اليوم :4 December 2024

انتحار الجنود.. يُربِك الاحتلال في أفغانستان

انتحار الجنود.. يُربِك الاحتلال في أفغانستان
americans-deadتجرَّعت الولايات المتحدة منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان وحتى الصيف الماضي مرارة مصرع 761 جنديًّا في ميادين القتال, بينما كان الألم الأكثر مرارة هو مقتل 817 جندي أزهقوا أرواحهم بأيديهم خلال الفترة ذاتها، فقد تصاعدت ظاهرة الانتحار خلال الخمس سنوات الأخيرة، وصارت تمثل مشكلة وصل إرباكها إلى مستويات القيادة في الجيش الأمريكي، وأظهر فشلهم في العثور على علاج لها, برغم نشر المئات من خبراء الصحة النفسية، وإنفاق ملايين الدولارات، والسبب الرئيسي الواضح للمشكلة هو العبء النفسي الذي يتعرض له الجندي على جبهات القتال.

وحسب ما أشارت إليه الأبحاث الجديدة فإن الأزمة تفاقمت بسبب تكرار عمليات إعادة نشر الجنود في ميادين القتال، وللقضاء على هذه الظاهرة –ينصح المراقبون- بالتقليل من عدد مرات الانتشار لكل جندي في الجبهات الأمامية للقتال وتمديد ما يسميه الجيش بـ “وقت الراحة” إشارةً إلى الإجازة التي يمضيها الجنود في أوطانهم بين أهاليهم قبل الذهاب إلى ساحة الوغى, وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بتوسيع قوام القوات التابعة للجيش أو تخفيض عدد الجنود الذين يتم إرسالهم إلى ميدان الحرب.

إحباط وفشل
وللتعبير عن حجم الكارثة, أبدى الجنرال “جورج كيسي”، رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي، عن أسفه أمام مجلس النواب, قائلًا: “في الواقع, إنه لأمر محبط للغاية, برغم ما نبذله من مجهودات في مواجهة ظاهرة انتحار الجنود إلا أننا فشلنا في تجفيف منابعها”، أما “جون ماكهيو”، وزير الجيش الأمريكي، فقد وقع في مأزق عندما ألح عليه أحد النواب متسائلًا عن توصل الجيش إلى حل لهذه الظاهرة وكبح جماحها, فأجاب بفظاظة أمام لجنة القوات المسلحة بالكونجرس: “من المؤسف أني لا أملك إجابة على هذا السؤال, فنحن ما زلنا ينتابنا الارتباك والاضطراب فيما يتعلق بأسباب إقدام الجنود على الانتحار”.
ولا تنتشر عادة كلمات مثل “الارتباك” و”الإحباط” في تعبيرات قادة الجيش، لكن الذي حملهم على التفوُّه بها هو تزايد هذه الظاهرة في صفوف الجيش (وصلت إلى الضعف بين عامي 2001 و2006) في حين أن نسبة الانتحار تظل ثابتة بين المدنيين الأمريكيين, في العام الماضي أزهق 160 جنديًّا أمريكيًّا في الخدمة أرواحهم بالانتحار، بينما انتحر 140 جنديًّا في عام 2008 و77 عام 2003.

إنكار الحقيقة
وحسب ما قاله المتحدث باسم الجيش الأمريكي, جاري تالمان, فقد “أصدر الجيش أوامرَه للقادة العسكريين بدراسة كل شيء عن الجنود المنتحرين، وكيفية التعامل مع الحالات في المستقبل، وذلك بتحديد الظروف والأساليب والعوامل المساهمة التي تحيط بالحدث، وذلك أملًا في تجنُّب الحالات الانتحارية المستقبلية, لذلك فالجيش الأمريكي يبحث ويهتم بعلاقاتهم الشخصية ومحادثاتهم الأخيرة وأوضاعهم المالية وغيرها من العوامل التي طرأت عليهم قبل إقدامهم على الانتحار”.
وعند التطرُّق للحديث عن هذا الشأن علنًا, فإن القادة العسكريين يميلون إلى تجنُّب الاعتراف بأن الحرب على العراق وأفغانستان قد يكونا هما السبب في ذلك، حيث قال “ماكيهو”: “إن ثلث حالات الانتحار التي وقعت لجنود لم يسبق نشرُهم في ساحات القتال, أما الثلثان الآخران فقد انتحروا في مناطق القتال أو بعد عودتهم منها”، في حين أن الكولونيل “ريتشي”, الطبيب النفسي في الجيش الأمريكي, قال: “إن معدل الانتحار بين الجنود الذين انتشروا في مناطق الحرب أعلى من الذين لم يسبق نشرُهم”.
ويزعُم بعض قادة الجيش أن مشاكل العلاقات الشخصية هي السبب الأكبر في زيادة حالات الانتحار, فقد قال الجنرال “إيريك شومايكر”: “يبدو أننا قد توصلنا إلى عامل واحد يرتبط بعملية الانتحار، وهو ما نرجعه إلى الشروخ في العلاقات الزوجية والشخصية”, ولكننا لم نلاحظ أن تلك التصدعات التي تصيب العلاقات الشخصية هي بسبب الحروب التي يخوضها هؤلاء الجنود”، وهذا ما أشار إليه “ريتشي”، حين قال: “ارتفاع معدلات المشاكل النفسية والزوجية بين الجنود الذين يتم نشرُهم”.
في السنوات الأخيرة تسمح القيادة للجنود بقضاء مدة عام واحد فحسب في بلادهم قبل أن يعودوا مجددًا إلى ميادين القتال، وعلى الرغم من أن فترات الراحة قد تصل أحيانًا إلى عامين فقد أوصت الأبحاث المختصة بأن هذه المدة غير كافية وأن الجنود تحتاج راحة ثلاث سنوات لإزالة ضغوط الآثار النفسية بسبب الإجهاد والتوتر الناجمَيْن عن عام واحد في جبهات القتال.
وحسب ما قاله “كريج برايان”, عالم النفسي في جامعة تكساس, فإن “الوجود في ساحات القتال يزيد من عدم رهبة الموت، ومن ثَمَّ الإقدام على الانتحار”، إن المزج بين التعرض للقتل وسهولة الحصول على الأسلحة المميتة يشجِّع أي شخص على التفكير في الانتحار, حيث إن شطر الجنود الذين ينتحرون يستخدمون هذه الأسلحة، وهذا الرقم يزيد إلى 93 بالمائة بين المنتشرين في مناطق الاشتباك.
أما “بريان”, خبير في العمليات الانتحارية, فقد قال: “نحن نقوم بتدريب مقاتلينا للسيطرة على الاشتباكات العنيفة والعدوانية لقمع أي ردود عاطفية في مواجهة المحن والأزمات ولتحمل الألم البدني والعاطفي والتغلب على الإحساس بالخوف من الأذى والموت” وهذا ما يرتبط أيضًا بزيادة خطر الانتحار, لذلك فجنودنا يقدمون على الانتحار بسبب هذه التدريبات المهنية الخاصة بهم”.
ويقول الجنرال “بيتر تشياريلي”: “يتحتم على الجيش العمل على التحسين الكامل للصحة البدنية والعقلية والنفسية للجنود وعائلاتهم، بدلًا من التركيز على منع الانتحار”، مضيفًا: “إذا استطعنا تحقيق الأولى فنحن مقتنعون أن الثانية ستحدث”, وفي محاولة منه بعد فوات الأوان للقضاء على هذه الظاهرة, قال الجنرال كيسي: “نحن نسعى وراء تحقيق هدفنا”.

مارك طومسون
ترجمة/ حسن شعيب
المصدر: الإسلام اليوم

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات