اليوم :19 April 2024

“الاستعمال السیئ لمكبّرات الصوت”

“الاستعمال السیئ لمكبّرات الصوت”

ليس الظلم محصورا في اغتصاب مال شخص، أو ضربه باليد، أو إيذائه في جسمه. عُرّف الظلم في اللغة بوضع الشيء في غير محله؛ لأن وضع الشيء في غير محله يؤدي لا محالة إلى تأذية إنسان. فيدخل في تعريف الظلم كلُّ استعمال يؤدي إلى إيذاء الناس، فهو معصية كبيرة شرعا.
الكثير من الاستعمالات الظالمة انتشرت في مجتمعاتنا بكثرة. تلك الاستعمالات مع الأسف استعمالات لم يعد الناس يعتبرونها ظلما أو معصية!!
منها الاستعمال السيئ لمكبّرات الصوت.
قبل مدة اشتكى شخص في مجلة إنجليزية من استعمال مكبرات الصوت حتى الساعة الثالثة ليلا في قاعات الأفراح والأعراس.
ليست الشكوى في الحقيقة عن استعمالها في قاعة الأفراح والأعراس فحسب، بل في سائر استعمالاتها واستخداماتها لا يبالي المستعمل أيضا بأن يحصر الصوت على قدر الضرورة ليرحم بذلك من حوله من الضعفاء والعجائز والمرضى ومن لا يريدون سماع شيء.
استماع الأغاني المحرمة سيئة، ثم نشرها بصوت مجهور سيئة أخرى تضاف إليها.
وإذا كانت جلسة دينية أو مذهبية، لا يجوز أيضا إكراه الناس على الإسهام فيها من خلال مكبرات الصوت، لكن مع الأسف القائمون على الجلسات السياسية والمذهبية لا يراعون هذا التعليم الهامّ للشريعة، حينما يضعون مكبّرات الصوت للجسات الدينية والمذهبية في أماكن بعيدة لا تترك شخصا ينام هادئا أو يتطرّق في عمله بطمأنينة وبارتياح.
لا بأس بإبلاغ صوت الأذان إلى الأماكن البعيدة من خلال مكبرات الصوت. لكن ما يجري في المساجد من مواعظ وتلاوات في مكبرات الصوت، لا جواز أبدا في إبلاغها إلى الأماكن البعيدة.
في كثير من الأحيان الجالسون للوعظ أو الدرس في المسجد قليلون بحيث لا حاجة إلى استعمال مكبرات الصوت، أو تزول الحاجة باستعمال المكبرات الداخلية، لكن نشاهد أن مكبرات الصوت الخارجية تشتغل بكل قوة، ونرى أن الصوت يصل كل بيت من بيوت الحي، ولا يترك شخصا إلا وهو يتأثر بهذا الصوت الذي يصله.
سمعنا عن بعض المساجد أنها تشغّل في المسجد الخالي بعض الأشرطة؛ المسجد ليس فيه سامع، وأهل الحي جميعا مضطرون لسماع هذا الشريط مکرهين.
مثل هذه التصرفات لا يقوم بها من لديه فهم صحيح عن الدين، بل تقع في مساجد يتولى أمورها أشخاص لا يملكون هذا الفهم من الدين.
أحيانا نجد البعض يقومون بهذه الأعمال مع خالص النية، ويحسبونها ذريعة لتبليغ الدين، ويعتبرونها خدمة للدين.
انتشر في مجتمعاتنا أصل خاطئ أيضا، وهو أن النية إذا كانت صحيحة يصحّ معها العمل أيا كان.
والحقيقة أن النية الصحيحة لا تكفي لتصحيح العمل، بل يجب أن تصح طريقة العمل أيضا.
إن الاستعمالات الظالمة لمكبرات الصوت ليست مخالفة لأصول ومبادئ الدعوة والتبليغ فحسب، بل تظهر أحيانا لها نتائج سلبية أيضا…

*مقتبسة من مقالة لشيخ الإسلام المفتي محمد تقي العثماني -حفظه الله- في كتابه “ذكر وفكر”
التعريب: عبد الله البلوشي

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مزيد من المقالات