اليوم :25 April 2024

أهل السنة في “سيستان” (سجستان)

أهل السنة في “سيستان” (سجستان)

سجستان القديمة

سجستان القديمة

سجستان قديما كانت تشمل مناطق أوسع بكثير من المنطقة الحالية التي يطلق عليها "سيستان"، وهذا قسم صغير من سيستان الواسعة الممتدة من "سبزوار" إلی أرض "السند"، ومن "كرمان" إلی "الهند" حسب رواية تاريخ سيستان؛ وقد أنجبت هذه المنطقة كثيرا من العباقرة والجهابذة.  من أشهر من ينتسبون إلى "سجستان": أبو حاتم السجستاني اللغوي، وأبوداود السجستاني المحدث، ومحمد بن كرام السجستاني والنيسابوري شيخ الكرامية وغيرهم.

تقع "سيستان" الحالية في الجنوب الشرقي من إيران في مساحة تبلغ قرابة 15197 ك.م علی الحدود الأفغانية، وتبلغ نسمة ساكنيها خمسمائة ألف أو أكثر؛ وأهل السنة يشكّلون50 في المائة من سكانها حسب الإحصائيات غير الرسمية. هذا ومن جانب يستغرب إخواننا في إيران تواجد السنة في هذه المنطقة. لماذا هذا الاستغراب؟ وما هي أسبابه؟ سؤال نطرحه ونترك الإجابة للأرقام التالية من بحثنا.
يبلغ حاليا عدد السكان في منطقة "سيستان" نحو خمسمائة ألف، وحسب الإحصائيات غير الرسمية يشكل أهل السنة خمسين في المائة من مجموعة سكان هذه المنطقة. هذا وإن كثيرا من إخواننا أهل السنة غير مطلعين بوجود هذا العدد الكبير من إخوانهم في "سيستان" فضلا عن سائر المدن الإيرانية.
إن تواجد أهل السنة في "سيستان" يرجع إلی صدر الإسلام حيث فتحت هذه البلاد كسائرالبلاد في إيران القديمة سنة 23 من الهجرة النبوية في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم لجأ فئة من الخوارج المنهزمين في معركة نهروان إلی جبال "بارز" في "كرمان" (سيستان القديمة والواسعة) في عهد سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قد أصبحت "سيستان" منطقة آمنة ومطمئنة لأعداء الخلفاء الأمويين بعد ذلك لبعد المسافة بينها وبين جزيرة العرب وعواصم الخلفاء.
إن مشاكل المسلمين في هذه البلاد بدأت مع ظهور الحركات القومية التي لا تتحمل سيطرة العرب المسلمين الذين نشروا الإسلام في ايران. كانت الشعوبية من أبرز هذه الحركات التي تناوئ العرب المسلمين وتقوم معارك دموية بينهم وبين العرب أحيانا.
 لما كانت كبار القياديين كطاهر بن حسين، عمار الخارجي و حمزه بن آذرك في هذه الحركة نشأوا من "سيستان"، توجهت أكوام المصائب إلی المسلمين (أهل السنة) في "سيستان" في القرنين الأول والثاني كسائر المسلمين في  خراسان، وطبرستان، وهمدان، وخوزستان.
أما الكارثة الحقيقية في "سيستان" وقعت حينما زحف الصفويون إلی جنوب شرقي إيران لكبت البلوش السنة، وأجبروا أهل سيستان علی التشيّع، وأقاموا محاكم للتفتيش ومعارك لإراقة الدماء وتهجير السنة، فحلت الشيعة محل السنة بعد ذلك، وعاشت السنة في "سيستان" بعد ذلك إلی هذه اللحظة التي اكتب هذه الوجيزة في التأخر والحرمان، ويعانون من التمييز والعنصرية.
إن الكلام عن تاريخ أهل السنة في سيستان والبحث عن تقلبات هذه الطائفة عبر قرون طويلة، أمر صعب ويطول بنا المقال، وقد أغنانا عن ذلك أصحاب السير والتاريخ والبلدان حيث ما فاتتهم "سيستان"، فإن منها نشأ محدثون وفقهاء ورياضيون ونجوميون المصاديق لقول النبي عليه الصلاة والسلام.
سنتكلم عن مشاهير علماء السنة في سلسلة مقالات أخری بعون الله تعالی، فإن من حق هؤلاء الكبار الذين آثروا خدمة هذا الدين علی كل ما كانوا يملكون، أن يكون كل واحد منهم موضوع بحث منفرد. أما هنا ننصرف إلی عرض معلومات بسيطة عن أهل السنة، ليكون القارئ علی علم بالنسبة إلی تاريخ هذه الطائفة، ومستعدا للبحث عن الحقائق الموجودة في هذه البلاد.
البلوشية هي اللغة التي يتكلم بها أهل السنة في "سيستان". أما الشيعة فيتكلمون بإحدی فروع اللغة الفارسية المسماة بالزابلية.
غالبية السنة في "سيستان" يعيشون في القری بسبب اشتغالهم بتربية المواشي والزراعة، أو القری الكبيرة التي تبدلت إلی مدن في السنوات الأخيرة.
مدينة "دوست محمد" في مديرية "ميانكنكي" ومدينة "زهك" في مديرية "ناروئي" من المدن التي تتشكل السنة غالبية سكانها. و20 في المائة من تعداد سكان مدينة زابل مركز "سيستان" هم من أهل السنة.
القحط الأخير  والأوضاع الاقتصادية السيئة دفعت معظم سكان هذه البلاد إلی الهجرة إلی سائر مدن إيران وإلی المشاغل غيرالشرعية، زد إلی ذلك دافعا آخر شاملا لجميع السنة في إيران وهو عدم استخدامهم في الوظائف الحكومية. والشعب السني السيستاني مع جميع هذه المشاكل فهم من أكثر الأقوام الإيرانية التزاما بالمبادئ الإسلامية والتعاليم الشرعية، واحتفاظا بالغيرة الدينية، حيث نشاهد في هذه البلاد نشاطات في المجالات الدينية المختلفة، وترجع هذه النشاطات الدينية والدعوية في "سيستان" إلی السنوات التي رجع العالم الجليل الشيخ "محمد غل حسن زهي" إلی هذه البلاد وأسس المدرسة المحمدية في قرية "إسلام آباد لوتك"، ثم توسعت دائرة نطاق نشاطات هذا المركزالديني في جميع أنحاء سيستان وصار مثابا علميا وتربويا لمتعطشي علوم النبوة، ونفخ روحا جديدة في أهل السنة في هذه الأراضي، وتقام الجمعة في مدينة "دوست محمد" و"كهك" و"زهك" و"زابل". ولا ننس أن المساجد الموجودة في "سيستان" غير كافية، وعلی الحكومة أ تسمح لأهل السنة في "سيستان" ببناء المزيد من المساجد، وتساعد الشباب والطلبة في تقدمهم الثقافي والتربوي.
نرجو الله تعالی أن يُعيد إلی هذه البلاد مجدها الغابر الزاهر، وما ذلك علی الله بعزيز.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات