اليوم :19 April 2024

حظنا من العشرة الأخیرة

حظنا من العشرة الأخیرة

حظنا من العشرة الأخیرة الحمدلله رب العالمین ، والعاقبة للمتقین ، والصلوة والسلام علی سید الأنبیاء والمرسلین ، خاتم النبیین ، محمد وعلی آله وصحبه أجمعین ، ومن تبعهم بإحسان ودعا بدعوتهم إلی یوم الدین.
 وبعد:
شهر رمضان المبارک إما سبعمائة وعشرون ساعة ، وإما ستمائة وست وتسعون ساعة ، ولکن کل ساعة وکل لحظة ودقیقة من هذا الشهر المیمون ثمینة وغالیة.
وهذاالشهر الکریم من منن الله سبحانه وتعالی علی عباده المؤمنین ، حیث تفتح لهم أبواب الجنة وتغلق أبواب النار ، وتسلسل مردة الشیاطین وینادي مناد من السماء : « یا باغي الخیر أقبل ویا باغي الشر أقصر».
فالسعید من أخذ حظه الوافر في هذه الأیام والساعات ، وما فاتته برهة من الزمن إلا وهو قائم یصلي ، أو یذکر ربه ، أو یتلو من القرآن ، أو یأمر بالمعروف وینهی عن المنکر ، أو مکباً علی سائر الخیرات والحسنات.

 فأيُّ مسلم یعیش في أي بقعة من أرجاءالمعمورة یعترف بالرمضان کشهر للخیرات والحسنات ، وینشرح صدره بعبادة الله ، ویطمئن قلبه بذکرالله ، وتتعبد جوارحه بأمر الله ، وتهفو نفسه لرحمة الله فیمتنع عن الأکل والشرب  من السحر حتی الغروب ، وعند الغروب یقبل علی مائدة الله سبحانه وتعالی ، ویتقلب في أعطاف النعم شاکراً ساجداً حامداً.
فرمضان هو الصیام والقیام ولذا قال النبي – صلی‌الله‌علیه‌وسلم – :« من قام رمضان إیماناً وإحتساباً غفرله ماتقدم من ذنبه ، ومن صام رمضان إیماناً وإحتساباً غفرله ماتقدم من ذنبه ».[ رواه مسلم]
وکما أنه یجب علی الصائم الإمتناع من المفطرات ینبغي له کذالک أن یحفظ جوارحه من جمیع المحظورات ومافیه حرمة وإلا فلافائدة  في تجشم الظمأ في هذاالمضمار ؛ لأن الصوم إنما جعل لکسر النفس عن الشهوات والذنوب والمعاصي فإذا لم یزل الإنسان متبعاً هواه عاکفاً علی معصیة ربه فلیعلم أنه لم یصم رمضان بل إنما هو في صورة صائم جائع یتکبد الظمأ والعطش لقوله صلی‌الله‌علیه‌وسلم : « کم من صائم لیس له من صیامه إلا الجوع ، وکم من صائم لیس له من قیاه إلا السهر». [رواه البزاز والبیهقي]
وکما قال الشاعر :
إذا لم یکن في السمع مني تصامم             وفي مقلتي غض وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظمأ       فإن قلت إني صمت یوماً فما صمت
ونحن الآن في عتبة الشهر المبارک ، وعلی وشک الأفول من هذاالشهر المیمون ، الذي طفحت کتب الحدیث والأخلاقیات من ذکر فضائله و محاسنه.
فودعنا بین غمضة عین وإستفاقتها عشرتین من شهر الصوم والقیام ، والعبادة والإحسان وکأننا الآن بلغنا قمة الجبل والآن نتدحرج إلی سفحه.
فالذي بات في هذه الأیام الخالیة مکباً علی الخیرات ، وعاکفاً علی الحسنات نعم مافعل واقترف ، وجعل سهمه رابحاً ، وأما الذي فاتته هذه الظروف الذهبیة فإنه سیستطیع إذا بذل شیئاً من الجد . فإن العشر الباقي یحمل یوماً عظیماً ألا إنه لیلة القدر وهي خیر من ألف شهر.
وقد جاء في حدیث طویل نقطف منه بعضه : «وإذاکانت لیلة القدر یأمر الله عزوجل جبرائیل علیه السلام فیهبط في کبکة من الملائکة ، معهم لواء أخضر فیرکزوا اللواء علی ظهرالکعبة ، وله مائة جناح منها جناحان لاینشرهما إلا في تلک اللیلة ، فینشرهما في تلک اللیلة ، فیجاوزان المشرق إلی المغرب فیحث جبرائیل علیه السلام الملائکة في هذه اللیلة فیسلمون علی کل قائم وقاعد ومصل وذاکرٍ ، ویصافحونهم ، ویؤمنون علی دعائهم حتی یطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر ینادي جبرائیل علیه السلام معاشر الملائکة الرحیل الرحیل ، فیقولون یاجبرائیل :  فماصنع الله في حوائج المؤمنین من أمة أحمد صلی‌الله‌علیه‌وسلم ؟ فیقول : نظرالله إلیهم في هذه اللیلة فعفی عنهم وغفرلهم إلا أربعةً ، فقلنا : یارسول الله من هم ؟ قال : رجل مدمن خمرٍ ، وعاق لوالدیه ، وقاطع رحمٍ ، ومشاحن .قلنا یارسول الله ما المشاحن ؟ قال : هوالمصارم  » .( الحدیث ) [رواه الشیخ ابن حبان والبیهقي واللفظ له – الترغیب والترهیب ج 2 ص 100.]
وقال صلی‌الله‌علیه‌وسلم :« من اعتکف عشراً في رمضان کان کحجتین وعمرتین ».[ رواه البیهقي]
فالإعتکاف له فضل عظیم ، وأجر کبیر کما جاء في حدیث آخر عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه کان معتکفاً في مسجد رسول الله صلی‌الله‌علیه‌وسلم فأتاه رجل فسلم علیه ثم جلس ، فقال له ابن عباس یا فلان : أراک مکتئباً حزیناً ؟ قال : نعم یاابن عم رسول الله ، لفلان علي حق ولاء ، وحرمة صاحب هذاالقبر ما أقدر علیه .
قال ابن عباس : أفلا أکلمه فیک، فقال: إن أحببت؟ قال فانتعل ابن عباس، ثم خرج من المسجد.
فقال له الرجل: أنسیت ما کنت فیه؟ قال: لا، ولکني سمعت صاحب هذا القبر صلی‌الله‌علیه‌وسلم ، والعهد به قریب. فدمعت عیناه، و هو یقول: من مشی في حاجة أخیه وبلغ فيها كان خیر له من اعتکاف عشر سنین ، ومن اعتکف یوماً ابتغاء وجه الله تعالی جعل الله بینه وبین النار ثلاث خنادق أبعد مما بین الخافقین ». – أي بین الأرض والسماء –. [ رواه الطبراني في الأوسط والبیهقي واللفظ له. والحاکم مختصراً ، وقال صحیح الإسناد] .
وشهر رمضان شهر الخیروالحب والتواصل … شهر کان فیه أجود ما یکون ، بل کان أجود من الریح المرسلة.
فتذکر – أخي المسلم – أن لک الآلاف من الإخوة والأخوات ربما لم یجدوا لقیمات یأکلوها عندما یحین موعد الإفطار ویرمقون إلی أیدی المخیرین والمحسنین.
وهذاصدی صوت المصطفی – صلی‌الله‌علیه‌وسلم یخترق حواجز الزمان منادیاً .. من فطّر صائماً کان له مثل أجره من غیر أن ینقص من أجر الصائم شيء.
إیاک ثم إیاک – أخي المسلم – أن تسلخ منک الشهر المطهر وأنت حتی الآن متلوث بدنس أموالک ..
ونسأل الله سبحانه وتعالی أن یجعل أعمالنا صالحة ولوجهه خالصة ، وماذالک علی الله بعزیز.
 
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات