اعتبر فضيلة الشيخ عبد الحميد، إمام وخطيب أهل السنة في مدينة زاهدان، في خطبة الجمعة (25 صفر 1446)، “تطبيق العدالة” و”إزالة التمييز” أهم وأعظم مطلب للشعب الإيراني والواجب الرئيسي للدولة، معربا عن أمله في أن تعمل دولة بزشكيان على استجلاب مرضاة الشعب.
الدول السابقة وعدت بتطبيق العدالة والقضاء على التمييز، لكن لم تتحقق هذه الوعود
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: يشكو البعض لماذا أطرح المشكلات فقط، ولا أطرح المشاريع التي تم القيام بها مثل إنشاء الطرق، ومد خطوط الغاز في هذه المحافظة.
وتابع فضيلته قائلا: لا نقول إن الدول السابقة لم تقم بشيء، ولكن كانت هناك أمور أهم لم يتم القيام بها في الدول السابقة، وكل شكاوانا تتعلق بهذا الجانب.
وأضاف: إن تطبيق العدالة والقضاء على التمييز هو المهمة الأساسية لأي دولة، وجميع الدول السابقة وعدت بتطبيق العدالة والقضاء على التمييز، لكن هذه الوعود لم تتحقق ولم تعالج المشكلات.
سيعود الأمل إلى الشعب إذا تم التعامل مع الانتهاكات التي وقعت في البلاد
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى أحد الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها السلطات أخيرا، وقال: في الآونة الأخيرة تم اعتقال شخص في مدينة “لاهيجان” ثم تعرض للتعذيب لأجل انتزاع اعترافات قسرية، وهو أمر محرم شرعا، وبسبب نقص الرعاية الطبية، توفي هذا المعتقل، واهتم بهذه القضية مسؤولون من مختلف المستويات، بما في ذلك القضاء والرئاسة والمؤسسة التي ارتكب ضباطها هذه المخالفة، وصدر أمر بحل هذه القضية واعتقال المخالفين واستجوابهم.
وأضاف: هذا النوع من الإجراءات لها تأثير إيجابي؛ حيث عكست كل وسائل الإعلام، حتى وسائل الإعلام المعارضة للحكومة هذا الإجراء. لذلك إذا تم التعامل مع الاعتداءات والانتهاكات التي تحدث في البلاد، فسيشعر الشعب بالأمل، ومن ارتكب مخالفة على أي مستوى وابن أي مسؤول وشخصية كان، يجب محاسبته على تجاوزاته.
بعد مرور عامين تقريباً على الجمعة الدامية في زاهدان، لم يتم حل هذه القضية بعد
وأضاف خطيب أهل السنة في زاهدان: ولكن لدينا شكوى من الماضي وهو أن حادثة وقعت في زاهدان هزت العالم، والجميع يعلم أن هذه الحادثة (مجزرة الجمعة الدامية) كانت ظالمة، ولكننا ما زلنا لا نعرف ما هو الدافع لهذه الحادثة! حدثت هذه الواقعة بالتزامن مع حادثة الفتاة “مهسا أميني”، وربما ارتكبوا هذه المجزرة في زاهدان لئلا ينضم أهل هذه المنطقة إلى الاحتجاجات، أو بهدف إعطاء دروس العبرة للآخرين وتخويفهم، والله أعلم بالسبب الرئيسي والدافع الأصلي لهذه القضية، وهذه القضية التي تمر عليها منذ ما يقرب من عامين لم يتم التحقيق فيها والتعامل معها من قبل السلطات، بينما لو تمت معالجة هذه القضية وجلب مرضاة الشعب، لكان مفيدا ومؤثرا جدا.
وأضاف فضيلته: لو تمّ التعامل مع ما حدث للسيدة مهسا أميني وغيرها من الأحداث التي وقعت أثناء الاحتجاجات مثل ما حدث في لاهيجان، وبدلاً من أن يضحّى النظام والحكومة، كان يعاقب المجرم فقط، لكان ذلك خطوة ذكية وحكيمة؛ لا ينبغي لأي حكومة أن تضحي بنفسها من أجل جندي وضابط ومسؤول يعتدي أو يجرم، بل أي شخص في أي منصب يرتكب خطأ يجب أن يكون هو الضحية.
نأمل أن تتمكن الحكومة الجديدة من حل مشكلات الماضي “بالحكمة والتدبير” حتى تتحقق مرضاة الشعب
وتابع خطيب أهل السنة في زاهدان قائلا: نأمل أن تتمكن الحكومة الجديدة من حل المشكلات التي حدثت في الماضي وتسببت في استياء غالبية الشعب الإيراني، بالحكمة والتدبير وتحقيق مرضاة الشعب، وفي قضية زاهدان طالبنا منذ البداية بالتحقيق وقلنا: إننا مستعدون لإجراء مفاوضات عادلة.
وأكد فضيلته: إن أهم مطلب للشعب هو القضاء على التمييز، فإذا تمت إزالة التمييز، سيجد الشعب الراحة، لكن طالما هناك تمييز، فلو أعمرتم كل الطرق من الذهب، لن تحل المشكلات، فالتمييز هو أكبر مشكلة للشعب الإيراني.
وجود أربع نساء وسني واحد في الدولة الرابعة عشرة يعتبر نقطة إيجابية، والشعب يتوقع خطوات أكبر
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد إلى تشكيلة الدولة الرابعة عشرة وقال: نحن سعداء بضم أربع سيدات إلى الدولة الرابعة عشرة. في الماضي تم انتخاب امرأة واحدة فقط كوزيرة ولم يكن هناك حتى عضو سني واحد في الدولة، والآن لأول مرة، يوجد عضو سني في الحكومة.
وتابع قائلا: ما حصل في تشكيلة الدولة الـ14 هو أمر إيجابي، ولا شك أن أهل السنة والنساء والشعب يتوقعون أن يتم اتخاذ المزيد من الخطوات، ويتم إدخال المزيد من النساء وأهل السنة على مستويات مختلفة في الدولة، وهناك الكثير من النساء أكثر كفاءة وقدرة من بعض الأشخاص الذين يتم اختيارهم، ولكن للأسف نظام الاختيار في بلادنا يتم فيه رفض أصحاب الكفاءة ويتم في الغالب اختيار الأشخاص الذين ينتمون إلى المذهب والحزب والنظام، في حين أن توظيف الأشخاص الأكفاء يفيد الجميع ويسبب السمعة الطيبة للبلاد، أما الشخص غير الكفء، حتى لو كان قرة أعيننا، فيضر بنا ويسبب لنا السمعة السيئة، فوسعوا نظرتكم، وضموا كافة فئات الشعب، فإذا لم تحصلوا على نتيجة إيجابية، فارجعوا إلى نفس تصرفاتكم الشخصية السابقة.
أطلقوا سراح السجناء السياسيين وتحدثوا معهم
وأكد فضيلة الشيخ عبد الحميد كذلك على ضرورة إطلاق سراح السجناء السياسيين والتحدث معهم وقال: يجب على السلطات التحدث مع السجناء السياسيين ويجب على هؤلاء الأشخاص العمل خارج السجن بدلاً من أن يكونوا فيه.
وتابع: إن أهم ما يمكن أن يوجِد التعاطفَ والوحدةَ بين الشعب الإيراني بأكمله هو “الرؤية المتساوية” و”العدالة” و”الحرية”؛ يجب أن يتمتع الناس بالحرية والقدرة على الكلام حتى يتمكن الجميع بما في ذلك المسؤولين والعلماء، من إصلاح أنفسهم. في مجتمعنا والمجتمعات الأخرى لا يوجد إنسان معصوم يعتبر نفسه طاهراً ومقدساً، ولا يوجد إنسان بريء من الأخطاء، فإذا اعتبر أحد نفسه فوق الخطأ، فإن هذا التفكير في حد ذاته خطأ.
إن ظهور الغلاة في أي دين أو مذهب أو حكومة علامة على زواله
وأدان فضيلة الشيخ عبد الحميد التطرف وتابع قائلا: للتطرف مساوئ وأضرار للجميع. والتطرف في أي دين أو اتجاه يؤدي إلى تشويه سمعة ذلك الدين والاتجاه، والتطرف في الإسلام هو يضر بهذا الدين، فعلى مر التاريخ، لم يوجه الأعداء الضربة التي وجهها المسلمون الغلاة للإسلام.
وصرح قائلا: هذا التطرف في أي مذهب أو نظام علامة على انحطاط ذلك المذهب أو النظام الذي تمكن المتطرفون من اختراقه، ونصيحتي لكل أنظمة العالم أجمع، أن لا ينحازوا للمتطرفين والمداحين.
لا تحرموا المرأة من التعليم
وأشار فضيلة الشيخ عبد الحميد في جزء آخر من خطبته إلى أهمّية تعليم المرأة وقال: نصيحتنا للجميع ألا تحرموا المرأة من التعليم، فالمرأة لديها الكفاءة والقدرة، وربما لديها قدرة وموهبة أكثر من بعض الرجال.
وأضاف قائلا: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنا جميعاً، وكان صلى الله عليه وسلم يهتم بتعليم المرأة، وما يملكه المسلمون اليوم من أحكام الدين هو بفضل المعرفة التي اكتسبها كبار الصحابة من الرجال والنساء، وقد روت إحدى الأزواج المطهرات أكثر من ألفي حديث، وجميع أزواج النبي وأهل البيت كانوا علماء.
ولّى عصر الحروب والمجازر، وعصرنا عصر العلوم والتكنولوجيا
وتابع فضيلة الشيخ عبد الحميد قائلا: على الحكومات التي تريد التعامل مع العالم أن تأخذ ظروف العصر الجديد في الاعتبار، فقد ولّى زمن الحروب والمجازر، و عصرنا عصر العلوم والمعارف، فإن دول العالم تدعي التفوق على الدول الأخرى ليست بسبب أدوات الحرب، بل بسبب العلوم والتقانة المتقدمة، ولذلك ينبغي على جميع الدول الإسلامية وغير الإسلامية الاهتمام بالعلم والتكنولوجيا.
وأضاف قائلا: في الحكومة الإسرائيلية هناك متطرّفون يفتخرون بالحرب والقتل، في حين أن مجازر النساء والأطفال وتدمير المدن عار على الإنسانية، والعديد من الدول المنخرطة في الحرب اليوم تقاتل من أجل بقائها ومصالحها، بينما أهم حرب هي الحرب على الجهل والفقر والاقتصاد الضعيف والبطالة.
ينبغي للمسؤولين تجربة ظروف جديدة للتعامل مع العالم
وأوصى فضيلة الشيخ عبد الحميد في الجزء الأخير من كلمته، رجال الدولة ومسؤولي النظام بـ “التعامل مع العالم”، وقال: إن أفضل طريقة هي أن يعيش العالم في سلام واستقرار وتعامل، ونأمل أن يهتم المسؤولون في بلادنا أيضًا أهمية خاصة للتعامل مع العالم وتجربة ظروف جديدة للتفاعل مع العالم.
تزايدَ الفشل التعليمي في المحافظة؛ وإدارة التربية والتعليم هي المسؤولة
وأوصى فضيلة الشيخ عبد الحميد في الجزء الأول من كلمته في خطبة الجمعة في زاهدان، الأسر والوجهاء في المجتمع بالاهتمام بتعليم الأطفال والشباب، وأعرب عن أسفه لـ”التدهور التعليمي” في البلاد، وخاصة في سيستان وبلوشستان، وقال: للأسف، تراجع التعليم في المنطقة، وأصبحت سيستان وبلوشستان في المراتب الأخيرة من حيث التعليم. البعض من أولياء الأمور والأسر مقصرون في هذا الشأن، وبالطبع فإن وزارة التربية والتعليم وإدارة التعليم في المحافظة فشلتا في هذا المجال أيضا ولم تخططا بشكل جيد، ولم يتم توظيف المديرين الأكفاء كما ينبغي.
وأكد قائلا: إن مهمة الآباء والأسر ومهمة الحكومة ووزارتي العلوم والتربية والتعليم في هذا المجال ثقيلة جداً. يجب أن يكون الجميع معًا ويخططوا ويعملوا معًا من أجل تعليم الأطفال وتربيتهم.
إن توظيف المؤهلين من سكان المنطقة أفضل وسيلة لتحسين مستوى التعليم
وقال فضيلة الشيخ عبد الحميد: على الحكومة أن تعطي موضوع تعليم الأطفال وتربيتهم الأولوية في برامجها، ومن أفضل الطّرق لتحسين مستوى التعليم في البلاد هو توظيف المؤهلين من سكان المنطقة الأصليين، ولا بد من تدريب الأشخاص من المناطق أنفسهم على العمل في كل منطقة، لأن هؤلاء الأشخاص أكثر دراية بمشكلات المنطقة واحتياجاتها من غيرهم، ولديهم المزيد من التعاطف.
وأضاف قائلا: يجب أن تكون للحكومة حساسية خاصة تجاه وزارة العلوم ووزارة التربية والتعليم، ولسوء الحظ في السنوات الأخيرة تعرضت الجامعات والمدارس التعليمية للخسائر، وعلى الحكومة أن تخطط بجدية لحل المشكلات والتغلب على نقاط الضعف في هذا المجال، وعلى وزارتي العلوم والتربية والتعليم تركيز كل جهودهما على تعليم الأطفال، بل ينبغي التخطيط لتعليم الكبار أيضا.
حتى الآن لم يتم تعيين مدير عام لإدارة التعليم والتربية من أهل السنة
وانتقد فضيلة الشيخ عبد الحميد عدم توظيف أهل السنة في المناصب العامة في وزارتي العلوم والتربية والتعليم، وقال: للأسف، في الماضي لم يتم تعيين مدير عام واحد للتعليم في أي من محافظات البلاد. ما هذه التعصبات التي سادت في البلاد؟! هناك أناس جديرون وقادرون في كل شعب وطائفة؛ يجب على المسؤولين توظيف الأشخاص المستحقين في المجتمع، بغض النظر عن الدين والقومية.
وصرح فضيله قائلا: اعتقد أنه عند توظيف الأفراد لا ينبغي التركيز على دينهم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ولكن يجب الانتباه إلى ضميرهم ومقدرتهم، وفي بعض الأحيان يلقي وزير أو مسؤول خطابات ويطلق شعارات ووعود تافهة يشعر الإنسان بالخجل، في حين يجب على كل وزير ومسؤول أن يقوم بواجباته ومهامه الرسمية بدلاً من إطلاق الوعود والشعارات.
تعليقات