاتـهـا
من قبل أن تسقيك كفّ القدر
أطْفِىءْ لظى القلب ببرد الشراب
فإنمـا الأيام مثــل السحاب
وفي موضع آخر يتدارك نفسه فيقول:
يا عالم الأسرار علـم اليقين
يا كاشف الضرّ عن البائـسين
يا قابـل الأعذار فئنــا إلى
ظلّك فاقبـل توبـة التائبيـن
من هنا نرى أن رباعيات الخيام تتراوح بين الإيمان والإلحاد وبين الدعوة للمجون والدعوة للهو وبين طلب العفو من الله عزّ وجلّ وإعلان التوبة، لذا اختلف العلماء في تصنيف عمر الخيام, ومعتقده…
ومن رباعياته أيضا ما يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي وتقويم النفس البشريه حيث يقول :
صاحب من الناس كبار العقول
واترك الجهال اهل الفضول
واشرب نقيع السمِّ من عاقلِ
واسكب على الأرض دواء الجَهول
ومن الرباعيات ذات الدلاله إلى اتجاهه الديني أيضا تلك التي ينشدها قائلاً :
إن لم اكن اخلصت في طاعتك
فإني اطمع في رحمتك
وإنما يشفع لي أنني
قد عشت لا اشرك في وحدتك
ولم يفكّر أحد ممن عاصره في جمع الرباعيات، فأوّل ماظهرت سنة 865 هـ، أي بعد رحيله بثلاثة قرون ونصف، وأوّل ترجمة للرباعيات كانت للغة الإنجليزية، وظهرت سنة 1859، أما الترجمة العربية من الفارسية فقام بها الشاعر المصري أحمد رامي، وهناك ترجمة أخرى للشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي, ووديع البستاني اللبناني, إبراهيم العُريض البحريني, مصطفى وهبي أردني, محمد صالح القرق إماراتي, عباس محمود العقاد المصري.
ويزيد عدد الترجمات العربية من رباعيات الخيام عن ستين ترجمة شعرية ونثرية وشعبية. وآخر من قام بترجمة شعرية هو محمد صالح القرق الإماراتي, طبع الطبعة الأولى سنة 1429ه ــ 2008م.
شهرته:
وبلغت شهرة الخيام ذروتها بمقطعاته الشعرية ” الرباعيات ” نظمها شعرا بالفارسية، وترجمت إلى العربية واللاتينية والفرنسية والانكليزية والالمانية والايطالية والدنمركية وغيرها.
وعرف قدره في أيامه، فقربه الملوك والرؤساء.
وكان السلطان ملكشاه السلجوقي ينزله منزلة الندماء، والخاقان شمس الملوك ببخارى يعظمه ويجلسه معه على سريره.
صفاته:
قال البيهقي، وكان معاصرا للخيام، وقد رآه, وعرفه (بالامام وبحجة الحق) : كان (الخيام) سيّء الخلق ضيق العطن… وقد تأمل كتاباً بأصفهان سبع مرات وحفظه، وعاد إلى نيسابور وأملاه، فقوبل بنسخة الأصل فلم يوجد بينهما كثير تفاوت.
وقال: كان يتخلل بخلال من ذهب.
أقوال العلماء فيه:
قال البيهقي : إنّه (الخيام) تلو ابن سينا في أجزاء علوم الحكمة،
وفي الكامل لابن الاثير: كان الخيام أحد المنجمين الذين عملوا ” لرصد ” للسلطان ملكشاه السلجوقي سنة 467 ه.
وقال القفطي في نعته: إمام خراسان، وعلامة الزمان، يعلم علم يونان، ويحث على طلب الواحد الديان، بتطهير الحركات البدنية لتنزيه النفس الانسانية.
وأورد أبياتا من شعره العربي:
إِذَا رضيت نفسي بميسور بلغة … يحصلها بالكد كفي وساعدي
أمنت تصاريف الحوادث كلها … فكن يَا زماني موعدي أَوْ مواعدي
أليس قضي الأفلاك من دورها بأن … تعيد إِلَى نحس جميع المساعد
فيا نفس صبراً عن مقيلك إنما … تخر ذراه بانقضاض القواعد
وأكثر كتاب العرب المعاصرون وغيرهم، الكتابة عنه، فمن ذلك بالعربية ” عمر الخيام ” لأحمد حامد الصراف .
و ” ثورة الخيام ” لعبد الحق فاضل.
ومما يُحكى عنه:
قال البيهقي (ظهير الدين):
قيل: دخل الإمام عمر يوماً على شهاب الإسلام الوزير، وهو عبد الرزاق بن الفقيه الأجل أبي القاسم عبد الله بن علي بن أخي النظام، وكان عنده إمام القراء أبو الحسن(ابن) الغزال، وكانا يتكلمان في اختلاف القراءة في آية. فقال شهاب الإسلام: على الخبير سقطنا. فسئل الإمام عمر عن ذلك, فذكر وجوه اختلاف القرّاء وعلل كلّ واحد, وذكر الشواذ وعللها، وفضّل وجهاً واحداً على سائر الوجوه، فقال إمام القراء أبو الحسن (ابن) الغزال: كثر الله في العلماء مثلك، اجعلني من أدمة أهلك وارض عني، فإنّي ما ظننتُ أنّ واحداً من القراء في الدنيا يحفظ ذلك ويعرفه فضلاً عن واحد من الحكماء.
وأما أجزاء الحكمة من الرياضيات والمعقولات فكان ابن بجدتها. ودخل عليه يوماً حجة الإسلام محمد الغزالي وسأله عن تعيين جزء من أجزاء الفلك القطبية دون غيرها، مع أن الفلك متشابه الأجزاء. فأطال الإمام عمر الكلام وابتدأ من أنّ الحركة من مقو (كذا). وضنّ بالخوض في محل النزاع، وكان (هذا) من دأب ذلك الشيخ المطاع، حتى قام قائم الظهيرة وأذن المؤذن, فقال الإمام الغزالي رحمه الله: ” جاء الحق وزهق الباطل ” وقام.
ودخل الإمام عمر يوماً على السلطان الأعظم سنجر, وهو صبي وقد أصابه الجدري، فخرج من عنده, فقال له الوزير مجير الدولة: كيف رأيته، وبأي شيء عالجته. فقال له الإمام عمر: الصبي مخوف، ففهم ذلك خادم حبشي ورفع ذلك إلى السلطان. فلما بريء السلطان أضمر بسبب ذلك بغض الإمام عمر، وكان لا يحبه.
وحكى الإمام عمر يوماً لوالدي قال: إني كنت يوماً بين يدي السلطان ملكشاه فدخل عليه صبي من أولاد الأمراء، وأدّى خدمة مرضية، فتعجبتُ من حسن خدمته على صغر سنّه، فقال لي السلطان: لا تتعجب فإن فرخ الدجاجة إذا تبقأت بيضته يلتقط الحب بلا تعليم، ولكنه لا يهتدي إلى بيته سبيلا، وفرخ الحمامة لا يلتقط الحب إلا بتعليم الزق، ومع ذلك يصير حماماً هادياً يطير من مكة إلى بغداد، فتعجبت من كلام السلطان وقلتُ: “كل كبير ملهم” .
وقد دخلتُ على الإمام في خدمة والدي رحمه الله في سنة سبع وخمسمائة فسألني عن بيت في الحماسة وهو:
ولا يرعون أكناف الهوينا … إذا حلوا ولا أرض الهدون
فقلتُ: ” الهوينا ” تصغير لا تكبير له, كالثريا والحميا، والشاعر يشير إلى عز هؤلاء ومنعتهم، يعني لا يسفون، إذا حلوا مكاناً إلى التقصير، ولا إلى الأمر الحقير، بل يقصدون الأسد. فالأسد من معالي الأمور…
وقال القزويني:
كان حكيماً عارفاً بجميع أنواع الحكمة سيما نوع الرياضيات. وكان في عهد السلطان ملكشاه السلجوقي سلم إليه مالاً كثيراً ليشتري به آلات الرصد ويتخذ رصد الكواكب، فمات السلطان وما تم ذلك.
وحكي أنّه نزل ببعض الربط، فوجد أهلها شاكين من كثرة الطير و وقوع ذرقها وتنجس ثيابهم بها، فاتخذ تمثال الطير من الطين ونصبه على شرفة من شرفات الموضع فانقطع الطير عنها.
وحكي أنّ بعض الفقهاء كان يمشي إليه كل يوم قبل طلوع الشمس، ويقرأ عليه درساً من الحكمة، فإذا حضر عند الناس ذكره بالسوء، فأمر عمر بإحضار جمع من الطبالين والبوقيين وجباهم في داره، فلما جاء الفقيه على عادته لقراءة الدرس، أمرهم بدق الطبول والنفخ في البوقات، فجاءه الناس من كل صوب، فقال عمر: يا أهل نيسابور هذا عالمكم يأتيني كل يوم في هذا الوقت, ويأخذ مني العلم، ويذكرني عندكم بما تعلمون! فإن كنتُ أنا كما يقول فلأي شيء يأخذ علمي!! وإلّا فلأيّ شيء يذكر الأستاذ بالسوء ؟!!! .
وفاته:
وتوفي في نيسابور ما بين 1123 و1124م.
وقال زركلي مات سنة (515 ه = 1121 م).
وقال عمر كحالة مات سنة (..- 517 ه) (..- 1123 م)
وقال ظهيرالدين البيهقي المعاصر لعمر الخيام:
حكى لي ختنة الإمام محمد البغدادي أنّه (الخيام) كان يتخلل بخلال من ذهب، وكان يتأمل الإلهيات من الشفاء (كتاب ابن سينا)، فلمّا وصل إلى فصل الواحد والكثير، وضع الخلال بين الورقتين وقال: أدع الأزكياء حتى أوصي فوصى، فقام وصلى، ولم يأكل ولم يشرب.
فلما صلى العشاء الأخيرة, سجد وكان يقول في سجوده:
( اللهم (إنّك) تعلم أنّي عرفتك على مبلغ إمكاني، فاغفر لي، فإنّ معرفتي إيّاك وسيلتي إليك ) . ومات رحمه الله .
اللهم ارحمه, واغفر له زلاّته, واعف عنه.
الكاتب: الشيخ أبو محمد البلوشي
***********************************************
من مصادر البحث:
رباعيات عمر خيام/ تعريب نظما محمد صالح القرق
آثار البلاد وأخبار العباد / زكريا بن محمد القزويني.
رباعيات عمر خيام/ المصحح علي راستگو
تتمة صوان الحكمة / ظهير الدين البيهقي.
أخبار العلماء بأخيار الحكماء / القفطي .
المختصر في أخبار البشر/ أبو الفداء .
الأخبار الطوال / أبوحنيفة الدينوري.
معجم المؤلفين / عمر كحالة .
الأعلام / للزركلي .
تعليقات