اليوم :25 April 2024

مدارس أهل السنة تحت المجهر

مدارس أهل السنة تحت المجهر

Imageفي نهاية العام الشمسي الماضي – عام الوحدة الوطنية والانسجام الإسلامي- الثامن من بهمن 1386 ألّف المجلس الأعلى للثورة الثقافية شورى للتخطيط والبرمجة لمدارس أهل السنة  وقرر هذا الشورى قرار تنظيم ودعم المدارس الدينية لأهل السنة –على حد زعمهم- مستهدفا استقلال المدارس وحرية أهل السنة في إيران ووقّع – مع الأسف – الرئيس أحمدي نجاد هذا القرار وأرسله إلى نواحي البلاد في 11 اسفند1386 .

فاحتاركل من اطلع على هذا القرار المفاجئ الغريب المدهش من العلماء والخبراء وممثلي أهل السنة في مجلس الشورى الإسلامي فراسلوا قائد الثورة ورئيس الجمهورية والآخرين من كبار المسؤولين وأعربوا عن استيائهم وقلقهم بالنسبة إلى هذا القرار المفجع.

هذا وقد جعل الأصل الثاني من الدستور جميع المواطنين أحراراً في شؤونهم الدينية والمذهبية. وإن سياسة التمييز الطائفي هذه، سياسة تتغير وتتأرجح دائماً وكأنها شعلة

تشتعل وتشتد في عهد رئاسة وتنطفئ وتقلّ في عهد رئاسة أخرى، يرخى عنانها تارة فيتجرع أهل السنة أنواع المرائر و المصاعب والأذى، ويمدّ تارة أخرى فيرتاحون قليلاً. إنها قدتتغير بتغير محافظ أو وزير أو ممثل أووالٍ.  

فكأنّ أهل السنة حبة بين طبقتي الرحى لايدرون كيف يفعلون وماذا يفعل بهم وماذا سيكون مصيرهم غداً؟.

و بصبر ورزانة قدتحمّل أبناء السنة هذه المصاعب التي تعود إلى الأمور الدنيوية والشؤون السياسية أوالاقتصادية أو.. ولكنّهم لمّا رأوا أنّ عقيدتهم ودينهم ومذهبهم تهدَّد من قبَل أخطار وسياسات أحدقت بها من كل جانب شقّ عليهم الأمر وثارت فيهم الغيرة الدينية، ولعمري لاحياة ولاشرف بلا حرية في العقيدة والمذهب، فغمرتهم موجات القلق والغضب، واجترحت قلوبهم ومشاعرهم فأبدوا عدم الرضاء وعدم الارتياح بهذا القرار الخارج من إطار الدستور، وأصرّوا على إعادة الحقوق المدنية والحرية الدينية التي منحهم الدستور وجميع الدساتير الدولية والتي أعطاهم الإسلام الذي يعتقده أصحاب الكراسي في هذه الديار.

فلنستعرض مايحويه أمر تأسيس الشورى الحكومي للبرمجة والتخطيط لمدارس أهل السنة من تخطٍ للحدود القانونية وتعرضٍ للحقوق المدنية، ولنجعلها في الميزان:

1-    هذا الشورى كان شورى حكومياً محضاً حيث كان رئيس الشورى ومديره والمخططون والمبرمجون له والمؤثرون الحقيقيون فيه كلهم من علماء الشيعة ورجالها، وليست دعوة عدد قليل من علماء السنة الذين أخبروا وحضروا بعد أن رُفعت الأقلام وجفّت الصحف وتم تصديق القرار في المجلس الأعلى للثورة الثقافية وذلك في عدم إطلاع مسبق لممثلي السنة في مجلس النواب، كلها ليس إلا تبريراً ظاهريا مضحكاً لهذا القرار الخارج من إطار الدستور.

2-    تأسيس شورى بهذا الاسم لتصديق هذا القرار أمر مغاير لعدة أصول من الدستور؛ منها الأصل الثاني عشر. ومن نصّ هذا الأصل ما يلي:

"الإسلام هو الدين الرسمي والمذهب الجعفري الاثنا عشري هو المذهب الرسمي في هذه البلاد… أما المذاهب الإسلامية الأخرى من الحنفية والشافعية والحنبلية والمالكية والزيدية فلها حرمتها واحترامها واتباع هذه المذاهب أحرار في مراسيمهم الدينية وشؤونهم المذهبية طبقاً لفقههم وعقيدتهم كما أنهم أحرار في التعليم الديني لأبنائهم وفي الأحوال الشخصية، ودعاويهم معتبرة في المحاكم أيضاً..".

3-    وقد ذكر في جلسة هذا الشورى أن رجال الحكومة قد زاروا مدارس أهل السنة مراراً وباستعراض كامل لأحوالها ومشاكلها وقضاياها.. والحق أن المعاهد الدينية والحوزات العلمية في أنحاء المناطق السنية لم تر يوما ولا لمرة أية زيارة من هذه الزيارات والاستعراضات. لاسيما أصحاب المدارس الدينية بمحافظة سيستان وبلوشستان لم يطلعوا على مثل هذه اللقاءات.

وقد كتب العلماء ميثاقا تحالفوا فيه علی أن المدارس السنیة ستبقی مطلقة حرة إلی یوم حیاتها.وإليكم نص الميثاق:

بسم الله الرحمن الرحیم

معاهدة

"انعقدت جلسة استشاریة في6 من شوال 1429هـ.ق بمشارکة زهاء مائة من العلماء السنة من أئمة الجمعة و رؤساء المدارس الدینیة و العلماء البارزین في جامعة دارالعلوم زاهدان.

 و أجمع الجمیع بعد الفحص و التحقیق و المشاورة حول القضایا الأخیرة لأهل السنة لاسیما حول قرار الشوری الثقافی أی " مشروع تنظیم الحوزات العلمیة" علی أن هذا المشروع لیس إلاَ تدخَل واضح فی الشؤون المذهبیة و التعلیمیة لأهل السنة و أنه مغایر تماماً مع الدستور الوطنی کما هو مغایر أیضاً مع جمیع الدستورات الدولیة في العالم و أنه مخلّ بالوحدة و الأمن الوطني.

و جمیع العلماء یعلنون بکل صراحة:

أن هذا المشروع غیر مسموح أبدا من قبل أهل السنة و نحن لن نقبل هذا القرار و لتبق المدارس الدینیة السنة مستقلة کما کانت".

4-    قالوا في تلك الجلسة: "إن من أهدافهم إعطاء الشهادات الجامعية المعتبرة للمتخرجين من المدارس السنية".

فنقول: إن أبناء هذه المدارس لايبتغون بهذا العلم دنيا يعلون بها، ولاشهادة حكومية يتمتعون بها، ولا جاها يتباهون به، ولا منصبا يتسابقون عليه و.. كلا! إنما يريدون بهذا العلم وجه الله، ويبتغون به مرضاة ربهم، وإصلاح الأمة، وإنقاذ البشرية وذلك كلّه يحتاج إلى إخلاص وإيمان وعلم طيّب لا إلى شهادات جامعية أوحكومية أو.. ولو أنّهم أرادوا أن يحصلوا على مثل هذه الشهادات لِيربحوا غداً بالتوظيف في الإدارات والمؤسسات الحكومية ويتمتعوا بالإمكانيات و.. لَسلكوا طريق الجامعات الحكومية والكلّيات المعتبرة التي لها مكانتها ولشهاداتها قيمتها ولَكان ذلك الطريق أسهل وأحسن لهم من الالتحاق بهذه المدارس الفقيرة التي يشبعون فيها يوما ويجوعون يوما والتي تهدد بالهدم والتخريب ويشار إليها بأصابع الاتهام.

وعنا نقول: إن أمر إعطاء الشهادات الجامعية للمتخرجين يتم -أيضا- بدون التدخل المزعج في المناهج التعليمية والمخططات التربوية في المدارس الدينية وذلك عن طريق عقد اختبارات خاصة بهم وإعطاء الشهادة للفائزين فيها.

هذا ما يطلبه طلاب المدارس السنية ومتخرجوها لا أن تُذبح حريتهم واستقلالهم بين أيديهم من أجل شهادة حكومية قد يستخدمونها غداً  في الوظائف الإدارية أو لا يستخدمونها.

5-    وقد ذكر أيضا أن من وظائف هذا الشورى الإشراف على كيفية التعليم في المدارس الدينية وتقويمه المتواصل بالقيم العلمية:

فجدير بالذكر أنّ مسألة الإشراف على أمر التعليم في مدارس أهل السنة والتفكير لأجله مسألة يغني عنها ما يبذل اتحاد المدارس ومدراؤها من جهد وتفكير ليل نهار فإنهم مازالوا يضحون براحتهم وبكل ما عندهم في سبيل تطوير المناهج ورفع مشكلات المدارس وعراقيلها من طريق رقيها وتقدمها. ونتيجة ذلك  لا نرى –بحمد الله – مشكلة تذكر في التخلف العلمي أو التربوي. فقد تخرّج من هذه المدارس علماء مهرة ودعاة مخلصون وكتاب باحثون وخطباء بارعون ودعاة متيقظون.

إن هذه المدارس لها تأثير عميق في المجتمع وإنها بركة الله ورحمته على الأرض ففي لياليها مذاكرة العلم، ومدارسة القرآن الكريم، ومطالعة الأحاديث النبوية الشريفة، وفي أسحارها صلاة ودعاء، وابتهال وبكاء، وتضرّع وتهجّد، وسهر في طاعة الله. وفي أيامها تدريس وتعليم، وتكوين رجال من أبناء الأمة، وتمهيد طريق الهداية للناس، وإصلاح وإرشاد، وتبليغ لأحكام الله، وجهاد في سبيل الله،.. أين تجد هذه الحالات في الجامعات العصرية التي تشكو كل يوم من قلة الروحانية والنشاط، وتُفلس في الإيمان والأخلاق، وتكاد تنفجر من تراكم المفاسد والمعاصي وصلاتٍ غير مشروعة بين طلاب وطالبات، إلى آخر ما هنالك من شك في أحكام الشرع، واستهزاء بالرموز الدينية، وسخرية من الشريعة الإسلامية، وكبر وفخر بالمعلومات السطحية الظاهرية، و..؟

أين هذه الحياة الدنسة المتفسخة التي لا تشبه حياة المؤمن في شيء من تلك الحياة الطيبة الحقيقية ؟

ودعني أكون صريحاً، وهل يوجد في متخرجي الجامعات العصرية من يبكي لإصلاح الأمة ويحترق لهدايتها؟ويسعى لسعادتها وإرشادها؟ فضلاً عن ذلك وهل يوجد فيهم من يقدر على قراءة كتاب الله وقد حصل على شهادة البكالاريوس والماجستير والدكتوراه و.. إنه لا يقدر على قراءة كتاب يضمن سعادته الأبدية ويهديه إلى أفضل ما يحتاج إليه ويخرجه من الظلمات إلى النور. اللهم إلا من كانت له صلة بالمساجد والمدارس ورجال الدين. وأما المستوى العلمي في متخرجي هذه الجامعات فلا يخفى على ذوي الأبصار.

إذن نطلب من المسؤولين المشفقين أن يبدأوا اولاً بالتفكير في إصلاح الجامعات العصرية التي تعيش في مثل هذه الحالة في بلد إسلامي.

6-    وقد ذكر أيضا من أهداف هذا الشورى رفع الحاجة الثقافية وردم الثلمة التعليمية في الشعب السني.

أين كان القائمون بهذا المشروع طيلة ثلاثين عاما من بداية الثورة؟ أم ثمة أهداف خفية وراء الكواليس لا نعرفها، أهداف تؤدي إلى ممارسة التمييز الطائفي الأشد والضغط الأكثر والحرمان الأكبر من الحرية المذهبية والحقوق المدنية المسموحة لكل المواطنين الإيرانيين.

وإذا أراد القائمون بهذا المشروع رفع الحاجة التعليمية والثقافية لأهل السنة فلماذا لم يوجّهوا دعوة إلى كبار العلماء والمفكرين والنواب السنة قبل تصديق هذا القرار؟ ثم لماذا لم يعبؤوا ولم يكترثوا عندما أظهر العلماء والنواب استياءهم وقلقهم لهذا القرار بل أكثروا الضغوط وأصروا على القبول والاعتراف به، ثم ازداد الأمر وباء على وباء عندما شاهدنا بأعين مترقرقة منهمرة وأكباد جريحة في غاية من الحزن والأسف تهديم مدرسة الإمام أبي حنيفة في عظيم آباد بزابول ثم اعتقال الشيخ أحمد الناروئي المساعد الإداري لجامعة دارالعلوم زاهدان، أكبر جامعة لأهل السنة في إيران، والقبض على عدد من العلماء المدرّسين في هذه المدارس، هل هذه الإقدامات خطوات نحو تنمية أهل السنة الثقافية وسدّ عوزهم التعليمي؟!

على كلٍ يَعدّ علماء السنة ومدراء المدارس السنية هذا القرار اعتداءً واضحاً للدستور الوطني ويرجون من سيادة الرئيس – الذي يرأس هذا الشورى بنفسه – والذي يرجع إليه أمر صيانة الدستور من الاعتداء والتخطي، والدفاع عن حقوق الشعوب أن يكفّ عن تطبيق هذا القرار المعارض للدساتير الدولية والدستور الوطني والحقوق المدنية. وَإِنْ اسْتَنْصَرُوكُم فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ.

إِلَّا تَفْعَلُوه تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبيرٌ

حبيب الله المرجاني

[مأخوذ من مجلة "نداي إسلام" بتلخيص وتصرف]

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات