اليوم :20 April 2024

الإمام الغزالي رحمه الله

الإمام الغزالي رحمه الله

Image
الشيخ الإمام , حجة الإسلام, أعجوبة الزمان, زين العابدين أبو حامد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي , الشافعي, الغزالي . أحد أهم أعلام عصره وأحد أشهر علماء الدين في التاريخ الإسلامي.
 

مولده:
ولد بمدينة"طوس" الإيرانية سنة 450 هجرية.

وطوس: مدينة قديمة من مدن خراسان بإيران, تقع شرقي نيشابور. خرّبها المغول سنة 1389م . أطلالها قرب مشهد .
فتحت في أيام عثمان بن عفان رضي اللهَ عنه. وبها قبر علي بن موسى الرضا و قبر هارون الرشيد، وبها آثار أبنية إسلامية جليلة.
وقد خرج من طوس من أئمة أهل العلم والفقه ما لا يحصى وحسبك بأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي وأبي الفتوح أخيه .
ومنها تميم بن محمد بن طمنغاج أبو عبد الرحمن الطوسي الحافظ صاحب المسند.
الغزالي: نسبة على قرية بطوس تُدعىَ غزالة, كما قد حكي عن الإمام الغزالي نفسه, وجزم به الفيومي في "المصباح المنير " فتكون الزاي مخففة , ونُقل عن حفيد الغزالي أنه قال: " أخطأ الناس في تثقيل اسم جدنا, وإنما هو مخفف نسبة إلى غزالة".

أسرته:
وأما والده فقد كان فقيرا صالحا لا يأكل إلا من كسب يده حيث كان يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس , وكان يختلف في أوقات فراغه إلى مجالس العلماء ويطوف عليهم , وكان إذا سمع كلامهم بكى و تضرع إلى الله أن يرزقه ابنا يجعله فقيها و واعظا , فرزقه الله بولدين هما أبوحامد و أخوه أحمد, غير أن الأقدار لم تمهله حتى يرى رجاءه قد تحقق .
فقد توفي وما يزال أبو حامد صغيرا لم يبلغ سن الرشد .
أما أمه فقد عاشت حتى شهدت بزوغ شمس ابنها في سماء المجد وتبؤوه أكبر مركز علمي في ذلك العهد, وكان والده قد أوصي به إلى صديق له متصوف برعاية ولديه، وأعطاه ما لديه من مال يسير، وأوصاه بتعليمهما وتأديبهما.
اجتهد الرجل في تنفيذ وصية الأب على خير وجه حتى نفد ما تركه لهما أبوهما من المال، وتعذر عليه القيام برعايتهما والإنفاق عليهما، فألحقهما بإحدى المدارس التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، والتي كانت تكفل طلاب العلم فيها.

طلبه للعلم:
درس الغزالي في صباه على عدد من العلماء والأعلام، أخذ الفقه على الإمام أحمد الرازكاني في طوس، ثم سافر إلى جرجان فأخذ عن الإمام أبي نصر الإسماعيلي، وعاد بعد ذلك إلى طوس وهو في طريقه قطعت عليه الطريق فأخذت منه  كتبه ثم ردت إليه.
وقد حكى الإمام الغزالي هذه الحادثة فقال: قطعت علينا الطريق, وأخذ العيّارون جميع ما معي ومضوا , فتبعتهم, فالتفت إلي مقدَّمُهم وقال: ارجع ويحك و إلا هلكت, فقلت له : أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن ترد علي تعليقتي فقط فما هي بشيء تنتفعون به .
فقال لي : وما هي تعليقتك؟
فقلتُ: كتب في تلك المخلاة, هاجرتُ لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها , فضحك وقال: كيف تدّعي أنك عرفت علمها وقد أخذناها منك. فتجردتَ من معرفتها وبقيتَ بلا علم؟!
ثم أمر بعض أصحابه فسلم إلي المخلاة.
قال الغزالي: فقلت : هذا مستنطق أنطقه الله ؛ ليرشدني به في أمري فلما وافيت طوس.. أقبلت على الإشتغال ثلاث سنين حتى حفظت جميع ما علقته , وصرت بحيث لو قطع علي الطريق.. لم أتجرد من علمي .

أساتذته:
أحمد بن محمد الرازكاني , , أبو نصر الإسماعيلي, إمام الحرمين أبو المعالي الجويني, الإمام الفارمذي وغيرهم.

حضره الأئمة الكبار كابن عقيل وأبي الخطاب, وتعجبوا من كلامه واعتقدوه فائدة ونقلوا كلامه في مصنفاتهم.
وكان يقرأ عليه جم غفير من الطلبة المحصلين. يقول في كتابه "المنقذ من الضلال" في وصف حاله والنظامية: وأنا ممنون بالتدريس والإفادة لثلاثمائة نفس من الطلبة ببغداد.
فمن تلامذته:
1-      الإمام الجليل أبو سعيد محمد النيسابوري.
2-      الإمام الفقيه أبو الحسن علي بن المسَلَّم السُلمي.
3-      ابراهيم بن محمد الغنوي.
4-      نصر بن خميس الجهني.
5-      خلف بن أحمد.
6-      رستم بن سعد.
7-      أبو طالب عبدالكريم الرازي.
وغيرهم من الأئمة الأعلام.

تعيينه مدرسا على نظامية بغداد:
اشتغل بالتدريس في المدرسة النظامية ببغداد بتكليف من الوزير نظام الملك .
وقد ظهر فضله وذاع صيته, وكان مجلس الوزير مجمع أهل العلم وملاذهم, وكانت المجالس لاتخلو من المناظرات والمطارحات الكلامية, فناظر الغزالي الأئمة العلماء في مجلس نظام الملك, وقهرهم, وظهر كلامه عليهم , واعترفوا بفضله, وتلقاه الوزير بالتعظيم والتبجيل, وولاّه تدريس مدرسته النظامية ببغداد , وكان ذلك غاية ما يطمح إليه العلماء  ويتنافسون فيه, ودرس بهـا ولم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره.

من أسباب نبوغ الغزالي وشهرته:

منها:
1-      نشأته العلمية , فقد كان شغوفا بالعلم, باحثا عن اليقين, وعن حقائق الأمور, ودرس علوم عصره ونبغ فيها وفاق أقرانه.
2-      ذاكرته القوية في الحفظ والإتقان.
3-      كان شديد الذكاء, سديد النظر, غواصا على المعاني الدقيقة.
4-      تدريسه بالمدرسة النظامية .

رحلاته:
كان أول طلبه ببلده طوس , ثم سافر إلى جرجان, ونيسابور وبقي بنيسابور إلى أن توفي شيخه إمام الحرمين , فخرج إلى الوزير نظام الملك بالمعسكر, ثم دخل بغداد سنة (484) .
ورحل إلى مكة المكرمة , وفي سنة (489) دخل دمشق ومكث فيها أياما يسيرة , ثم توجه إلى بيت المقدس , و مصر وطاف بغيرها من البلدان.

التحول الذي غير مجرى حياته:
الإمام الغزالي يشرح لنا قصة تحوله:
ابتدأتُ بمطالعة كتبهم فعلمتُ يقينا أنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال, وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعليم, بل بالذوق والسلوك, وكان قد ظهر عندي أنه لا مطمع في سعادة الآخرة إلا بالتقوى, وكف النفس عن الهوى , وأن رأس ذلك كله قطع علاقة القلب عن الدنيا, بالتجافي عن دار الغرور, والإنابة إلى دار الخلود, والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى, وأن ذلك لايتم إلا بالإعراض عن الجاه والمال , والهرب من الشواغل والعلائق, ثم لاحظت أحوالي , فإذا أنا منغمس في العلائق, وقد أحدقت بي من الجوانب , ولاحظت أعمالي و أحسنها التدريس والتعليم , فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة ولا نافعة في طريق الآخرة, ثم تفكرت في نيتي في التدريس , فإذا هي غير صالحة لوجه الله تعالى , بل باعثها و محركها طلب الجاه , وانتشار الصيت , فتيقنت أني على شفا جرف هار, وأني أشفيت على النار, إن لم أشتغل بتلافي الأحوال , فلم أزل أفكر فيه مدة وأنا بعد على مقام الاختيار, أصمم العزم على الخروج من بغداد و مفارقة تلك الأحوال يوما, وأحل العزم يوما , وأقدم فيه رجلا, وأؤخر عنه أخرى , لا تصدق لي رغبة في طلب الآخرة بكرة, إلا وتحمل عليها جنود الشهوة جملة فتفترها عشية, فصارت شهوات الدنيا تجاذبني سلاسلها إلى المقام, ومنادي الإيمان ينادي الرحيل الرحيل.. فلم يبق من العمر إلاالقليل, وبين يديك السفر الطويل, وجميع ما أنت فيه من العلم والعمل رياء وتخييل, فإن لم تستعد الآن للآخرة, فمتى تستعد؟
وإن لم تقطع هذه العوائق فمتى تقطع؟
فعند ذلك تنبعث الداعية , وينجزم العزم على الهرب و الفرار, ثم يعود الشيطان  ويقول: هذه الحال عارضة , إياك أن تطاوعها, فإنها سريعة الزوال , فإن أذعنت لها وتركت هذا الجاه العريض و الشأن المنظوم الخالي عن التكدير والتنغيص , والأمن المسلم الصافي عن منازعة الخصوم , ربما التفتت إليك نفسك ولا يتيسر لك المعاودة , فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا, ودواعي الآخرة, قريبا من ستة أشهر, أولها رجب سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيارإلى الاضطرار, إذ قفل الله على لساني حتى اعتقل علي التدريس , فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوما واحدا تطييبا للقلوب المختلفة إلي فكان لساني لا ينطق بكلمة واحدة, … التجأت إلى الله تعالى التجاء المضطر… فأجابني الذي يجيب المضطرإذا دعاه , وسهل على قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأولاد والأصحاب.
*  *  *
غادر الغزالي بغداد في شهر ذي القعدة سنة ثمان وثمانين, فحج وتوجه إلى الشام, فأقام بها عشر سنين, قضى بعضها في بيت المقدس, وكان غالب وقته فيها عزلة و خلوة, ورياضة ومجاهدة للنفس, واشتغالاً بتزكيتها, وتصفية القلب لذكر الله تعالى, وكان يعتكف في منارة مسجد دمشق طول النهار. وأخذ في التصانيف المشهورة مثل إحياء علوم الدين والأربعين …

عودته للتصدي للتعليم:

ثم عاد بعد تلك العزلة التي استمرت عشر سنوات إلى بلده طوس, ليتابع عزلته سنة أخرى, وتحت إلحاح الولاة وتكرار طلبهم بالخروج إلى الناس خرج إلى نيسابور ليدرس في المدرسة النظامية فيها .
وعاد إلى التعليم ولكن بأسلوب جديد, ونية جديدة, وهدف جديد يختلف كل الاختلاف عما كان عليه سابقا فيقول:
وأنا أعلم أني وإن رجعتُ إلى نشر العلم , فما رجعت, فإن الرجوع عود إلى مكان…

ثناء العلماء عليه:

قال معاصره عبدالغافر الفارسي: وعلت حشمته ودرجته في بغداد حتى كانت تغلب حشمة الأكابر والأمراء ودار الخلافة.
قال الإمام تاج الدين السبكي في وصفه:" حجة الإسلام , ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام, جامع أشتات العلوم , والمبرز في المنقول منها والمفهوم, جاء والناس إلى رد فرية الفلاسفة أحوج من الظلماء لمصابيح السماء , وأفقر من الجدباء إلى قطرات الماء , فلم يزل يناضل عن الدين الحنيفي …. ويحمي حوزة الدين … حتى أصبح الدين وثيق العُرى, وانكشفت غياهب الشبهات وما كانت إلا حديثا مفترى, هذا مع ورع طوى عليه ضميره, وخلوة لم يتخذ فيها غير الطاعة سميره".
وقال أيضا:
"أما أبو حامد.. فكان أفقه أقرانه , وإمام أهل زمانه, وفارس ميدانه, كلمته شهد بها الموافق والمخالف , وأقر بحقَّيتها المعادي والمحالف".
وكان الجويني لا يخفي إعجابه به، بل كان دائم الثناء عليه والمفاخرة به حتى إنه وصفه بأنه "بحر مغدق".
قال الإمام الحافظ الذهبي:" الشيخ الإمام البحر , حجة الإسلام , أعجوبة الزمان, صاحب التصانيف والذكاء المفرط".
وقال الإمام العلامة أبو الحسن الندوي: لاشك أن الغزالي من نوابغ الإسلام وعقوله الكبيرة , ومن كبار قادة الفكر الإسلامي, ورجال الإصلاح والتجديد, الذين لهم فضل كبير في بعث الروح  الدينية , وإيقاظ الفكر الإسلامي , والدعوة إلى حقائق الإسلام وأخلاقه, وفي مقاومة الغزوات العقلية التي كانت تجتاح المجتمع الإسلامي, ومهما قيل فيه وقيل عنه … فإن إخلاصه أسمى من أن يشك … وأن ما خلفه من آثار وتراث علمي .. ثروة علمية إسلامية لا يستهان بقيمتها , ولا ينكر فضلها في عصر من العصور.
وقال ياقوت: وأما الغزالي أبو حامد فهو الإمام المشهور صاحب التصانيف التي ملأت الأرض طولا وعرضاً . قرأ على أبي المعالي الجُوَيني ودرس بالنظامية … ثم انقطع إلى العبادة .. وأقام بالبيت المقدس … ثم رجع إلى طوس وانقطع إلى العبادة (والتدريس)…

الاخلاق عند الغزالي:
يُعدُّ أبو حامد الغزالي من كبار المفكرين المسلمين بعامة, و من كبار المفكرين بمجال علم الاخلاق بخاصة، و قد جمع آرائه الأخلاقية بين طريقة الفلاسفة في بناء الأخلاق على حقيقة الإنسان و الشريعة الإسلامية التي جاءت لتتم مكارم الأخلاق ‏. كما بين الطرق العمليه لتربية الأبناء, و إصلاح الأخلاق الذميمة , و تخليص الإنسان منها، فكان بذلك مفكراً و مربياً و مصلحاً اجتماعياً في آن معاً.

السعادة عند الغزالي:

هي تحصيل أنواع الخيرات المختلفة و هي:
خيرات خاصة بالبدن: مثل الصحة و القوة و جمال الجسم و طول العمر.
خيرات خاصة بالنفس: وهي فضائل النفس " الحكمة والعلم والشجاعة والعفة".
خيرات خارجية : وهي الوسائل وكل ما يعين الإنسان في حياته، مثل المال والمسكن ووسائل النقل والأهل والأصدقاء.
خيرات التوفيق الإلهي: مثل الرشد والهداية والسداد والتأييد.
التربية الأخلاقية عند الغزالي:
يرى الغزالي أن الأخلاق الفاضلة لا تولد مع الإنسان، وإنما يكتسبها عن طريق التربية والتعليم من البيئة التي يعيش فيها.
والتربية الأخلاقية السليمة في نظر الغزالي تبدأ بتعويد الطفل على فضائل الأخلاق وممارستها مع الحرص على تجنيبه مخالطة قرناء السوء حتى لا يكتسب منهم الرذائل، و في سن النضج العقلي تشرح له الفضائل شرحاً علمياً … حتى يصبح سلوكه مبيناً على علم و معرفة واعية.

الغزالي والتصوف:
كان التصوف أحد العلوم الشرعية الحادثة في الملة, وأصله العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى, والإعراض عن زخارف الدنيا وزينتها, والانفراد عن الخلق.
وهذه الصفات كانت عامة في الصحابة والسلف, ولما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة, ويغلب على الظن أن هذا المصطلح كان إفرازا أنتجه الواقع عندما بدأت تخصصات العلوم تأخذ أبعادها , فقد كانت كلمة (الفقه) تشمل على كل ما انضوى تحت كلمة التصوف, فلما اقتصر مفهوم كلمة الفقه على فقه العبادات وفقه المعاملات في جانبها الظاهر, استبعدت منه بحوث الأخلاق والسلوك, فكان لابد لهذه الجوانب المستبعدة من الإستقلال والانضواء تحت عنوان يمثلها فكان التصوف, ومن السهل تعداد ما يشتمل عليه هذا العنوان. فالأخلاق الكريمة هي الأساس والزهد الذي يعني الترفع على الدنيا ـ ولا يعني ذلك الفقرهو الطريق ـ وكثرة العبادة هي وسيلة القرب إلى الله تعالى وبتطبيق العلم مع الإخلاص تكون النجاة.
ومن غير الصواب أن ينظر إلى الفضوليات التي أدخلت على التصوف على أنها الأصل , وتنسى العناصر الأصيلة , فيحارب التصوف كله بما فيه من حق وباطل, كما نشاهد اليوم من بعض الاخوة الذين لا حظ لهم من العلم الا الإدعاء , وصاروا مفتيين بقراءة كتاب أو كتابين ! فتجدهم يفسقون العلماء ومشايخ التصوف حينا ويكفرونهم أحيانا, وربما نسوا أو تناسوا بأن لحوم العلماء مسمومة, ومن منا لا يخطئ والعصمة لله رب العالمين .أسأل الله تعالى أن يوحّد صفوف المسلمين , و يذهب البغضاء والشحناء من بينهم.
ومن العلماء الذين سلكوا مسلكا وسطا ابن تيمية رحمه الله حيث قال في شأن الصوفية عندما علق على كلام أبي القاسم القشيري: والثابت الصحيح عن أكابر المشائخ (الصوفية) يوافق ما كان عليه السلف . وهذا هو الذي كان يجب أن يذكر, فإن في الصحيح الصريح المحفوظ عن أكابر المشائخ مثل فضيل بن عياض , وأبي سليمان الداراني, ويوسف بن أسباط , وحذيفة المرعشي, ومعروف الكرخي إلى الجنيد بن محمد , وسهل بن عبدالله التستري, وأمثال هؤلاء ما بيّن حقيقة مقالات المشائخ …
وهكذا نرى أن ابن تيمية لم ينكر طريقة الصوفية في أصلها بل أثنى على مشايخها الذين استقاموا على الطريق, ولم يعدهم خارجين على طريق السلف, وذكر أن اهتمامهم بالعمل أكثر من اهتمامهم بالقول.
وعلى الرغم من أن الغزالي يزكي طريقة الصوفية ؛ لأنها تتضمن العلم والعمل معا , وأنه انحاز إلى طريقتهم الذوقية في نهاية الأمر, بعد التجربة والممارسة وإتقان العلم , فإنه لم يتوان عن نقد معظم فرق الصوفية التي سادت في عصره… وسلط الأضواء على أخطاء وانحرافات بعض المتصوفة.
أولاـ قلة المتصوفين: يرى الغزالي أن التصوف غير موجود , وذلك لعدم وجود من يسلك الطريق, يقول: قد خلت البلاد الآن عن شيخ يقتدى به في علمه وسيرته…
ثانياـ فساد المتصوفة: يقول: إن أكثر متصوفة هذه الأعصار لما خلت بواطنهم عن لطائف الأفكار , ودقائق الأعمال , ولم يحصل لهم أنس بالله تعالى وبذكره في الخلوة.. قد ألفوا البطالة , واستثقلوا العمل.. واستلانوا جانب السؤال والكدية..
ثالثا:الغرور والجهل: ويرى الغزالي أن الغرور قد هيمن على كثير من المتصوفة, يقول: فالكثير منهم جهلة, ومع ذلك ادعوا المعرفة, بترديد كلمات هي طامات, ويظن أنه أوتي علم الأولين والآخرين, فهو ينظر إلى الفقهاء والمفسرين والمحدثين وأصناف العلماء بعين الازدراء فضلا عن العوام…
رابعا: سقوط التكاليف: فقد زعموا أنه ارتفع عن محلهم في معرفة الله سبحانه عن أن يمتهنوا بالتكاليف وإنما التكاليف على عوام الخلق. وحكم الغزالي رحمه الله على هذه الفئات في كتابه القيم "احياء علوم الدين" بأنها مذاهب باطلة وضلالات هائلة.

من أشهر كتب الغزالي

•       إحياء علوم الدين
•       المنقذ من الظلال
•       مقاصد الفلاسفة
•       تهافت الفلاسفة
•       معيار العلم (مقدمة تهافت الفلاسفة)
•       محك النظر (منطق)
•       ميزان العمل
•       الإقتصاد في الأعتقاد
•       المستصفى في علم أصول الفقه
•       الوسيط في المذهب
•       الوجيز في فقه الإمام الشافعي
•       فضائح الباطنية
•       القسطاس المستقيم
•       فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة
•       التبر المسبوك في نصحية الملوك
•       ايها الولد المحب
•       كيمياى سعادت (بالفارسية)
•       شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل
•       المنخول في علم الأصول
وكثير من الكتب في شتى العلوم .

وفاته:
توفي أبو حامد يوم الاثنين 14 جمادى الاخرة 505 هـ، ديسمبر 1111م، في مدينة طوس، وسأله قبيل الموت بعض أصحابه‏:‏ أوص، فقال‏:‏ عليك بالإخلاص فلم يزل يكررها حتى مات‏.
قال أخوه أحمد: لما كان يوم الاثنين وقت الصبح توضأ أخي أبو حامد , وصلى , وقال: علي بالكفن , فأخذه وقبّله, وتركه على عينيه, وقال: سمعا وطاعة للدخول على الملك , ثم مد رجليه, واستقبل القبلة ومات قبل الإسفار.
و رثاه الأديب الأبيوردي. فقال:
بكى على حجة الإسلام حين ثَوَى …  من كل حَي عظيمِ القدر أشرفُهُ
وما لمن يمتري في اللَه عبرته … …. على  أبي  حامد  لاحٍ  يعتقُهُ
تلك الرزيةُ تَستَهوي قوَى جَلَدي … . والطرْف تسهِره والدمع تَنزِفُهُ
فما له خلَة في الزهد مُنكَرَة … ….    ولا له  شبه  في  الخلق نعرفه
مضى وأعظَمُ مفقودِ فَجعت به … … مَن لا نظيرله في الخلق يَخلفه

فرحمة الله على الغزالي فقد قام بجهد كبير في سبيل التنظير لأهل السنة في العهد السلجوقي والذي أسهم بجهاده الفكري والعلمي في تقوية الخلافة العباسية, ومقاومة الخطر الباطني الصاعد آنذاك , وهو الخطر الرئيسي الذي كان يتهدد الخلافة, وقد ظل الغزالي طوال حياته ومن خلال مؤلفاته يدعو إلى محاربة الباطنية بكل وسائل الممكنة.
ولقد أسهمت جهوده في توعية الأمة , وتلقف بعض المصلحين الكبار , كعبد القادر الجيلاني شيئا من منهجه التربوي وأقام مدرسة شعبية كبيرة أسهمت في توعية عوام المسلمين, ودعم حركة الجهاد التي قادها نورالدين وصلاح الدين فيما بعد.
واستحق بجدارة أن يقلب بحجة الإسلام , وانفرد بهذا اللقب الذي بين مكانة الرجل في تاريخ الفكر.
إن الأمة اليوم في أشد الحاجة لحجة إسلام جديد يفضح المناهج الغربية والدساتير الوضعية, والشعارات البراقة في مجال الحريات , والعدل, وحقوق الإنسان والمرأة, ونظام الحكم, ومحاسبة الحكام, وغير ذلك من الشعارات والمبادئ الزاحفة , فيقدم البدائل الصحيحة من خلال كتاب الله وسنة رسوله وعقيدة الأمة وتراثها, فينتصر للإسلام في المعركة الفكرية الخطيرة التي تدار رحاها بين الثقافات والحضارات, ويبين الحقائق ويبذل الغالي والرخيص حتى تكون كلمة الله هي العليا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنابع:
الإمام الغزالي للدكتورعلي محمد الصلابي ـ مؤسسة اقرأ/ القاهرة.
الخلاصة للإمام الغزالي ـ تحقيق أمجد رشيد/ دار المنهاج , بيروت.
تعريف بالأماكن الواردة في البداية والنهاية لابن كثير – (ج 2 / ص 317)
آثار البلاد وأخبار العباد – (ج 1 / ص 169)
المنجد في الأعلام/ دار المشرق بيروت.
معجم البلدان – (ج 3 / ص 176)
موقع: /   wikipedia.org/wiki


الكاتب: عبدالحميد جمعة

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات