اليوم :29 March 2024

“برفيز مشرف” من الاستبداد إلی الاستقالة

“برفيز مشرف” من الاستبداد إلی الاستقالة

برفيز مشرف

برفيز مشرف

جاءت استقالة "برفيز مشرف" رسميا  في 18 اغسطس 2008 بعد دور مليء بالأحداث والمظالم والحوادث المؤلمة علی الصعد المختلفة، وقرت عيون المستضعفين الذين هم الضحايا أولا وآخرا من أي حكم ديكتاتوري واستبدادي مطلق. فمشرف كما يعرف الجميع وكما هو أعرف بحاله كان رجلا لم يدرس السياسة والحكم، ولم يكن يملك استعدادا لذلك في يوم من الأيام، وإنما كان رجلا عسكريا استخدم قوته العسكرية في قلب نظام شعبي جمهوري وللتربع علی كرسي الحكم الاستبدادي طيلة 9 سنوات.

عرفت باكستان وخاصة الأحزاب الدينية التي تتسم بالحرية وتعشق الاستقلال في جميع مجالاتها في هذه المدة الطويلة – ودائما يكون حكم الاستبداد طويلا – عهدا من أظلم العهود في تاريخ باكستان منذ استقلالها ودورا يشبه كارثة في الحكم والدولة.

منذ أن أخذ هذا الرجل الديكتاتور الحكم، ماذا واجهت باكستان من المشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية وغير ذلك، وما اتجهت من الضغوط علی المراكز الدينية والمدارس، وما فتحت من مراكز النشاط للحركات والمؤسسات المناهضة للإسلام وقيامها باغتيال بعض الشخصيات الدينية والسياسية الكبار، أمر واضح بين الشعب الباكستاني، ولكن السؤال الذي يشغل البال أن "برفيز" تحدث بعد ما استقال للشعب، والشعب هو الملاذ الأول والأخير لكل حاكم إذا أراد الحكم يلجأ إلی الشعب، لأنه محتاج إلی رأيهم، وعند ما أراد أن يغادر الحكم أيضا يلجأ إليهم، لأنه أعرف بكل ما عمل لصالح الشعب، فهذا البائس المسكين الذي أقام بالأمس كثيرا من المجازر في "بلوشستان"، وقتل مئات من الأبرياء والأطفال والنسوة تحقيقا لطموحاته العسكرية في كل من بلوشستان والمناطق القبلية، والذي تلوثت يده بدماء الطلبة والطالبات في المسجد الأحمر وجامعة حفصة في السنة الماضية وغيرها مما الشعب أعلم بها، يلجأ إلی الشعب وهو يتهم مخالفيه بأنهم بالغوا في رده، وتكلم عن جهوده وخدماته في سبيل تقدم البلاد ورقيه وغير ذلك ……فالسؤال الذي يبقی في البال بعد كلام "برفيز" هذا وادعاء تقديم الجهود وغير ذلك، ماذا قدم هذا الرئيس الطفيلي لباكستان؟

فباكستان هي تلك قبل مجيئه فقرا وأمنا وتخلفا، فلم يقل عدد الفقراء وما ازداد في جماعة الأغنياء، ولم تتحسن القضايا الاقتصادية، ولم تحل عقد المشاكل الخارجية، ولم تتوازن الأسواق، والاقتصاديون والسياسيون كثرت أقوالهم عن تدهور الأوضاع الاقتصادية بالنسبة إلی الماضي، إضافة إلی عدم شرعية حكم "برفيز"، فأين تحسن الوضع وأين التقدم المطلوب؟

ثم إذا كان الوضع يتحسن يوما فيوما أو كان مقبلا علی الرقي المادي والمالي، فلماذا هذه الاستقالة؟ ولماذا هذا الانحياز من الحكم؟

ما الذي دفع "برفيز" إلی الاستقالة وكان بالأمس أسد الميدان يكشر عن أنيابه في وجه كل منتقد أو ناقد أو مخالف؟

ألم يأذن للجيش أن يقوم بتصفية مخالفيه في منطقة القبائل؟

والحقيقة أن مشرف ما اقترب عن الحكم إلا بعد ما أخذ من ساداته في واشنطن الضوء الأخضر، لأنه هو الرجل الوحيد والمنشود الذي كان بإمكانه أن يحقق جميع آمال الامريكان في الحرب ضد ما يسمونه بالإرهاب. والذي يتعمق النظر في حياته بعد الحكم وقبله يدرك بوضوح هذه الحقيقة، لأن مشرف نجح في عهده في اعتقال وقتل آلاف من المقاتلين ضد الامريكان وقوات الحلف الاطلسي وتسليمهم إلی القوات الأمريكية، ولقد قام بأحسن وجه في مساعدة القوات الأمريكية في الغزو ضد طالبان.

إن قائمة من ألقي القبض عليهم في باكستان في عهده طويلة جدا، وهل الشعب المسلم يرضی أن يكون رئيسهم  هكذا عميلا وعبدا مطيعا للامريكان؟؟ كلا وألف كلا!

 فهذا الأمر الثاني الذي يعد بين هذا الرجل وبين شعبه، وخاصة السبب في ابتعاد المناطق القبلية من الحكم المركزي وتمايلها نحو الحكم الذاتي الكامل ووقوفها تجاه القوات الحكومية بكل قوة، الأمر الذي أدهش أهل "إسلام آباد" والوضع الذي لو لم يدركه الكبار من السياسين المنتمين إلی الاحزاب الناشطة في باكستان لكان وضعا آخرا متدهورا في المنطقة.

كل من الأحداث والقضايا والكوارث منشأها شيء واحد وهو أن الرئيس الذي تعلم من الامريكيين كيف يقبض علی مقاتلي طالبان والقاعدة، لم يدرس السياسة منهم في إدارة المملكة الواسعة المتشكلة من القوميات المختلفة والمذاهب المتعددة، فعجز عن الحكم في نهايته وتحقق ما يتوقعه الناس منذ سنوات وكانوا مطمئنين بزواله وذهابه، إما في هجوم انتحاري (وقد نجا من سبع عمليات انتحارية أو أكثر)، أوبنزوله عن كرسي الحكم . لأجل ذلك أقام الناس خاصة في اقليم  بلوشستان الأمس حفلات الفرح وتوزيع الحلويات. ولكن لنقف متسائلا مرة أخری لماذا لم يأخذ ساداته في واشنطن يد هذا الصديق الوفي الذي خدم منافعهم 9 سنوات بإخلاص تام كامل في ضعفه؟ والجواب علی هذا السؤال واضح، فإن واشنطن دائما تكون معاملته بالأصدقاء الأوفياء هكذا، وليس شاه إيران ببعيد، فإن "مشرف" الذي يبحث الآن عن مكان آمن ليقضي بقية عيشه بما جمع من الأموال، فهل يستضيفه امريكا أم إلی أين سيتوجه هو، فإن باكستان لن تكون له بلدا آمنا مطمئنا بما فعل وارتكب من الجرائم. أرجو أن لا تتكرر مثل هذه الاستبدادات في هذه البلدة الاسلامية الحبيبة، وأن يعمل كل من يجيء بعده باعتدال واستقلال، وأن يركز علی منافع الشعب الباكستاني بدل منافع الامريكان والصهاينة.

الكاتب: أبو عبدالله البلوشي

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات