اليوم :18 April 2024

المؤمن و بناء شخصيته

المؤمن و بناء شخصيته

لقد بين الإسلام في كثير من آيات القرآن، وأحاديث الرسول الكريم صلی الله عليه وسلم عناصر شخصية المسلم فنبه إلی أنه يجب أن يكون ذا شخصية قوية يعطي ويأخذ، يتبادل المنافع مع غيره من أبناء أمته لتكون أمة قوية مترابطة تنافس غيرها من الأمم و تأخذ  مكانها في زحمة هذه الحياة عزيزةً كريمةً….


********************************
 الكاتب : فضيلة الشيخ أيمن شعباني – استاذ في معهد الفتح الاسلامي بدمشق

*********************************

لقد بين الإسلام في كثير من آيات القرآن، وأحاديث الرسول الكريم صلی الله عليه وسلم عناصر شخصية المسلم فنبه إلی أنه يجب أن يكون ذا شخصية قوية يعطي ويأخذ، يتبادل المنافع مع غيره من أبناء أمته لتكون أمة قوية مترابطة تنافس غيرها من الأمم و تأخذ  مكانها في زحمة هذه الحياة عزيزةً كريمةً.
فقد روی مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلی الله عليه وسلم: ( المؤمن القوي خير و أحب إلی الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير،  احرص علي ما ينفعك واستعن بالله و لاتعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل إني  فعلت كذا و كذا، ولكن قل: قدرالله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).
نبّه الرسول صلی الله عليه وسلم في هذا الحديث إلی أهم العناصر في تكوين شخصية المؤمن و هي القوة، والحرص علی ما ينفع و الاستعانة بالله في كل الأمور، والثبات في مواقف الشدة، وعدم  الاستسلام  لليأس و ترك التندم و التحسر علی ما فات من الرغائب.
والقوة كلمة جامعة تشمل كل معاني القوة سواء في ذلك القوة الجسمية الحسية أم القوة الخففلقية المعنوية .
والمراد بالمؤمن القوي: القوي في إيمانه و يقينه، والقوي في طاعة ربه و نصرة دينه، والقوي في إحقاق الحدود  و إبطال الباطل، والقوي في العلم و الجسم، والقوي علی مواجهة  الصعاب وتحمل المشقات، والصابر علی المكاره، والراضي بالقضاء خيره و شره، حلوه و مره.
وثاني هذه العناصر التي تكوّن شخصية المؤمن الحرص علی ما ينفع، وما ينفع كلمة عامة أيضا كالقوة، فما ينفع كثير فمنه ما ينفع في الدين ومنه ما ينفع في الدنيا.
والحرص علی ما ينفع معناه: النظر بتدبرف و تبصرف إلی ما ينفع في الدين و الدنيا و ذلك بتحديد نوع النفع و مقداره، والتعرف علی مصدره و مكانه، و أسباب تحصيله المشروعة والتحري الدقة في اختيار الأنسب و الأصلح، و أخذ الحذر مما يضرو يفسد، و استشارة أهل الحزم والعزم و الرأي و المشورة، و بذل قصاری الجهد في تحقيق المآرب بالوسائل الصحيحة المشروعة، واختيار الأسلم و الأصوب من غيرتردد و لاحيرة .
ولايكون من النفع الذي يجب الحرص عليه ما يكسب من المال بطريقة الغش و الخداع والتدليس، و لايكون من النفع ما يصل إليه الإنسان بطريق الرشوة و التملق و النفاق لأن الأصول العامة للشريعة تأبی ذلك و تحرمه، وأن لايودي حرصه علي ما ينفعه إلی مضرة الآخرين لما في ذلك من الظلم و الأثرة .
ولما كان الحرص وحده لا ينفع صاحبه مهما بذل من  جهد أمرالنبي صلی الله عليه وسلم المؤمن أن يطلب من الله العون علی تحصيل ما ينفعه في دينه و دنياه فقال: واستعن بالله ولاتعجز.
وهو العنصر الثالث من العناصر التي يكوّن شخصية المؤمن، لأن الاستعانة بالله والاعتماد عليه تريحه من عناء التفكيرات المضنية و تبعد عن كثير من الأوهام المضللة المحيرة، و تسهل عليه إنجاز الأمور و تزيل عن طريقه المعوقات، و تعينه علی تحمل المسؤوليات و الانسان ضعيف بحوله و حيله، قوي بعون الله و حوله ،يستمد العون من الله و يستلهم منه الرشد و يطلب منه التوفيق .
ومن كان مع الله بالاستعانة و التوكل كان الله معه بالمعونة والتيسير؛ إياك نعبد و إياك نستعين. أي لانعبد إلا إياك و لانستعين إلا بك و الاستعانة بالله من أوجب الواجبات ومن أعظم البراهين الدالة علی صدق العبد في إيمانه، و ذلك لعلمه بكمال عبوديته وافتقاره لخالقه و مولاه، و اعترافه الجازم بضعفه و عجزه من تحقيق شيء مما يصبوإليه .
وإن المومن في حاجه إلی الاستعانة بالله لينير له طريق الرشاد و يختار له ما فيه الخير و السداد، و يهبه الطمأنينة، ويلهمه الأمل والاستبشاربإنجاح المقاصد فيقبل علی ما يريد بروح وثابة، لايبالي بما يلقی من المصاعب و الآلام ؛ و من أعانه الله فهو المعان ومن خذله فهوالمخذول.

 اذا لم يكن من الله  عون للفتی            فأول ما يجني عليه اجتهاده

والعبد إذا استعان بالله وجب عليه أن يأخذ بالأسباب ولايتقاعد عن العمل و يقول استعنت بالله و توكلت علی الله .
استعن بالله و لاتعجز أي لاتتقاعد عن طلب الرزق أو طلب الشفاء، أوطلب العلم و أنت تعلم أن المسببات مرهونة بأسبابها.
لاتعجز: معناه لا تيأس إذا سعيت  إلی تحصيل شيء و لم تدركه أو دعوت بشي ء فتأخرت عنك الإصابة، فالمؤمن لاييأس أبدا من رحمة الله .
إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) سورة يوسف
واليأس عدو الانسان و سلاح عظيم من أسلحة الشيطان، فليس شيء أخطرعلی المؤمن منه .
قال ابن عطاء الله السكندري: لايمكن تأخير العطاء مع الإلحاح في الدعاء أمرا يوجب يأسك فهو سبحانه ضمن لك الخير فيما يختاره لك لا فيما تختاره أنت لنفسك و في الوقت الذي يريده هو لا في الوقت الذي تريده أنت.
والعنصر الأخير في بناء شخصية المؤمن، الثبات أمام المصائب و المصاعب و مواجهتها برضی و اطئمنان، و مما يعينه علی ذلك أن يتذكرأن ما وقع له كان بتقدير الله و أنه لابد كائن مهما تحرز بالحيطة و الحذر، والنبي صلی الله عليه وسلم يحذرمن الاستسلام لليأس، والضجرمما فيه بلاء و شدة، والتفكيرفيما يأتي من المصائب المتوقعة و غير المتوقعة و الإحجام عما يجب الإقدام فيه، و علی المومن أن يجتنب التحسرو التندم علی فائت  فقد يكون في فواته خير في مستقبل الزمان و إن لك في فواته عكس ذلك .
يحذرنا رسول الله صلی الله عليه وسلم أن ناسي علی ما فات و أن نلجأ إلی هذه العبارات التي جری العرف أن تنطق الألسنة بها في مثل هذه المناسبات مثل قول القائل لوأني فعلت كذا و كذا أو ليتني فعلت كذا، أو لولا أني فعلت كذا و هذا مما لايغير واقعا و لا يرد فائتا كما قال الشاعر:

ليت وهل ينفع شيئا ليت          ليت شباباً بوع فاشتريت

فان هذه العبارات تفتح عمل الشيطان، و عمل الشيطان هنا الوسوسة، فإن ما وقع ضد المصلحة و ضد فائدة المؤمن، و قد يجره الشيطان في هذه الوساوس إلی التسخط علی الله و عدم الرضا بما قضاه والرسول في هذا لا ينهانا نهي تحريم أن تقول: لو فعلنا كذا لكان كذا إلا إذا قصدنا بهذ القول إظهارالسخط علی ما قدره الله و قضی به لأن ذلك يتنافی مع الإيمان.
و إذا قال الإنسان ذلك علی سبيل الحكاية أو علی سبيل التعجب أو قاله غفلة فليستدرك و ليقل قدرالله و ما شاء فعل، ليخلع عن نفسه لباسي الخنوع و الاستكانة و يلبس لباسي النشاط و القوة ، و يسأنف العمل بجد و عزم ليحقق بهما ما فات و ربما كان خيره فيما هو آت .
و ينبغي علی المؤمن أن يتذكر علی الدوام قوله تعالی: ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في السماء إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك علی الله يسير. لكي لاتأسوا علی ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم  والله لايحب كل مختال فخور « الحديد: 22-23 ».
ومعنی قدّرالله وما شاء فعل: أي هذا قدرالله و لا راد لقضائه و لا معقب لحكمه و هوالفعال لما يريد، و لو كان فيه خير لقدره لي و الخير فيما اختاره الله .
و إن كلمة « لو» لايأتي من ورائها خير بل هي تصحب الشرمعها دائما فتحزن قائلها و تسلبه السكينة و الاطمئنان، فهي كلمة نكد في أغلب الأحوال.
وقد قالوافي الأمثال: زرعوا لو فطرحت ليت .
وماذا تفيد  لو و هي حرف امتناع لامتناع، و ماذا تفيد ليت و هي حرف تمنّي، والتمني هو طلب المستحيل أو ما يقاربه .
قدّرالله و ما شاء فعل كلمة تسليم و تفويض، و إيمان في أسمی صوره و أرقی معانيه .
تلك هي العناصر التي تكمل بها شخصية المؤمن و يكوّنه قوياً و يكوّنه قريباً من الله محبوباً منه مرضياً عنه، فائزا بما هو أهل له من ثوابه .
و كلما افتقد المؤمن عنصراً من هذه العناصر بَعفد عنه سبحانه بمقدار ما افتقده إلا أنه لا يخرج من رعايته و لايحرم من مثوبته لما فيه من أصل الخير و هو الأيمان بالله الذي هو المطلوب الأول ، والغرص الأهم في خلق الانسان . و ذلك معنی قوله صلی الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير و أحب إلی الله من المؤمن الضعيف و في كل خير.



                 
                         

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات