اليوم :2 December 2024

أين المسلمون من الرسالة العالمية لرسول الرحمة والمحبة؟

أين المسلمون من الرسالة العالمية لرسول الرحمة والمحبة؟

يمرّ بنا ربيع جديد لعام هجري جديد. يمرّ بنا الربيع الذي يذكّرنا بمولد سيّد ولد آدم وفخر الأنبياء وإمام المتقين، والأمة المسلمة في تنازع وتنافر واضطراب وفتن كقطع الليل وهرج ومرج لا يدري القاتل فيمَ قَتل ولا المقتول فيم قُتل.

في العالم العربي وهم قوة الإسلام والمسلمين ومركز قيادته الفكرية والثقافية، حرب استنزاف شرسة بين التيارين العلماني والإسلامي؛ بين حكومات تنتمي في الغالب إلى تيارات غير إسلامية والتيارات الإسلامية. هذه الحرب العدمية والنزاعات السياسية أهلكت أخضر هذه البلاد المنتفضة الثائرة ويابسها من دون أن يجتمع القوم على كلمة سواء. أكثر هذه البلاد ينتمي مسلموها في الجملة إلى طائفة عقائدية واحدة ومذهب فقهي واحد، ومع ذلك صار كل طرف يحاول أن يخرج خصمه باسم الإسلام من دائرة الإسلام. ففي المعسكر الإسلامي اعتبر بعض الإسلاميين أن من يخاصمهم فهو يخاصم الدين، ومن يقف ضد طموحهم السياسي فهو بالضرورة يقف ضد الدين؛ وبعض الأطراف الليبرالية يرى الإسلاميين خوارج وورما سرطانيا يجب استئصاله من الجسد السياسي، بل ومن الجسد العربي والإسلامي؛ وأمسى كل طرف يرمي الآخر بالارتهان لأميركا وإسرائيل، والعالم ينظر بازدراء وتهكم إلى هذا النزاع المأسوي المخجل المحبط.
رغم أن الكثيرمن هذه النزاعات بسبب مواقف سياسية، كان المفروض أن يكون الخلاف حولها خلاف تنوع لا خلاف تنافر وتضادّ، والأخطر في هذا الشأن أن معسكرات أجنبية من أعداء هذه الأمة الألداء تنزع إلى تضييق هوة الخلافات فيما بينها، والعالم الإسلامي ينزع إلى توسيع ما ضاق من الخلاف، وتنفير كل حليف محتمل.
هذا واقع الأمة المسلمة. هذا واقع أمة بعثت ببعثة رسولها لرسالة عالمية ومسئوليات عالمية تتجدد مع تجدد العصور والأزمان، وتتقدم مع تقدم العلوم والوسائل.
لقد جاء النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم بـرسالة عالمية تستغرق كل عصر ومصر وتستغرق البشرية كلها أسودها وأبيضها .القرآن تحدث عن هذه العالمية بوضوح كامل في آيات كثيرة مكية ومدنية، ولقد نهض النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المهمة العالمية  قولا وفعلا.
 قال صلى الله عليه وسلم: “أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي”. وقال صلوات الله وسلامه عليه: “كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة”. وفي روايات أخرى للحديث: “وبعثت إلى كل أحمر وأسود”. قال ابن الأثير: أراد بالأسود والأحمر جميع العالم، والعرب تسمي الأبيض أحمر.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى زعماء العالم وملوك البلاد في عصره برسائل يدعوهم إلى الإسلام كما أمره ربه عز وجل. عالمية رسالة رسول الرحمة والمحبة حقيقة ساطعة للجميع، لكن يبدو أن أذهان أكثر المسلمين قد ضاقت، حتى بدأ الإسلام وكأنه دين المسلمين وحدهم، أو رسالة للعرب ومن والاهم. فأصبح المسلمون لا تهمهم قضايا ومسئوليات عالمية هي في الأساس من تعاليم الدين الذي أتى به رسولنا الكريم. فهذا الدين العالمي قد هيأ مناخات عالميته بأسس متينة وأصول قوية سبقت وسائل التقدم العلمي الحديثة.
من أهم هذه الأسس والأصول المتينة: 1- أصل وحدة الجنس البشري كله والذي صرّح به القرآن الكريم قائلا:  “وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ”. 2- أصل التعدديات كالتعددية في الألسنة والألوان: “وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ”. فهذا التنوع في الألوان واللغات دليل على بديع خلق الله سبحانه، فلا يصح أن يكون من ثم ذريعة للتفرقة العنصرية. والتعددية في المناهج والنظم “لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً” وكتعددية القوميات والشعوب بصورة تدعو إلى التعارف العالمي بين هذه القوميّات: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”.
لقد جدّت من القضايا والهموم المشتركة في عصرنا (عصر التقدم العلمي والتقني) ما يعزز عرى العالمية الإنسانية  لهذا الدين كالتعاون على مكافحة الظلم والاستبداد وتطهير المجتمعات البشرية من المستبدين، والتعاون على كل ما يحفظ كرامة الإنسان وحريته ومسؤوليته، والمسارعة إلى إنقاذ الفقراء من الجوع والمرض والبؤس دون تفرقة دينية أو عنصرية. التعاون على بناء سلام عالمي تتمتع به الأمم والدول كافة، وعلى حماية بيئة الكوكب مما يفسدها. أين المسلمون من هذه المسؤوليات العالمية؟ وبل أين هم من الرسالة العالمية لرسول الرحمة والمحبة. لا يمكن تصور هذه المسئوليات ولا تمثّلها شعورا وعملا إلا بعد استشعار حقيقة أن الإسلام رسالة عالمية يتوجب على المسلمين جميعا شعوبا وحكاما أن يكبروا معها، لا أن يصغّروها وفق أذهانهم المكدودة المحدودة وتفكيراتهم الضيقة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات