قبل مدة كانت لسماحة الشيخ عبدالحميد حفظه الله رحلة إلي الهند بدعوة رسمية من السكرتير العام لمؤسسة "دار عرفات" التابعة لندوة العلماء للمشاركة في مؤتمر حول «متطلبات العصر الراهن في مجال الدعوة والفكر في ضوء أفكار الإمام إبي الحسن علي الندوي رحمه الله تعالي». وفيما يلي نذكر تقريراً عن هذه الرحلة:
قد وجّهت إلي فضيلته دعوة رسمية من جامعة دارالعلوم لندوة العماء بلكنو للشماركة في مؤتمر كان من المقرر عقده في "رائي بريلي" (مسقط رأس الإمام الندوي) حول متطلبات العصر الراهن في ضوء أفكار الإمام أبي الحسن الندوي رحمه الله.
بدأت الرحلة من طهران صباح يوم الخميس وكان يرافق الشيخ عبدالحميد حفظه الله في هذه الرحلة الأستاذ عبدالقادر العارفي والشيخ ابوحسان والحاج عبدالرحيم، وكان بعض الإخوة والعاملين في مجمع الفقه الإسلامي بالهند في انتظار قدوم الشيخ ومرافقيه في مطار دلهي و كذلك جاء إلي المطار بعض الإخوة من الجماعة التبليغية ولكن الشيخ رجح أن يذهب مع الإخوة في مجمع الفقه الإسلامي حيث أنهم استأجروا قبل قدومهم غرفة في فندق بالقرب من مركز الجماعة.
ذهب الشيخ إلي مركز الجماعة عند العصر واستمع إلي بعض الخطابات التي ألقيت في تلك الحفلة. ويوم الجمعة أدوا صلاة الجمعة في جامع دلهي الذي أسسه الملك "شاه جهان" وقد أعجب الشيخ بكثرة المصلين هناك.
بعد صلاة الجمعة سافروا إلي مدينة "لكنو" ولكن أكثر العلماء والشخصيات في جامعة ندوة العلماء قد توجهوا قبل ذلك إلي "رائي بريلي" تمهيداً لعقد المرتمر، ولكن الشيخ استطاع أن يلتقي مدير الجامعة سماحة الشيخ سعيد الرحمن الأعظمي إذ أنه لم يذهب إلي "رائي بريلي".
صباح يوم السبت توجّه الشيخ مع مرافقيه إلي مديرية "رائي بريلي" حيث كان من المقرر عقد المؤتمر هناك.
كان هناك معهد ديني يبلغ عدد الطلبة فيه إلي أكثر من خمسمأة طالب وقد أسس مركز لنشر آثار الإمام الندوي رحمه لله.
بدأ المؤتمر أعماله صباح السبت حيث ألقي سماحة الشيخ عبدالحميد كلمة أمام الحضور أشار فيها إلي أن الإمام أبا الحسن الندوي ما زال حياً لأنّ أفكاره باقية منتشرة في مختلف الأوساط، وإن موت المفكرين بموت أفكارهم.
وخاطب فضيلته العلماء والمفكرين المشاركين في المؤتمر بالقول: «إنّ الإمام الندوي لم يترك خلفه ولداً ولكنكم أولاده الروحية لأنكم تواصلون طريقه وتسيرون علي نهجه».
أعجب الحضور بكلمة الشيخ حتي قام سماحة الشيخ محمد رابع الحسني الندوي حفظه الله وأعرب عن شكره من كلمة الشيخ عبدالحميد وقال: «لم يبق لنا مجال للخطابة بعد هذه الكلمة الرائعة التي ألقاها سماحة الشيخ عبدالحميد».
ثم واصل المؤتمر أعماله بقراءة مختلف المقالات حول أفكار الإمام الندوي رحمه الله. وبعد يومين أنهي المؤتمر أعماله بكلمة ألقاها سماحة الشيخ عبدالحميد أمام الحضور أشار فيها إلي دور أم الإمام الندوي رحمه الله في تكوين شخصيته وتربيته الفكرية، وأضاف: «إن للأمهات الزاهدات العفيفات اللائي ربين مثل هؤلاء الرجال منة عظيمة علي الأمة الإسلامية».
وكذلك أشار سماحته إلي دور علماء الهند، قائلاً: «قد أنجبت هذه البلاد كثيراً من العباقرة والعلماء الأفذاذ مثل العلامة شاه ولي الله الدهلوي والعلامة أشرف علي التهانوي والعلامة رشيد احمد الكنكوهي والإمام أبي الحسن الندوي رحمهم الله، وإن لهم منة عظيمة علي كافة سكان الهند من المسلمين وغيرهم، وهؤلاء الأفذاذ لفتوا أنظار العالمين إلي الهند».
في تلك الحفلة ألقي سماحة الشيخ عبدالقادر العارفي (من أساتذة جامعة دار العلوم بزاهدان) محاضرة رائعة باللغة العربية.
بعد ما أنهي المؤتمر أعماله توجه سماحة الشيخ إلي جامعة دارالعلوم لندوة العلماء بلكنو وألقي كلمة في دار الحديث بها أمام طلبة دورة الحديث النبوي الشريف حول تجاربه وبعض النكات والبحوث العلمية، ثم تكلم أمام عامة الطلبة في تلك الجامعة وكان عددهم يبلغ إلي 3000 طالباً.
ثم توجه إلي مدينة بالقرب من لكنو بدعوة من سماحة الشيخ "السيد سلمان الندوي" حفظه الله لافتتاح كلية جديدة بجامعته (جامعة السيد احمد الشهيد).
هذه الجامعة قامت بخطوة مباركة نحو جمع العلوم العصرية مع العلوم الدينية وترتقي نحو مزيد من الرقي والازدهار.
دُعي سماحة الشيخ أن يلقي كلمة في افتتاحية الكلية الجديدة وأشار الشيخ حفظه الله في كلمته إلي دور المسلمين في تحرير الهند من أيدي الاحتلال الإنجليزي وشجّعهم علي طلب العلم ليكون لهم دور بارز في رقي بلادهم و ازدهارها.
بعد هذا الحفل المبارك غادر فضيلته هذه المدينة متوجهاً إلي "سهارنفور" وهي مدينة العلامة خليل الرحمن سهارنفوري وشيخ الحديث العلامة محمد زكريا كاندهلوي رحمهما الله تعالي حيث قد طار صيتهما في العالم الإسلامي.
لقي فضيلة الشيخ هناك العلامة محمد يونس حفظه الله وهو شيخ الحديث بجامعة "مظاهر العلوم سهارنفور" ثم زار جامعة مظاهر العلوم العريقة. بعد هذه الزيارة سافر نحو مدينة "ديوبند" وهي تقع علي بعد ساعة ونصف من مدينة "سهارنفور".
كان الهدف زيارة جامعة "دار العلوم ديوبند" التي طار صيتها في الآفاق وهي إحدي كبريات الجامعات الإسلامية في العالم بحيث تسمي بـ «أزهر آسيا»، وقد أدت دوراً بناءً في تشكيل الجبهات الإسلامية ضد الاحتلال الإنجليزي في الهند وقام علماءها بمقاومة المحتلين الأجانب.
حينما وصل سماحته مع مرافقيه إلي جامعة "دار العلوم ديوبند" رحب الأساتذة والطلبة بضيوفهم أحسن ترحاب، وبعد ذلك قام فضيلة الشيخ بزيارة الجامعة. وبما أن قدومه كان مقارناً للاختبارات في جامعة "دارالعلوم ديوبند" لم يمكن لفضيلته إلقاء كلمة أمام الطلبة هناك.
ثم رجع إلي مدينة دلهي وزار سماحة الشيخ محمد أرشد المدني (رئيس جمعية علماء الإسلام بالهند)، وبعد ذالك توجه نحو مدينة "برهان بور" للمشاركة في دورة المجمع الفقه الإسلامي بالهند.
"برهان بور" هي البلدة التي كان يسكن فيها العلامة "علي المتقي" (صاحب كنز العمال) وكان له مدرسة في هذه المدينة.
بدأ المجمع الفقهي أعماله بمشاركة عدد ضخم من أبرز العلماء والمفتين من كافة الهند وبعض البلاد العربية وقد ألقي سماحة الشيخ عبدالحميد حفظه الله كلمة في حفلتهم حول واجب العلماء تجاه الأمة الإسلامية.
قال فضيلته في كلمته: «كان أملي أن أزور الهند وقد فكرت حول البركات التي أنزلها الله علي عباده في هذه البلاد، والأمر الذي رأيته هنا وقد أعجبت به جداً هو التواضع بين الجماهير عامة وبين العلماء خاصة وذكرت أن من التواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله».
وأضاف: «إن هبوط آدم عليه السلام من السماء إلي هذه البلاد له حكمة عظيمة وإنّه جاء من السماء بعبء عظيم من العلم والحكمة إلي هذه المنطقة».
وأشار سماحته في كلمته إلي ضرورة الوعي الديني والصحوة الإسلامية، وأضاف: «لو نام العلماء والمفكرون ولم يعتنوا إلي أحوال الأمة سوف تنحرف سيارة الأمة الإسلامية عن جادّة الطريق، ولوكان العلماء والمفكرون في يقظة تامة أمام مؤامرات الأعداء فعلي الأمة أن تنام براحة البال دون أي خوف وحزن».
وخاطب فضيلة الشيخ علماء الهند بالقول: «إنكم لستم علماء للمواطنين في الهند فحسب، بل أنتم تتعلقون بكافة العالم الإسلامي وإنّ العالم اليوم في أمسّ حاجة إلي علومكم وخدماتكم».
وبعد المشاركة في هذا الحفل، رجع سماحته إلي دلهي، ومِن ثَمّ غادر الهند إلي إيران.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقات