اليوم :18 April 2024

ثورة شعب ليبيا تكشف عورات السياسات الدولية

ثورة شعب ليبيا تكشف عورات السياسات الدولية
benghazi_libya_02لا ينبغي النظر إلى الموقف الدولي، لا سيما الغربي من ثورة شعب ليبيا، انطلاقا من التصريحات الرسمية وحدها، فالتصريحات تقول دوما ما يراد قوله في لحظة معينة، ليترك أثرا مستهدفا سواء لدى الدول الأخرى أو على صعيد الرأي العام المحلي، بل لا يكفي لتقويم الموقف الدولي، لا سيما الغربي، النظر في جملة إجراءات يتم الإعلان عنها وأخرى يجري تسريبها أو ينكشف أمرها، دون النظر أيضا فيما يمكن للقوى المعنية أن تصنعه وتمتنع عنه، دون وجود مانع حقيقي سوى الإرادة السياسية، وبالتالي الأهداف القريبة والبعيدة لصانعي القرار.

الثورات العربية وعنصر المفاجأة دوليا
ثورة شعب تونس فاجأت القوى الدولية، لا سيما الغربية، فكان ممّا يلفت النظر في ردود الأفعال الأولى أن كشف بعضها عن الموقف الحقيقي، الصادر عن الاقتناع المسبق باستقرار الحكم الاستبدادي القائم، وهذا ما أصبحت تصريحات وزيرة الخارجية الفرنسية سابقا شاهدا عليه، وتضمّن في حينه الاستعداد لدعم الأجهزة القمعية الاستبدادية بما قد تحتاج إليه من أجهزة وخبراء لقمع الثورة.. قبل رؤية أنّها غير قابلة للقمع بالوسائل التقليدية.
وثورة شعب مصر فاجأت القوى الدولية، لا سيما الغربية، من حيث اندلاعها في مصر تخصيصا وكان يُعتقد بأنها في مؤخرة قائمة الدول التي يعجز الحكم الاستبدادي فيها عن قمع أي “معارضة”، وبقيت تصوّرات الدول المعنية آنذاك محصورة في أن “الثورة” مجرّد “معارضة.. كبيرة”، وهذا ممّا يلفت النظر في ردود الأفعال الأولى، فكشف بعضها عن الموقف الحقيقي، الصادر عن الاقتناع المسبق باستقرار الحكم الاستبدادي القائم، وهو ما عبّرت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية بصورة واضحة ومباشرة.. وخلافا لوزيرة الخارجية الفرنسية بقيت في منصبها من بعد ظهور حجم “خطيئتها”.
أمّا ثورة شعب ليبيا التي رافقتها موجة ولادة ثورات أخرى أثبتت أنّ “الثورة” أصبحت حدثا عربيا تاريخيا شاملا وليس قطريا محدودا، فلم تفاجئ القوى الدولية، لا سيما الغربية، فلا يمكن هنا القول بأن بعض التصريحات والمواقف والإجراءات الدولية أو الغربية كان “متسرّعا”، بل يمكن القول إنّها تعبّر عن الإرادة السياسية والتقديرات السياسية المعتادة في صناعة القرار.

المماطلة.. فالإدانة.. فالإجراءات المدروسة
هنا يمكن القول إنّ مجموع ما صدر من مواقف واتخذ من إجراءات بصدد ثورة شعب ليبيا حتى الآن مقصود بحد ذاته لتحقيق أهداف لا يلعب فيها الدور “الإنساني” و”القانوني الدولي” إلا بقدر ما يخدم الأهداف الثابتة، ويمكّن من إخراج سياسي مناسب.
في أوروبا استغرق الأمر تسعة أيام قبل صدور إدانات أوروبية مباشرة واتخاذ إجراءات مشتركة، وسبقها تعدّد المواقف ما بين الإيطالية المتمسّكة بالحليف في الشمال الإفريقي والشريك على الصعيد المالي والنفطي حتى اللحظة الأخيرة، وبين الألمانية التي سارعت إلى الإدانة التي لا تسبّب خسارة كبيرة ما، حتى وصلت إلى الدعوة إلى إجراءات غربية ودولية مشتركة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت المماطلة صيغة “تمييع التصريحات والمواقف” فالتأكيد المتكرّر لتأييد الحقوق والحريات لم يقترن بكلمة إدانة صريحة، إلى أن أصبح الامتناع عن الإدانة باهظ الثمن.
على أنّ ما يلفت النظر هو نوعية الإجراءات المتخذة حتى الآن من جهة، والإجراءات الممكنة التي لم تتحرّك الدول المعنية إلى اتخاذها رغم ذلك من جهة أخرى، وعند النظر في هذا وذاك يتبيّن بوضوح أنّها إجراءات مدروسة لتحقيق أهداف محدّدة، قريبة وبعيدة، ويمكن الوقوف عند أهمها، فيما يتعلق بالحصار المالي والإجراءات العسكرية.

الحصار المالي
سارعت الدول الغربية جميعا إلى إعلان عزمها على اتخاذ إجراءات تجميد ما يستخدمه المستبد الليبي وأعوانه من حسابات مصرفية وثروات استثمارية في الدول الغربية، وحظر سفرهم إلى تلك الدول. وليس مجهولا أنّ هذه الإجراءات الغربية التي تتكرّر كلّما تخلّى الغرب عن مستبد حليف في دولة من دول “الجنوب” إجراءات متأخرة بحدّ ذاتها، فليست قضية الاستبداد والفساد مرتبطة بما يُصنع بأدواته المالية ساعة سقوطه، بل هي مرتبطة بفتح المجال لصنع ما يريد على امتداد سنوات الاستبداد والفساد الطويلة.. دون محاولة اعتراض طريقه الذي يعبر المصارف والمؤسسات المالية وشركات صناعة السلاح وأسواقه السوداء ومواطن الاستثمارات العقارية والتجارية والمالية، وجميعها، أو جلّها، في الدول الغربية، وتخضع في الأصل لقوانينها، ولمراقبة استخباراتها، وللإرادة السياسية التي تصنع القرار فيها.
وليس مجهولا أيضا أنّ حظر السفر لا يقدّم ولا يؤخّر، فليس منتظرا من المستبد وأعوانه مغادرة ساحة المعركة ضد الشعب داخل الحدود ليتجوّل خارج الحدود، ويكفي إلغاء القرار لاحقا فيما لو “انتصر” المستبدّ، أو تثبيته والظهور بمظهر دعم الشعب في ثورته.. بعد أن “ينتصر” الشعب، وبقدر ما يصبح انتصار الشعب حتميا في نظر صانع القرار الدولي، أو الغربي، يكون إخراج عملية حظر السفر بصيغة قطعية، وهو ما أوصل إلى تلك الصيغة بعد أن اتخذت ثورة شعب ليبيا مسارها التاريخي.
أمّا تجميد الثروات فللدول الغربية سوابقها الشنيعة على هذا الصعيد، منها على سبيل المثال تجميد ثروات شعب الفيليبين المنهوبة عند سقوط المستبد ماركوس، ثم.. لم يحصل شعب الفيليبين على تلك الثروات من بعد، فتبدّلت الجهة التي نهبتها واقعيا فحسب.. وهذا ما يسري على مستبدين آخرين سقطوا من بعد.
إنّ الثروات المسجّلة باسم المستبدين وأعوانهم في الغرب، منهوبة من الشعوب، وتعود بالفائدة بالمعيار المادي للكلمة، على مستويين متكاملين: تعزيز حصون الاستبداد القمعية، وتعزيز دخل شركات السلاح وسواها في الدول الغربية، ولا يجري هذا بسبب “عجز” المسؤولين في الغرب عن حظر هذه الممارسات أثناء الاستبداد، وإنّما يجري لأنّ الإرادة السياسية التي تصنع القرار، حريصة على استمرار التعامل المتبادل مع الاستبداد.. إلى أن يسقط فتتخلّى عنه.

الضغوط العسكرية
حتى الآن لم تتجاوز الضغوط العسكرية حدود التلويح بإجراءات ما، وعلى وجه التحديد ما يسمّى حظر المجال الجوي كيلا يستخدم المستبد الطائرات العسكرية في عمليات الفتك بالثائرين، وفق تعليل ذلك رسميا، ويلفت النظر أولا أنّ هذا التلويح جاء في فترة كانت الطائرات العسكرية فيها تقصف مخازن الأسلحة في الدرجة الأولى، وتحلّق فوق رؤوس المتظاهرين في المدن الليبية، وبدا التلويح جادّا، وربما رادعا، وهو ما انعكس في تصريحات صادرة عن المعسكر القذافيّ تؤكّد عدم استخدام سلاح الطيران في المعركة ضدّ المدنيين، وفي تلك اللحظة بالذات صدرت سلسلة تصريحات، أمريكية وأطلسية في الدرجة الأولى، وروسية وصينية في الدرجة الثانية، تؤكّد الأولى “استحالة” فرض حظر جوي لأنه يعني الاضطرار إلى توجيه ضربات عسكرية مسبقة يرفضها الثائرون وترفضها جهات أخرى وتتطلّب قرارا مسبقا من جانب مجلس الأمن الدولي، وتؤكّد الثانية رفضا روسيا وصينيا لاتخاذ قرار من هذا القبيل، ويعني ذلك:
1- الدول الغربية لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية تحمّل –لدى الرأي العام العربي.. والغربي- الدولتين الروسية والصينية المسؤولية عن عدم تلبية طلب بعض الأطراف من الثائرين بشأن حظر جوي دون تدخل عسكري أرضي.
2- الدول الغربية تمارس الضغوط على الثائرين، من خلال تخييرهم بين تدخل عسكري مكشوف يعطي مسار الثورة صبغة تحقيق النصر بمساعدة الغرب، وبين بقاء المجال الجوي مكشوفا للطيران العسكري في قبضة المعكسر القذافيّ.
3- الدول الغربية –وهذا الجانب الأخطر في هذا الموقف- تعطي المعسكر القذافيّ إشارة واضحة بصدد عدم التصدّي من خلال حظر جوي لحركة الطيران العسكري في قبضته، ومن الملاحظ في مجرى الثورة، أنّه منذ ذلك الحين تحوّلت الغارات الجوية القذافية لتشمل مناطق سكنية في المدن، وتجمّعات للثوار وسط البلاد وشرقها.
4- يعني ذلك تأمين فرصة زمنية لإطالة أمد المواجهة بين شعب ثائر دون سلاح يذكر، واستبداد مستكبر مدجّج بالسلاح.. حتى إذا ازداد تعداد الضحايا، توافرت فرصة “التدخل الخارجي” تحت عنوان إغاثة الضحايا، على غرار ما سبقت تجربته غربيا، في البوسنة والهرسك وفي كوسوفا.
مرّة أخرى يدخل عنصر المماطلة المدروسة في الحسبان، فبعد تحرّك رسمي عربي متأخر، صدر على الأرجح نتيجة اتصالات غربية-عربية رسمية، منها ما اتخذ صورة زيارات مباشرة، وبعد انكشاف درجة الهمجية الاستبدادية في مواجهة الثورة، أصبحت المقدّمات الضرورية مناسبة لفرض حظر جوي وتنفيذه، ليأتي في مرحلة متقدّمة من الثورة الماضية حتى الآن نحو هدفها، ليس جغرافيا فقط لتشمل ما لم تصل إليه بعد من أرض ليبيا، بل نوعيا أيضا وفق انتقال الثورة من مرحلة اندلاعها دون وجود مؤسسات وتنظيمات تحرّكها، إلى مرحلة تنظيم نفسها سياسيا وعسكريا بقدر ما تسمح به ظروف ثورة جارية في بلد منع الاستبداد وجود مؤسسات فيه سوى مؤسسة الاستبداد المسلّح نفسه.
لن يقع تدخل عسكري شامل مرفوض من حيث الأساس، لأنّ الثورات العربية استطاعت أن تصنع واقعا عربيا جديدا، يجعل الأضرار من ممارسة التدخل أكبر على مستقبل علاقات الدول التي تمارسه مع المنطقة، ممّا يمكن تحقيقه من أغراض آنية، بينما يمكن للتدخل العسكري أن يؤدّي المطلوب في شكل حظر جوي، إذ تتعدّد الآراء حوله ما بين المطالبة به رسميا كما هو الحال مع مجلس التعاون الخليجي، والمطالبة به جزئيا من بعض قيادات الثورة المتكوّنة بعد اندلاعها، كي يحقق في نهاية المطاف هدفا سياسيا غربيا، هو فتح أبواب علاقات جديدة مع قوى قادمة على ساحة صناعة القرار في دول عربية بدأت تتخلّص من أنظمة مستبدة اعتمد بقاؤها واستبدادها زمنا طويلا اعتمادا رئيسيا على تبعيتها للهيمنة الغربية.

الإجراءات.. المغيّبة
إن السؤال الحاسم حول المواقف الدولية، لا سيما الغربية، من الثورات العربية، بعد حقبة قامت على الهيمنة والتبعية، سؤال جوهري بسيط.. وجوابه معقد:
هل تدعم القوى الدولية، لا سيما الغربية، تحرّر الشعوب من الاستبداد فعلا؟..
لقد كشفت المواقف الدولية خطأ مقولات تتردد لدى كثير من العرب والمسلمين، وتتحدث عن تطوير العلاقات مع موسكو وبكين لموازنة العلاقات مع واشنطون والعواصم الغربية الأخرى. والخطأ كامن في الأصل في (1) منحدر التفكير التبعيّ العقيم باستحالة التحرّك الذاتي الفعّال دون الارتباط بقوة دولية وفي (2) غياب الفوارق الحقيقية بين سياسات القوى الدولية، وإن اختلفت صياغة تلك السياسات، فهي لا تحكمها سوى مصالح مادية أنانية محضة، خارج دائرة منظومة القيم التي تجعل –لو توافرت-من السؤال المطروح سؤالا “أخلاقيا” أو “قانونيا دوليا”، وهو كذلك في نظر من يطرحه من منطلق وعينا المعرفي الحضاري، ولكن ليس في موازين السياسات الدولية.
من أراد من الدول الأصغر، بما في ذلك كافة الدول العربية والإسلامية، أن يكون له مكان على الخارطة الدولية، فلن يكون ذلك عبر علاقات تقوم على تعدّد ميادين تطبيق معادلة الهيمنة والتبعية، وإنّما عبر علاقات تقوم على قاعدة المصالح المتبادلة.. بمعنى الكلمة، فليس من وراء الحصول على “دعم” من أي قوة دولية شيء يستحق الذكر على صعيد قيم الحق والعدالة والتحرر والحقوق والحريات، إنّما يمكن الوصول إلى تلك القيم على قدر ما يمكن صنعه –بأنفسنا- من أمر واقع على الخارطة الدولية.. وهذا ما ينبغي للثورات العربية أن تضعه في مقدمة ما تحتاج إليه من “صيغة استراتيجية” تجمع بينها على طريق البناء والنهوض في المنطقة العربية ومن ورائها الإسلامية إجمالا.
ولئن كانت التجارب مع الصين وروسيا يواريها ضباب “حنين” اتجاهات قديمة، شيوعية ويسارية في الدرجة الأولى، إلى حقبة الحرب الباردة، وأوهام انبثقت عنها، فإن التجارب مع الدول الغربية أصبحت واضحة للعيان، ولا يخرج تعاملها مع ثورة شعب ليبيا عن ذلك قيد شعرة.
لم يعد مجهولا في هذه الأثناء أنّ الدول الغربية كانت قادرة على التشويش الألكتروني على آلة التوجيه والاتصالات القذافية التي تمكّن مجموعات المرتزقة والأجهزة القمعية من ارتكاب ما ارتكبته وترتكبه من جرائم.. فهل كانت فترة الانتظار لثلاثة أسابيع حتى ساعة كتابة هذه السطور وظهور التصريحات الرسمية الأولى بهذا الصدد –وليس التنفيذ- من أجل أن تصل أحداث الثورة إلى مرحلة يظهر فيها أنّ “الدعم الغربي” مطلوب لتحقيق انتصارها النهائي، ليكون ذلك بوابة لعلاقات ما بعد الثورة؟..
وليس مجهولا أنّ الدول الغربية كانت قادرة على تزويد الثائرين وقد أصبحت لهم أرض ينطلقون منها، ومدن محررة يسيطرون عليها، بل وموانئ ومطارات.. بالسلاح الذي يعجّل في تحقيق انتصارهم في مواجهة الآلة العسكرية القذافية، ومعظمها مما ساهمت الدول الغربية في تكديسه من آليات وذخائر مقابل أموال طائلة من ثروات شعب ليبيا.. فما الذي منع تلك الدول من هذه الخطوة وهي التي لا تنقطع عن خطوات من هذا القبيل منذ عشرات السنين، حيثما تريد أن تصنع تغييرا عسكريا، أو تمزّق بلدا موحّدا، أو تثير نزاعا مزمنا؟..
وليس مجهولا أيضا أنّ الدول الغربية لم تكن في حاجة إلى قرارات من مجلس الأمن الدولي ولا سواه، لتقوم بحملة حقيقية للدعم في المجال الإنساني على الأقل، على شكل أدوية وأجهزة طبية مثلا، ولم يحصل ذلك حتى الآن، أو على شكل إغاثة المشردّين إلى الحدود التونسية من غير حملة الجنسيات الغربية مثلا آخر، وهو ما تأخر الإسهام “الجزئي” فيه فترة طويلة، ناهيك عن الوصول بمثل تلك الإغاثة –تحت طائلة التهديد كما يجري في حالات إنسانية مشابهة- إلى الضحايا في ساحات القتال في غرب ليبيا.

فرصة تاريخية لتحرّر الإرادة السياسية العربية
يمكن تعداد المزيد، وسنصل في النهاية إلى إجابة أقل تعقيدا على السؤال الجوهري المبسط: هل تدعم القوى الدولية، لا سيما الغربية، تحرّر الشعوب من الاستبداد فعلا؟..
لا علاقة للمواقف والإجراءات الغربية بمسألة دعم تحرر الشعوب أو عدم دعمها، إنما تجد القوى الدولية نفسها وقد سبقتها أحداث الثورات العربية، لا سيما في تونس ومصر، فعادت مع ثورة شعب ليبيا في ردود أفعالها وصياغة مواقفها والتخطيط لإجراءاتها إلى ما كانت عليه على الدوام، ومحور ذلك:
1- تصنع بنفسها الحدث الذي يخدم مصالحها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وقد أصبح الجزء الأعظم من مصالحها، لا يقوم على مبدأ مشروع: تبادل المصالح تبادلا نزيها متوازنا، بل هو مطامع هيمنة مادية وسياسية وعسكرية تفتقر إلى المشروعية، مثلما تفتقر إلى الالتزام بمنظومة قيم وأخلاق.
2- يصنع سواها الحدث، فتسعى حسب ما يفرضه من معطيات على أرض الواقع، لتحقيق الغرض ذاته، وقد لا تصل إلى كلّ ما تريد، ولكن تعمل للحصول على أقصى قدر ممكن منه.
إنّ جوهر المشكلة الحقيقية في تقويم تعامل القوى الدولية مع ثورة شعب ليبيا، يكمن في تعامل الدول العربية معها، ولا تزال الأنظمة القائمة في معظمها من صياغة “عصر ما قبل الثورات”، وإن من مصلحتها قبل وصول الثورات إليها بلدا بعد بلد، أن تتحرّك بالسرعة القصوى، من أجل إصلاح تغييري جذري داخل حدود كل قطر على حدة، والتحوّل الجذري الفوري –والثورة في ليبيا فرصة تاريخية- إلى أخذ زمام المبادرة في رسم خارطة جديدة للعلاقات البينية، يضع مصالح الشعوب فوق “المصالح والمخاوف الاستبدادية”.. وفوق معادلة “التبعية والهيمنة” مع القوى الدولية، وآنذاك يمكن أن تساهم الأنظمة الباقية في كراسي الحكم حتى الآن–على الأقل- في اتخاذ الإجراءات المغيّبة في الساحة الدولية، رغم قابلية تطبيقها.. وآنذاك قد تجد فرصة للإسهام مع الشعوب الثائرة في رسم معالم المرحلة المقبلة، بدلا من أن تكون هي الخاسر الأكبر فيها.
وليس المطلوب من صانعي الثورات العربية وقياداتها، والحكومات التي تقوم على أرضية الثورات بعد العصابات الاستبدادية التي أسقطتها أو تسقطها، أن تُقطع العلاقات مع قوى دولية تعمل من أجل مصالحها ومطامعها فقط، بل المطلوب:
1- تثبيت الأولوية المطلقة للمصالح الإقليمية المشتركة، العربية والإسلامية، وعلى مستوى الدول النامية، تجاه أي علاقة مع القوى الدولية منفردة ومجتمعة.
2- وضع حدّ نهائي لكل علاقة مصالح مع القوى الدولية، تقوم بصيغة شارع ذي اتجاه واحد، وتطبيق مبدأ المصالح المتبادلة، بمعنى الكلمة، تطبيقا نزيها ومتوازنا، شاملا وثابتا.

المصدر: أون إسلام

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات