اليوم :23 April 2024

صفات المتقين الخاصة

صفات المتقين الخاصة

ذكرت في الآيتين الأخيرتين علامات المتقين وصفاتهم. فالذين يريدون الاهتداء إلى الصراط المستقيم والالتحاق بالجماعة المهتدية، عليهم أن يختاروا صفاتها من عقيدة وفكر وعمل وخلق. والذين اختاروا هذه الصفات أثنى عليهم ربهم، فقال تعالى: {أولئك على هدىً من ربهم وأولئك هم المفلحونْ}. إن الله تعالى بيّن أيضا في هاتين الآيتين تعريف الإيمان الإجمالي وأصوله الأساسية، كما بين أصول العمل الصالح الأساسية. وإليكم بيان تلك الصفات بشيء من التفصيل. قال الله سبحانه وتعالى: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون}. ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ثلاثة من صفات المتقين: الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، والإنفاق في سبيل الله.

الصفة الأولى: الإيمان وتعريفه
الصفة الأولى هو الإيمان بالغيب، فلنتدبّر في معنى كلمة الإيمان والغيب، حتى تتضح حقيقة الإيمان وتعريفه. والإيمان في اللغة أن يثق الإنسان بقول أحد ويصدقه، فلا يطلق الإيمان في المحسوسات والمشاهدات، فإذا لمسنا أحدا يصف ثوبا بأنه أبيض أو أسود، فنحن بعد أن رأيناه وصدقناه، لا يقال أننا آمنا به وإنما يقال أننا صدقناه، لأننا لم نصدق الرجل ثقة به وإنما صدقناه بعد أن شاهدنا ورأيناه بأم أعيننا.
والإيمان في إصطلاح الشرع أن يوثق بقول الرسول ويصدق بدون المشاهدة.
و{الغيب} يطلق لأمر لم يعلمه الإنسان بداهة ولم يدركه بالحواس الخمسة. فلا تراه العين ولا تسمعه الأذن ولا يشمه الأنف ولا يتذوقه اللسان ولا تمسه اليد. فإذا أطلق الغيب في القرآن الكريم يراد به الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذات الله وصفاته، والقدر والجنة والنار وأحوالهما وما يجري فيهما والملائكة والكتب السماوية والأنبياء السابقين، وغيرها من الأمور التي لا تدركها الحواسّ وبداهة العقل، وقد ذكر تفصيل هذه الأمور في آخر سورة البقرة حيث قال الله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون إلخ}. وذكر الإجمال في بداية السورة والتفصيل في آخرها. فمعنى الإيمان بالغيب، القبول والتصديق القلبي بما ثبت مجيئه من النبي صلى الله عليه وسلم بداهة وقطعا، وهذا هو تعريف الإيمان عند جمهور أهل الإسلام. (العقيدة الطحاوية وكتب العقائد).
فعلم من هذا التعريف أن الإيمان هو القبول والتصديق، لا المعرفة والعلم فقط، لأن العلم والمعرفة حاصلان للشيطان أيضا، وكثير من الكفار كانوا يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق ولكنهم لم يصدقوه، فما هم بمؤمنين.

الصفة الثانية:إقامة الصلاة
الإقامة كلمة جامعة شاملة معناها الاهتمام البالغ بالصلوة وفرائضها وواجباتها ومستحباتها وآدابها بالدوام والإلتزام، فليس معنى إقامة الصلاة الأداء فقط، بل هو الأداء والمحافظة والاهتمام بالظاهروالباطن، ولا تختص الإقامة بالفرائض الخمسة فقط، بل تشتمل الواجبات والنوافل كلها. فالذين يقيمون الصلاة هم الذين يؤدونها محافظين على أوقاتها مراعين شروطها وآدابها، مهتمين بظاهرها وباطنها، وهم خاضعون خاشعون فيها.

الصفة الثالثة: الإنفاق في سبيل الله
وما اختلف المحققون في تفسير هذه الجملة على أنها تشمل كل نفقة في سبيل الله، سواء كانت فرضا أو واجبا أو صدقة نفلية، لأن الإنفاق حيث أطلق في القرآن أريد به المعنى العامّ الشامل للصدقات النافلة وغيرها، كما تطلق الزكاة للفرض خاصّة. ولابد من التدبرفي هذه الجملة القصيرة الجامعة، فإنها تبعث في الإنسان الشريف حافزا قويا للإنفاق في سبيل الله، لأنها توحى إلى حقيقة لا تنكر، وهي أن كل ما نملكه هو عطاء رباني وإنما هو أمانة لدينا. ولو أنفقنا كل ما لدينا من مال ونعمة ابتغاء مرضاة الله لكان حقا وعلى مكانه، وليس في ذلك أي إحسان من جانبنا. ونِعم ما قال الشاعر بالأردية:
“جان دي دي هوئي اسي كي تهي حق تو يه هى كه حق ادا نه هوا”
(لو أننا ضحينا بأنفسنا فتلك عطاءه والحق أننا لم نؤد الحق الذي كان علينا).
ثم تدبّرْ في كلمة {مما}، وإنما معناها أن ننفق شيئا مما أعطينا من المال فهل في ذلك من حرج. ومن الجدير بالذكر أن الإيمان بالغيب ذكر كأول صفة للمتقين، ثم تلتها إقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله.
إن أهمية الإيمان لا يخفى على أحد، لأنه أصل الأصول ومدار قبول الأعمال جميعا، ولكن الأعمال الواجبة كثيرة، ولها قائمة طويلة من الفرائض والواجبات. فلقائل أن يقول: لماذا خصّت بالذكر صفتان أو عملان فحسب، وما السر في الإكتفاء بهما؟
ويمكن أن نقول: لعل السرّ في ذلك أن العبادات سواء كانت فرضا أو واجبا إما تتعلق بالجسم وإمّا تتعلق بالمال. أما العبادات البدنية فاكتفى منها بذكر الصلاة فقط. وأما العبادات المالية فهي داخلة في الإنفاق. فليس المراد الصلاة والزكاة فقط، بل المراد جميع العبادات البدنية والمالية. فمعنى الآية إن المتقين هم الذين اكتمل إيمانهم وعملهم، والإسلام هو مجموع الإيمان والعمل، فالآية دلّت على الإسلام في ضمن تعريف الإيمان، فالجدير هنا أن نوضح الفرق بينهما.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات