اليوم :29 March 2024

الملك باذان رائعة من روائع الأمراء

الملك باذان رائعة من روائع الأمراء

bazanأول أمير في الاسلام على أهل اليمن، وهو أول من أسلم من ملوك العجم …
ذا شخصية فذّة , وحزم رائع , وبيان مشرق , وذكاء لامع … وحسب مصون, وعقل رشيد, وحكمة يمانية …

اسمه ونسبه:
هو باذان بن ساسان بن بلاش، ابن الملك جاماساف، بن الملك فيروز بن يزدجر الملك، بن بهرام جور ملك فارس.

الأبناء في بلاد اليمن:
” الأبناء” اسم يطلق على جماعة من ” الفرس ” الذين نزحوا من بلادهم إلى اليمن, وأخرجوا الأحباش منها… وأقاموا في اليمن.. وتزوجوا من العرب .. ودخلوا في دين الإسلام مع أميرهم ” باذان”…
وكان ” وَهْرِز” نائب كسرى على اليمن. وسمّي من كان معه من الفرس بـ : الْأَبْنَاء .

ملوك اليمن قبل الفرس:
كانت اليمن قبل الفرس تحت حكم الأحباش, استولوا على اليمن بعد ذي جدن الحميري, و حكموا 72 سنة, وكان أول من ملك اليمن من الحبشة أرباط. ثم ملك بعده أبرهة الأشرم صاحب الفيل، الذي قصد مكة. ثم ملك بعده يكسوم. ثم ملك بعده مسروق بن أبرهة، وهو آخر من ملك اليمن من الحبشة.
ثم عاد ملك اليمن إلى حمير, وملكها سيف بن ذي يزن الحميري, وهو الذي ملكه كسرى أنوشروان، وأرسل مع سيف المذكور أحد مقدمي الفرس، واسمه “وهرز” بجيش من الفرس، فساروا إلى اليمن وطردوا الحبشة عنها، وقرروا سيف بن ذي يزن في ملك اليمن، ولما استقر سيف في ملك أجداده باليمن وطرد الحبشة عنها، وجلس في غمدان يشرب، وهو قصر كان لأجداده باليمن، فامتدحته العرب بالأشعار، منها ما قاله فيه أمية بن أبي الصلت، ووصف تغرّب سيف بن ذي يزن وقصده قيصرا أولاً ثم كسرى في إعادة ملك آبائه إليه، حتى قدم بالفرس ، فقال في ذلك:

لا يقصد الناس إلا كابن ذي يزن … إذخيم البحر للأعداء أحوالا
وافى هرقل وقد شالت نعامته … فلم يجد عنده النصر الذي سالا
ثم انتحى نحو كسرى بعد عاشرة … من السنين يهين النفس والمالا
حتى أتى ببني الأحرار يقدمهم … تخالهم فوق متن الأرض أجبالا
لله درهم من فتية صبر … ما إن رأيت لهم في الناس أمثالا
بيض مرازبة غلب أساورة … أسد ترتب في الغيضات أشبالا
فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفقاً … برأس غمدان داراً منك محلالا

وكان سيف بن ذي يزن المذكور، قد اصطفى جماعة من الحبش، وجعلهم من خاصته، فاغتالوه وقتلوه..

الفرس في اليمن :
ذكر ابن هشام في السيرة: فلمّا طال البلاء على أهل اليمن، خرج سيف بن ذي يزن الحميري حتى قدم على قيصر ملك الروم، فشكا إليه ما هم فيه، وسأله أن يخرجه عنهم, و يليهم هو ويبعث إليهم من شاء من الروم، فلم يشكه، فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العراق، فشكا إليه أمر الحبشة، فبعثه النعمان مع وفده إلى كسرى، فدخل عليه فقال: أيها الملك، غلبنا على بلادنا الأغربة.
قال كسرى: أي الأغربة، الحبشة أم السند؟
قال: الحبشة، فجئتك لتنصرني ويكون ملك بلاد لك.
قال كسرى: بعدت بلادك مع قلة خيرها، فلم أكن لأورط جيشاً من فارس بأرض العرب، لا حاجة لي بذلك، ثم أجازه بعشرة آلاف درهم وكساه كسوة حسنة، فلما قبض ذلك سيف، خرج فجعل ينثر ذلك الورق للناس، فقال: وما أصنع بهذا؟! ما جبال أرضي التي جئت منها إلا ذهب وفضة، يرغبه فيها..
فجمع(كسرى) مرازبته، فقال: ماذا ترون في أمر هذا الرجل؟
قال قائل: أيها الملك، إنّ في سجونك رجالاً قد حبستهم للقتل، فلو أنّك بعثتهم معه، فإن هلكوا، كان ذلك الذي أردتَ بهم، وإن ظفروا، كان ملكاً ازددته، فبعث معه كسرى من كان في سجونه – وكانوا ثمانمائة رجل – واستعمل عليهم (وَهرِز)، وكان ذا سنة فيهم وأفضلهم حسباً وبيتاً. فخرج سيف (ابن ذي يزن) في ثمان سفائن، فغرقت سفينتان ووصل إلى ساحل عدن ست سفائن، فجمع (سيف) إلى” وهرز” من استطاع من قومه، وقال له: رجلي ورجلك حتى نموت جميعاً أو نظفر..
قال وهرز: أنصفتَ، وخرج إليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن وجمع إليه جنده، فأرسل إليه وهرز ابناً له ليقاتلهم، فقُتِل ابن وهرز، فزاده ذلك حنقاً عليهم، فلمّا تواقف النّاس على مصافهم، قال وهرز: أروني ملكهم، فقالوا له: أترى رجلاً على الفيل عاقداً تاجه على رأسه بين عينيه ياقوتة حمراء؟
قال: نعم.
قالوا: ذاك ملكهم.
قال: اتركوه، فوقف طويلاً..
ثم قال: علام هو؟
قالوا: على البغلة.
قال وهرز: بئست الحمالة، ذلّ وذلّ ملكه، إنّي سأرميه، فإن رأيتم أصحابه لم يتحركوا، فاثبتوا حتى أوذنكم؛ فإنّي قد أخطأتُ الرَّجُل، وإن رأيتم القوم قد استداروا ولاذوا به؛ فإنّي قد أصبتُه، فاحملوا عليهم، فأمر بحاجبيه فعصبا له، ثم رماه، فشك الياقوتة التي بين عينيه، فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه، ونكس عن دابته، فاستدارت الحبشة ولاذت به، وحملت عليهم الفرس، فانهزموا وقتلوا، وهربوا في كل وجه. وأقبل وهرز ليدخل صنعاء، حتى إذا أتى بابها قال: لا تدخل رايتي منكسة أبداً، اهدموا الباب، فهُدِم, ثمّ دخلها ناصباً رايته.
ولما مات ” وهرز” أقام كسرى مكانه ابنه” المرزبان”, ولمّا مات مرزبان، أمّر ابنه “التّينُجان” بن المرزُبان , ثمّ عزله, و ولي على اليمن ” باذان ” فلم يزل به إلى أن كانت البعثة , فأسلم , وفشا الأسلام باليمن ، وتتابعت الوفود منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم, في سنة سبع، كتبه ورسله إِلى الملوك، يدعوهم إِلى الإسلام، فأرسل إلى كسرى برويز بن هرمز، عبد الله بن حذافة(رضي الله عنه).
وهذه نص الرسالة: “بسم الله الرحمن الرحيم مِن محمّد رسولِ الله إلى كسرى عظيم فارس سلامٌ علَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلى النّاس كافةً لينذرمن كان حيا أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس”. (صحيح)
فمزَّق كسرى كتاب النبي صلى الله عليه وسلم.
(ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ما صنع كسرى أبرويز بكتابه قال : مزّق الله ملكه)

نهاية كسرى:
وكِسرَى هذا هو أبَرويز بن هُرمُز بن أنُوشِروان ، ومعنى أبرويز بالعربيّة المُظَفّر وهو الّذي كتب إليه النّبيّ – صلى اللّه عليه وسلّم .
وقد حبسه شيرويه, وحكم بموته , فقتلوه شر قتلة. وذاق كسرى طعم الذل والهوان جزاء ما فعل بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان مَقتَل كِسرَى حين قتله بَنوه, لَيلة الثّلاثاء, لعشر مِن جُمادَى الأُولى, سنة سبع مِن الهجرة .
وحفيده “يزدَجِرْد” بن شَهرَيار بن أَبْرَوَيْز وهو آخر مُلُوك الفُرس ، وكان سُلِبَ مُلكه وهُدِمَ سُلطانه علَى يَديْ عُمر بن الخطّاب ، ثمّ قُتِل هو شريدا طريدا في أَوّل خلافة عُثمان ، وُجِدَ مُستخفيًا في رحًى فَقُتِل وطُرِح في قناةِ الرّحَى ، وذلك بمرو مِن أَرضِ فارس .
وسقط أساورته و حرَسه , وأهل بيته أسارى في أيدي المسلمين…
وكان بين السبايا بنات “يزدجرد” الثلاث …
وكنّ من أجمل النساء جمالاً, وأبهاهنّ طَلعَة , وأنضَرهنّ شبابا…
قال علي (رضي الله عنه) لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه): يا أمير المؤمنين إنّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهنّ .
فقال عمر : صدقت… ولكن كيف ؟.
فقال علي : يقوَّمن ويغالى بأثمانهنّ, ثمّ تُترَك لهنّ الحُرّية في اختيار مَن يشأن مِمَّن يدفع الثمن.
فارتاح عمر لذلك , ورضي به , وأنفذه…
فاختارت إحداهنّ عبدالله بن عمر بن الخطاب.
واختارت الثانية محمد بن أبي بكرالصديق.
أما الثالثة وكانت تُدعى ” شاه زنان “, فاختارت الحسين بن علي رضي الله عنهم جميعا.

كيف أسلم باذان؟
كتب كسرى (برويز) إلى” باذان ” وهو أمير اليمن، أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين، فليأتياني به! .
فبعث باذان قهرمانه, وهو بابويه, وقال غيره فيروز الديلمي وكان حاسبا كاتبا, وبعث معه برجل من الفرس يقال له: خرخسره، وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسير إِلى كسرى، وقال لبابويه:
” اختبر الرّجل وعرفني بأمره “
فخرجا حتى قدما إلى الطائف, فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقالوا: هو بالمدينة. وفرح من سمع بذلك من قريش وكانوا بالطائف, واستبشروا , وقالوا: قد نصب له كسرى كفيتم الرجل .
وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة, فكلّمه بابويه وقال: إنّ شاهنشاه ملك الملوك “كسرى” كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك مَن يأتيه بك, وقد بعثني إليك فانطلق معي؛ فإن فعلتَ كتب معك إلى ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكفّ عنك به, وإن أبيتَ فهو مَن قد علمتَ, وهو مُهلِكُك ومُهْلِك قومك, ومُخرِب بلادك.
وكانا قد دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلّقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما، وقال: ” ويلكما، من أمركما بهذا؟!
قالا: أمرنا بهذا ربنا – يعنيان كسرى – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي”.
وأخّر النبيّ صلّى الله عليه وسلم الجواب إِلى الغد .
وأتى الخبر من السماء إِلى النّبي صلى الله عليه وسلم، أنّ الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله. ليلة كذا من شهر كذا لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع.
وقال خالد بن حَقّ الشّيبانيّ :

وَكِسْرَى إذْ تَقَسّمَهُ بَنُوهُ … بِأَسْيَافِ كَمَا اُقْتُسِمَ اللّحَامُ
تَمَخّضَت الْمَنُونُ لَهُ بِيَومِ … أَنَى ، وَلِكُلّ حَامِلَةٍ تِمَامُ

فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرهما بذلك..
فقالا: هل تدري ما تقول؟!! إنّا قد نقمنا منك ما هو أيسر من هذا، فنكتب بها عنك، ونخبر الملك.
قال: ” نعم أخبراه ذلك عني، وقولا له: إنّ ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وينتهي إلى منتهى الخف والحافر ” ، قولا له: إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء، ثم أعطى خرخسره “منطقة” فيها ذهب وفضة, كان بعض الملوك أهداها له (صلى الله عليه وسلم).
فقدما على باذان، فأخبراه الخبر..
وكان باذان ذكيا, فطنا, فقال: والله ما هذا بكلام ملك ما أرى الرّجل إلّا نبيّا كما يقول, ونحن ننتظر مقالته, ولئن كان ما قد قال حقاً إنه لنبي مرسل, وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا.
فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه : إنّي قد قتلتُ أبي كسرى، ولم أقتله إلا غضباً لفارس , لما كان استحل مِن قتل أشرافهم وتجميرهم في ثغورهم, فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة مِمَّن قبلك، وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب إليك فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه.
فلما بلغ كتاب شيرويه إلى باذان، قال: إنّ هذا الرّجل لرسول الله (حقا).
وأَسلم باذان باليمن في سنة عشر وفي هذه السنة بعث رسول اللّه صَلّى اللّهُ عليه وسلّم إلى الأَبناء يدعوهم إلى الإسلام فمِن الأَبناء: وَهبُ بن مُنَبّهِ بن سَيج بن ذُكبَار ، وطَاووس , ودادَوَيه , وفَيروز ( اللّذان قتلا الاَسود العَنْسِيّ الْكذّاب)
فقالت الرّسل مِن الفُرس لرسول اللّه – صلّى اللّه عليه وسلّم – إلى مَن نَحن يا رسولَ اللّه ؟
قال أَنتُم مِنّا وإِلَينا أَهلَ البيت .
وكانت حمير تسمى “خرخسرة” ذا المفخرة للمنطقة التى أعطاه إيّاها النبي صلى الله عليه وسلم, والمنطقة بلغتهم: “المفخرة” وقد كان بابويه قال لباذان: ما كلّمتُ رجلاً قطّ أهيب عندي منه.
فقال باذان: هل معه شُرَطٌ؟
قال: لا .

أول أمير مسلم على اليمن:
لمّا أسلم باذان نائب كسرى، ولاه النبي صلى الله عليه وسلم على جميع مخاليف اليمن، وكان منزله بصنعاء: دار مملكة التبابعة، وبقي حتى مات بعد حجة الوداع, فولى النبي صلى الله عليه وسلم ابنه شهر بن باذان على صنعاء، وولى على كل جهةٍ واحداً من الصحابة رضوان الله عليهم إلى أن خرج الأسود العنسي فقتل شهر بن باذان، وأخرج سائر عمال النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن.

وفاته:
مات باذان (رضي الله عنه) بعد حجة الوداع . سنة عشر من الهجرة.
قال ابن حجر رحمه الله:
خرج باذان من اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فلحقه العنسي الكذاب فقتله.
و قيل :
كان مع الأسود العنسي شيطانان يقال لأحدهما: سحيق: وللآخر: شقيق. وكانا يخبرانه بكلّ شئ يحدث من أمر الناس..
فوثب الأسود  حتى أخذ ذمار(ذمار: اسم قرية  باليمن) وكان باذان إذ ذاك مريضا بصنعاء..
فجاءه الرسول فقال له بالفارسية : خدايكان تازيان ذمار كرفت .
قال باذان: ” اسب زين, واشتربالان, وأسباب بي درنك”، فكان ذلك آخر كلام تكلم به حتى مات رحمه الله.
رضي الله عن باذان, وأرضاه , وجعل الجنة مثواه .

*************************************
من مراجع البحث:

سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي – العصامي .
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح   – ابن تيمية .
الإصابة في معرفة الصحابة   ــ    ابن حجر .
سبل الهدى والرشاد  –  الصالحي الشامي
المختصر في أخبار البشر –  أبو الفداء
جوامع السيرة ــ  ابن حزم الأندلسي
فقه السيرة  –    محمد الغزالي
صبح الأعشى – القلقشندي
المنتظم – ابن الجوزي
الأنساب ــ السمعاني
تاريخ ابن خلدون  
الروض الأنف

الكاتب: الشيخ أبو محمد البلوشي


تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات