واجه الاتحاد السوفيتي بالانهيار الفجائي في سنة 1990م ولغت كل الخطط المدروسة التي دبّرها المستعمرون الروس، وما نجحوا في إنجاز ما قصدوه وما تطيروا له، وإن بذلوا جهودهم المتواصلة طوال سبعين سنة.
أعلفن في أنحاء البلاد أن كل دولة من الدول الخمسة عشر للاتحاد السوفيتي صارت دولة ذات سيادة منفصلة، ومنها طاجيكستان،.
ولكن بقيت في الدوائر الحكومية أذناب الاستعمار ومؤيدوه.
كان الناس متحيرين. أراد البعض أن يتحدوا من جديد وأراد الآخرون السير نحو الديمقراطية، فأتيحت الفرصة للمسلمين لثورة إسلامية في البلاد الإسلامية، وانتهز الفرصة المتحمسون في طاجيكستان لكي يكون النظام إسلامياً.
تظاهر المسلمون في طاجيكستان حتی وفرت الحكومة الجديدة لهم الحرية في الدين، وظنوا أن حكومتهم المستقلة تقبل اقتراحاتهم، ولكن الزعيم الجديد الشيوعي «قهار محكموف» صار قلقاً من الازدهار الديني والديمقراطي فقدم استقالته وانتخب مكانه «رحمان نبي اف» وهو من زعماء الحزب الشيوعي.
أعلن «نبي اف» أن النهضة الإسلامية غير شرعية وانها محذورة. ولما اشتدت ضغوط المخالفين أعلنها شرعياً خوفاً من الاضطرابات.
كانت الأوضاع بالغة الحساسية. هناك الديمقراطيون وهناك الشيوعيون وهناك أنصار الإسلام وغيرهم، وكان الخطر يزداد يوماً بعد يوم، فأقيمت الانتخابات الرئاسية من جديد.
لما أعلن الشيوعيون فوزهم مرة ثانية في الانتخابات، رفض الثوار المسلمون نتائج الانتخابات وأعلنوها مزوّرة، فقاموا بمظاهرات معادية ضد الحكومة وطلبوا من الحكومة حصتهم في السلطة والحرية في النشاطات الدينية، وتظاهر الشيوعيون أيضاً وكانوا يريدون بقاء الحكومة الشيوعية أو حكومة جديدة توافقهم.
انتهت المظاهرات بعد شهرين بإراقة الدماء بين أنصار الحكومة والإسلاميين، وكان أكثر الإسلاميين منتسبين إلی منطقة «غرم» وضواحي «دوشنبه»، ومنتسبين لقبيلة «غرمي»، وأكثر أنصار الحكومة الجديدة كانوا منتسبون إلی قبيلة «كولابي» من محافظة «كولاب».
كانت تنتخب السلطات الحكومية في عهد الاتحاد السوفيتي من «الخوجندين» و«الكولابيين». ولما اضطربت السياسة، سلّح كثير من «الخوجندين» أنصارهم وحرضوهم علی القتال وحذروهم بأنه لو تسلط «الغرميون» سوف يستعبدونهم، حتی شنت القوات الموالية للحكومة هجوما عنيفا علی القاعدة الأصلية «قرغان تبّّه» وأرادوا ان يقلعوا جذور المخالفين حتی لا تتسلم دفة الحكم إليهم أصلاً، فحمل أنصار الإسلاميين السلاح دفاعاً عن أنفسهم ضد القوات الموالية.
نشبت الحرب الأهليه بين الفريقين وقدم رئيس الجمهوريه «رحمان نبي اف» استقالته وفوض الرئاسة إلی «افمام علي رحمان اف» موقتاً، وكانت البلدان المجاورة تساعد المجاهدين ونشبت الحرب.
أخذ أنصار الحكومة ينهزمون ولم يجدوا حيلة وبفداً لمقابلة المجاهدين، فطالبت الحكومة من روسيا وأوزبكستان مساعدة عسكرية واستجيب هذا الطلب فوراً، لأنهم كانوا يعلمون إن افسست في طاجيكستان دولة إسلامية سوف ينتشر الإسلام في الآسيا الوسطی. فأدخلت روسيا وأوزبكستان الجنود المفدَججين بالسلاح واحتل الشيوعيون أنحاء البلاد بالتدريج، وما بقي المجاهدون إلا في حاشية البلاد في الجبال واستقاموا أمام العدو ولم يستسلموا.
هاجر أكثرمن 60000 مهاجراً إلی افغانستان حتی يبقوا سالمين، وهدأت الحرب داخل المملكة في السنة التي دخلت فيها القوات العسكرية من أوزبكستان وروسيا، ولكن ما استطاعت هذه القوات تهدئة الأوضاع بالكامل حتی سنة 1996 حيث اضطروا إلی دعوة الطرفين إلی الجلوس علی طاولة المفاوضات وإرساء السلام.
انتهت الانتفاضة الإسلامية بإقرار السلام بين الجانبين في «مسكو» في أوائل سنة 1997 بتوقيع «إمام علي رحما اف و عبدالله نوري».
منحت في هذا السلام للإسلاميين %30 من المناصب الحكومية و13 من المقاعد النيابية ورجع أكثرالمهاجرين إلی وطنهم بعد السلام.
أحوال الإسلاميين في طاجيكستان
ثلاثون في المائة من نشاطات النهضة الإسلامية تنفذ في الأمور غير السياسية ولايستحق رجال الدين والعلماء حق التدخل في السياسة، والمجموعات الدينية وغيرالدينية لاتستحق حق النشاط ضد الحكومة، ولاتبنی المساجد والمدارس ولايدرّس فيهما إلا بإجازة رسمية من الحكومة. فهذه القوانين جزء من قوانين الدستورالحكومي الذي افسس سنة 1994م وفقاً لما تنصّ عليه الديمقراطية المزعومة.
لايوجد في أنحاء هذه البلاد إلاّ جامعة واحدة و عدة مدارس دينية صغيرة.
مصاريف الجامعة الإسلامية وإداراة المحكمة الخاصة بأمور الدين تتوفر من المساعدات المالية التي تدخل من الممالك العربية وبا كستان.
مئات من الشباب الطاجيك يتعلمون الدروس الدينية في البلاد الأجنبية لعدم إمكانهم من التعلم في وطنهم. أرغمت المشكلة الاقتصاديه الآلاف من الشباب علی السفر إلی روسيا حتی يحصلوا علی الثمن الذي يكفيهم لعيشهم ولكن البيئة الفاسدة أثّرت فيهم أثراً بالغاً.
إن عدم نجاح الحركات الثوريه الإسلامية لقّن درساً لن ينساه المسلمون لإصلاح خطاياهم، وإن باء سعيهم بالفشل ولكن ازدادت الرغبة في الناس بالنسبة إلی الأمور الدينية.
إن الثوار المسلمين استعجلوا في أمرهم واندفعوا إلی العمل وحملوا علی الشيوعية في تلك الآونة التي لم يكن المسلمون آخذين افهبتهم لثورة وما كانوا يتصورون الدولة الإسلاميه كما تستحق، وأكثر المسلمين لم يكونوا يدافعون عن الإسلام، وكانوا يزعمون أن الفريقين يقاتلان لأجل المناصب وأن الحرب بينهما أهلية، حتی أن بعض أنصار الحكومة ما كان يجيء في خلدهم أنهم يقاتلون ضد دينهم، لأن كل الوسائل الإعلامية والدعائية كانت تحت سيطرة الحكومة وكانت تعرض الحرب للناس كأنها حرب أهلية، وكانت تشجع أنصارها وكافة المواطنين علی الدفاع عن الوطن، وكانت تشوّه سمعة المجاهدين بالتهم الملفّقة، حتی تيقن الناس أن المجاهدين متعطشون لسفك الدماء وأنهم سبّبوا المذابح الشنيعة وعكروا جوّ الأمن في أنحاء البلاد.
كانت تستعمل الثورة الإسلاميه سوء الاستعمال لتشويه الحركة الإسلاميه.
خطت دولة طاجيكستان في السنوات الأخيرة خطوات جبارة نحو الديمقراطية الغربية الفاسدة، لأن الحكومة أخذت زمام الأمور وتصدر قراراً ضد الدين أحياناً وتمنع الشباب من المساجد حتی تبلغ أعمارهم إلی 17 سنة، وأما البنا ت البالغة من العمر 17 سنة يمنعن من ارتداء الحجاب في الجامعات والمدارس، وتحاول الحكومة أن تشغل الأذهان بالاحتفالات القومية والأعياد القديمة والأفراح واللعبات.
فمن أعظم حاجات المسلمين في طاجيكستان هو إيجاد الوعي في طبقاتهم ودهمائهم، وتربية الجماهير تربية عقلية مدنية سياسية، وإيجاد الشعورالديني والتعريف بحقيقة الإسلام والعقيدة الصحيحة الصافية وإثبات بطلان الشيوعية والديمقراطية والرأسمالية.
تعليقات