اليوم :29 March 2024

عبد القادر ملا؛ ضحية أخطاء الجيش الباكستاني

عبد القادر ملا؛ ضحية أخطاء الجيش الباكستاني

يمرّ نحو 42 سنة على انفصال باكستان الشرقية وظهور دولة جديدة باسم بنغلاديش. باكستان الشرقية نالت أولا استقلالها من الهند. الجهود التي بذلها الشعب البنغالي للاستقلال والحرية من الهند لا تقلّ عن غيرها من الأقوام في باكستان طبعا. لكن ما هي عوامل وأسباب الانفصال من باكستان بعد أن كانت عونا لها في الحرية والاستقلال، وبعد أن عانى الشعب البنغالي ما عاناه من المصائب والمشكلات؟ فالقصة لها تفاصيل في صفحات الكتب التي ألفت في الموضوع، وفي صفحات ذكريات المنصفين من ضباط الجيش الباكستاني الذي كان يحكم الوطن الواحد آنذاك.

إلا أنه لا يشك أحد في أن السياسة الخاطئة للجيش باستعماله القوة ضد المعارضة السلمية المشروعة والمساعي الحثيثة للهند الجريحة، كانت وراء هذا الانشقاق للوطن الإسلامي الواحد.
الاتهامات متبادلة بين البلدين منذ انفصال بنغلاديش إلى الآن. باكستان تتهم الشعب البنغالي بالخيانة والتعاون مع العدو، وأن البنغاليين كانوا عبئا على باكستان وغير ذلك. والبنغاليون أيضا يتهمون الجيش الباكستاني بارتكاب المجازر وخطف الناشطين والتعدي على السيدات البنغاليات.
عندما اختلف المسلمون والهنود في الهند الواسعة بعد رحيل المستعمر البريطاني وهتفت جماعات سياسية إسلامية في الهند بتأسيس دولة واحدة مستقلة للمسلمين، كان الشعب البنغالي من السابقين الأولين الذين لبوا النداء المذكور ووقفوا ضد الهنود جنبا إلى جنب باكستان، بل كان مجيب الرحمن البنغالي من أبرز الناشطين لاستقلال باكستان، ومن المقربين لمحمد على جناح، لكن ماذا تغيّر بعد الاستقلال سنة 1947 ليضع مجيب الرحمن يده في يد الحكومة الهندية ويقف عدوا ضد باكستان؟ هذا السؤال لا يريد السياسيون في باكستان الإجابة عليه، بل لا يريدون أن يفكروا في الإجابة عليه!
في سنة 1970 أقيمت الانتخابات في باكستان الشرقية والغربية، شارك البنغاليون مشاركة واسعة في تلك الانتخابات وحصل حزب “عوامي ليك”  لمجيب الرحمن في تلك الانتخابات على غالبية الأصوات. وكان الجنرال يحيى يحكم باكستان في ذلك الوقت. من المؤسف جدا أن الجماعة الإسلامية قامت بجانب الجنرال يحيى في تلك الانتخابات. جرت الانتخابات لنقل القدرة من الجنرال إلى الرئيس المنتخب من قبل الشعب، لكن لما أتت الانتخابات بنتيجتها، لم يستنكف يحيى خان من قبول الحزب الفائز ونقل القدرة إليه فحسب، بل استخدم العنف والعملية العسكرية الواسعة ضد المعارضين البنغال.
استغلت الهند هذه الفرصة للتدخل في باكستان الشرقية، حيث شجّع الانفصالية بين المعارضة وقوّاها بكافة الوسائل المتاحة.
الخطأ الذي ارتكبته الجماعة الإسلامية، أنها دعمت أولا نقل القدرة إلى حزب مجيب الرحمن، لكن لما بدأ جنرالات الجيش العملية العسكرية لقمع البنغاليين قام عناصر باسم الجماعة الإسلامية بتأسيس منظمتي البدر والشمس العسكريتين ودعموا الجيش في عملياته العسكرية ضد المعارضة في بنغلاديش. هكذا ورّطت الاستخبارات الباكستانية الجماعة الإسلامية في مشكلة أصبحت مستمسكا ليومنا هذا للحكومة البنغالية لقمع وكبت كافة الإسلاميين في بنغلاديش. وهنا يجب أن تعتبر كافة الجماعات الإسلامية السياسية بهذه الأخطاء وبتلاعب القوى الأمنية بمصيرها ومستقبلها في عالمنا الإسلامي.
في العملية العسكرية التي أقامها الجيش الباكستاني، صدرت جرائم يتندّى لها الجبين الإنساني. في الغالب ترفض تقارير بنغلاديش بأنها تقارير مبالغة فيها، لكن هل اعترافات ضباط الجيش الباكستاني في ذكرياتهم أيضا مبالغة فيها؟ يذكر الجنرال خادم حسين وكان ضابطا في الجيش يؤدي الخدمة في باكستان الشرقية في مذكراته “أن في 10 من مارس قال الجنرال أمير عبد الله خان نيازي لنا: سأبيد هذه الجنسية الخبيثة! ماذا زعموني؟” ويضيف خادم حسين قائلا: “إن ضابطا بنغاليا في الجيش سمع هذه المقولة لنيازي فدخل دورة المياه وأطلق رصاصة على رأسه وانتحر”. وذكر أيضا ضابط آخر اسمه أبوبكر عثمان متها في كتابه “من مومباي إلى جي اتش كيوتك” أن المخابرات الباكستانية كانت تقوم بخطف الناشطين من الشعب البنغالي. (سياسة الخطف والتمثيل بجثث المعارضين من جانب المخابرات الباكستانية مستمرة بقوة في عصرنا في بلوشستان ويبدو أن المخابرات الحديثة لباكستان لم تعتبر الدروس من انفصال بنغلاديش أو هي غير مهتمة بوحدة الأراضي في باكستان).
 والغريب أن الجنرال نيازي المذكور سلّم نفسه بعد ذلك و93 ألف من الأسرى إلى الهند؛ بينما ضحّى الجنود البواسل من الجيش بأرواحهم وتجرّعوا كؤوس الشهادة دفاعا عن وحدة الوطن الإسلامي أثناء الحرب التي هجمتها جماعات مسلحة بنغالية بمساعدة من الجيش الهندي المتربص!
على باكستان أن تعتبر بالأخطاء التي أدت إلى انفصال الشق الشرقي منها لئلا تتكرر تلك الأحداث المؤلمة.
 لكن من الغباء أن تبادر الحكومة البنغالية بعد هذه المدة الطويلة إلى إعدام عبد القادر ملاّ، مساعد الأمين العام لحزب الجماعة الإسلامية في بنغلاديش.
 هذا الإعدام يجعل بنغلاديش أمام موجة جديدة من العنف والكراهية بين الدولة والمعارضة. ففي 5 من يناير 2014 ستكون الانتخابات القادمة في بنغلاديش. الجماعات الكبيرة قاطعت هذه الانتخابات لأنها تشكّ في نزاهتها إذ تقام تحت إشراف الحكومة الحالية التي ليست محايدة.
إعدام عبد القادر ملّا بعد أربعين سنة من إبقائه في السجن، أحيى الجراحات القديمة بين البلدين، ففي هذا الشهر، يعني شهر ديسمبر انفصلت بنغلاديش، ويمرّ شهر ديسمبركل سنة، والساسة الباكستانيون لا يفكرون في تدارك الأخطاء الماضية والعبرة منها، والبلد كما يعرف الجميع في مهبّ الأزمات والمشكلات الداخلية والمؤامرات الأجنبية، ولا تقدم أيضا جهود ولا مساعي لتقليل العداوة والكراهية بين الشعبين البنغالي والباكستاني.  
إضافة إلى هذا، فالإعدام المذكور خطوة قبيحة وسيئة للحكومة البنغالية، وهى ستبقى وصمة عار على جبين الحكومة الراهنة في بنغلاديش للأبد.
كيف ولماذا تبدّل فجأة الحكم المؤبد القديم لعبد القادر ملا إلى الإعدام شنقا بحكم جديد من المحكمة العليا في بنغلاديش؟
ألم يوقّع الطرفان الباكستاني والبنغالي بعد نهاية الحرب على قرار يمنعهما من رفع ملف الجرائم الحربية ضد بعضهم البعض! ألم تكن بنغلاديش في الوقت الذي عارض عبد القادر ملاّ قيام دولة مستقلة جزءا من باكستان وفقا للقوانين الدولية؟ وهل تعتبر معارضته رغم ذلك غدرا وخيانة إلى بنغلاديش أم وفاء للوطن الذي انتمى إليه؟
لقد ظلمت كل من باكستان وبنغلاديش عبد القادر ملاّ  بطريقتها وأسلوبها.  ظلمت باكستان عندما اعتبرت وزارة الخارجية الباكستانية الإعدام المذكور شأنا داخليا لبنغلاديش، مع أن حبس عبد القادر وإعدامه يغايران القرار الملزم الذي وقّعه الطرفان، والذي جاء التصريح فيه بعدم  رفع ملف الجرائم الحربية ضد أحد بعد اعتراف باكستان ببنغلاديش كدولة جديدة. ثمّ الفقيد راح ضحية لوفائه لباكستان وللأخطاء السياسية التي ارتكبها الجيش الباكستاني الذي كان يحكم بنغلاديش آنذاك.
 وظلمته بنغلاديش أيضا حيث تذكرت بعد أربعين سنة أنّ لعبد القادر جرائم، مع أن الرجل بعد قيام دولة بنغلاديش اعترف بها وشارك في انتخاباتها وأصبح عضوا في برلمانها مرتين. ولما أنه  كان صحافيا ورئيس تحرير صحيفة “سنغرام” اختير مرتين أيضا نائب الرئيس في منتدى المجلس الصحافي في داكا.
ثم يعدم بعد كل ذلك بتهمة معارضته لقيام دولة بنغلاديش! فما أوهن هذا المنطق لدولة أو حكومة! بناء على هذا المنطق ينبغي إعدام كافة المعارضين لباكستان الذين أتوا إلى باكستان أو بنغلاديش بعد الاستقلال وأصبحوا من المواطنين المحبين والمخلصين!
بناء على هذا المنطق يجب أن يعدم كافة الهنود الذين أيدوا استقلال باكستان لكنهم لم يهاجروا إليه بعد الاستقلال وهم اليوم مواطنون مخلصون للهند.
يجب أن تخجل المحكمة البنغالية من هذه الخطوة القبيحة، وكذلك تخجل وزارة الخارجية الباكستانية بسكوتها على انتهاك أهم قرار تاريخي بين البلدين بعد سلسلة من الأحداث والجرائم التي باشرتها الفئة الحاكمة على باكستان!

 

 

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات